عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 2012-10-08, 02:07 AM
محمود5 محمود5 غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-10-17
المكان: مصر
المشاركات: 1,238
افتراضي

فقلت يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك كل ما يتكلم به الناس من علم دينهم وما يختلفون فيه ويتنازعون فيه فهو موجود في القرآن وفي غيره من كتبه لقوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} وقوله: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ} فليس من شيء يحتاج إليه يا أمير المؤمنين إلا وهو موجود في القرآن عقله من عقله وجهله من جهله.

قال عبد العزيز: فجثى محمد بن الجهم على ركبتيه وقال يا عبد العزيز زعمت أن كل شيء يتكلم به الناس ويحتاجون إلى معرفته موجود في كتاب الله بنص التنزيل بلا تأويل ولا تفسير فأوجدنا أن هذا الحصير مخلوق أو غير مخلوق في كتاب الله تعالى بنص التنزيل ووضع يده على حصير مرمي/ كان تحتنا مبسوطاً في الإيوان فقلت له: نعم علي أن أوجدك ذلك. قال عبد العزيز فأقبلت عليه فقلت له: أخبرني عن هذا الحصير أليس هو من سعف النخل وجلود الأنعام؟ قال: بلى. قلت: فهل فيه شيء غير هذا؟ قال: لا. فقلت له: هل هاهنا شيء غير هذا قال: لا. فقلت له بل هاهنا شيء صار به حصيرا يجلس عليه. قال وما هو؟ قلت: الإنسان الذي صنعه وألفه وأحكمه قال: نعم.

قال عبد العزيز: فقلت له قال الله عز وجل وقد ذكر الأنعام فقال: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} وأما السعف فإن الله ذكره فقال: {أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ} وقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} فقد كمل خلق الحصير بنص القرآن بلا تأويل ولا تفسير، فهل عندك مثل هذا في خلق القرآن تذكره وتحتج به وإلا فقد بطل ما تدعونه في خلقه وصح ولم يزل صحيحا أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق من كل جهة. قال فصاح المأمون: يا محمد بن الجهم مالك وللكلام خل بين الرجل وصاحبه حتى يكلمه وأقبل على بشر فقال: يا بشر هل عندك شيء تناظر به عبد العزيز قبل أن نصرفه ونقوم فقد طال المجلس وصليت الظهر. فقال بشر: يا أمير المؤمنين عندي أشياء كثيرة إلا أنه يقول بنص التنزيل وأنا أقول بالنظر والقياس فليدع مطالبتي بنص التنزيل ويناظرني بغيره فإن لم يدع قوله ويرجع عنه ويقول بقولي ويقر بخلق القرآن الساعة فدمي حلال.

فقال المأمون: لهذا مجلس تناظرون فيه. قال عبد العزيز فقلت: يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك إن رأيت أن تأذن لي فأناظره كما سأل على جهة النظر والقياس وأدع مطالبته بالقرآن ونص التنزيل ويكون أمير المؤمنين أطال الله بقاءه الشاهد علينا والمحتفظ لكلامنا فإن أقام بشر علي الحجة كما زعم وأقررت بشيء مما قال ورجعت عن شي مما قلت/ فدمي حلال كما قال بشر ,إن ثبتت الحجة عليه من القياس والنظر كما ثبتت عليه من القرآن والسنة وشهد عليه أمير المؤمنين بذلك فقد حل دمه بما شرط على نفسه.

قال عبد العزيز: فقال المأمون أنا الشاهد عليكما والحاكم بينكما فأوجزا واقتصرا ولا تطيلا فيخرج وقت الصلاة. قال عبد العزيز لبشر: أتسألني أم أسألك؟ فقال: سل أنت فطمع في هو وجميع أصحابه وتوهموا أني إذا خرجت عن التنزيل لم أحسن أن أتكلم بشيء غيره. قال عبد العزيز فقلت لشر: تقول إن كلام الله مخلوق. فقال: إن القرآن مخلوق، قال عبد العزيز فقلت له يلزمك واحدة من ثلاث لا بد أن تقول أن الله عز وجل خلق القرآن وهو عندي أنا كلامه في نفسه ، أو خلقه في غيره، أو خلقه قائما بذاته ونفسه فقل ما عندك.

قال بشر: أقول إنه مخلوق وإنه خلقه كما خلق الأشياء كلها. قال عبد العزيز فقلت: يا أمير المؤمنين تركنا القرآن والسنن والأخبار عند هربه منها وناظرناه بالقياس والكلام لما ادعاه وذكر أنه يقيم الحجة علي به وإني أقر معه بخلق القرآن، فقد رجع بشر إلى الحيدة عن الجواب وانقطع الكلام فإن كان يريد مناظرتي على أنه يجيبني عما أسأله عنه وإلا فأمير المؤمنين أعلا عينا في ما يراه في صرفي فإنما يريد بشر أن يقع معه من لا يفهم فيحيد عن دينه ويحتج عليه بما لا يعقله فتظهر حجته عليه فيبيح بذلك دمه.

قال فأقبل عليه المأمون فقال: أجب عبد العزيز عما سألك فقد ترك قوله ومذهبه وناظرك على مذهبك وما ادعيت أنك تحسنه وتقيم الحجة به عليه.

فقال بشر: قد أجبته ولكنه يتعنت. فقال له المأمون: يأبى عليك عبد العزيز إلا أن تقول واحدة من ثلاث.

قال : هذا بشر من مطالبته بالتنزيل ما عندي غير ما أجبت به.

قال عبد العزيز: فأقبل علي المأمون فقال يا عبد العزيز تكلم أنت في شرح هذه المسألة وبيانها ودع بشرا فقد انقطع عن الجواب من كل جهة.

فقلت يا أمير المؤمنين سألته عن كلام الله عز وجل أمخلوق هو قال: نعم. فقلت له ما صح يلزمك في هذا القول وهو واحدة من ثلاث لابد منها أن تقول إن الله خلق كلامه في نفسه، أو خلقه في غيره، أو خلقه قائما بذاته. فإن قال إن الله خلق كلامه في نفسه فهذا محال لا يجد السبيل إلى القول به من قياس ولا نظر معقول لأن الله عز وجل لا يكون مكانا للحوادث ولا يكون فيه شيء مخلوق ولا يكون ناقصاً فيزيد فيه شيء مخلوق، ولا يكون ناقصا فيزيد فيه شيء إذا خلقه تعالى الله عن ذلك وجل وتعاظم.

وإن قاتل: خلقه في غيره فيلزمه في النظر والقياس أن كل كلام خلقه الله في غيره هو كلام الله لا يقدر أن يفرق بينهما فيجعل الشعر كلاما لله تعالى ويجعل قول الكفر والفحص وكل قول ذمه الله وذم قائله كلاما لله عز وجل وهذا محال لا يجد السبيل إليه ولا إلى القول به لظهور الشناعة والفضيحة على قائله تعالى الله عنه ذلك علوا كبيراً.

وإن قال: خلقه قائما بنفسه وذاته وهذا هو المحال الباطل الذي لا يجد إلى القول به سبيلا في قياس ولا نظر ولا معقول لأنه لا يكون الكلام إلا من متكلم كما لا تكون الإرادة إلا من مريد ولا العلم إلا من عالم ولا القدرة إلا من قادر ولا رئي ولا يرى كلام قط قائم نفسه يتكلم بذاته وهذا مالا يعقل ولا يعرف ولا يثبت في نظر ولا قياس ولا غير ذلك فلما استحال من هذه الجهات أن يكون مخلوقا ثبت أنه صفة لله عز وجل وصفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة فبطل قول بشر يا أمير المؤمنين من جهة النظر كما بطل من جهة القرآن والتنزيل.

فقال المأمون: أحسنت يا عبد العزيز فقال بشر: تسأل عن غير هذه المسألة فلعله يخرج بيننا شيء يسمع فقلت نعم أنا أدع هذه المسألة وأسأل عن غيرها/ فقال: سل يا عبد العزيز.
رد مع اقتباس