عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2010-10-27, 03:49 PM
أبو عبد الله اللداوي أبو عبد الله اللداوي غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-10-02
المشاركات: 101
افتراضي

3- إمام أهل السنة

مولده

ولد في مدينة بغداد في شهر ربيع الأول سنة 164 هـ780م وقد تربى على حب العلم الشرعي والدين الإسلامي كما أنه ترعرع على حب القرآن الكريم وحفظه حتى أنه أتم حفظه وهو في العاشرة من عمره وقد كان كثيرا ما يتردد على حلقات العلم في بغداد وهو صغير قال المروذي: قال لي أبو سراج بن خزيمة –وهو ممن كان معه في الكتّاب-: إن أبي جعل يعجب من أدبه وحسن طريقته. فقال لنا ذات يوم: أنا أنفق على أولادي وأجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا، فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم، انظر كيف يخرج؟ وجعل يعجب. وكان الهيثم بن جميل يقول عنه: أحسب هذا الفتى –إن عاش- يكون حجة على أهل زمانه.



إذا فهو الأمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة في عصره .



رحلته في طلب العلم :


وقد بدأت رحلته في طلب العلم وهو ابن العشرين سنة في سنة 182 هـ حيث خرج إلى مدينة الري في إيران ليتلقى العلم عن عالمه علي بن مجاهد رحمه الله وقد أمضى معظم شبابه متنقلا بين حلقات العلم يأخذ عن علمائها ويحصل من علمهم في علوم الدين والعقيدة والفقه وغيرها من علوم الشريعة ومن ابرزهم الإمام الشافعي وسفيان بن عيينة رحمهما الله فقد أخذ من الشافعي الفقه واصوله وبيان الناسخ في القرآن والمنسوخ وأخذ عن سفيان الحديث الشريف ومن علمه وفقه أن الشافعي رحمه الله رشحه عند الخليفة هارون الرشيد لقضاء اليمن فأبى أحمد وقال له: جئتُ إليك لأقتبس منك العلم، تأمرني أن أدخل لهم في القضاء!


ورعه :


كما أنه من ورعه و خوفه من أن يفتي للناس الخطأ لم يجلس للفتوى إلا بعد أن بلغ الاربعين سنة وقد اجتمع لديه الثروة الكبيرة من الأدلة والنصوص الشرعية



حبه للعلم وأبرز طلابه:



وأحبَّ أحمدُ العلمَ والكتابة محبة شديدة حتى قبل: يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، فقال: مع المحبرة إلى المقبرة. وكان يقول: أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر.


ولما اشتهر الإمام بالعلم، وتمكن منه، وعرف فضله فيه، أخذ عنه الناسُ الحديث، وتتلمذوا عليه،وقد روى عنه الحديث خلق كثير، منهم عدد من مشايخه من مثل: عبد الرزاق بن همّام الصنعاني، وإسماعيل ابن عُلية، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن إدريس الشافعي، ومعروف الكرخي، وعلي ابن المديني، وغيرهم الكثير.( كتاب "أصول مذهب الإمام أحمد" للدكتور عبد الله بن عبد المحسن عباد ) .



محنة خلق القرآن وثبات الإمام أحمد رحمه الله :



حينما تغلغل المعتزلة في عصر الخلافة العباسية وبدا بعضهم يقول في أن القرآن مخلوق وأن الله جل وعلا لا يتكلم وكان من بينهم رجل يقال له ابن أبي داود ومع الأسف كان مستشارا عند الخليفة المأمون العباسي ؛ فزين للخليفة هذه العقيدة، ومنها أن الله لا يتكلم، وأن القرآن مخلوق ليس هو كلام الله، ولما زين ذلك للخليفة دعاه إلى أن يمتحن الناس، ويلزمهم على هذه العقيدة، ويجبرهم عليها؛ فوافقه الخليفة، وقد وافق كثير من العلماء وقتها راي المعتزلة خوفا من بطش المأمون فقد أوذي في زمانه أهل الحديث، ووصل الأمر إلى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله-فوقف في وجه فتنتهم واثبت ضلالهم فأُخذ الإمام أحمد يساق إلى [المأمون] مقيدًا بالأغلال، وقد توعده وعيدًا شديدًا قبل أن يصل إليه و أقسم بقرابته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لئن لم تجبه ليقتلنك بذلك السيف، وهنا يأتي الصالحون، أهل البصيرة لينتهزوا الفرصة ليلقوا بالوصايا التي تثبت في المواقف الحرجة ففي السير: أن [أبا جعفر الأنباري] قال :ما حُمل الإمام أحمد إلى المأمون أخبرت، فعبرت الفرات، وجئته، فسلمت عليه، وقلت: يا إمام أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك؛ فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ خلق كثير، وإن لم تجب ليمتنعن خلق كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لابد من الموت فاتق الله ولا تجبه، والإمام أحمد في سياق رحلته إلى [المأمون] يقول: وصلنا إلى رحبة، ورحلنا منها في جوف الليل، قال: فعرض لنا رجل، فقال: أيكم أحمد ابن حنبل؟ فقيل: هذا، فقال: يا هذا ما عليك أن تقتل هاهنا وتدخل الجنة، ثم قال: أستودعك الله، ومضى. وأعرابي يعترضه، ويقول: يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤمًا عليهم، إنك رأس الناس فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه؛ فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة إن كنت تحب الله فاصبر؛ فوالله ما بينك وبين الجنة إلاّ أن تقتل،[/ ويقول الإمام أحمد: ما سمعت كلمة مذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في <رحبة طو>، قال : يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا، وإن عشت عشت حميداً فقوَّى بها قلبي


لما وصلا للمأمون جاء خادم للإمام احمد بن حنبل وهو يكفكف دموعه ويقول :"عز علي يا أبا عبدالله أنْ جرد أمير المؤمنين سيفاً لم يجرده قط؛وبسط نطعا لم يبسطه قط..."


فبرك أحمد على ركبتيه ولحظ إلى السماء بعينه ثم قال:سيدي غر هذا الفاجر حلمك، حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل ؛اللهم فإن يكنْ القرآنُ كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته ؛فما مضى الثلث الأول من الليل إلا وقد جاء الصريخ: لقد مات أمير المؤمنين؛ وذلك في عام مائتين وثمانية عشر



وما إن مات المامون حتى تولى المعتصم بعده وكان قد وافق اخاه على رأيه بخلق القرآن وجعل من ابن ابي داؤد مستشارا له


فأخذ ينتهج نهج أخاه في امتحان العلماء وسجن وتعذيب وسفك دماء من خالفهم , وكان من بين من يعذبون لأجل ذلك الإمام أحمد بن جنبل وقد تحمل أنواع الاذى والعذاب في سبيل عقيدته وخوفا على ضياع الدين الصحيح من الناس ,فكان يُجلد بالسياطَ الكثيرة كل وقت وكل حين وكانوا يختارون له عددًا من قساة القلوب، وغلاظ الأفئدة ليجلده كل واحدٍ منهم سوطيْن بكل ما أوتيَ من قوة، وهم يتعاقبون عليه، وهو ثابت كالطَّوْد الأشمِّ، لا يتراجع أبدًا، يغمى عليه من شدة التعذيب ثم يفيق، فيعرض عليه الأمر فلا يتراجع، حتى قيل أنه قال يوما وهم يضربوه:


لــست بتابـع يـا ويحكم لكـمـو بــلا بـرهـان


أترون أني خائف من ضربكم لا والإلـه الواحـد المنـان


قال أحمد: في اليوم الذي خرجت فيه للسياط ومدت يداي للعقابين إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول: تعرفني؟ قلت: لا ؛قال: أنا أبو الهيثم العيار، اللصُّ الطرار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين إني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا،فاصبر فأنت في طاعة الرحمن لأجل الدين.


فكان الإمام أحمد دائما يقول: رحم الله أبا الهيثم ، غفر الله لأبي الهيثم؛عفا الله عن أبي الهيثم.


واستمرت تلك حال احمد بن حنبل بين تعذيب وجلد وحبس فصمد و أصر على الثبوت على دينه فما زاد الناس إلا حبا له وعلما بأنه على الحق لما رأوه من ثبوته ورباطة جأشه .....


خروج الإمام من السجن:


وتوالت الأيام والأشهر والشيخ في حبسه لا يغير رايه حتى توفي المعتصم وتولى المتوكل مكانه وقد كانت عقيدته اسلم من عقيدة أخويه ولم يتأثر بنهج ابن أبي داود كثيرا فاطلق الإمام أحمد بن حنبل و وقضى على المعتزلة استدعاه المتوكل إليه من "بغداد" إلى "سامراء" وأمر له بجائزة سَنية، لكنه اعتذر عن عدم قبولها، فخلع عليه خِلْعَةً عظيمة من ملابسه، فاستحيا منه الإمام أحمد كثيرًا فلبسها إرضاء له، ثم نزعها بعد ذلك ( تاريخ الخلفاء للسيوطي)


وأما أحمد ابن أبي داود فقد دعا عليه أحمد بن حنبل فقد رفع يديه إلى من ينصر المظلوم وقال:


(اللهم إنه ظلمني ومالي من ناصرٍ إلا أنت، اللهم أحبسهُ في جلده وعذِبه).


فما ماتَ هذا حتى أصابه الفالج فيبست نصف جسمه وبقي نصف جسمه حي.


دخلوا عليه وهو يخورُ كما يخور الثور ويقول:


أصابتني دعوةُ الإمامِ أحمد، مالي وللإمامِ أحمد، مالي وللإمامِ أحمد. ثم يقول واللهِ لو وقعَ ذبابُ على نصفِ جسمي لكأنَ جبال الدنيا وضعت عليه، أما النصف الآخر فلو قرضَ بالمقاريض ما أحسستُ به.



إذا فتلك هي قصة الإمام احمد بن حنبل في فتنة خلق القرآن وأنه رفض العمل بما أمره الخلفاء في عصره إذ أن ما اعتقدوه باطل فتحمل في سبيل قول كلمة الحق ضربات السياط والتعذيب الشديد

وبعد ما خرج من سجنه مكث فترة يتعالج من آثار التعذيب وشدته ثم عاد إلى حلقات العلم يعلم الناس أمور دينه فتزايد طلابه ومحبيه و اعزه الله وأذل ألائك الذين قالوا بخلق القرآن كيف لا وقد انقذ الله به الدين ورد به شبهة الزائفين , توفي الأمام أحمد بن حنبل رحمه الله وقد اجتمع للصلاة عليه قرابة المائة وستون ألفا ما بين رجل وامرأة وشيخ وطفل وقيل انه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس ، وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه وقد كان من ما قال من أشعاره وهو في السجن :
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـة من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُ
هو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـه فيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُ
شجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌ لأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُ
لريحانة القرَّاء تبغون عـثـرة وكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُ
فيا أيها الساعي ليدرك شأوه رويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُ
وقال عنه الأمام الشافعي:
أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ
وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ

رحم الله أحمد بن حنبل رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته وجزاه عن أمة الإسلام خيرا كثيرا .

رد مع اقتباس