الموضوع: فقه الفتوى
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2021-04-18, 03:09 PM
كمال الدين الفاتح كمال الدين الفاتح غير متواجد حالياً
محذوفون
 
تاريخ التسجيل: 2021-04-18
المشاركات: 3
افتراضي فقه الفتوى

أكد د. شوقي علام مفتي مصر أن مواجهة فوضى الفتاوى تحتاج إلى جهود عربية مشتركة لحماية عقول الشباب من جماعات التطرف والانحراف الفكري.. مشيراً إلى جهود الإفتاء المصرية لتوحيد رؤى وجهود مؤسسات الفتوى للقيام بهذه المهمة الخطيرة.
وقال د. علام في حواره مع «الخليج»: إن العالم الإسلامي يواجه بطوفان من الفتاوى المنحرفة التي ترددها جماعات الضلال ودار الإفتاء المصرية تقوم بواجبها في مواجهة هذه الجماعات، وقد أصدرت من خلال مرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة أكثر من ألف فتوى وتقرير لكشف هذه الجماعات وتفنيد ما تردده من مزاعم كاذبة لتحذير المسلمين في كل مكان منها.
وطالب مفتي مصر المسلمين بالاحتكام إلى الشريعة الإسلامية لحسم خلافاتهم وصراعاتهم، مؤكداً أن الشريعة الإسلامية قادرة على إدارة حوار عقلاني علمي بين المسلمين في مختلف المجالات من دون إسفاف أو اتهامات متبادلة كما نرى الآن.
فيما يلي نص حوارنا مع مفتي مصر:
} كيف ينظر مفتي مصر إلى الخلافات المتصاعدة بين المسلمين؟ وكيف يديرون هذه الخلافات؟ وما تأثيرها على علاقاتهم ووحدتهم في عالميموج بالتكتلات والتحالفات الدولية والإقليمية؟
- أولاً: لا بد أن نتفق على أن الاختلاف والتنوع سنة كونية لا يمكن لعاقل أن يتصور زوالها حتى ولو بنية حسنة محبة للاجتماع والتواد، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الخالد: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم».
ومن هنا لا يمكن أن نلزم المسلمين أو غير المسلمين بتوجه فكري واحد سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الفكري، فالتنوع في كل شيء مطلوب، وهو يثري الحياة ويطارد الملل، ويحقق الأهداف التي يسعى إليها الجميع، وهو في كون الله الواسع والبديع دليل على عظمة الخالق جل وعلا وعلى قدرته المبهرة في الخلق والتنويع فيه.
فقه الاختلاف
ويضيف: إذا كان الإسلام قد رحب بالخلاف والتنوع وجعله سنة كونية إلا أنه أرشدنا إلى أساليب وطرق الخلاف الحضاري الذي يثري حياتنا ولا يفسد الود والوئام بيننا، ولذلك نجد فقهاء الإسلام قد تحدثوا عما يسمى (فقه الاختلاف) أو (أدب الخلاف)، والحرص على قواعد وآداب هذا الخلاف يتيح لنا إدارة خلافاتنا بشكل يحقق الهدف من الخلاف والتنوع، ولذلك ننصح دائماً بالعودة إلى تعاليم الإسلام وتوجيهاته لنتعلم منها كيف نتحاور، وكيف نختلف من دون نزاع يفضي إلى التوتر أو الصراع أو التعصب، وعلى الفرقاء في مختلف المجالات أن يتعلموا من الإسلام التماس العذر للمخالف أولاً، والحرص عليه ثانياً، وعدم الإحساس بالصواب المطلق، فلا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، وقد علمنا فقهاؤنا الأفاضل كيف نقبل المخالف ونضع احتمالات رجاحة رأيه، ومن أقوال الإمام الشافعي الشهيرة: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
وهناك مجموعة آداب يجب أن يتحلى بها الجميع وهم يتحاورون ويتناقشون ويمارسون الاختلاف أهمها: الإنصاف ويعني أن تضع نفسك مكان خصمك، وأن تنزل الآخرين منزلة نفسك، وأن يدرك المختلفون أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد المختلف فيها، وضرورة التحفظ على تكفير فرد بعينه أو لعنه، حتى لو كان من أصحاب قول، يصح أن يوصف بأنه كفر، ثم على الجميع أن يأخذ الآخر بالظاهر، والله يتولى السرائر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لم أؤمر بأن أثقب قلوب الناس، ولا أشق بطونهم».
خطورة التكفير
} كيف تنظرون إلى فتاوى التكفير التي لا تزال تتردد على ألسنة بعضهم لمواجهة خصومهم السياسيين؟ وهل الخلاف في الرأي يعطيلهؤلاء حق تكفير الآخرين؟
- هذا أمر خطير نحذر دائماً منه حيث لا يجوز الحكم على مسلم بالكفر لمجرد أنه يخالف بعض تعاليم أو توجيهات الإسلام.. مسألة التكفير مسألة خطيرة للغاية، وحتى لو أنكر إنسان أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فليس من حق أحد تكفيره، لأن هذا الأمر الخطير مسؤولية المحكمة فهي التي تواجهه بما يقوله أهل العلم والاختصاص الموثوق في علمهم وأمانتهم ونزاهتهم فيما يقول، وهي التي تصدر حكماً في شأنه بعد مناقشته فيما كتبه أو فيما قاله.
لذلك نحذر من التورط في تكفير الناس، والإمام مالك - رحمه الله - قال: «إذا صدر عن الإنسان ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجهاً، ويحتمل الإسلام من وجه واحد، حمل أمره على الإسلام».. وهذا يعني تغليب حسن الظن لخطورة أمر التكفير.
ومن المؤسف أن يتورط بعضهم في تكفير المخالفين لهم في الرأي أو الفكر، وهذا سلاح الضعفاء، والإسلام لا يقر إرهاب المخالفين بسلاح التكفير بل ينبغي مواجهة المخالفين بالفكر والحكم الشرعي الصحيح، ومن يخرج من الإسلام بينه وبين نفسه لأن أحكامه لا تتفق مع هواه وشهواته وأطماعه ورذائله، فالإسلام في غنى عنه، والله سبحانه وتعالى يقول: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».
لكن إذا جاهر هذا الإنسان الذي كان مسلماً، بالعداء للإسلام وسخر من أحكامه وهاجم تشريعاته وآدابه وقذف نبيه صلى الله عليه وسلم بالنقائص كذباً وزوراً وبحثاً عن المال والشهرة الزائفة، كما يفعل بعض الكتاب المنحرفين، فهنا لا بد من وقفة معه حماية لدين الله، ومن حق الهيئات القضائية في الدول الإسلامية معاقبته إذا ما تأكدت من صحة الاتهامات الموجهة إليه.
المتطفلون على الإفتاء
} ساحة الفتوى في عالمنا العربي أصبحت مسرحاً لكثير من المتطفلين الجهلاء أو مدعي العلم.. كيف تنظرون في دار الإفتاء إلى هذا الأمر وماذا اتخذتم من إجراءات لمواجهته والتحذير منه؟
لا نملك آلية لمنع أحد من الحديث في أمور الدين، لكن واجبنا تحذير الناس جميعاً من المجترئين على الفتوى والمقتحمين لساحتها من دون تأهل واستعداد علمي كامل لهذه المهمة الخطيرة، ودائماً ننبه الناس جميعاً إلى أن الفتوى أمرها جليل وشأنها خطير، والإقدام عليها بغير علم واستعداد وتأهيل من جملة الكبائر؛ وقد ذكر الله تعالى المجترئ على الفتوى مقرونًا بالشرك، والكبائر، والفواحش، والآثام؛ فقال سبحانه: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون». وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه».
وهذه النصوص وغيرها مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله في أمر الفتوى تؤكد أن شأنها خطير وأمرها عظيم ولا يجوز لأحد من غير المؤهلين اقتحام ساحتها وإلا نال العقاب الإلهي الرادع، وواجبنا كعلماء أن نذكر الناس دائماً بذلك لنحذرهم من التجرؤ على الفتوى من جانب ورفض كل ما يصدر عن غير المؤهلين للإفتاء من جانب آخر.
وعلى الجميع أن يعلم أن الفتوى ليست عملاً هيناً، بل هي «صنعة» تحتاج إلى تأهيل واستعداد علمي، كما تحتاج إلى مهارات خاصة، وإعمال فكر وإمعان نظر للوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح الذي يحقق الهدف المطلوب.. فالفتوى عملية دقيقة تحتاج من القائم بها إلى أن يكون عالماً بالشرع؛ بإدراك المصادر، وفهمها، وإنزالها على الوقائع المتجددة التي لا تنتهي حتى يوم القيامة.
كثير من الخلل
} بعضهم يرى أن ظاهرة التجرؤ على الفتوى في عالمنا العربيناتجة عن تقصير رجال الفتوى المؤهلين وانحسار دورهم في حياة الناس.. ماذا يقول مفتي مصر للرد على هؤلاء؟
- هذا كلام لا علاقة له بالواقع من قريب أو بعيد، لأن مؤسسات الفتوى في العالم العربي تقوم بواجباتها في نشر الأحكام الشرعية الصحيحة بين الناس والرد على تساؤلاتهم، كما أن علماء الفتوى المؤهلين لها سواء داخل هذه المؤسسات أو خارجها يؤدون واجباتهم في كل مكان من منطلق إدراكهم لأهمية وضرورة مواجهة مدعي الفتوى بالتواجد بين الناس والرد على تساؤلاتهم وتحذيرهم من مدعي العلم الشرعي غير القادر على الإفتاء.
نحن ندرك أن وظيفة الإفتاء رغم خطورتها ومكانتها وأهميتها بدأ يشوبها كثير من الخلل والانحراف عن مسارها، حيث أصبحت الفتوى سلاحاً مشهراً في يد بعض الجماعات لتبرير العنف وإراقة الدماء وزعزعة استقرار المجتمعات، لذلك أنشأنا في دار الإفتاء المصرية مرصداً لتتبع فتاوى المتطرفين والتكفيريين والرد على فتاويهم الكاذبة لحماية جماهير المسلمين من ضلالهم.. وقد صدرت عن المرصد حتى الآن أكثر من ألف فتوى للرد على جماعات الضلال، واستطعنا من خلال هذه الفتاوى والتقارير الشرعية كشف هذه الجماعات وتحذير الناس منها.
محاصرة التطرف
ويتابع قائلاً: إننا من خلال تجربتنا في تتبع ومحاصرة الفتاوى التكفيرية والشاذة نؤكد أن العالم الإسلامي في أمس الحاجة إلى مركز دولي لتحليل وتفكيك وتفنيد الفتاوى التكفيرية والشاذة وهو خطوة مهمة لحصار ظاهرة الإرهاب والتطرف التي تستهدف بلاد العرب والمسلمين، من خلال وضع آليات للكشف المبكر عن الفكر المتطرف والتكفيري بعد تحليله؛ للوصول إلى الجذور الفكرية والنفسية لهذا الفكر حتى يتسنى الكشف عن العمليات الذهنية التي يمر بها هذا الفكر؛ تمهيدًا لبناء نظم فكرية قويمة يمكن من خلالها تحصين العقل من الوقوع في هوة هذا النمط الفاسد من التفكير، ونحن نؤكد أن ساحة الفتوى في عالمنا العربي تحتاج إلى رؤية واضحة وتخطيط استراتيجي شامل يقوم على التعمق في دراسة وتوصيف المشكلات والحلول الخاصة بعملية الإفتاء الشرعي، وصولاً إلى ضبط هذه الصناعة المهمة من خلال قواعد حاكمة وضوابط أصيلة، لئلا يشوبها التطرف أو الفوضى والتخبط، ومن أجل ذلك عقدنا مؤخراً مؤتمراً دولياً عن الإفتاء ناقشنا من خلاله مع علماء الفتوى في أكثر من أربعين دولة موضوعات ذات أهمية كبرى تخص الإفتاء كصناعة والفتوى كمنتَج يحتاجه الناس في حياتهم، ومن تلك الموضوعات المهمة أثر الفتوى في تحقيق التنمية واستقرار المجتمعات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ومواجهة الفتوى للتطرف والتكفير والتعصب، وتحديد معالم الوسطية والتجديد في علوم الفتوى، كما تطرق المؤتمر إلى إبراز العلاقة بين الفتوى ومقصد العمران، فضلاً عن الفتوى وعلاقتها بضوابط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد نتج عن تلك المحاور مع بعض الحلقات النقاشية عدد من توصيات ومبادرات علمية عملية، كان من أهمها المبادرة إلى إنشاء أمانة عامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ومقرها القاهرة، وأساس عملها أن تقوم بالتنسيق بين الجهات العاملة في مجال الإفتاء في جميع أنحاء العالم، بهدف رفع كفاءة الأداء الإفتائي لهذه الجهات وزيادة فاعليتها في مجتمعاتها، بحيث يصبح الإفتاء من أهم عوامل التنمية والاستقرار في المجتمعات الإسلامية، مع تبادل الخبرات فيما بينها، وفي ذلك بناء لتكتل إفتائي عالمي وسطي علمي منهجي، يعمل على حصار ظاهرة تصدي غير المؤهلين للإفتاء بهدف القضاء عليها من خلال ابتكار حلول غير تقليدية للتعامل معها، مع بناء استراتيجيات مشتركة بين دور الإفتاء الأعضاء لمواجهة التطرف في الفتوى وصياغة المعالجات المهنية لمظاهر التشدد في الإفتاء.
وأكدنا من خلال المؤتمر ضرورة إنشاء مركز بحثي يختص ببحث ودراسة المسائل المستحدثة متعددة الأبعاد، التي تحتاج صناعة الإفتاء فيها إلى معارف ومعلومات من مجالات علمية وبحثية متعددة، حيث لا يصح أن يقتصر الفقيه أو الباحث عند الإفتاء فيها على العلوم الشرعية فقط، ونأمل أن نرى هذا المركز البحثي العالمي قريباً إن شاء الله من خلال دار الإفتاء المصرية.
واقع لا يسر
} هل أنت متفائل بمستقبل أفضل للمسلمين في ظل ما تراه وترصده من جهل وتراجع عن العمل والإنتاج وفساد سياسي واقتصادي وفكريوصراعات طائفية ملتهبة في كثير من بلادنا العربية والإسلامية؟
- المسلم مطالب دائماً بأن يعيش على الأمل وأن يصلح من أحواله ويعالج أخطاءه، ويترك النتائج على الله، وقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله سيصلح من أحوالنا إذا ما أصلحنا من أنفسنا التزاماً بقول الحق سبحانه: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». وقد قال العلماء في معنى هذا النص القرآني: إن الله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم من النعمة والإحسان ورغد العيش، حتى يغيروا ما بأنفسهم بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله عند ذلك إياها.. وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة.
علينا أن ندرك أن أمتنا الإسلامية في خطر وأن هذا الخطر أقرب إلينا مما نظن، وهو يحيط بنا من كل جانب، وأن حالة الفرقة والانقسام التي نعيشها تضاعف من حجم هذا الخطر، وعلينا أن ندرك أيضاً أن مواجهة الأخطار الكثيرة والمتنوعة التي تحيط بنا تفرض علينا: أن نتعلم جيداً من أخطائنا وأن نعالج مشكلاتنا بعقل وعلم وحكمة، وأن نعمل بجد وإخلاص من أجل النهوض بمجتمعاتنا.
لا ينبغي أن ينشغل المسلمون بالكلام عن العمل فلا خير في أمة تتحدث وتتجادل أكثر مما تعمل وتنتج، والتقرب إلى الخالق لن يكون بالبطالة والجدل الديني والإسفاف اللفظي كما يتصور بعضهم ولكن منيريد أن يتقرب إلى خالقه فعليه بالعمل، فالعمل في ميزان الإسلام عبادة وقربى إلى الله.
إن ما يجري في العديد من بلادنا العربية والإسلامية من صراعات دينية وطائفية تزهق فيها أرواح وتهدر فيها ثروات وتحرق فيها ممتلكات ويشيع بسببها الخوف والرعب بين الناس هو صورة من صور الخروج على منهج الله فعلينا أن نعود إلى تعاليم ديننا وأن نعمل للدنيا كما نعمل للآخرة، وأن نواجه كل المؤامرات التي تحاك لنا بالعلم الصحيح والعمل المفيد والاعتصام بحبل الله المتين والتصدي بحسم لكل جماعات الضلال التي تستهدف مجتمعاتنا.
رد مع اقتباس