وعندما ظهرت فرقة القدرية ، فى أواخر عصر الصحابة ، وقالوا أنه لا قدر ، وأن الأمر أُنُف ، أى مستأنف ، وقالوا على الله - بغير علم - أشياء هى من قبيل الكفر البواح ، ذلك أن نفيهم للقدر هو نفى لعلم الله الشامل المحيط السابق على وجود الأشياء ، وهو وصف لله بالجهل وعدم العلم سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ، أقول : عندما ظهر هؤلاء استوجبت عليهم بدعتهم أن يردوا من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم ما لا يتوافق مع بدعتهم ، فأنكروا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث تؤكد على القدر ووجودب الإيمان به ، وعلى كونه ركن أصيل من أركان الإيمان فى الإسلام.
خذ مثالاً لبعض الأحاديث التى أنكروها ما رواه الإمام مسلم فى صحيحه
عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوُفِّق لنا عبدُ الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت :
أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أُنُف . قال : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر .
ثم قال : حدثني أبي عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه
وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً " .
قال - أى جبريل- : صدقت .
قال - أى عمر - : فعجبنا له يسأله ويصدقه ،
قال - أى جبريل - : فأخبرني عن الإيمان .
قال - صلى الله عليه وسلم - : "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره " .
قال - أى جبريل - : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان .
قال - صلى الله عليه وسلم - : "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
قال - أى جبريل - : فأخبرني عن الساعة .
قال - صلى الله عليه وسلم - : "ما المسئول عنها بأعلم من السائل ".
قال - أى جبريل - : فأخبرني عن أمارتها .
قال - صلى الله عليه وسلم - : " أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ".
قال - أى عمر - : - ثم انطلق فلبثت مليا .
ثم قال لي - صلى الله عليه وسلم - : " يا عمر أتدري من السائل ؟"
قلت : الله ورسوله أعلم .
قال - صلى الله عليه وسلم - : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ".
هذا الحديث العظيم الجليل الذى يعد فهرس الإسلام ، وأصل أصوله وعليه مدار الدين ، رده القدرية لأنه يذكر أن القدر ركن من هذا الدين العظيم.
يتبع ....
|