عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2018-09-13, 02:06 AM
ايوب نصر ايوب نصر غير متواجد حالياً
مسئول الإشراف
 
تاريخ التسجيل: 2012-10-23
المشاركات: 4,819
افتراضي رد: السبيل الى الدراسات الادبية

علم المصطلح يتكون اجمالا من علمين ، كل واحد منها لا يستغني عن الاخر ، و هما : علم الرجال و ما يتصل به من علم الجرح و التعديل ، و علم العلل ، و هذا الاخير ( اي علم العلل ) ، و الذي يقوم على تتبع اقوال و استقرائها، و ذلك لسبر اغوارها و الولوج الى اسرارها ، و هذا يمكن لنا معرفة اسلوب كل كاتب او اديب ، و به نتمكن من نسبة الكلام اليه او نفيه عنه .
و علم العلل هو نفسه الذي سماه الاستاذ الاديب محمود احمد شاكر _ رحمه الله _ " منهج التذوق " ، و حاول التقعيد له في كتابيه الماتعين " اباطيل و اسمار " و " رسالة في الطريق الى ثقافتنا " ، و هو نفسه الذي استعمله في دراسته لشعر ابي العلاء و شعر ابي الطيب المتنبي ، فقد عاش رحمه الله مع شعر هاذين الشاعرين زمنا ، حتى تكونت له ملكة ، سماها التذوق ، مكنته من ان ينسب البيت الشعري الى احد منهما او نفيه عنه ، من اول لحظة يسمعه فيها ، كما مكنته من معرفة غرض كل شاعر او كاتب .
و لازيدك من الشعر بيتا و من الامر بيانا ، ساضع بين يديك مقالة كتبتها قبل حين ، حاولت فيها كشف ما اخفاه الاستاذ الاديب في ثنايا كلامه في ما قعده لهذا المنهج، و لكن قبل ذلك فقد وجب علي ان اكشف لك عن امر ، حتى لا تختلط عليك الاشياء ، و هو ان المحدثين من قبل و الاستاذ شاكر من بعد ، حين طبقوا هذا المنهج و حين قعدوا له ، لم يكن قصدهم من هذا المنهج ما يعمد اليه بعض الزنادقة و العلمانيين و يدعون اليه من ازالة القدسية عن النصوص الشرعية و تفكيك اجزائها ، فتتم دراستها بعيدا عن سياقها التاريخي ، لا يا صاحبي ، لم يكن هذا قصدهم ، و انما قصدهم و منهجهم التذوقي كان يقوم على النقيض من هذا ، و سيتبين لك ذلك بعد حين.
و اما مقالتي التي حدثك عنها و التي كتب كتبتها تحت عنوان " مقالة في الطريق الى التذوق" ، فهذا نصها :
" السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
كتب احد الاخوة _ جزاه الله خيرا _ مقالا حاول فيه الكشف عن منهج التذوق الذي جاء به الاستاذ الامام محمود شاكر _ رحمه الله _ و بين في ما كتب ان مقصود الشيخ بمنهج التذوق هو تحليل النص و تفكيك اجزائه و العيش مع الفاظه و معانيه ، و هذا ما عبر ما عبر عن الامام بقوله : " بدات باعادة قراءة الشعر العربي ، او ما وقع تحت يدي منه على الاصح ، قراءة متأنية طويلة الاناة عند كل لفظ و معنى ، كاني اقلبها بعقلي و اروزهما ( اي : ازنهما مختبرا ) بقلبي ، و اجسهما جسا ببصري و بصيرتي ، و كاني اريد ان اتحسسهما بيدي ، و استنشي ( اي : اشم ) ما يفوح منهما بانفي ، و اسمع دبيب الحياة الخفي فيهما باذني ، ثم اثذوقهما تذوقا بعقلي و قلبي و بصيرتي و اناملي و انفي و سمعي و لساني "1
وبين الاستاذ ان ما يجري على ألسنة الكتاب من قولهم " يتذوق الشعر " و " يتذوق الفن " ليس من مقصوده في شيء .
و انا الان احاول عن اكشف لك ماهية هذا المنهج الذي يقصده الشيخ ، و الذي لم يبتدعه ابتداعا بلا سابقة و لا تمهيد ، و انما كان معمولا به عند اسلافنا ، و الشيخ انما اراد التاصيل لهذا المنهج و التقعيد له .
هذا المنهج كان يستخدمه السلف في جميع العلوم و الفنون المرتبطة بالاسلام و العربية ، و لكن لم يقعدوا له و انما كان عندهم سليقة ، لان تقعيد العلوم و تدوينها و كشف مناهجها لا يتم الا بعد ان تستوي هذه العلوم على سوقها ، و هذا ما سعى اليه الاستاذ _ رحمه الله _ .
ان جميع العلوم الاسلامية ، كانت مرتبطة _ كما اسلفت _ بهذا المنهج ، و لكنه كان من الامور الخفية ، لانه و كما اسلفت كان يعمل به سليقة ، لكن هناك علم و هو من اهم العلوم الاسلامية العربية ، كان يستخدم هذا المنهج بشكل واضح ، و ان لم يقعد له ، و هذا العلم هو (( علم مصطلح الحديث )) ، فكان المنهج الذي يسميه الشيخ ب ( التذوق ) هو المنهج الذي يتم من خلاله التوصل الى علل الحديث ، و لذلك نجد ان علماء الحديث يشيرون الى علل في المتن ، و انه ليس من كلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ ، و ذلك من اول لحظة يسمع فيها الحديث ، و عند دراسته يتبين ان الحديث فعلا ضعيف او موضوع .
فالجهابدة من المحدثين كانوا يستطيعون كشف العلل و نفي ما ينسب الى رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ انطلاقا من طول معاشرتهم لكلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ و كثرة تعاملهم معه ، فنمت لديهم ملكةيستطيعون من خلالها ان يحكموا على المتن الذي يسمعونه ، و انه دون كلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ ، و انه منحط عنه في اللفظ و المعنى .
و هذا هو نفسه الذي يعبر عنه ما نقله لنا الاستاذ محمود شاكر من كلام عبد القاهر الجورجاني : " و ان الشاعر يسبق في كثير منها الى عبارة يعلم ضرورة انها لا يجيئ في ذلك الا ما هو دونها و منحط عنها "
و رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ افصح ولد ادم ، فاذا كلام معين يمكن ان يؤمتي بمثله او ابلغ و اجود منه في اللفظ و المعنى فاعلم انه ليس من كلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ في شيء .
و ان كنت ، و لابد ، معارضا كلامي ، فانظر _ رحمك الله _ قول الاستاذ : " ففي كل كلام و في ألفاظه ، ولابد ، اثر ظاهر او وسم خفي من نفس قائله ، و ما تنطوي عليه من دفين العواطف و النوازع و الاهواء ........ " 2و هذا مكمل لما قلته لك سابقا ، فالمحدثون يبحثون في المتن بما اوتوا من ملكةالتذوق ، و التي اكتسبوها من طول معاشرتهم لكلام رسول الله _ صل الله عليه و سلم _ و من كثرة تعاملهم معه و مما علموا من بلاغته _ صل الله عليه و سلم _ و انه لا يمكن ان يؤتى بمثل الفاظه و معانيه ، عن اثر ظاهر او وسم خفي ، ينسبون من خلاله الكلام اليه او ينفونه عنه .


______________________
(1)الرسالة ص : 6
(2) الرسالة ص :15

كتبه عمر أيوب غفر الله له و لوالديه ، يوم السبت29 صفر 1439 ( 18/11/2017)"
انتهت المقالة و هي موجودة بقسم اللغة العربية في منتدى انصار السنة

يتبع
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6

كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين

آخر تعديل بواسطة ايوب نصر ، 2018-09-23 الساعة 03:01 AM
رد مع اقتباس