عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2010-04-10, 04:36 AM
أبوتميم أبوتميم غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-04-22
المكان: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم
المشاركات: 1,363
افتراضي

سوف أنقل لكم كتاب ابن جبرين لنرى ماافتراه المزعوم بأنه سلفي حقيقي
ومن المعلوم أن السلف لايكذبون ولا يدلسون



شرح:
هذه الجملة يؤخذ منها صفات السلب وصفات النفي، فإن صفات الله صفات سلبية، أو صفات ثبوتية، ولكن إذا أتت الصفات السلبية استلزمت الصفات الثبوتية، وإلا فالسلب المحض لا يمدح الله به نفسه حتى يتضمن صفة ثبوت يمتدح بها.
فإن المدح إنما هو بالصفات المثبتة لا بالصفات المنفية، فإذا قال مثلًا: جلَّ عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، فهذا نفي، وقد نفى الله ذلك عن نفسه في عدة آيات، كقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (الجن:3 ) وكقوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ( الإخلاص:4 ) وكقوله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ( البقرة:22 ) وكقوله تعالى: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ( النحل:74 ) وكقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ( الشورى:11 ) وكقوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (مريم:65) .
هذه كلها نفي وسلب، ولكن يمدح نفسه بهذا السلب لأنه يتضمن ثبوت أضداد هذه الصفات، وكذلك قوله تعالى وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ( الإسراء:111 ) .
كل ذلك يستدعي صفة ثبوتية هي التفرد والوحدانية التي تستلزم الكمال؛ فإنه إذا كان واحدًا فردًا صمدًا تصمد إليه القلوب، وتتوجه إليه الرغبات، ومع ذلك هو محيط بالمخلوقات، وعالم بها، ومع ذلك هو خالقها ، ومدبرها وحده ، أليس ذلك دليل العظمة؟ أليس ذلك دليل الكبرياء؟ لا شك أنه إذا تنزه عن أن يحتاج إلى صاحبة - يعني زوجة - لا يحتاج إلى ولد، لم يلد ولم يولد، وقد نزه الله نفسه عن الولد وأخبر بأن هذه فرية قالها المشركون، وأنها أعظم فرية وأكبرها، قال تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ( مريم:90-92 ) .
يعني أن مقالتهم هذه تكاد أن تتفطر لها السماوات، وتنشق لها الأرض، وتخر لها الجبال، وتتفطر لها المخلوقات العظيمة لعظم شناعتها، حيث جعلوا لله - تعالى - ولدًا مع أنه مستغنٍ عن الولد والوالد والشريك والنظير والمثيل والند والكفؤ؛ لماذا؟ .
لأن هذه الأشياء تستلزم الحاجة، أو تستلزم المثلية، تستلزم أنه بحاجة إلى الولد كالإنسان الذي بحاجة إلى ولده يسانده ويساعده ويقوم مقامه، ويعينه عند عجزه، ويخلفه بعد موته.
والرب - تعالى - ليس كذلك، وليس بحاجة إلى الولد ولا إلى الزوجة، ولا إلى شريك، فهو له الكمال المطلق، إذًا فنفي الصاحبة يستلزم عدم الحاجة، ويثبت الغني ، وكذلك نفي الولد يلزم منه إثبات الكمال، وكذلك نفي الشريك، ونفي الند، ونفي المثيل، وما أشبه ذلك.
وردّ أيضا على من أثبت ذلك من المشركين ونحوهم كقوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ( التوبة:30 ) وقوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ( الزخرف:19 ) وقوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( الصافات:149-154 ) وكقوله تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ( الصافات:158 ) .
زعم بعض جهلة العرب : أن الملائكة بنات الله، وأن بينه وبين الجنة نسبًا، تعالى الله عن قولهم ذلك كله؛ فردّ عليهم، وأثبت وحدانيته، فبذلك نعرف أن كل نفي فإنه يستدعي ثبوتًا، وإلا فالنفي المحض ليس بمدح.
رد شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته ( التدمرية ) في قاعدة من القواعد على من يصف الله - تعالى - بالصفات السلبية التي هي عدم محض، وكذلك في كثير من كتبه، وأخبر في ( الحموية ) أن الله بعث رسله بنفي مجمل، وإثبات مفصل، وأن الإثبات يقصد لذاته والصفات الثبوتية مقصودة لذاتها.
وأما الصفات السلبية فمقصودة لغيرها، والله - تعالى - نزَّه نفسه بقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ( الجن:3 ) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ( الأنعام:101 ) فإذا نزه نفسه عن مثل هذا دل على صفة الكمال ، وتنزه عن الشركاء والأمثال ، وذلك يثبت وحدانيته حتى لا يعبد غيره.
وفي الآية التي في سورة سبأ يقول ابن القيم رحمه الله: إنها قطعت جذور الشرك، يعني: عروقه، وهي قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ( سبأ:22-23 ) .
فنفى أربع حالات:
الملك ملك استقلال، فأما ما تملكه أنت من متاعك أو منزلك فليس ملك استقلال؛ لأنك أنت وهو ملك لربك وخالقك، أي: لا يملكون ولو مثقال ذرة، فكيف يُعبدون؟.
وقد يقول قائل : نسلم أنهم لا يملكون، وأن الملك لله، قال تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ( غافر:16 ) لكن يمكن أن يكون لهم شركة، أي: يمكن أن يكونوا شركاء الله، فنفى ذلك بقوله تعالى: وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ ( سبأ:22 ) ولو شراكة في مثل الذرة.
وقد يقول قائل : نسلم أنهم لا يملكون وليسوا شركاء، ولكن يمكن أنهم أعوان لله، أي: أنهم أعانوا الله في إيجاد الموجودات، فنفى ذلك بقوله تعالى: وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ( سبأ:22 ) أي: من معين، ليس لله - تعالى - مُظاهر ولا مساعد، ولا معين في إيجاد الموجودات، بل هو المنفرد بذلك وحده ؛ وإذا كان كذلك فإنه المستحق لأن يعبد وحده.
ثم نفى الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، حتى لا يقولوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
فإذا انتفى الشريك وانتفى الولد، وانتفى المعين، ونفيت الصاحبة، ونفي الند والنظير والكفؤ؛ أثبتت صفات الوحدانية والتفرد، فهذا مقتضى هذه الصفة، وهي أننا ننفي هذه النقائص حتى نثبت الوحدانية التي هي صفة كمال لا يشاركه في هذا الكمال ولا في هذه الوحدانية أحد، ولأجل ذلك من أسماء الله وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ( البقرة:163 ) إثبات للوحدانية، وقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( الإخلاص:1 ) إثبات الأحدية، والأحد مبالغة في الوحدانية، يعني: هي أبلغ من أن يقول: ( قل هو الله واحد ) أحد: أي منفرد بالأحدية، لا يشاركه في هذه الصفة غيره.
فإذا اعتقد المسلم ذلك عرف أنه المستحق لأن يعبد؛ جلّ وتنزّه عن الشريك، وعن الصاحبة، وعن الند، والنظير، والمثيل.

ص13

شرح:
هذه صفة ثبوتية، فبعد ما ذكر الصفات السلبية ذكر الصفة الثبوتية وهي أن حكمه ذاهب في جميع العباد قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ( يوسف:40 ) حكمه: أمره وتدبيره وتصرفه، لا راد لحكمه، ولا معقب لحكمه، ولا لقضائه، نفذ حكمه في جميع البلاد، وفي جميع العباد، وله الحجة في ذلك، ولله الحجة البالغة قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ( الأنعام:149 ) فكونه يحكم فيهم بما يشاء معناه أنه يتصرف في ملكه لأنهم خلقه، ولأنهم ملكه، ولأنه المتصرف بهم وحده, فإذا كانوا ملكه فلا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، وحكمه نافذ فيهم شاءوا أم أبوا، هذا هو الأصل في أن حكم الله تعالى نافذ في الخلق كلهم أولهم وآخرهم، هذه كما قلنا صفة ثبوتية تثبت أن الحكم لله، ويعرف الفقهاء والأصوليون الحكم بأنه: إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه.
أما حكم الله - تعالى - فهو تقديره وتنفيذ قدره، فإذا قدر أمرًا نفذ قدره أيا كان تقديره وتدبيره، وتصرفه هذا هو حكمه، ويمكن أن يكون حكمه: أمره ونهيه، وإن كان قد يأمر من لا يفعل، فقد أمر الكفار بالإيمان، فما آمنوا، وأمر العصاة بالطاعة فعصوا، فهل يسمى هذا حكمًا؟ نسميه حكمًا شرعيًّا لا حكمًا قدريًّا، بمعنى: أن الحكم النافذ الذي لا بد من وجوده هو الحكم القدري، هو الحكم الذي قضاه وقدره في الأزل، وحكم بوجوده، فلا راد له، وأما الحكم الشرعي وهو أنه شرع هذه الأحكام، وشرع الأوامر والنواهي، وشرع الطاعات وحرم المحرمات، فهذا حكم شرعي ينفذ فيمن قدر الله إيمانهم لا فيمن قدر الله عصيانهم.

ص14


شرح:
من هنا أخذ أيضا يبدأ في الصفات السلبية, نعرف قبل ذلك أن قاعدة أهل السنة، أن الله - تعالى - لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه أعلم بنفسه، وأعلم بخلقه، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم بمن أرسله، فيقتصر في بعض الصفات ثبوتية أو سلبية على ما ورد، فقوله: لا تمثله العقول بالتفكير معناه أن القلوب تعجز عن أن تصل إلى مثل تمثيله، ولعل الدليل على ذلك قوله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ( طه:110 ) أي: مهما فكروا، ومهما سألوا لا يحيطون به علمًا، يعجزون عن أن يمثلوا بعقولهم ذاته سبحانه.
كذلك لا تحيط به الظنون ولا العقول بالتفكير، ومن أدلة ذلك قوله: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ( البقرة:255 ) أي: لا يصلون إلى علم من صفته إلا بما أوصله إليهم، فإذا لم يشأ لن يستطيعوا أن يصلوا إليه، وكيف يعلمون صفة ذاته - سبحانه - مع أنه قد احتجب عن أن تصل إليه العلوم، أو الأوهام، أو التفكيرات، أو نحوها، وأخبر بعدم مماثلته لمخلوقاته بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ( الشورى:11 )
وقد ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مثلين في التدمرية يبين فيهما عجز الإنسان عن أن يصل تفكيره إلى تكييف الذات الربانية.
المثال الأول: مخلوقات الجنة، مع أنها مخلوقات، ولكن لا ندري ما كيفيتها، قصرت عنها أفهامنا، فقد ذكر الله أن أنهار الجنة تجري في غير أخدود، وهذا لا تدركه أفهامنا ولا تخيلاتنا، كيف يجري الماء على وجه الأرض، ولا يسيح ولا ينبسط في الأرض، أمر الله أعظم، وقدرة الله أعظم، وكذلك جميع ما ذكر في الجنة.
المثال الثاني : الروح التي بها حياة البدن عجزت الظنون عند تفكيرهم فيها، وعجزت العقول عن إدراك ماهيتها، فردوا عقولهم ووقفوا عند قوله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ( الإسراء:58 ) نحن نعرف أن الإنسان مركب من جسد وروح، فإذا خرجت الروح بقي الجسد جثة ليس فيه روح، وما هي هذه الروح؟ لا ندري عن ماهيتها، ولا ندري ما كيفيتها، عجزنا عن إدراكها، فكذلك بطريق الأولى عجزت عقولنا عن إدراك كيفية ذات الرب سبحانه، فهذا معنى كونه لا تمثله العقول، ولا القلوب بالتفكير، ولا تتوهمه، ولا تتخيله، ولا تصل إلى كيفية ذاته، بل كل ما خطر من صفةٍ للرب في بالك فإنه على خلاف ذلك، ومهما خطر في بالك أن استواءه كذا، وأن كيفية نزوله كذا، وأن كيفية ذاته كذا وكذا، فإن الرب بخلاف ذلك؛ ليكون ذلك دليلا على عجز هذه المخلوقات عن إدراك كنه ذاته، وعن معرفة ماهية ذاته فضلاً عن تحققها، ومعلوم أن جميع الذين يدينون بالإسلام، أو يدينون بالعبودية لله تعالى؛ مسلم وكتابيّ وغيرهم، يعتقدون أن هذا الوجود لا بد له من موجد، وأن الموجد الذي أوجده واجب الوجود، وقد اطلعنا على ذلك، ولكن باصطلاحات وبعبارات فلسفية منطقية، ويكفي أن نستدل على ذلك بقوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ( الطور:35 ) فإذا لم يكونوا خلقوا من غير شيء، ولم يكونوا هم الخالقين تعين أن لهم خالقًا، والخالق لا بد أن يكون غنيًّا عما سواه وما سواه فقير إليه.
وإذا كان كذلك فإن الخالق سبحانه لا يمكن أن يشابه المخلوق الذي تعتريه الآفات والتغيرات والنواقص التي تنزه عنها الخالق سبحانه، نزه نفسه عن الموت كما في قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ( الفرقان:58 ) ونزه نفسه عن النوم، وعن النعاس، قال تعالى: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ( البقرة:255 ) السِّنة هي النعاس، وهو مقدمة النوم وما أشبه ذلك.
فهذه صفات تبين تنزهه عن مشابهة المخلوقات ، وتنزهه عن أن تدركه عقول المخلوقين، أن يعرفوا كيفية صفة من صفاته فضلاً عن كيفية ذاته.
ثم استدل بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( الشورى:11 ) فهذه الآية رد الله فيها على الطائفتين الممثلة والمعطلة.
أولها رد على الممثلة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وآخرها وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رد على المعطلة، ولأجل ذلك كان آخرها ثقيلا على هؤلاء المعطلة حتى روي عن رئيس من رؤسائهم وهو ابن أبي دؤاد أنه قال للخليفة المأمون: أحب أن تكتب على الكعبة أو على كسوة الكعبة ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم ، أراد أن يحرّف القرآن؛ لأن كلمة وهو السميع البصير ، تطعن في معتقد ابن أبي دؤاد الذي ينكر السمع والبصر، بل ينكر كل الصفات الذاتية، والصفات الفعلية، فلذلك ذكر ابن قدامة في مقدمة كتابه هذه الآية لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( الشورى:11 ) .
والممثلة هم الذين يقولون: إن صفات الله كصفات المخلوقين، فيجعلون لله يدًا كيدنا، ولله وجها كوجهنا، ولله قدمًا كقدمنا، ولله كذا وكذا؛ تعالى الله عن ذلك، فردّ الله عليهم بهذه الآية، وبآيات أخرى كقوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ( مريم:65 ) يعني شبيهًا ومثيلا، وكقوله تعالى: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ( النحل:74 ) وينزه الله تعالى نفسه عن أن يكون له مثل.
وقد تكلم العلماء على هذه الآية، وقالوا في (كاف) ( ليس كمثله ): إن الكاف صلة لتأكيد النفي، أو أن المراد بالمثل الذات كما يقولون لمن يمدحونه: مثلك لا يغضب، ومثلك يحكم، ومثلك يعطي، يريدون أنت، فالمعنى: ليس كهو شيء، ليس شيء كهو أي مماثلا له.
وعبر بعضهم بالزيادة في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أن الكاف زائدة حتى لا يفهم أن لله مثلاً، يعني أنه قد يخاف أن لله تعالى مماثلاً، فيقال: ليس مثل مثل الله شيء، والصحيح أنه لا يقال في القرآن زائد، ولا لغو، فالقرآن كله حق، وكل حرف منه فيه فائدة، فإذًا نقول: إن الكاف صلة لتأكيد النفي، نفي المثلية، وسمعت من بعض المشايخ في التعبير عن الزيادة يقول:


يعني: أنه يعبر عنها بأربع عبارات: زائد، أو لغو، أو صلة، أو مؤكد، ولكن لا يطلق في القرآن كلمة لغو ولا كلمة زائد تنزيهًا للقرآن أن يكون فيه شيء زائد يمكن الاستغناء عنه، ومع ذلك تجدون كثيرًا من المفسرين يطلقون فيه الزيادة، ومنهم صاحب تفسير الجلالين جلال الدين المحلي عندما أتى على هذه الآية، قال: الكاف زائدة،ح؛ لأن الله - تعالى - لا مثل له، فلو قال: مؤكدة، أو قال: صلة لتقوية النفي لكان أبلغ.
وبكل حال؛ فالآية أفصحت عن نفي المثل لله تعالى، ولكن أفصحت أيضا عن إثبات صفة السمع وصفة البصر، وتجدون في كتب النفاة تكرار هذه الآية لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ( الشورى:11 ) لأنه ليس كمثله شيء، ولا يأتون بآخرها لأنه حجة عليهم، وبكل حال، الأصل أن نصف الله - تعالى - بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ونثبت لله صفات الكمال، وننزهه عن صفات النقص.

ص15


( طه:5-7 ) .
شرح:
هذا من جملة العقيدة ندين بأن له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ونعتقد أن أسماء الله - تعالى - كلها حسنى، وأن صفاته كلها عُلا، أي: رفيعة المعنى، ورفيعة المدلول، ذكر الله تعالى: أن له الأسماء الحسنى في ثلاثة مواضع: في سورة الأعراف: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ( الأعراف:180 ) وفي سورة طه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ( طه:8 ) وفي سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ( الحشر:24 ) .
يعتقد أهل السنة أن الله - تعالى - سمَّى نفسه بأسماء، وسماه بها رسله عليهم الصلاة والسلام، وأنها كلها حسنى، والحسنى مبالغة في الحسن، أي: أنها حسنة رفيعة المعنى جليلة القدر.
وقد ورد في الحديث المشهور الذي في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة ثم في رواية الترمذي وغيره سرد الأسماء إلى أن وصلت إلى تسعة وتسعين، ابتداء بالأسماء التي في آخر سورة الحشر: الرحمن الرحيم الملك القدوس إلى آخرها.
ورجّح العلماء أن سردها ليس مرفوعًا، وإنما هو من بعض الرواة جمعوها من القرآن، ومن الأحاديث، وقد تتبعها كثيرٌ من العلماء من الأدلة والنصوص، وجمعوا ما فيها من الأسماء كما فعل ذلك ابن القيم في ( الصواعق المرسلة )، وقبله البيهقي في ( الأسماء والصفات ) وتبعهما الحافظ الحكمي في ( معارج القبول شرح سلم الأصول ) وجمعها أيضًا: ابن حزم في ( المحلى )، ولكنه اقتصر على ما صح عنده، وأدخل فيها بعض الأسماء التي لم تثبت أنها أسماء؛ أخذ من قوله: وأنا الدهر أن الله يسمى بالدهر، وهذا خطأ.
وبكل حال؛ يعتقد المسلمون أن أسماء الله كلها حسنى، وأنه يدعى بها، ويعتقد المسلمون أن أسماء الله كثيرة لا تنحصر؛ لأن الله - تعالى - أجملها في هذه الآيات، ولم يذكر لها عددًا.
وأما الحديث: فليس فيه أنها محصورة في تسعة وتسعين اسمًا، وإنما أخبر بأن من أسمائه ومما تسمى به تسعة وتسعين اسمًا، اختصت بأن إحصاءها سبب لدخول الجنة، وإلا فلله أسماء كثيرة كما في الحديث الذي في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم: علم أصحابه دعاءً يدعون به، وأوله: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أَمَتِكَ، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك.. .
فأخبر بأن لله أسماء استأثر بها في علم الغيب، فدل على أن أسماء الله ليست محصورة بل هي كثيرة.
ثم المراد بإحصائها في قوله: مَن أحصاها دخل الجنة ليس هو مجرد حفظها؛ لكنه اعتقاد صحتها والعمل بها، واعتقاد مدلولها، فإن كل اسم دال على صفة.
وقد ذكر العلماء أن كل اسم من أسماء الله له ثلاث دلالات: دلالة على الذات، ودلالة على الصفة المشتقة منه، ودلالة على بقية الصفات، وتسمى دلالته على الذات: ( دلالة مطابقة )، ودلالته على الصفة المستنبطة منه: ( دلالة تضمُّن )، والدلالة على بقية الصفات: ( دلالة التزام ).
فمثال ذلك من أسماء الله ( الرحمن ) كما سمَّي نفسه به في عدة مواضع، هذا الاسم لا ينطبق إلا على الله إذا قيل: الرحمن انصرفت الأفهام إلى الرب تعالى، فهو دال على ذات الرب بالمطابقة، أي: إنه اسم للذات الربانية لا يدل إلا على الله، ولا يصح إلا لله تعالى،- كما إذا قلنا: ( محمد ) على الإطلاق فإنه ينصرف إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فدلالته عليه دلالة مطابقة.
كما أن دلالة ( الرحمن )، و( الرب )، و( العزيز ) على الله - تعالى - دلالة مطابقة، فالنظر في ( الرحمن ) أليس دالا على صفة؟ إنه مشتق من الرحمة، فدلالته على الرحمة التي هو مشتق منها نسميها دلالة تضمن، أي: في ضمن هذا الاسم ( الرحمة )، كما أن ( العزيز ) فيه صفة العزة، و( الغفور ) فيه صفة المغفرة، و( الحكيم ) فيه صفة الحكمة، و( الوهاب )، و( الرزاق )، و( الحكم )، و( العدل ).. كل اسم منها دال على صفة اشتقت منه، فهذه دلالة تضمن، أي: هذه الصفة في ضمن هذا الاسم.
أما دلالته على بقية الصفات، وعلى بقية الأسماء، فإنك تقول مثلًا: إذا سمي الله - تعالى - بالعليم فإن ذلك يستلزم الغِنَى والغفران والسمع والبصر، وهكذا يلزم من اتصافه مثلا بالسميع أن يكون بصيرًا ، ويلزم من اتصافه بالسميع أن يكون غنيًّا، وأن يكون رحيمًا، وأن يكون حكيمًا؛ لأنه إذا لم يتصف بذلك كان ذلك نقصًا في صفة الرحمة.
أي: كيف يكون رحيما وليس بغني، وكيف يكون رحيمًاً وليس بعزيز، وكيف يكون رحيمًا وليس بسميع بصير، وكيف يكون رحيمًا وليس بمتكلم، وكيف يكون رحيمًا وليس بحكيم، وهكذا.
فهذه دلالة التزام، إذا آمن المسلم بهذه الأسماء الحسنى، فمعناه أنه يعتقد دلالتها، يعتقد أن الله تسمى بالرحمن، وأنه متصف بالرحمة، وتسمى بالعزيز واتصف بالعزة، وتسمى بالحكيم واتصف بالحكمة، وتسمى بالسميع البصير، فيعتقد ذلك كله.
إذا فعل ذلك فقد أحصى هذه الأسماء، وإذا أحصاها واعتقد معناها، لزم من ذلك أن يدين بمقتضاها؛ لأنه إذا دان أن الله سميع وسع سمعه الأصوات، ماذا تكون حالته؟ أليس يخاف الله ويرجوه، وإذا دان أن الله بصير لا يستر بصره حجاب، ماذا تكون حالته؟ أليس يراقبه ويعبده؟ ويرجوه ويخافه؟ ويطيعه ويبتعد عن معصيته، إذا فعل ذلك، فإنه تقي نقي يكون ممن يُرجى له الجنة والنجاة من عذاب الله، فعرف بذلك أن إحصاءها التزام جميع الطاعات والبعد عن جميع المعاصي.

ص16



شرح:
إن صفات الله - تعالى - تليق به، وقد وصف نفسه بصفات كلها عُلا، ولكن معلوم أن هذه الصفات تختص بالموصوف بها، فلا يجوز أن تكون كصفات الخلق التي هي ناقصة ويعتريها التغير، ويعتريها الفقد، فكم من إنسان قوي عاقل ذكي، ولكن ينقصه صفات أخرى كالغنى أو الجود أو الحكمة ، أو القوة، أي: هو ضعيف أو فقير أو ضرير أو أصم أو أبكم، فقد تعتري الإنسان صفات النقص، ولكن صفات الله - تعالى - لا يعتريها نقص ولا تغير، بل هي غاية الكمال.
فإذا وصفنا الله - تعالى - بالسمع والبصر، فإنا نقول: إن سمعه ليس كسمع خلقه، وبصره ليس كبصر الخلق، فالإنسان لا يبصر ما وراء الحجب، ولا ما وراء الحيطان ونحوها، فإنه يستر بصره أدنى ساتر، والرب تعالى لا يستر بصره حجب، والإنسان سمعه مقصور على ما قرب منه، ولا يسمع ما بعُد، وتشتبه عليه اللغات، وتشتبه عليه الكلمات، والرب - تعالى - ليس كذلك.
وإذا وصفنا الله - تعالى - بالصفات الفعلية فإنها كلها صفات رفيعة، إذا وصفناه بأنه هو العلي، فقلنا: له العلو بجميع أنواعه؛ علو ذات، وعلو قدر، وعلو قهر؛ وكذا إذا وصفناه بالفوقية، فكذلك إذا وصفناه مثلا بالغنى وبالعطاء، وبالجود وبالكرم، وبالحلم وبالمغفرة فكلها في غاية الرفعة والمنعة، هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة.
وقد خالف في ذلك الأشاعرة مع شيوع مذهبهم وشهرته فهم يقرون بسبع صفات، وهي: السمع، والبصر، والكلام، والقدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، وينكرون بقيتها، فلا يقولون: إن الله موصوف بالصفات العلى جميعًا التي وصف بها نفسه، وهذا تنقص لله؛ لأنهم أنكروا صفات أثبتها الله لنفسه، ولكنهم يقرون بالأسماء جميعًا، وإن كانوا ينكرون دلالة بعضها.
أما المعتزلة، فإنهم ينكرون الأسماء ويتأولونها، أو ينكرون دلالتها فيقولون: إنها مجرد أعلام، كما لو أن إنسانًا سُمي بعدة أسماء، وتلك الأسماء مجرد أعلام يُعرف بها شخص ذلك الرجل، يعني: قد يسمى الإنسان بأسماء ولا تنطبق عليه صفاتها، أي: ليس كل من سمي سعدًا من أهل السعادة، وليس كل من سمي صادقًا يكون من أهل الصدق، وليس كل من سمي طاهرًا يكون مطهرًا، وليس كل من سمي مباركًا تكون فيه البركة، وقد يسمى الإنسان بسعد، وخالد، وزيد، ويسمى بعدة أسماء ولا تكون معانيها منطبقة أو مجتمعة فيه، وإنما سمي بها حتى يتميز عن غيره، كما يوصف بلقب أو بنسب إلى قبيلة، ونسبة إلى بلد، ونحو ذلك، فيقال مثلا: سعيد بن زيد بن درهم العبسي الكوفي اسم لشخص واحد سمي به حتى تعرف ذاته.
والمعتزلة يقولون: هذه الأسماء إنما هي لأجل معرفة الذات لا أنها دالة على صفات، ويصرح كثير منهم بنفي الصفات، ويقولون: سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، عليم بلا علم، حكيم بلا حكمة، رحيم بلا رحمة، تعالى الله عن قولهم.
وإذا قرأت القرآن تجد أن الله - تعالى - يختم آية الرحمة باسم الرحيم، ويختم آية النقمة باسم العزيز، أو ما أشبه ذلك؛ مما يدل على أن معانيها مقصودة، هذا ما يدين به المسلمون.

ص17


وهنا نجد الكتاب كاملا

http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=1&book=57&toc=3267


__________________
رد مع اقتباس