عرض مشاركة واحدة
  #69  
قديم 2013-07-06, 10:22 AM
نمر نمر غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-02-26
المكان: بلاد الاسلام بلادي
المشاركات: 1,255
افتراضي

صور من تثبت أهل الحديث عند سماع الأحاديث والحكم عليها
.

قصة شعبة بن الحجاج في التثبت


هنا قصة ذكرها ابن حبان في مقدمة كتاب:

المجروحين من طريق أبي الحارث الوراق، يقول وهو متروك؛

لكن القصة وردت من طريق الطيالسي -

أي: أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، ونبه عليها أبو الحجاج المزي في كتاب: تحفة الأشراف القصة الثالثة، يقول أبو الحارث الوراق : جلسنا بباب شعبة نتذاكر السنة، فقلت: حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر الجهني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ فتحت له أبوب الجنة الثمانية) أبو الحارث أكمل الحديث من هنا وشعبة لم يكن قد خرج من باب الدار، فسمعه وهو يقول هذا الحديث، فلطمه شعبة ودخل الدار. وكان مع شعبة عبد الله بن إدريس، فخرج شعبة وأبو الحارث يبكي، فقال عبد الله بن إدريس لـشعبة : إنك قسوت على الرجل؛ قال: إنه مجنون، إنه لا يدري ما يحدث، أنا سألت أبا إسحاق عن هذا الحديث، وسرد شعبة قصته مع هذا الحديث، كان شعبة حافظاً لأحاديث كثيرة جداً، لقد بذل شعبة جهوداً عظيمة من أجل تصحيح كثير من الأحاديث من ضمنها القصة التي حكيتها هذه، قال شعبة : أنا سألت أبا إسحاق السبيعي عن هذا الحديث، قلت له: سمعت هذا الحديث من عبد الله بن عطاء ؟ لماذا شعبة سأل أبا إسحاق ؟ لأن أبا إسحاق كان يدلس تدليس الإسناد.
وأنا أبين لك خطورة المسألة، ولقد طاف شعبة الدنيا وراء هذا الحديث؛ خشية أن يكون أبا إسحاق دلسه، ما معنى دلسه؟ تعريف الدلس في اللغة هو: اختلاط النور بالظلام، فتدليس الإسناد عرفه العلماء بقولهم: هو أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمع منه..
كيف ذلك؟ مثلاً: أنا محدث من المحدثين في زمن الإمام أحمد وأنتم تلامذة، فأقول: حدثني وكيع ، قال: حدثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن علقمة -مثلاً- أو عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود ، أو أنا مثلاً من طبقة الإمام أحمد ، قلت: حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس ، إسناد صغير لكي يسهل الفهم، سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس ، إسناد ذهبي، أنا الآن سأكون سفيان ، فأنت عندما تروي هذا الحديث عني ستقول: حدثنا سفيان -هذا واحد- قال: عن الزهري -هذا الثاني عن أنس هذا الثالث- إذاً أنت بينك وبين الرسول كم؟ ثلاثة، أنت تلميذي، وأخذت مني، وثبت لقاؤك لي، وبعد ذلك حصل لك ظرف فغبت عن المجلس في هذا اليوم، وأنا حدثت في المجلس الذي غبت عنه عشرة أو خمسة عشر حديثاً، وأنا لا أكرر الأحاديث التي أقولها، فأنت عندما ما ترجع من السفر سألت زملاءك: ماذا أخذتم؟ فقالوا لك: والله نحن أخذنا عشرة أو خمسة عشر حديثاً. إذاً: أنت عندما تريد أن تروي تلك الأحاديث هل ترويها عني أم عن زملائك؟ عن زملائك؛ لأنك لم تحضر، فلو قمت ورويتها عني ولم تسمعها مني بهذا الفعل صرت مدلساً، فإن قلت: حدثني فقد كذبت، وإن قلت: عن فقد دلست. إذاً: لكي تروي هذه الأحاديث لابد أن تقول: حدثنا فلان عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس ، إذاً: كم بينك وبين الرسول صلى الله عليه وسلم كم؟ أنت الآن نزلت درجة، كان بينك وبين الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة، الآن أصبح بينك وبينه أربعة، والعلو في الإسناد هو أن تقلل الوسائط بينك وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وكان علو الإسناد هو الدافع لبعض المحدثين على تدليس الإسناد؛ لأنه صعب عليه بعد ما بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فيلجأ إلى التدليس وهو أن يسقط صاحبه ويرويه عن شيخه الذي لم يسمع منه تلك الأحاديث.
إذاً: نرجع لتعريف التدليس، قال لك: هو أن يروي الراوي -الذي هو صاحبنا - عن شيخه الذي سمع منه وثبت لقاؤه به، وهو من تلاميذه ما لم يسمعه منه؛ لأنه كان غائباً، فهذا اسمه: تدليس الإسناد، وهذا أكثر أنواع التدليس دوراناً في الأسانيد.
اعلم أن أصل كلمة: (عن) فيها شوب اتصال، يعني لها وجهان، وجه يفيد الانقطاع، ووجه آخر يفيد الاتصال، لكن لو قلت: حدثني ابن تيمية هل ينفع؟ لا.
ولا يلتبس على أحد أن هذا الكلام كذب؟ لأن ابن تيمية مات سنة (728هـ) ونحن الآن في القرن الخامس عشر، لكن لو قلت: عن ابن تيمية أنه قال: لا يقدر أحد يدافعني، أو يرد عليَّ، لماذا؟ لأني ذكرته عنه ولم أروه، وقد أقول لك: أنا لم أسمعه منه ولم أحدث به على أني سمعته منه وإنما ذكرته عنه بلفظة (عن).
إذاً: لفظة (عن) واسعة، فالمدلس يدخل بلفظة (عن) على المحدثين، لا تستطيع أن تقول له: أنت كذاب.
فسيقول لك: أنا لم أقل: (حدثني)، ولهذا الذي يدلس لا يقول: (حدثني) أبداً، ولو قالها كذبوه، ويقولون إنه كذاب، ويسقطونه مباشرة، لكن نقول: عنه: روى الحديث فلان وهو مدلس وقد عنعنه.
لفظة (عنعنه) أي: رواه بلفظة (عن).
المهم أن أبا إسحاق السبيعي كان ممن يدلس تدليس الإسناد، وشعبة بن الحجاج كان يكره التدليس جداً، وكان يقول: (التدليس أخو الكذب) وكان يقول: (لأن أشرب من بول حمار حتى أروي ظمئي أحب إلي من أن أدلس) وكان يقول: (لئن أزني أحب إلي من أن أدلس) قول شعبة هذا يقصد به التنفير عن التدليس، والتشنيع على من يفعله، كقول الله تبارك وتعالى: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] هذه الآية ليس فيها حرية الكفر، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور) يعني: لو ذهب هذا وأشهد الصديق هل ينفع أن يشهد؟ لا ينفع.

وكقول إبراهيم النخعي للذي جاء يسأله عن العقيقة؟ قال: عق ولو بعصفور.

مع أن العلماء اتفقوا أن العقيقة لا تحل لا بالعصفور ولا بالبط ولا بالوز، وإنما تكون من الأزواج الثمانية، من كل ما يخرج من الأنعام. المهم أن شعبة كان شديد النكير على المدلسين، فـأبو إسحاق كان مدلساً، فكان شعبة لا يمكن أن يقبل من أبي إسحاق أي حديث إلا بعد أن يسأله، أنت سمعت هذا من شيخك؟ شعبة بعد أن سمع هذا الحديث من أبي إسحاق قال له: أسمعته من عبد الله بن عطاء ؟ فغضب أبو إسحاق وأبى أن يجيب؛ إذاً: فقد دلس أبو إسحاق ، فكان في مجلس أبي إسحاق السبيعي مسعر بن كدام ، ومسعر بن كدام أحد الأئمة الثقات الكبار الحفاظ،

كان أبو حاتم الرازي يقول: مسعر المصحف. ماذا يعني المصحف؟
يعني: أنه لا يوجد عنده خطأ في الحديث من قوة حفظه وإتقانه، كالمصحف لا يوجد زيادة ولا نقصان، كذا قال: مسعر كالمصحف. فـمسعر بن كدام لما رأى أبا إسحاق فد غضب بسبب إصرار شعبة على أنه سمع أو لم يسمع، قال مسعر : يا شعبة ! إن عبد الله بن عطاء حي بـمكة ، فاذهب إليه، وشعبة كان في البصرة ، ومعلوم أنه سيركب الجمال أو الحمير، وكأنه يقول له: إذا كنت تريد أن تتأكد، فاذهب إلى مكة واسأل عبد الله بن عطاء عن هذا الحديث. قال شعبة : فخرجت من سنتي إلى الحج ما أريد إلا الحديث. المهم أنه خرج من البصرة وذهب إلى مكة فلقي عبد الله بن عطاء ، وكان رجلاً شاباً، قال له: حديث الوضوء.

هل سمعته من عقبة بن عامر ؟ قال: لا.
-إذاً أبو إسحاق السبيعي دلس في الإسناد-. قال له: لا.
إنما حدثنيه سعد بن إبراهيم ، وسعد بن إبراهيم هذا مدني، من أهل المدينة ، قال شعبة : فلقيت مالكاً في الحج فقلت له: أحج سعد بن إبراهيم ؟ قال: لم يحج العام.
قال: فقضيت نسكي وتحللت، وانحدرت إلى المدينة ، فلقيت سعد بن إبراهيم ، قلت له: حديث الوضوء أسمعته من عقبة بن عامر ؟ قال: لا.
ولكن حدثني به زياد بن مهران ، من عندكم خرج -من البصرة -.
فخرجت وذهبت إلى زياد وأنا كثير الشعر وسخ الثياب، فقلت: حديث الوضوء، أسمعته من عقبة بن عامر ؟ قال: لا.
وقال لـشعبة : ليس من حاجتك.
قال: لا بد.
معنى ذلك أنه لن ينفعك، أنت صاحب البضاعة الجيدة والأسانيد المتينة، فهذا لن ينفعك، قال: لا بد، قال: لا أحدثك حتى تذهب إلى الحمام فتغتسل وتغسل ثيابك وتأتيني.
قال: فدخلت الحمام واغتسلت، وغسلت ثيابي وأتيت، فقلت له: حديث الوضوء، أسمعته من عقبة بن عامر ؟ قال: لا.
وإنما حدثني به شهر بن حوشب ، فقال له: شهر عن من؟ قال: عن أبي ريحانة ، عن عقبة بن عامر .
إذاً كم صاروا؟ أربعة، عرفت التدليس ماذا يعمل؟ وشعبة طاف الدنيا من أجل حديث واحد، لو كانت عشرة آلاف حديث عند شعبة ، وكل حديث له قصة مثل هذه لوجب علينا أن نعظم شعبة ونجله، وبهذا نعرف ما بذل المحدثون من الجهود العظيمة حتى جمعوا الأحاديث من الآفاق وصنفوها، ووضعوها في الكتب، وهيئوها. قال شعبة : والله لو صح هذا الحديث لكان أحب إليَّ من أهلي ومالي.

لأن فيه فضيلة عظيمة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ فتحت له أبواب الجنة الثمانية) فضل عظيم. ولا يفوتني أن أنبه أن هذا الحديث صحيح، لكن ليس من الطريق الذي أنشأه شعبة ، ورود الفضيلة ثابتة بحمد الله كما في صحيح مسلم ، ولكن من طريق آخر ومن وجه آخر غير الذي و قع لـشعبة بن الحجاج رحمه الله وأنكره.
فتصور كيف قام العلماء والمحدثون وطافوا في الآفاق، وصنفوا الكتب ورتبوها.

ذكر السيوطي رحمه الله أهل الحديث في ألفيته وذكر تصنيفهم وتصحيحهم للكتب حيث قال: أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمراً له عمر يعني: عمر بن عبد العزيز . وأول الجميع للأبواب جماعة في العصر ذي اضطراب كـابن جريج وهشيم المالكـي ومعمر وولد المبارك ولد المبارك الذي هو ابن المبارك .

وأول الجميع باقتصار على الصحيح فقط البخاري ومسلم من بعده والأول -يعني البخاري - على الصواب في الصحيح أفضل ومن يفضل مسلماً فإنما ترتيبه وصنعه قد أحكما وانتقدوا عليهما يسيراً فكم ترى نحوهما نصيرا وليس في الكتب أصح منهما بعد القرآن ولهذا قدما يعني:


لا يوجد بعد القرآن أصح من البخاري و مسلم . إذاً: العلماء الكبار كـابن جريج وهشيم ومالك ، ومعن بن راشد الأزدي ، أبو عروة البصري ، وابن المبارك لم يجمعوا الأحاديث الصحيحة على الأبواب، إنما أول شخص جمع الحديث الصحيح واقتصر عليه هو البخاري ، ثم مسلم ، واتفق العلماء أن البخاري أفضل من مسلم ، وأحاديثه أقوى، وشرطه أمتن من مسلم رحمه الله، لكن ليس بعد القرآن أصح من هذين الكتابين. إذا نظرنا إلى قضية جمع العلماء للحديث، وتصنيفهم لهذا الحديث، ووضعهم القواعد التي شهد الأعداء قبل الأصدقاء أنه لم تتفتح أذهان بشر قط في أمة من الأمم إلا في أمة المسلمين، عن مثل هذا العلم إلا فيهم، فهذا مستشرق مبغض وحاقد على الإسلام وأهله، ومع ذلك يقول: ليفخر المسلمون بعلم حديثهم.


أتدرون أن أصح إسناد عند النصارى في الإنجيل تجد الانقطاع فيه تصل مدته ثلاثمائة سنة؟

يعني أن هذا الانقطاع سقط منه قرون وأمم، انقطاع بين الراوي وشيخه ثلاثمائة سنة، نحن لو وقع الانقطاع لمدة قصيرة فإنه بهذا الانقطاع يسقط الحديث. هل تعرف ابن معين ؟ ابن معين هذا محبوب لدينا رحمة الله عليه، ابن معين أبو زكريا، كانت له مواقف عظيمة في نقد الرجال وتنقية الأسانيد لقد لقي المحدثون متاعب كثيرة، فقد طافوا البلدان من أجل نقل الحديث وتصحيحه.
رد مع اقتباس