[ايوب نصر]

(2)


و انا احضر لكتابة هذه المقالة ، كان اكثر شيء يشغل تفكيري ، هو مقدمة افتتح بها الكلام ، و ادير عليها ما يجول في ذهني من افكار ، و كنت قد جهزت نفسي لانطلق مما حدث سنة 2013 من مناظرة بين الاستاذ عبد الله العروي و نور الدين عيوش ، و قد كان للاستاذ عبد العروي ، و رغم الاشياء الكثير التي ننقمها عليه ، موقف حاسم في رد الدعوة الى العامية و ادخالها في مناهج التعليم ،و لكن يسر الله لي رجلا و امراة ، الهماني فكرة ادير عليها هذه المقالة ، قبل ان اتجه للكلام في مسائل اخرى في المقالات القادمة ، اذا يسر الله كتابتها و نشرها .

استضافت الاذاعة الوطنية في احد برامجها ، و الذي خصصته لمناسبة الدخول المدرسي ، رجلا من الاطر التي تعمل بوزارة التعليم ليجيب على الاشكلات التي سيطرحها المتصلون ، و كان من بين المتصلين امراة تطرقت لموضوع الفصحى و العامية ، و كان ملخص كلامها انه اذا تركنا الفصحى سياتي جيل لن يستطيع التعامل مع القران و السنة و الارث العلمي و الادبي الذي انتجه العرب عبر قرون متطاولة ، لم يتفق مثله لاي امة من الامم .

و اما رده عليها فالخصه لك في نقاط :
1_ اتهمها باهانة العامية
2_ زعم ان العربية الشريفة ليست لغة علم ، و انما لغة العلم هي الانجليزية
3_ لمح الى ان الناس يتخلون عن لغتهم اذا لم تكن لغة علم و ضرب مثلا بالفرعونية ، في اشارة الى انه حان الوقت لتجاوز الفصحى

و قبل ان نسارع الى الرد ، و كشف ما تحت ايدينا ، و ما يجول في ذهننا ، فلا بد ان نسأل سؤالا : ما علاقة النقاش حول الفصحى و العامية بالانجليزية و الفرعونية و اي اللغات هي لغة العلم ؟؟؟
و هذا يكشف عن كره دفين للعربية ، و نية خبيئة تهدف الى الحط من قدرها و الغض من ذكرها .

و دعني الان يا صاحبي ارجع للنقاط التي لخصتها لك من كلام صاحبنا ، فاتهامه للاخت التي اتصلت بانها اهانت العامية ، فيه ضرب من التجني و الكذب عليها ، حتى ان مضيفته حاولت ان تبلغ له باسلوب لين ان الاخت المتصلة لم تهن العامية ، و لو انه غضب للفصحى ، غضبته التي غضبها للعامية ، و قام فينا رجال غضبوا معه نفس تلك الغضبة و تعصبوا للفصحى ، لسادت الفصحى العالم ، و لعلك تسألني : و كيف ذلك ؟؟ اقول لك لا تستعجل ، و انما تابع هذه المقالات و سيظهر لك ، ما اخفيته هنا ، في معرض الرد عن النقطة الثانية و في مواطن اخرى .

زعم صاحبنا ان العربية الشريفة ليست لغة علم ، و انما لغة العلم هي الانجليزية ، و هذا كلام لا ينطق به الا احد الرجلين ، اما جاهل بالعربية الشريفة ، او حاقد عليها ، و هو ادرى بنفسه و حاله .
و الذي لا يعلمه صاحبنا هو ان الناس خدم للغة ، و ان لغة قوم تزهو و تعلو بزهوهم و علوهم ، و تنحط بانحطاطهم ، فلو كنا قوما اهل علم حديث و تكنولوجيا و صناعة ، لكانت لغتنا كذلك ، و لكننا قوم ركنا للانحطاط و رضينا بالراحة و التخنث ، و القينا بالاسباب على لغتنا ، فاصبحنا نعيبها و العيب فينا ، فلغتنا تحتاج رجالا يقومون بها لتقوم بهم ، فكيف نلومها على عدم قيامها بنا و نحن لم نقم بها .

و العربية الشريفة هي الوحيدة التي تصلح ان تكون لغة علم ، فباقي اللغات امامها اعيياء ، و ذلك انها بلغت درجة الكمال هناك في صحاري الجزيرة العربية قبل البعثة ، و هذا تطور في شقه الاول ، هو تطور اسست فيه العربية لنفسها من المناهج و الخاصيات الكاملة المتكاملة ما يمكنها من القيام بتطورها في شقه الثاني و هو التطور الذي يجعلها تتلائم مع اي مكان و زمان توضع فيه ، فلا يعجزها ان تعبر عن نظرية علمية او ان تطلق اسما على الة جديدة .

و على راس هذه الخاصيات نجد خاصية الاشتقاق ، و خاصية تبديل بعض حروف الالفاظ لتوافق الاوزان العربية ، كما ان للعربية خاصية لطيفة المأخذ ، تكفي وحدها للرد على من يتعلقون بشبهة ان العربية لا تساير العلم ، و هي التناسق الصوتي بين اللفظ و المعنى ، فالعرب كانوا يستنبطون اسماء للافعال و الاصوات تشبه اصوات تلك الظواهر الفعلية و الصوتية المراد التعبير عنها ، و هذه الخاصية اضافة الى باقي خاصياتها من اشتقاق و تبديل ، تجعل للعربية قدرة و قوة على التهام كل العلوم ، بل و اني استطيع ان اقول انها قادرة على التهام كل اللغات ، لان باقي اللغات محدودة و العربية شاملة مطلقة ، و باقي اللغات ناقصة و العربية الشريفة كاملة متكاملة ، و ما ذكرته لك في الرد على النقطة الثانية كاف للرد على الثالثة ، و لذلك اعفيت نفسي من مشقة التطرق لها ايضا .

هذا و لا بد من لفت النظر الى امر ، و هو اذا كانت الانجليزية هي لغة العلم ، فلماذا ندخل الالفاظ العامية في مقررات العربية ؟؟؟ و لا يفسر هذا الا وجود نية مبيتة ، لا ليتطوير الامة و الرقي بمستواها العلمي و الفكري ، و انما لاغراقها في الذل و المهانة ، و لنا وقفة بعد حين مع هذا الامر .

وتستمر الرحلة
كتب : الاثنين 29 ذو الحجة 1439 ( 10/092018)