عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2008-02-22, 10:31 PM
سالم سالم غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2007-12-11
المشاركات: 66
Question

الصلاة على النحو الذى نؤديها به الآن فى الإسلام قد انحدرت إلينا من ديانة إبراهيم، يريدان أن يقولا إنه ليس للسُّنّة فضل فى هذا. وقد تساءلت فى ردى: إذا كان الأمر كذلك فمعناه أن الجاهليين كانوا يصلّون بصلاتنا ويقرأون فيها بقرآننا ويصلّون على نبينا، فهل هذا ممكن؟ أم تراهما يقولان إنها قد وردت فى صحف إبراهيم مثلا؟ فأين هذه الصحف يا ترى؟ وهل كان إبراهيم عليه السلام يقرأ الفاتحة مثلنا...إلخ؟ بل هل كان العرب الجاهليون يعرفون الصلاة أصلا بهذا المعنى؟ لقد كانت الصلاة فى حياة العرب آنذاك تعنى الدعاء مطلقا، أما الأفعال والأقوال على تلك الهيئة المخصوصة التى نطلق عليها فى دين محمد: "الصلاة" فلم يكونوا يعرفونها، وإلا لجاءت فى الشِّعْر الجاهلى بهذا المعنى.
ثم إن هناك آيات قرآنية لا يمكن فهمها، أو على الأقل لا يمكن فهمها فهما سليما أو دقيقا، إلا إذا عُرِفَ سبب نزولها مما ذكرته الأحاديث أو الروايات المشابهة للأحاديث، وإن لم ندّع لهذه الروايات العصمة دائما، لكنها بكل يقين أفضل من ترك الميدان سداحَ مداحَ لكل خرّاصٍ منافقٍ يلعب بالبيضة والحجر ممن لا يلتزمون بمنطق ولا عقل ولا يعتمدون على وقائع التاريخ النبوى، بل يتركون العِنَان لأفكارهم الشيطانية جريًا على تخطيطات القوى العالمية إياها لتحقيق الأهداف الشيطانية إياها. ونضرب على ما نقول الأمثلة التالية، وقد اعتمدتُ فيها على كتاب "أسباب النـزول" للواحدي النيسابوري: ففى الآية 104 من سورة "البقرة" نقرأ قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا، لا تقولوا: راعِنَا، وقولوا: انْظُرْنا..."، فكيف يا ترى يمكن أن نفهم ما فيها من الأمر والنهى دون أن نعرف ما جاء فى سبب نزولها مما هو مرتبط بسيرة النبى عليه السلام وأحاديثه، إذ "قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها (أى يستعملون فى تخاطبهم كلمة "راعنا")، فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم أعجبهم ذلك وكان رَاعِنَا في كلام اليهود سبًّا قبيحًا فقالوا: إنا كنا نسبّ محمدًا سرًّا فالآن أَعْلِنوا السبّ لمحمد لأنه من كلامهم، فكانوا يأتون نبي الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد رَاعِنَا . ويضحكون، ففطن بها رجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان عارفا بلغة اليهود وقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله! والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه، فقالوا: ألستم تقولونها له؟ فأنـزل الله تعالى: يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنوا لا تَقولوا رَاعِنَا الآية". ولزيادة الأمر إيضاحا أذكر أنى قرأت أن الكلمة فى العبرية تعنى "الرعونة"، ومن هنا نهى الله سبحانه المسلمين عن استعمالها فى خطابهم لسيد الأنبياء والمرسلين حتى لا يعطوا الأوغاد فرصة للسخرية منه ومنهم بخباثتهم وقلة أدبهم المعروفة عنهم. كذلك كيف يمكن فهم قوله تعالى فى الآية 187 من ذات السورة: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" دون أن نطلع على الرواية الخاصة بسبب نزولها حتى لا نصنع كما كان بعض الصحابة يصنعون فى البداية، وهذا نصها: "أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا أبو عمرو الحيري قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: نـزلت هذه الآية: وَكلوا وَاشْرَبوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكم الْخَيْط الأَبْيَض مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ولم ينـزل مِنَ الْفَجْرِ وكان رجال إذا أرادو الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنـزل الله تعالى بعد ذلك: مِنَ الْفَجْرِ فعلموا أنه أنما يعني بذلك الليل والنهار، رواه البخاري عن ابن أبي مريم، ورواه مسلم عن محمد بن سهل عن أبي مريم".
وبالمثل كيف يمكن فهم قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا، لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كَرْهًا..." (النساء/ 19) دون أن نعرف أن الميراث هنا ليس أن نرث ما تركه هؤلاء النسوة من مال، بل أن يرثهن الرجل أنفسهن بوصفهن متاعًا يُورَث حسبما وضّحت الرواية التالية: "قال المفسرون: كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام، إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء أن يتزوّجها بغير صداق، إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئًا، وإن شاء عَضَلها وضارّها لتفتدي منه بما ورثت من الميت، أو تموت هي فيرثها، فتوفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية، فقام ابن له من غيرها يقال له: حصن، وقال مقاتل: اسمه قيس بن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها، فورث نكاحها ثم تركها، فلم يقربها ولم ينقق عليها يضارّها لتفتدي منه بمالها، فأتت كبيشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث ابنه نكاحي وقد أضرّ بي وطوَّل علي، فلا هو ينقق علي، ولا يدخل بي، ولا هو يخلِّي سبيلي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله" قال: فانصرفت وسمعت بذلك النساء في المدينة، فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: ما نحن إلا كهيأة كبيشة غير أنه لم ينكحنا الأبناء ونكحنا بنو العم، فأنـزل الله تعالى هذه الآية".
أم كيف بالله يمكن، دون الاطلاع على روايات أسباب النزول، أن نفهم على وجهه الصحيح قول الحق تبارك وتعالى فى الآيات 82- 86 من سورة "المائدة" ولا نقع فى المحظور الذى يحاول أن يوقعنا فيه بعض من ليسوا بمسلمين فنتوهم أنه سبحانه وتعالى يمدح النصارى ويُشِيد بقساوستهم ورهبانهم رغم بقائهم على نصرانيتهم وتثليثهم وتصليبهم ورفضهم الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، ومعروف أن من يكفر ولو بنبى واحد فإنه يكون من الكافرين حقا كما جاء فى الآيات 150- 152 من سورة "النساء"، فما بالنا بمن يكفر بخاتم الأنبياء والمرسلين، الذى جاء إلى الناس كافة لا إلى العرب وحدهم على خلاف الأنبياء السابقين الذين كانوا يُبْعَثون إلى أممهم فحسب؟ إن الآيات تتحدث عن فريق بعينه من النصارى أتى إلى النبى عليه السلام وسمع منه القرآن فتأثرت قلوبهم وجاشت مشاعرهم فبكَوْا وأعلنوا إيمانهم بمحمد ودينه وأصبحوا مسلمين، مثبتين بذلك أن قساوستهم ورهبانهم هم قساوسةٌ (أى علماءُ) ورهبانٌ (أى عبّادٌ) حقيقيون. ومن ثم فلا معنى أبدا لما يُلَبّس به طوائفُ من غير المسلمين على عوامّنا وأشباههم زاعمين لهم أن القرآن يُثْنِى على النصارى ورجال دينهم رغم رفضهم للإسلام ونبيه وبقائهم على ما هم عليه مما جاء محمد لإبطاله وتبيين مخالفته لدين الله. وهذه هى الآيات المذكورة: " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82}وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ {83} وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ {84} فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ {85} وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {86". ثم ها هو ذا ما ورد فى سبب نزولها: "قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ الآيات 82-86 إلى قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا نـزلت في النجاشي وأصحابه. قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب وابن مسعود في رهط من أصحابه إلى النجاشي وقال إنه ملك صالح لا يظلم ولا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجًا، فلما وردوا عليه أكرمهم وقال لهم: تعرفون شيئًا مما أنـزل عليكم؟ قالوا: نعم، قال: اقرءوا. فقرءوا وحوله القسيسون والرهبان، فكلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، قال الله تعالى: بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنـزلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ الآية. أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدون بن الفضل قـال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث قال: حدثني الليث قال: حدثني يونس عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن عروة بن الزبير وغيرهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضَّمري بكتاب معه إلى النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه، فأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم، ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة "مريم" عليها السلام فـآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع، وهم الذين أنـزل فيهم: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى إلى قوله: فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وقال آخرون: قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو وأصحابه ومعهم سبعون رجلا بعثهم النجاشي وفدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثياب الصوف، اثنان وستون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام، وهم بحيرا الراهب وأبرهة وإدريس وأشرف وتمام وقثيم ودريد وأيمن، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة "يس" إلى آخرها، فبَكَوْا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينـزل على عيسى، فأنـزل الله تعالى فيهم هذه الآيات. أخبرنا أحمد بن محمد العدل قال: حدثنا زاهر بن أحمد قـال: حدثنا أبو القاسم قال: حدثنا البغوي قال: حدثنا عليّ بن الجعد قال: حدثنا شريك عن سالم، عن سعيد بن جُبَيْر في قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا قال: بعث النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيار أصحابه ثلاثين رجلا فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة "يس" فبَكَوْا، فنـزلت هذه الآية".
وعلى نفس الشاكلة فإننا لا نستطيع أن نفهم على وجهه الصحيح قوله تبارك جلاله فى الآية 93 من سورة "المائدة": "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناحٌ فيما طَعِموا إذا ما اتَّقَوْا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتَّقَوْا وآمنوا ثم اتقَوْا وأحسنوا، والله يحب المحسنين"، فظاهر الآية قد يُفْهَم منه أنه لا حرج على المسلم أن يأكل ما يشاء ويشرب ما يشاء ما دام تقيًّا محسنا، حتى لو طعم الخنزير والميتة وشرب الخمر. أما إذا عرفنا سبب نزولها فقد انجلى كل شئ وتبين لنا أنها لا تعنى شيئا من هذا البتة، بل الكلام فيها عمن مات من المسلمين وكانوا يشربون الخمر قبل تحريمها فظن المسلمون أنهم فى النار لأنهم لم تُتَحْ لهم الفرصة للإقلاع عنها كما أتيحت لهم هم: " قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا الآية. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي، عن حماد، عن أنس قال: كنت ساقي القوم يوم حُرِّمَت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفَضِيخ والبُسْر والتمر، وإذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قـد حرّمت، قال: فحرت في سكك المدينة، فقال أبو طلحة: اخرج فأَرِقْها، قال: فأَرَقْتُها، فقال بعضهم: قُتِل فلان وقُتِل فلان وهي في بطونهم، قـال: فأنـزل الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا الآية. رواه مسلم، عن أبي الربيع ورواه البخاري. عن أبي نعمان، كلاهما عن حماد. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكى قال: حدثنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال: مات من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر فلما حرمت قال أناس: كيف لأصحابنا ماتوا وهم يشربونها؟ فنـزلت هذه الآية: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا الآية"... وأحسب أن هذا يكفى، فلا داعى للمضىّ فى ضرب أمثلة أخرى.
ثم ما الذى فى الأحاديث التى قالها النبى صلى الله عليه وسلم مما يمكن أن يكون مناقضا للقرآن أو يؤدى بمن يصدّقه ويتخذه مثلا أعلى يعمل على احتذائه فى سلوكه إلى الجحيم يا مفترى؟ ترى ماذا فى الحديث الذى ينص على أن العلماء هم ورثة الأنبياء، أو الحديث الذى يؤكد أن فضل العالم على العابد كفضل البدر على سائر الكواكب، أو الحديث الذى يقول إن مداد العلماء يُوزَن بدماء الشهداء، أو ذلك الذى ينبئنا بأن إماطة الأذى عن الطريق أو أن تبسُّم الواحد منا فى وجه أخيه صدقة، أو ذلك الذى يغرينا بالتفكير المستقل القائم على أساس المنطق والعقل والإحاطة بالموضوع من كل أطرافه والتعمق فيه، ويبشّرنا بما لا وجود له فى أى نظام تربوى أو فلسفى أو سياسى من أن المجتهد مأجور حتى لو أخطأ فى اجتهاده، أو الذى ينبهنا فيه عليه السلام إلى أن الصدقة فى السر تطفئ غضب الرب، أو أن اليد الخشنة من أثر العمل والكدّ هى يد يحبها الله ورسوله، أو أن العين التى بكتْ من خشية الله أو باتت تحرس فى سبيل الله لا تَمَسّها النار أبدا، أو أن من رُزِق من البنات ولو بواحدة فأحسن تربيتها وزوّجها دخل الجنة، أو أن الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه، أو أن السِّقْط ليأخذ بيد أبويه فى موقف الحساب ويراغم ربه حتى يُدْخِلهما الجنة، أو أن أحق الناس بصحبة الابن هى أمه ثم أمه ثم أمه ثم أبوه، أو أن مجامعة الرجل لزوجته حسنة من الحسنات يُؤْجَر عليها من الله وليست مجرد شهوة تُشْبَع، أو أن إتباع السيئة الحسنة يمحوها فلا يحاسَب الإنسان عليها، أو أنه سبحانه قد رفع عنا السهو والنسيان وما استُكْرِهْنا عليه، أو أن الله قد خلق لكل داءٍ دواء، أو قول الرسول الكريم لرجل أخذه الخوف منه: هَوِّنْ عليك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة، أو قوله: لا تُطْرُونى كما أَطْرَتِ النصارى عيسى بن مريم، كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان فى الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أو تسبِّحون وتحمِّدون وتكبِّرون دُبُرَ كل صلاة ثلاثا وثلاثين، أو من آذى ذمّيًّا فأنا خصيمه يوم القيامة، أو من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، أو إن من الذنوب ذنوبا لا يكفِّرها إلا العمل، أو ادرؤوا الحدود بالشبهات، أو إنما الصبر عن الصدمة الأولى، أو اسْتَوْصوا بالنساء خيرا، أو خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى، أو ليس الإيمان بالتمنى، ولكنْ ما وَقَر فى القلب، وصدّقه العمل، أو إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، أو إن الشيطان لَيَجْرِى من ابن آدم مجرى الدم فى العروق، أو الحياء من الإيمان، أو إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجَ اثنان دون الثالث، أو إذا لم تستح فاصنع ما شئت، أو إذا بُلِيتم فاستتروا، إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، أو ذو الوجهين يُكْتَب عند الله كذابا، أو اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعْمِل عليكم عبدٌ حبشىٌّ كأن رأسه زبيبة، أو النظافة من الإيمان، أو إن الله جميل يحب الجمال، أو مالكم تدخلون علىَّ قُلْحًا؟ استاكوا (أى نظِّفوا أسنانكم بالمسواك ولا تتركوها صفراء)، أو إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، أو نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع، أو ما ملأ ابن آدم وعاءً شَرًّا من بطنه، أو رَضِينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ نبيًّا ورسولا، أو اللهم أسلمتُ وجهى إليك، وفوَّضْتُ أمرى إليك، وألجأتُ ظهرى إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا مَلْجَأَ ولا مَنْجَى منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذى أنزلتَ، ونبيّك الذى أرسلتَ، أو لا رهبانية فى الإسلام، أو أَنْفِقْ ولا تخش من ذى العرش إقلالا، أو تَعِسَ عبد الدينار! تَعِسَ عبد الدرهم! أو ما نقص مالٌ من صدقة، أو طَلَبُ العلمِ فريضةٌ على كل مسلم ومسلمة، أو اطلبوا العلم من المهد على اللحد، أو من خَرَجَ فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع، أو من فرّج عن مسلمٍ كُرْبة من كُرَب الدنيا فرّج الله عنه كُرْبة من كُرَب يوم القيامة، أو سبعةٌ يُظِلّهم الله فى ظلّه يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشابٌّ نشأ فى عبادة الله، ورجل دعته امرأةٌ ذات منصب وجمال فقال: إنى أخاف الله...، أو إن الله لَيُمْلِى للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِته، أو من لا يشكر الناس لا يشكر الله، أو دخلت امرأةٌ النار فى هِرّة حَبَسَتْها: لا هى أطعمتْها، ولا هى تركتْها تأكل من خَشَاش الأرض، أو اتّقُوا النار ولو بشِقّ تمرة، أو إن المنبتّ لا أرضًا قطع ولا ظَهْرًا أبقَى، أو من بات كالاًّ من عمل يده بات مغفورًا له، أو إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يُتْقِنه، أو إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فَسِيلَةٌ فلْيغرسها، أو أَلْقِ السلام على من تعرف ومن لا تعرف، أو لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، أو اطلبوا الرزق بعزة الأنفس، أو الغنى غنى النفس، أو لا ينبغى للمؤمن أن يُذِلّ نفسه، أو ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب، أو (قوله عليه السلام لشاب خطب فتاة:) انظر إليها، فإنه أَحْرَى أن يُؤْدَم بينكما، أو لا تُنْكَح البِكْر حتى تُسْتَاْذَن ولا الأيِّّم حتى تُسْتَأْمَر، أو ادرؤوا الحدود بالشبهات، أو يسِّروا ولا تعسِّروا، أو من أَمّ فى الصلاة فلْيخفِّف، فإن منكم الضعيف وذا الحاجة، أو أَحِبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك، أو إخوانكم خَوَلكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فلْيُطْعِمْه مما يَطْعَم، وليُلْبِسْه مما يلبس، ولا تكلفوهم فوق طاقتهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم، أو اتقوا الله فى الضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم، أو رفقًا أَنْجَشَةُ بالقوارير (يدعو الجمّال أن يرأف بمن يركب بعيره من أفراد الجنس اللطيف وأن يراعى رقتهن وضعفهن)، أو... أو... أو...إلخ مما لا يكاد ينتهى من التوجيهات والتشريعات والأدعية النبوية العبقرية التى أكرمنا الله بها والتى ذكرتُ ما ذكرتُه منها هنا ارتجالا من محفوظ الذاكرة منذ الطفولة والصبا وبالمعنى فى بعض الأحيان، وأرجو ألا أكون قد أخطأت فى شىء منه، ثم يريد بعض الكارهين لنبينا العظيم أن يُنْكِروها ويكدّروها علينا توصلا من ورائها إلى إنكار القرآن بعد ذلك ثم التعفية على الإسلام جملةً وتفصيلاً عندما تنضج الظروف؟ ألا شاهت الوجوه والعقول والنفوس النجسة المتقيحة بالضغن على الإسلام مهما تشدقت بالحرص على التوحيد؟ أليس مضحكا أن يحاول هؤلاء الحمقى المأفونون الاستدراك على رسول الله وعلى أتباعه فى أهم ما يتميز به الإسلام، ألا وهو توحيد الله عز وجل؟ اللهم خذ كل كذاب منافق يحادّك أنت ونبيك ويوالى أعداءك ويمدحهم ويكتب فيهم الغزل المتدلِّه المتولِّه المتأوِّه ويتطاول على الصدّيق والفاروق وخدّام السنة النبوية من العلماء الأبرار، أخذ عزيز مقتدر، يا شديد يا جبار يا متكبر!
وتطبيقا لضلالاته فى موضوع السنة النبوية وإنكارها تمهيدا لإنكار القرآن أيضا ثم الإسلام كله فيما بعد على سياسة كيسنجر الخبيثة (سياسة الخطوة خطوة)، يقول الكاهن الأعظم فى معبد المُرُوق والتدمير إنه "إذا حاول باحث أن يتفهم الآيات وأن يناقش روايات التراث عن موضوع حديث الإفك تناولته الاتهامات كما لو أن أسطورة تخلف عائشة عن ركب النبى واتهامها أصبحت من المعلوم من الدين بالضرورة". والرد على ذلك الكلام التافه سهلٌ جِدّ سهلٍ: فالكاتب يحاول التشكيك فى التاريخ دون أن يكون فى يده دليل على هذا التشكيك الذى يعمل على بثّه فى ثانى مصدر من مصادر ديننا. لو أنه قدَّم شيئا مقنعا لكنت دافعت عنه، أو على الأقل لكنت قلت إن فى كلامه وجاهة أو شيئا من الوجاهة كما أفعل كثيرا مع ما يعترض به علىّ بعض طلبتى أحيانا فى المحاضرات مما لا أقتنع به، ولكنى فى ذات الوقت أجد أن من الممكن أن يكون له توجيه ما على نحو من الأنحاء ولو ضعيفا.
وأول شىء أود أن ألفت النظر إليه هنا بعدما أهملت تنبيه القارئ الكريم إليه من قبل هو ذلك الضعف اللغوى عند شيخنا الأزهرى الذى يتهم أساتذته من مشايخ الأزهر بالغباء ويسخر منهم بقوله إنهم أحيانا ما يفهمون، بما يعنى أن القاعدة فى حالتهم أنهم لا يفهمون. إننا هنا أمام نص لا يزيد على سطور معدودة، ومع هذا نفاجأ بعدد من الأخطاء التى لا تليق بطالبٍ واعٍ، فما بالكم بكاهن أعظم ومدرس سابق بجامعة الأزهر، وفى كلية اللغة العربية على سِنٍّ ورُمْح؟ ترى هل يصح أن يقع قداسته (لا قدَّس الله له سرا ولا روحا ولا عقلا ولا أى شىء يتصل به وبمشروعه التدميرى الذى سيُرْدِيه بمشيئة الله فى نار سقر ما لم يكتب الله له قبل موته توبة، وإن كنت أرى بعقلى القاصر أنها مسألة صعبة على أمثاله ممن يدخلون نفق العمالة الذى لا يستطيع من يدخله أن يعود من حيث أتى، وإلا عرَّض نفسه للقتل أو رمية الكلاب النجسة كما سبق أن قلت. ومع هذا فإن الله قادر على كل شىء، ولعله سبحانه قد ادخر للرجل توبة! ولست ممن يجرؤون على التألِّى على الله، وكل ما هناك أن عقلى القاصر يستصعب هذا لا على الله القوى القادر الذى يقول للشىء: كن، فيكون، بل على كاهننا الذى ألقى يد السَّلَم لأعداء الملة والأوطان وقطع شوطا طويلا جدا معهم وانغمس فى نتاناتهم ومَرَق من كل ما يربطه بدينه وأمته وتهجَّم على كل شىء يتصل بهما، ولم يجد فى الدنيا العريضة الطويلة مسلما واحدا يصلح أن يقول فيه كلمة طيبة حتى ولا أبا بكر وعمر أنفسهما، لأنه ببساطة يكفِّر المسلمين جميعا، ولا يرى أن هناك مسجدا واحدا فى بلاد المسلمين كلها يصلح أن يؤدى فيه صلاته، فكلها مساجد شرك وكفر، ولذلك يخطط لإقامة أول مسجد حقيقى يصلى فيه فى فرجينيا بأمريكا بمعاونة أمثال مجدى خليل (وهو واحد من أشد متعصبة الأقباط المهجريين المثيرين للفتن والذين يعملون بكل ما لديهم من وسائل بغية قلع الإسلام من مصر بمساجده وصلاته وصيامه وزكاته وحجّه وتوحيده)، ثم هو يصبّ المدائح صبًّا على دماغ أمريكا وبوش ومجدى خليل (المذكور أعلاه) وسعد الدين إبراهيم وفرج فودة والعفيف الأخضر وبقية العترة المؤمنة المسلمة الطاهرة الطيبة على عكس المليار والنصف مسلم، أقصد المليار والنصف كافر بن كافر، فضلا عن مليارات الكافرين السابقين (أستغفر الله) بدءا بالصحابة وبدون انتهاء إلا مع يوم القيامة!)، نعود فنقول: هل يصح أن يقع قداسة كاهننا الأعظم فى أخطاء مثل: "أن النبى كان إذا أراد سَفَر اقرع بين نسائه فأيّهن خرج سهمها خرج بها الرسول معه"، بدلا من "سَفَرًا" (مفعول به)، وبدلا من "أيتهن" (لأن الكلام عن نساء لا عن رجال، وبدلا من "أقرع" بهمزة قطع لا وصل. والمصيبة أنه هنا إنما ينقل فلا يحسن حتى النقل، فقد جاءت نصوص الأحاديث كلها بــ"سفرا" و"أيتهن" و"أقرع" كما راجعتها بنفسى رغم اطمئنانى التام أنها لا يمكن أن تكون قد وردت بخلاف ذلك، لكنى أردت ألا أترك بابًا يمكن أن يكون له فيه أى عذر، ولو متوهَّمًا)، أو مثل: "جاءت البراءة من الوقوع فى الإثم الخبيث لأولئك الطيبات وأولئك الطيبون" (بدلا من "الطيبين": بدل مجرور)، أو "يقولون أنهم أهل السنة" (بدلا من "إنهم" بكسر الهمزة لمجيئها بعد القول).
وهذا خطأ مطرد مثل إهمال الهمزات أو إثباتها على خلاف الصواب فى كتابات الحبر الأعظم الذى لا يعجبه أحد ولا يرى عقلا يضارع عقله الــ...(الــ"ماذا"؟ قولوا أنتم) الذى يعجب به رغم ذلك لدرجة الوله المرضى، وهو الباب الذى نفذ من خلاله أعداء الدين والملة واقتادوه من أنفه، وسيادتُه بما طَمَس الله على بصره وبصيرته يظن أنهم معجبون بفكره وكتاباته! ومن أخطائه أيضا فى فتح همزة "أن" دائما وعدم تفرقته بين همزة الوصل وهمزة القطع قوله: "يقول الصحفي الهام المليجى...أن القذاف قرأ الكتاب وأعجبه"، حيث كتب "إلهام" بدون همزة، وفتح الهمزة بعد القول بدلا من كسرها. ومما اقترفه كذلك من أخطاء فى كتابه التافه قوله: "وكَرِهَ المسلمين دخول الحرب خوفاً" (بدلا من "المسلمون": فاعل)، "أما ما أورده القرآن من قَصَصٍ يخص النبي محمد فهو القصص الحق" (والصواب: "محمدا" لأنه بدل للمفعول به)، "إن أقوال النبي خارج الوحي القرآني والتي أوردها القرآن هي قصص للعبرة" (ترى ماذا تفعل هذه "الواو" فى "والتى" هنا؟ إن الكلمة التى بعدها نَعْتٌ لــ"أقوال"، فكيف يفصل بين النعت ومنعوته بواو؟ هذا كلام عِيَالٍ صغارٍ لم يحسنوا فهم ما درسوه فى الأزهر الشريف.أكرر: "الشريف" برغم الأنف من كل لئيم غير شريف)، " كان الوحي ينزل، والشرع لمّا يكتمل بعد" (بدلا من "لمّا يكتمل" أو "لم يكتمل بعد")، "يحلوا لبعض الناس..." (بدلا من "يحلو" بدون ألف، وقد تكرر هذا الخطأ الإملائى العِيَالىّ كثيرا فى الكتاب مما يدل على أن مرجعه إلى الجهل لا إلى السهو، ومنه: "وكل المطلوب منا أن نتلوا القرآن، وإذا تلوناه نطقت آياته البينات بنفسها والتي لا تحتاج منا إلا لمجرد النطق وعدم الكتمان")، "ومع هذا فإنه فى حياته عليه السلام لم ينقطع عن قيام الليل ومعه أصحابه المخلصين" (بدلا من "المخلصون" لأنه نعت المبتدإ)، "وشاء واضعوا هذا التشريع..." (بدلا من "واضعو" بدون ألف)، و"برئ" (بهمزة على ذيل الياء، والصواب كتابتها على السطر لأنها مسبوقة بمدّة، إذ هى صفة لا فعل، فتُكْتَب من ثم هكذا: "برىء")، "وبعضنا، دون أن يدرى، يقول دائما: اللهم صلى على النبى" (كما يفعل العوامّ وبائعو العرقسوس ومطيّباتية مشاهير القراء فى المساجد والمعازى ممن كان يتعلم منهم القواعد النحوية فيما يبدو، بدلا من أن يقول: "صَلِّ على النبى" كما يعرف كل من له أدنى معرفة باللسان العربى)، "وهذه إحدى أفضال البخارى...علينا" (بدلا من "هذا أحد أفضال البخارى"). حتى الآيات القرآنية لا يحسن كتابتها أحيانا، لا أقصد من ناحية الحفظ، بل من ناحية القواعد مع أن الأمر فيها لا يزيد عن نقلها كما هى. مثال ذلك قوله تعالى: "قل إني لن يجيرني من الله أحدًا، ولن أجد من دونه ملتحدا"، حيث نصب الفاعل: "أحد" بدلا من رفعه. وقد صوّبت له بعض الأخطاء التى اجترحها فى كتابة النصوص القرآنية ألفاظا وضبطا للألفاظ، ومنها: " فذلك الله ربكم الحق"، التى أرجعتها إلى أصلها: "فذلكم الله...".
والكاهن الأعظم بسلامته يَصِمُ الحديث الخاص بواقعة الإفك بأنه "أسطورة": هكذا "لله فى لله" دون أن يعتمد على أية رواية تساعده فى ذلك. وحتى لو اعتمد على روايةٍ كما فعل مرات فى كتابه فسوف يقع حينئذ فى خطإ منهجى، إذ كيف يقبل شيئا من روايات الأحاديث، على حين يؤكد دائما وبكل قوة أنها كلها كذب فى كذب؟ إنه إذن من الذين يقبلون ما يحلو لهم، ويرفضون ما لا يحلو لهم دون مراعاة لقاعدة أو مبدإ. أى إنه من الذين يُحِلّونه عاما، ويُحَرّمونه عاما، وهذا ليس من المنهجية العلمية فى قليل أو كثير! كما أنه يَسِم البخارىّ بأنه كذاب. إى نعم كذاب، دون أن يكلف نفسه مشقة إثبات كذب هذا الكذاب! وكأنه يكفى أن يسم الواحد منا من لا يعجبه بأنه كذاب، فيكون كذابا، وينتهى الأمر عند هذا الحد دون نقض ولا إبرام! طيب، ولماذا لا يكون أحمد صبحى منصور هو الكذاب؟ إن كل ما فيه وكل ما يحيط به وكل تصرفاته تصيح بملء صوتها أنه هو الكذاب لا البخارى. على الأقل البخارى لا يخطف رجليه إلى أمريكا كلما عن له الذهاب إليها، وكأنها عزبة تركها له السيد الوالد أو السيدة الوالدة، ولا يكلفه السفر إليها إلا أن يأخذ الحنطور فى ساعةِ عصريّةٍ وينطلق إلى هناك عند قليوب المحطة فيجد بيتا ينتظره ومرتبا كبيرا تحت تصرفه، فضلا عن الفيزا الأمريكية التى أصبح دخول الجنة يوم القيامة أسهل من الحصول عليها هذه الأيام. والبخارى كان ينفق نور عينيه فى القراءة والتأليف دون مقابل إلا من رضا ضميره وحبه لدينه وتحمسه للعلم، ولم يكن يغرف من مركز ابن خلدون بالدولارات ثم يشكو الفقر، لعن الله كل منافق شكّاء بالكذب بكّاء! والبخارى لم يكن ينكر السنة ويشتم المسلمين لحساب اليهود والنصارى، الذين يواليهم على حساب أمة محمد وضد مصالح أمة محمد بحجة أن أمة محمد قد انحرفت عن تراث محمد! طيب، ألم تنحرف اليهود والنصارى هم أيضا عن تراث عيسى وموسى، وتراث محمد أيضا فوق البيعة يا ضلالى؟ أيتسع قلبك لكل من هب ودب على وجه الأرض حتى لعبّاد البقر، ويضيق بالمسلمين الحقيقيين الذين تخلع عنهم صفة الإسلام والإيمان وتضفيها فقط على من لا يمتون للإسلام والإيمان بِصِلَة؟
إن فى مسألة البخارى من الناحية النظرية البحتة عدة احتمالات أخرى غير أنه كاذب: منها أنك أنت الكاذب، وهو احتمال تقوم كل الشواهد عليه، ومنها أنه يمكن أن يكون قد أخطأ أو سها أو أن أحدا من الرواة قد دلّس فى روايته ولم يستطع البخارى أن يكشف تدليسه، ومنها أن تكون طريقة تفكيرك أنت هى الخاطئة، ومنها أن تكون المقاييس مختلفة بين عصرنا والعصور القديمة جعلتك تستبعد وقوع الحادث مع أنه مسألة غير مستبعدة بالمرة... وأستطيع أن أستمر فى تعداد الاحتمالات الأخرى، لكنك أرحت دماغك من البداية وآثرت أن تتهم الرجل بما لم يثبت شىء منه فى حقه، وإلا فهل هناك من اتهم الرجل بالكذب؟ أو هل وقع من الرجل ما يدل على أنه كان كذابا؟ أأنت عالم أنت؟ إن كان العلم هو أن ينقضّ الواحد منا بحقده وضغنه على الكرام الأبرياء فيلوثهم باتهاماته المسعورة، فيا لضيعة العلم والعلماء! لكن من حسن الحظ أَنْ ليس العلم هكذا، وأَنْ لست من أهل العلم ولو على سبيل التوهم! أنت من أذناب الكاوبوى البلطجى تؤدى له خدمة معلومة مقابل جُعْل معلوم يا من تشكو الفقر، فلا أغناك الله أبدا، ولا أقرّ لك عينا، ولا أسكن لك بالا، وجعلك على الدوام تشكو الفقر والجوع والعطش ولا تشبع أو تروى بتاتا أنت وكل من تابعك على هذا الضلال وأعانك عليه ولم يحاول أن يوقفك عند حدك ويفتح عينك المطموسة ويخلِّصك من عمى قلبك، وكَتَبَك إن لم تتب قبل فوات الأوان فى الذين ينادون أصحابَ الجنة أنْ "أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، فيردون عليك فى نبرة موئسة أن "الله حرَّمهما على الكافرين"!
وهذا العالم المدقِّق (اقرأ: "المُخَرْبِق") يفترى على النبى وعائشة الأكاذيب فيقول إنه صلى الله عليه وسلم قد"غضب منها"، فانظروا إلى هذا الذى يضرب الودع كيف يضرب عن الروايات التاريخية صفحا ويذهب يؤلف التاريخ من عند نفسه! متى غضب النبى من عائشة؟ بل لماذا يغضب منها أصلا؟ هل أجرمت رضى الله عنها فاستحقت أن يغضب منها الرسول؟ لقد قضى الرسول الكريم شهرا فى ألم وحيرة، لكنه لم يغضب من زوجته الشريفة العفيفة، وكل ما حدث أنها، حين لم تجد منه الاهتمام المعتاد بسبب ما كان عليه من ألم وحيرة تأثرًا بما كان يتردد فى جنبات المدينة من شائعات مؤذية للنفس الكريمة، استأذنته أن تذهب لبيت أبيها فأذن لها. فهل هذا هو الغضب الذى يقصده الكاتب؟ كذلك يؤكد عالمنا النحرير أن "القرآن الكريم ينفى أن النبى كان يصطحب معه نساءه فى غزواته، فالله تعالى يقول للنبى عند خروجه لغزوة بدر أولى الغزوات: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" (الأنفال/ 5)، والبيت يعنى الزوجة. وفى توضيح أكثر يقول تعالى عن نفس الغزوة: "وإذ غَدَوْتَ من أهلك تبوِّىء المؤمنين مقاعد للقتال" (آل عمران/ 121)، أى خرج النبى عن أهله، والأهل هم الزوجة والزوجات، لكى يصفّ المؤمنين للقتال. إذن لم يكن معه واحدة من نسائه منذ أول غزوة غزاها. وفى غزوة الأحزاب فى العام الخامس من الهجرة نزلت سورة الأحزاب، وفيها الأمر بالحجاب لنساء النبى. والأمر حاسم لهن بأن يمكثن فى البيت ولا يخرجن منه: "وقَرْنَ فى بيوتكن ولا تَبَرَّجْنَ تبرُّج الجاهلية الأولى، وأَقِمْن الصلاة وآتِين الزكاة وأَطِعْن الله ورسوله. إنما يريد الله لِيُذْهِب عنكم الرجس أهلَ البيت ويطهِّركم تطهيرا" (الأحزاب/ 33)، فكيف يأمرهن الله بالبقاء فى البيت ويأتى النبى فيصطحبهن فى غزوة بنى المصطلق فيما بعد؟ لقد كان ترك النساء فى المدينة بعيدا عن الغزوات عادة إسلامية حرص عليها النبى والمسلمون بحيث لم يكن يتخلف عن الغزو إلا النساء والأطفال والشيوخ غير القادرين. وحين تخلف المنافقون عن الخروج مع النبى فى احدى معاركه الدفاعية نزل القرآن يعيّرهم ويسخر منهم بأنهم رضوا بأن يتخلفوا مع النساء والصبيان: "رَضُوا بأن يكونوا مع الخوالف" (التوبة/ 87، 93). فهل من المعقول أن يصطحب النبى زوجاته معه عرضة لخطر الحرب بينما تبقى بقية النساء آمنات فى المدينة؟".
والرد على ذلك أنه ليس فى القرآن الكريم ما يمكن أن يعتمِد عليه مُعْتَمِدٌ فى نفى اصطحاب النبى إحدى زوجاته عند الغزو. لو أنه قال: إن هذا هو ما أفهمه من الآيات القرآنية لقلنا له: هذا فهمك! أما أن يزعم أن القرآن قد نفى هذا الأمر فعلا فالجواب عليه: أنت كاذب! لقد ساق آية "الأنفال" التى تقول: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق"، ثم زعم أن معناها: "تركتَ زوجاتك وراءك" لأن "البيت" هو الزوجة! وبناء على هذا التفسير البهلوانى فالمعنى هو أن الله أخرج النبى من زوجته. ولا أدرى كيف يخرج الإنسان من زوجته، فأرجو من القراء الكرام أن يدلّونى على الكيفية التى يمكننى بها أن أتصور خروج الزوج من زوجته! أترى الواحد منا إذا قال لصديقه بالهاتف مثلا: "سأخرج من بيتى الساعة الفلانية لأقابلك على المحطة" كان معناه أنه سيخرج من زوجته؟ لكن من أية منطقة فى جسمها يا ترى سيتم الخروج؟ إن هذا لو حدث لكانت أعجوبة الأعاجيب! إن الواحد منا عند ولادته يخرج من بطن أمه، أما عند الخروج من البيت، فلا أدرى كيف يكون خروجه من زوجته؟ أترى أحمد صبحى منصور يفعل ذلك كلما خرج من بيته؟ فماذا يفعل إذن كلما خرج من مصر كلها؟ وماذا فعل عندما خرج من ديننا وترك "الجمل" بما حمل والتحق بخدمة الكاوبوى يقود له "الحصان" فى بيداء الضلال والهلاك؟ ألم يأته قولة المعتمد بن عباد: "رَعْيُ الجِمَال خيرٌ من رَعْي الخنازير"؟
أما آية سورة "آل عمران" فهى تذكر الأهل، لكن ليس هناك تطابق بين "الأهل" والزوجة إلا فى بعض الحالات فقط حين لا يكون للرجل إلا زوجة فحسب، فلا أبناء ولا أب وأم ولا أقارب... والدليل على ذلك هو القرآن نفسه الذى يقول لنوح عن ابنه: "يا نوح، إنه ليس من أهلك"، أى ليس جزءا من أهلك، بما يفيد أن الأبناء يدخلون فى الأهل أيضا، ومثله قوله تعالى للوط عليه السلام: "فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين"، فالزوجة هنا مستثناة من الأهل بما يفيد أن الأهل أوسع من أن يقتصروا عليها. وهناك آية سورة "النساء" التى يأمر الله فيها، عند حدوث خلاف بين الزوج وزوجته، أن يبعث أهلُ الخير والإصلاح حَكَمًا من "أهله" وحَكَمًا من "أهلها"، أى من أقاربه وأقاربها، ليحاولا الإصلاح بينهما. وبالمثل هناك قوله تعالى على لسان يوسف لإخوته وهو يسلمهم قميصه: "اذهبوا بقميصى هذا فأَلْقُوه على وجه أبى يأت بصيرا، وأْتونى بأهلكم أجمعين"، فأحضروا أبويه وكل إخوته. ومثلها قوله عز شأنه عن النساء: "فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف" حيث لا وجود لزوجات أو أزواج هنا على الإطلاق، وهو ما يعنى أن دائرة "الأهل" أوسع بكثير مما يريدنا أحمد بيه (اسم الله عليه!) صبحى منصور أن نفهم! وعلى ذلك فحين نقرأ فى "آل عمران" أن رسول الله قد غدا من أهله يوم بدر فليس معنى ذلك بالضرورة أنه ترك زوجته وراءه فى البيت، إذ ربما أخذ زوجته وترك سائر أهله. وحتى لو لم يأخذ زوجته فى هذه الغزوة فليس معناه أنه لم يفعل ذلك فيما بعد، إذ لا ينبغى أن تفوتنا حقيقة أن هذه كانت أول غزوة يغزوها الرسول، وأنها كانت مفاجِئة لم يخطَّط لها أن تكون غزوة، علاوة على أنها قد وقعت قريبا من المدينة فلم يكن فيها سفر ولا تجهيز قافلة ولا ابتعاد عن الأهل كما يحدث فى مثل هذه الأحوال. هذا، ولا أريد أن أذهب مذهب بعض الشيعة، الذين ينكرون أن تكون زوجة الرجل من أهله كى يقصروا مصطلح "أهل البيت" على فاطمة وزوجها وولديها! فعلام يدل كل هذا؟ يدل على أن أحمد صبحى منصور جاهل كبير، جاهل بالثلث! ومع ذلك فيا لثقل ظله عندما تراه فى صورته فى المواقع الذى تتحفنا بكتاباته الجاهلة مثله وقد انجعظ للوراء بكرشه القبيح ونظرته القاسية الشريرة وملامحه الغليظة، وفى يده القلم والورق كأنه مفكر عبقرى كبير! يا سلام سلِّم على شرباتك (شربات الطرشى، بل شربات الفسيخ المعتبر) يا عم صبحى!
ونأتى لما قاله بشأن الحجاب المذكور فى سورة "الأحزاب"، وهو أيضا لا يدل على ما يهدف إليه، فليس معنى أمر القرآن نساء النبى بالاستقرار فى بيوتهن أنه ينبغى عليهن ألا يخرجن البتة منها، وإلا كان معناه أنهن لا يجوز لهن الذهاب للمساجد، ولا لقضاء الحاجة فى الخلاء على ما كان الأمر عليه فى أول الأمر فى المدينة كما هو معروف، ولا لزيارة أهليهن، أو للمشاركة فى أى واجب اجتماعى كالعزاء والأفراح وما إلى ذلك. حتى السيد أحمد عبد الجواد (سى السيد الذى يُضْرَب به المثل فى مصر فى الاستبداد بالمرأة والحجر عليها فى البيت) كان يسمح لزوجته أن تذهب لزيارة أمها يا أخى! أم تراك لم تقرأ رواية "بين القصرين" ولم تشاهد فِلْمها؟ ولقد كان الرسول عليه السلام كريما سمحا مع زوجاته كما هو مع الناس أجمعين وزيادة، فلا يُعْقَل أن يتعامل معهن بمنطق العامة الذى يقول إن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا إلى القبر! يا حفيظ على منطقك السخيف المتهافت! إن كل ما هنالك أن القرآن يريد لزوجات المصطفى أن يبتعدن بقدر الإمكان عن زحام الحياة حتى يَظْلَلْن فى مكانهن الرفيع ولا يخوض الناس فى أحاديثهن وأخبارهن كما يفعلون مع سائر النساء فى قيلهم وقالهم، لا ألاّ يخرجن من بيوتهن بتاتا! ومن ثَمَّ فإذا صحبهن الرسول فى غزواته صحبهن على نفس الوضع الذى يصونهن عن العيون والألسنة. ألا تعست العقول المظلمة! وما تقوله رواية الإفك من أن صفوان بن المعطل حين عرف أن الشبح الذى يراه فى الصحراء هو عائشة تنحَّى ولم يكلمها ولم تكلمه حتى ركبت راحلته لهو دليل على ما أقول، وذلك حسبما جاء فى الكلام التالى لعائشة رضى الله عنها والذى نقلتُه من "مجمع القرآن فى تفسير القرآن" للطبرسى: "وكان صفوان بن المعطل السلمي قد عرَّس من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني فخمرت وجهي بجلبابي. ووالله ما كلَّمني بكلمة حتى أناخ راحلته فركبتها فانطلق يقود الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في حرّ الظهيرة". أما هجوم منصور الحاقد على البخارى بوصفه المتسبب فى لَوْك المستشرقين والمبشرين سيرة عائشة فهو خبث شيطانى عريق، فكثير من المبشرين والمستشرقين لم يتركوا شيئا فى حياة النبى أو تصرفاته دون أن يقلبوه عن حقيقته ويؤوّلوه أسوأ تأويل. بل إنهم قد افْتَرَوْا عليه الأكاذيب افتراءً وقالوا عنه كلاما ما أنزل الله به من سلطان. أفترى البخارى مسؤولا عن هذا أيضا؟ وهذا لو كان البخارى هو الذى روى القصة، لكنه فى واقع الأمر لم يكن له فيها من يد إلا أنه سجلها كما بَلَغَتْه بعد أن بذل كل ما لديه من جهد فى تمحيصها وتحريرها. ولو كان هو الذى اخترعها كذبا وزورا ونسبها إلى آخرين، فلماذا لم ينبر له أحد من هؤلاء الناس الذين عزاها إليهم فيكذبه ويقول له إنه لم يرو له شيئا من هذا؟
والذى يقرأ ما كتبه منصور فى تفسير آيات سورة "النور" يدرك على الفور أن الرجل قد خلَّى لخيالاته وأوهامه العِنَان وانطلق يشطح وينطح على هواه دون كابح من منهج أو علم. فيا لضيعة التفسير إذا كان هذا الذى يجترحه المهاويس تفسيرا! لكن ما الذى ننتظره من مسعور ينكر على المسلمين أن يشهدوا لمحمد بالرسالة أو أن يستعينوا بأحاديث النبى فى فهم القرآن واستخلاص الأحكام الشرعية ويرميهم جميعا من لدن الصحابة حتى يومنا وإلى ما شاء الله بالكفر والشرك ويهاجم عمر وأبا بكر والبخارى ورجال الحديث كلهم هجوما ناريًّا حاقدا فى الوقت الذى يثنى على اليهود والنصارى والملاحدة أَحَرَّ الثناء؟ وعجيب أن يتخذ من استعمال القرآن لصيغة الجمع فى الكلام عن الطرف المُفْتَرَى عليه فى حديث الإفك دليلا على أن الشائعات كانت تطارد جماعة من المسلمين غير محددة، وليس لعائشة أية علاقة بها البتة. ذلك أنه يعرف، أو ينبغى أن يعرف، أن القرآن قد يستعمل هذه الصيغة للدلالة على المفرد كقوله عز شأنه لرسوله عليه السلام: "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم. إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم"، مستخدما صيغة الجمع مع أن الكلام عن واحد هو ابن أَبِى سلول، الذى دعا الرسول ربه بالغفران له، فكان للسماء كلام آخر، ومثل قوله سبحانه لنبيه حين بلغ منه الغضب والحزن على المقتل المأساوى لعمه حمزة أنْ أعلن أنه سوف يثأر للتمثيل به عشرات الأضعاف: "وإن عاقبتم فعاقِبوا بمثل ما عوقبتم به"، مستعملا صيغة الجمع فى خطاب الرسول، وهو فرد...وهكذا. وها هما الطَّبَرْسِىّ والطُّوسِىّ مثلا يلمسان هذه المسألة بما يوضّح مغزى استخدام القرآن لصيغة الجمع فى آيات حديث الإفك رغم أن المفتَرَى عليه شخص فرد ليس إلا: "لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً: معناه هلاّ، حين سمعتم هذا الإفك من القائلين له، ظن المؤمنون والمؤمنات بالذين هم كأنفسهم خيرا، لأن المؤمنين كلهم كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور"، وبالمثل يعلق الطباطبائى فى "الميزان" على قوله سبحانه: "الخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات. أولئك مبرَّأون مما يقولون، لهم مغفرة ورزق كريم" قائلا إن "الآية عامة بحسب اللفظ تصف المؤمنين والمؤمنات بالطيب، ولا ينافي ذلك اختصاص سبب نزولها وانطباقها عليه. وثانيا: أنها تدل على كونهم جميعا محكومين شرعا بالبراءة عما يُرْمَوْن به ما لم تقم عليه بينة. وثالثا: أنهم محكومون بالمغفرة والرزق الكريم. كل ذلك حكم ظاهري لكرامتهم على الله بإيمانهم، والكفار على خلاف ذلك".
رد مع اقتباس