[ايوب نصر]

(1)

اما قبل ، فما كاد يظهر موضوع العربية الشريفة و العامية من جديد ، في مملكتنا المغربية الحبيبة ، بعدما أفل نجمه بضع سنين ، حتى حملت القلم لابوح برايي في احداث بلدي و قضية امتي ، و ارتميت الى كنانتي اتحسس احد(1) سهم من سهامها ، حتى اذا رميت به اغناني عن غيره ، ثم راودتني نفسي ان اتمهل في الكتابة ، و قالت لي في سخريتها المعتادة : دع من نصبوا انفسهم اربابا للمذاهب الادبية يعرضون لهذه الدعوة الخبيث مدخلها و مخرجها ، فحملني كلامها على البقاء على سجيتي متابعا للاحداث غير متدخل فيها براي او فكر .

و قد تعددت و تنوعب اساليب الذين عرضوا لهذا الموضوع ، كان اعجبها و اكثرها غرابة هو ما عمد اليه بعض من ينسبون انفسهم الى الزعامة في الادب ، فقد ذهب هؤلاء الى كتاب " اباطيل و اسمار " للعلامة الامام محمود شاكر _ اجزل الله له المثوبة _ و عمدوا الى فهرسه مباشرة للبحث عن رد مباشر على مسألة العربية الشريفة و العامية ، لما سبق و بلغ مسامعهم من تعرض الامام في كتابه هذا الى قضية الفصحى و العامية ، و انه كشف كيد الكائدين ، و رد شبهات المبطلين .

و لكنهم لم يجدوا شيئا و لن يجدوا ، و رجعوا بخفي حنين ، و ليس السبب في ذلك ان الامام شاكر لم يرد على هذه المسالة ، لا و الف لا ، و انما الامام قضى حياته و انفق عمره في هذا الامر ، و كتابه" اباطيل و اسمار " ، من اقوى الردود على هذه المسألة و اكثرها احكاما ، و لكن العلة ترجع اليهم ، فهم اعفوا انفهم من الاناة في فهم اسلوبه و طريقته ، و زهدوا في اعنات الفكر و اطالة النظر في كتابه ، فلم يتبين لهم وجه الرد و البيان الذي تضمنه الكتاب ، و لو ظفروا فيه بشيء من الرد ، فانه سيكون ردا ضعيفا غير محكم ، ربما يسقط مع اول شبهة يلجأ اليها اصحاب الدعوة الحديثة الى العامية .

ان محمود شاكر _ رحمه الله _ نزح في كتابه السابق الذكر ، الى نوع من الكلام يديره على تأسيس نظرية لرد الدعوة الى العامية ، فكتابه هذا اكثر من رد ، و انما هو نظرية الرد ، قعد لها و نظر ، و وضع اساسها في البداية و هو يتكلم عن خبر راهب دير اللاذقية ، ثم اكمل الكتاب و اداره على هذا النحو ، فكان الكتابة عبارة عن نظرية للدفاع عن العربية في وجه الدعوة الى العامية ، و لهذا فمن اراد اللجوء الى هذا الكتاب فعليه ان يأخذه كله او يتركه كله ، و الا يمر عليه مرور الكرام و مروره على الجرائد الصفراء ، و انما عليه اعنات الروية و اطالة النظر و اعمال الفكر .

و لذلك ، فمن اراد ان يلجأ لهذا الكتاب ليرد على هذه الدعوة ، فعليه ان يضع الكتاب كاملا لا ان ينتزع منه جزء ، ثم يدخله في كلام له ، ليتبجح به على الناس ، و يظهر امامهم انه صاحب قوة في الرد و النقد و البيان .

هذا و قد حملت البارحة القلم للدفع عن العربية الشريفة ، ثم تفرق بي الكلام و تفرع ، فوجدتني انتقل من الكلام عن العربية الشريفة الى الكلام عن دعوة المساواة في الارث ، و هما مسألتان مرتبطتان مع بعضهما ، ثم اردت اعادة ترتيب ما كتبته ، حتى لا يضيع القارئ ، و لكن نزلت بي علة تشتت بسببها الذهن و تبلد العقل ، و الله المستعان ، و لكن لنا عودة للدفاع عن العربية الشريف ، فان لم يقم لهذا الامر لبيب من الفتيان ضاعت الحقائق و تفرقت الامة في البلاد ايادي سبأ .
*******
(1) من الحدة
و يستمر العرض
كتب : يوم السبت 27 ذو الحجة 1438 (08/09/2018)