[ايوب نصر]

(12)

دعني يا صاحبي اعود بك الى الحديث الاول ، و الذي من اجله انشات هذه الفصول ، و لاجله اخذت في تفنيد و كشف ما يثار ، بعدما شغلنا عنه ما كان في مراكش ، و ان كان لما كان في مراكش اتصال بما نحن فيه ، و ذلك ان الحديث عن العربية الشريفة و ما يحاك لها حديث ذو شجون يستدعي بعضه بعضا و يتصل اوله باخره ، و تتفرع عنه فروع كثيرة .

كتب قديما الاستاذ " محمد محمد حسين " كتابا جميلا نافعا سماه : " حصوننا مهددة من داخلها " ، و قد كان من انعم الله عليه ، ان قبضه اليه باكرا ، و لم يمد في عمره حتى يتسنى له رؤيتها و هي تهدم ، فتزداد حسرته ، و انا على يقين ان رؤيتها تهدم ما كان ليبلغ به من دركات الحسرة و الضنى معشار ما يبلغ به سماع حجج الهادمين .

و قد كان من حجج القوم ، و نحن هنا نسميها حججا من باب الجدل لا من باب التسليم ، على ضرورة تدريس العلوم بالفرنسية و الانجليزية ، انه من حق المغاربة ان يدرسوا اللغات ، و كان من الحجج ايضا انه لابد من تدريس العلوم باللغات الاجنبية لمسايرة و مواكبة التطور العلمي و التقني ، و قد سبق و عرضنا للحجة الاولى ، في الذي سلف من من هذه المقالات : و قلت في ردها : ( ان ضرورة تدريس اللغات الى جميع ابناء المغاربة ،بل الى جميع بني ادم باختلاف مللهم و نحلهم و اوطانهم و توجهاتهم بل و الى جميع الدواب و الانعام ، لا يختلف فيه عاقلان ، لكن هناك فرق بين تدريس اللغات و بين التدريس باللغات ، فلا تجد عاقلا ، يحترم عقله و يحترم عقول الناس، يزعم ان تدريس الرياضيات او الفيزياء بلغة معينة سيساهم في تعلم تلك اللغة .) و يكفي هذا ردا و بيانا لكل عاقل القى السمع و هو شهيد

اما يا صاحبي قولهم : ( انه لابد من تدريس العلوم باللغات الاجنبية لمسايرة و مواكبة التطور العلمي و التقني ) فحين نزل على مسامعي ، سالت معه دمعة من عيني ، لا يا صاحبي ليست دمعة الحزن ، و انما هي دمعة الفرح ، تلك الدمعة التي تنزل من عيني المتهم المظلوم حين يظهر دليل برائته ، و اريدك يا صاحبي ان تعض على هذه الحجة بنواجذك ، لانها دليل برائة العربية الشريفة مما رموها به ، من انها سبب تخلفنا و انها العلة في انحطاطنا و و و من المبررات الفارغة التي تلوكها الالسن المتلمضة ، و ان مثل هؤلاء عندي كمثل اصحاب السفسطات الذين اعيتهم العلوم ان يدرسوها و يحفظوها فاستغنوا عنها بالهرطقات و الكلام الفارغ الذي يضرب بعضه بعضا ، فلا تقوم له قائمة من جهة حتى تسقط من جهات ، و رحم الله الامام السيوطي حين افتتح مقدمة كتابه " مفتاح الجنة " بقوله : " ان من العلم كهيئة الدواء و ان من الاراء كهيئة الخلاء لا تذكر الا عند داعية الضرورة " ، و قد دعت الضرورة ان نذكرها الان لاجل ان نعرض لها بالرد و البيان

و لعلك تقول لي : و كيف يكون قولهم هذا دليلا على برائة العربية ؟؟
اقول لك ، و بعيدا عن السفسطة و الكلام ، و من غير ان اسلك بك المسالك و الفجاج و من غير ان ارد بك منابع العذب و الاجاج ، ان مواكبة و مسايرة التطور العلمي الحاصل في العالم ، يعني انه كلما توصل الانجليز الى اختراع تقني و صناعي كانت لنا اللغة لاخذه عنهم ، و كلما اكتشف الفرنسيس اكتشافا علميا كانت لدينا اللغة لاخذه عنهم ، و في هذا تصريح و اعتراف بان العربية لا علاقة لها بتاخرنا العلمي و لا قعودنا دون التقدم التقني ، و ان مبلغ قدرتنا من دراسة العلوم ، سواء بالفرنسية او الانجليزية ، هو ان نكون تبعا لاهل تلك اللغات، لا ان ننتج و نبحث و نخترع ، و قد سبق و قلت فيما سلف من هذه المقالات : ( و انه بيننا الالاف من اساتذة الفيزياء و الكيمياء و الطبيعيات ، و هم يتقنون الانجليزية و غيرها من اللغات ، و لكن لو اردنا نهضة علمية و طلبنا من هذه الجامعات العربية و المغربية ان تمدنا بخمسة علماء في كل علم من هذه العلوم قادرين على تقديم شيء جديد للعلم يساعد الامة على نهضتها و تطورها ، فلن نجد ، فاغلبهم زائد على هذه العلوم ، و ان كانوا درسوا في اوربة و امريكة ) ، و انت الان معك صك برائة العربية الشريفة ، بل و يتضمن اعترافا بان الغرض من هذا كله هو ابقاء الامة ذليلة خاضعة تابعة ، لا تملك من امر نهضتها شيئا، و مبلغ علمها ان تتوصل بما سبق اليه اعدائها .



ان الهدف من وراء هذه الدعوات هو اخضاع الامة ، و جعلها تغرق في مستنقعات الذل و الانحطاط اكثر مما هي غارقة ، و لا اظنك تعارضني القول بعدما كشفت لك و بينت ، و بعد حين سينشأ بيننا جيل ممن درسوا العلوم بالفرنسية و الانجليزية ، و لن يقدموا لنا شيئا غير جملة قديمة تقال للتفاخر : " نحن درسنا العلوم بالفرنسية و الانجليزية " ، و اقول من الان : بزعطة !!!!

ان مثل المغاربة مع الذين يجاهدون في سبيلهم لتدريسهم العلوم باللغات الاجنبية ، كمثل يتيم الام الذي يلاقي ما يلاقيه من زوجة ابيه و قسوتها و جبروتها و ظلمها ، فاذا رق قلبها يوما له و اظهرت حنانها عليه ،مسحت ما علق على انفه من مخلفات بمنديل قديم حاد الاطراف خشن المسلمس ، نعم هذا هو مثل المغاربة مع هذه الطائفة التي تعمل عملها و تجاهد جهادها لاقرار اللغات الاجنبية لغات لتدريس العلوم ، و ذلك مما يروج له من ان تدريسها بالعربية يعزز الفوارق الطبقية ، فلا يصل ابناء الفقراء الى المناصب الكبير و لا يمتهنون المهن ( الراقية ) من هندسة و طب ، و هنا من حقي ان اتسائل ، و من حق كل عاقل ان يتسائل ايضا ، من هم الذين صوتوا لهذا القرار و دافعوا عنه و روجوا له ؟؟؟ ام انهم يوم اظهروا حنوة قلبهم على المغاربة " مسحوا ليهم خنونتهم بشريط " كما في المثل العامي ؟؟؟ فاي هبل هذا ؟؟؟ و اي خطل في الراي و اي انحطاط في استغلال المغاربة و كسب مواقفهم ؟؟؟

هذا و هل كل الانجليز يمتهنون الطب و هل كل الفرنسيين يعملون بالهندسة ، و هل كل هذا و ذاك يصلون الى المناصب العليا في بلدانهم ، ام انها عهود اعطيت بحديقة مدسمر تحت اشجار الدردار ، و بحديقة لوكسمبرغ بجانب الاحواض ؟؟

كتب : الاحد 3 ربيع الثاني 1441 (01/12/2019)