الموضوع: الادب و الحب
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2018-12-11, 03:01 AM
ايوب نصر ايوب نصر غير متواجد حالياً
مسئول الإشراف
 
تاريخ التسجيل: 2012-10-23
المشاركات: 4,829
افتراضي الادب و الحب

سالني حين التقيته اخر مرة ، بمقهى (ا ك) : هل الكتابة لا تمسى ادبا الا اذا كانت عن الحب ؟؟ و هل الكاتب لا يحشر في زمرة اهل الادب الا اذا سود الصفحات و ملا القراطيس باحاديث العاطفة و الوجدان ؟؟
و هو يعرف ان الادب اوسع مجالا ، و اخصب ارضا ، و ابعد فكرا ، من ان ينحصر في الكلام عن الحب و حيرته و العشق و اهواله ، و لكن دخلت عليه الشبهة مما قراه لبعض اشقياء الاقلام و مرتزقة الافكار ، الذين توهموا ان الادب لا يكون ادبا الا اذا كان كلاما في الحب الغرام و بوحا بما في الوجدان .
و قد اجبته بكلام مختصر ، احببت مشاركته معك ، فقلت له : ليس كل كلام في الحب يسمى ادبا ، و لا يقتصر الادب على الحب ، و ان كانت الكتابة الادبية تشمل الكلام في الحب .
فليس كل كلام في الحب يسمى ادبا ، لان للادب اركان يقوم عليها، و اركانه هي اللفظ و المعنى ، فلا تسمى الكتابة ادابا ، اذا فقدت احد ركنيها ، كما لا يسمى الايمان ايمانا اذا فقد احد اركانه ، و لهذا فرق الكتاب و النقاد ، و من اوتوا نصيبا من النظر و القدرة على التحليل و الصبر على التعليل ، بين الكتابة البيانية و االكتابة العلمية ، و ربما كتب الكاتب العلمي ، و الكاتب التلغرافي ، في الحب و روى احوال اهل العشق ، و لكن لا يمكن باي حال من الاحوال ان ننسب كتاباتهما الى الادب ، فالاول يكون جافا مملا خال من الصور الفنية البليغة و المعاني النفسية الدقيقة ، و الثاني يدخل و يخرج في الكلام من غير سير على نسق او اكمال للصور ، فتحس كانك تشاهد فلما فرنسيا قديما ، لا اول له من اخر .
بينما الكاتب البياني ، اذا اخذ في الكلام عن الحب ، فانك ترى امامك طبيبا متمكنا في جراحة القلوب ، يمسك مشرطه ليفرج عن قلبك ، و يكشف لك عن مواقع الخلل و مواطن العجز و المرض ، فيعالجه و يطبه ، ثم يعيده اليك كانه لم يمرض من قبل و لم يعرض له ما يعرض للقلوب من ضنى و اهواء .

و لا يقتصر الادب على الحب ، لان الادب كالطب ، فالثاني يعالج امراض البدن ، و الاول يعالج امراض المجتمع ، و ما عصرنا ببعيد عن معارك الادب المكشوف ، و معارك الفن للفن و الفن للمجتمع ، و قد قام فيها كتاب و ادباء جعلوا من الادب وسيلة لرد الشبهات ، و كشف الشخصيات ، و وهبوا اقلامهم و اعمارهم لمحاربة مذاهب الزيغ و الضلال ، و كل ذلك كان باسلوب ادبي بياني فذ و متميز .

فلا تحسبن يا صاحبي ان الادب هو ، و فقط ، كلام الحب و احاديث الصبابة ، و انما الادب اعم و اشمل من هذا و ذاك ، فالادب يا صاحبي هو ما يسافر بك الى عوالم الفكر و النظر و يدخلك في قصور الالهام و الخيال ، فيصحح فكرة و يقوم
تعبيرا يرهف حسا ، و يردك عن طريق الى طريق اخر ، و يكشف لك عن حقائق خفيت عنك لضعفك و قلة حيلتك ، فهذا هو الادب في معناه السامي سواء كان موضوعه الحب او غيره .

هذا ، و قد تعودت اذا عرضت لنقد فكرة او تصويب راي او رد شبهة ، ان اجمع بين قوة الحجة و حدة العبارة من جهة ، و بين السخرية و الاستهزاء من جهة اخرى ، و ما ذلك من سيجيتي و لا طبعي ، و انما هو مما نلقاه من عدوان على هذه الامة في دينها و ما خلفه اهل الفكر و النظر و العلم من فحول رجالها ، و قد حرصت جهدي في هذه المقالة على تهذيب العبارة و تليين اللفظ ، لان موضوعها قد لا يحتمل ، و مع ذلك فقد تكون تسربت على حين غفلة مني بعض الكلمات الحادة ، فلا تكن من اللائمين

كتب: الثلاثاء 3 ربيع الثاني 1440 ( 11/12/2018)
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6

كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين

آخر تعديل بواسطة ايوب نصر ، 2019-08-15 الساعة 01:13 AM
رد مع اقتباس