عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2020-08-03, 03:30 PM
ايوب نصر ايوب نصر غير متواجد حالياً
مسئول الإشراف
 
تاريخ التسجيل: 2012-10-23
المشاركات: 4,823
افتراضي البلاغ المبين ( مقال )


لقد غربت ورائي ايام كثيرة و ليالي طويلة ،على اخر مرة حملت فيها هذا القلم ، و ما ذلك لعجز عرض لفكري ، او لخلو وطاب ذهني ، او جفاف اصاب قلمي ، لا و الله ، ما انقطاعي لعلة من هذه العلل ، و انما لم يحدث من الاسباب التي ارتضيها لاحمل القلم ، و لكن اعدك يا صاحبي ان ترى مني ّ، في الايام القادمة ، ما يسرك و يشفي صدور قوم مومنين .

ثم دعك من هذا كله ، و دعنا في ما نحن فيه ، و ما انشأنا هذه المقالة لاجل بيانه و توضيحه ، و قد مرت اشهر على سؤال طرحناه على الاريكيين (1)، لاجل المناظرة ، و لم يظهر لنا احد منهم قرنه ، و كنت اتوقع هذا ، بل و متيقن منه ، و ذلك انني لم اطرح يوما سؤالا على اي مخالف من مخالفي الاسلام و السنة ، الا و انا على يقين تام ، لا يخالطه شك و لا تداخله شبهة ، من انه لا يملك له جوابا ، و الا ما سألته اياه .

و قد كان نص سؤال المناظرة على النحو التالي : " السلام عليكم و رحمة الله
يقول الله تعالى (( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )) النور 54
و الايات التي يعقب فيها الحق تبارك و تعالى بقوله (( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )) كثيرة لكن نكتفي بواحدة
و السؤال : لماذا يعقب الله ب (( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )) و لا يعقب ب (( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا بَلَاغُ الْمُبِينُ )) ؟؟ " انتهى
و انا اعود الان لابين ما اخفيته ، من وجه الدلالة في الاية على حجية السنة النبوية.

لو قال الحق ، جل في علاه ، (( بلاغ المبين )) لدل ذلك على ان الابانة من ذات نفس المبلغ ، و ان ما على الرسول الا ان يبلغ ذلك الشيء المبين ، لان المبلغ حينها في غناء عن اي بيان من خارجه ، و ان بيانه منه ، و لو كان الامر على هذا النحو ، لصح للاريكيين مذهبهم ،و استقام به رايهم ، و ظهر قولهم .

و لكن يابى الله الا ان ينصر دينه و نبيه ، و يجعل في كتابه من الادلة و الاشارات ما يليق لمحق كل قول و كل مذهب مخالف للحق ، على اختلاف الازمنة و تغير العصور ، فقال (( البلاغ المبين )) ففهم منها ان البيان شيء غير المبلغ ، و ليس من ذاته ، و انما زائد عليه ، منفصل عنه .

فليس على الرسول الا البلاغ فقط ، و انما البلاغ المبين ، والذين يدرسون الاعلام و الصحافة يعرفون دور الوسيلة الاعلامية في توصيل الرسالة و ابلاغها ، فلابد من حسن الابانة عن الخبر ، و الا وصل مشوها ممسوخا ، يفهم منه غير المراد به ، و تجد هذا واضحا في القنوات الاعلامية التي جعلت همها صناعة الراي العام ، فهي لا تكتفي بتغطية الحدث و نقل خبره بما يجعل المراد منه واضحا بينا ، و انما تعمد لوسائل التشويش ، بما يجعل الخبر يزيغ عن حقيقته .

اما القران، و بدقة نفوذه الى خوالج النفس البشرية ، فقد اغلق الطريق امام كل متهوك متنطع ، و اقر بان بيان الرسالة شيء منفصل عنها زائد عليها ، فقال (( البلاغ المبين )) و لم يقل (( بلاغ المبين )) ، و هذا يقصم ظهر كل اريكي ، و يجعله يولي الدبر و يختفي في غيابات الاروقة .

و قريب من هذا الذي نحن فيه ، فقد قضيت زهو شبابي اناظر الاريكيين ، و اتبعهم الى حيث انتهوا ، و قد وجدت ان من اكثر ما يحتج به عليهم قوله تعالى (( و يعلمهم الكتاب و الحكمة )) و الشاهد هنا هو لفظ الحكمة ، بينما الاية كلها تقول : (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )) الجمعة 2 . و الاية كما ترى يا صاحبي ، جاءت بامرين و فرقت بينهما ، التلاوة ( اي البلاغ ) ، و التعليم ( اي البيان ) ، فاوكلت الى الرسول ، عليه الصلاة و السلام ، ثلاثة امور مختلفة عن بعضها ، منها التلاوة و التعليم ، فلو كان الكتاب يكفي وحده في البيان ، لما اوكل الى الرسول مهمة التعليم ، و لاكتفى بالتلاوة ، و من اهتدى بعد ذلك فلنفسه و من ضل فانما يضل عليها ، و لكن و حتى لا يكون للناس حجة بعد الرسول فقد اول الله الى انبيائه مهمة البيان كما اوكل اليهم مهمة البلاغ و التلاوة ، و الا ما دعى موسى عليه السلام ربه ان (( احْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي ))



******************
(1) رابط المناظرة
https://www.ansarsunna.com/vb/showthread.php?t=108026

كتب : الاثنين 13 ذو الحجة 1441 ( 03/08/2020 )
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6

كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
رد مع اقتباس