عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 2010-08-28, 09:01 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 3,055
افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ

سلسلة شهر القرآن

وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ

الدكتور عائض القرني

هذا قول إخوان القردة والخنازير الأنذال، يقولون: يد الله مغلولة، أي بخيلة. «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ». قاتلهم الله، كيف تكون يد الجواد الماجد مغلولة، وكل نعمة قديمة أو حديثة، ظاهرة أو باطنة، جليلة أو قليلة، منه وحده جل في علاه؟ «وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله»، كيف تكون يده مغلولة؟ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا، وهو الذي صمدت إليه الكائنات، وسألته المخلوقات مع اختلاف اللغات، وتعدد اللهجات، بشتى الحاجات، فأعطى الجميع، ومنح الكل، وما نقصت خزائنه ولا انتهى فضله. يقول عز وجل: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر».

كيف تكون يده مغلولة وهو الذي يطعم كل مخلوق، ومن فضله يعيش كل حي؟ «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا»، يطعم الطير في الهواء، والسمك في الماء، والوحش في البيداء، والدود في الطين، والليث في العرين. «يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ».

عمّ فضله، وشمل نواله، وعظم كرمه، وظهر جوده، من جاد فمن جوده يجود، عاش أعداؤه من فيض عطائه، وتقلب عبيده في نعمائه.

كيف تكون يده مغلولة وقد طبق العالم إحسانه، وعم الكون امتنانه؟ ملأ الخزائن، وأشبع البطون، فبابه مفتوح، وجوده يغدو ويروح، وخيره ممنوح، يعطي قبل السؤال، ولا يغيض ما عنده النوال، لأنه ذو الجلال والجمال والكمال.

هل من رازق غيره؟ هل من معطٍ سواه؟ هل من متفضل إلا هو جل في علاه؟ وتأمل قوة الرد على فرية اليهود وجزالة اللفظ وإشراق المعنى وبراعة الحجة، فإنهم قالوا، لعنهم الله: «يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ»، فخصّوا يدا واحدة، فردّ عليهم بقوله: «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ»، فردّ بالجمع. ثم قال: «بَلْ يَدَاهُ»، فذكر اليدين الاثنتين المباركتين، ثم وصفهما بأنهما مبسوطتان بالعطاء، ثم ذكر كيفية العطاء وحال هذا السخاء فقال: «يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ»، فتقدس اسمه ما أكرمه! وتبارك في علاه ما أحلمه! وعز جاهه ما أعلمه! وانظر إلى منهج القرآن كيف أورد الشبهة باقتضاب ثم رد عليها بإسهاب، وأطنب في تفنيدها ودحضها حتى شفى القلب بهذا البيان الناصع، والبرهان الساطع، بخلاف ضعاف المجادلين، فإنهم يتوسعون في عرض الشبهة، ثم يردون عليها ردا ضعيفا فتبقى آثارها في القلب شبها وشكوكا، فتبارك الله ما أحسن قيله.

وانظر إلى صدق المهيمن وكمال جبروته، فإنه أخبرنا بهذه المقولة الخاطئة الهابطة من هؤلاء الحقراء التافهين، وهي مقولة تتعرض لذاته المقدسة ومقامه العظيم، ومع ذلك ذكرها صريحة مثلما قالوها، قاتلهم الله. بخلاف البشر، فإنهم لضعفهم وعجزهم لا يذكرون ما يقال عنهم من شتم، وإن قالوا فباستحياء وخجل على مذهب «كاد المريب أن يقول خذوني»، لكن الله عز وجل لتفرده بكل وصف جميل لم يبالِ بهذا السقط من القول، والسخف من الحديث، بل ذكره ليدحضه، وأخبر به ليدفعه، وهو ما حدث في هذا الخطاب الباهر العجيب.

منقول

يتبع
رد مع اقتباس