الموضوع: علي بن ابي طالب
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2016-02-29, 07:37 PM
علي حبيبي علي حبيبي غير متواجد حالياً
عضو مطرود من المنتدى
 
تاريخ التسجيل: 2016-02-28
المكان: لبنان
المشاركات: 9
افتراضي علي بن ابي طالب

هذا هو علي رضي ألله عنه أيها ألرافضي ألنجس :


- يقول - رضي الله عنه -:( لقد رأيت أصحـاب مـحمــد، فما أرى أحداً يشبههـم منكـم! لقد كانوا يصبحـون شعثـاً غبـراً، وقد باتوا سجــداً وقيامــاً، يراوحون بين جباههــم وخدودهــم، ويقفون على مثل الجمـــر من ذكر معادهـــم! كأن بين أعينهم ركب المعزى مـن طول سجــودهم! إذا ذكــر الله هملــت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومـادوا كما يميد الشجـر يوم الريح العاصـف، خوفــاً من العقــاب، ورجــاء للثواب) ([1]).

2- وها هو يمــدح أصحــاب النبي عامــة، ويرجحهــم على أصحــابه وشيعته الذين خــذلـــوه في الحـــروب والقتال، وجبنــوا عن لقاء العــدو ومواجهتهــم، وقعـدوا عنه وتركـوه وحــده، فيقول موازناً بينهم وبين صحـابة رسول الله:( ولقد كنا مع رسول الله ، نقتتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا: ما يزيدنا ذلك إلا إيمــاناً وتسليمــاً، ومضياً على اللقم، وصبـراً على مضـض الألم، وجـداً في جهــاد العـــدو، ولقد كان الرجـل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما: أيهما يسقـي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعـدونا الكبت، وأنزل علينا النصـر، حتى استقر الإسـلام ملقياً جرانه، ومتبوئا أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم، ما قام للــدين عمـــود، ولا اخضــر للإيمـــان عــــود. وأيم الله لتحتلبنها دمـاً، ولتتبعنهـا ندمـاً) ([2]).

3- ويذكرهم أيضاً مقابل شيعتـه المتخــاذلين، ويأسف على ذهابهــم بقوله:( أين القوم الذين دعوا إلى الإســلام فقبلوه، وقرأوا القــرآن فأحكمــوه، وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادهـا، وأخــذوا بأطراف الأرض زحفـاً زحفاً وصفاً صفـاً، بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء ولا يعزون عن الموتى، مرة العيون من البكاء، خمص البطون مـن الصيـام، ذبـل الشفـاه من الدعاء، صفـر الألوان من السهــر، على وجوههم غبرة الخاشعـين، أولئك إخــواني الذاهبون، فحــق لنا أن نظمأ إليهـم ونعض الأيـدي على فراقهــم) ([3]).

4- ويمدح المهاجرين من الصحــابة في جواب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فيقول فاز أهل السبق بسبقهم، وذهـب المهـاجرون الأولون بفضلهم ) ([4]).

5- ويقول أيضاً:( وفي المهـاجرين خير كثير تعرفه، جزاهم الله خير الجزاء) ([5]).

6- كما مدح الأنصـار من أصحـاب محـمـد عليه الصلاة والسلام بقوله:( هــم والله ربوا الإســلام كما يربي الفلو مع غنائهم، بأيديهـم السباط، وألسنتهـم السلاط) ([6]).

[1] - [نهج البلاغة ص143 دار الكتاب بيروت 1387ه‍ بتحقيق صبحي صالح، [صـ 178ط دار الغد الجديد] ومثل ذلك ورد في "الإرشاد" ص126].
[2] - ["نهج البلاغة" بتحقيق صبحي صالح ص91، 92 ط بيروت] [صـ 117 – 118 ط دار الغد الجديد].
[3] - ["نهج البلاغة" بتحقيق صبحي صالح ص177، 178] [صـ 208 ط دار الغد الجديد].
[4] - ["نهج البلاغة" ص383 بتحقيق صبحي صالح] [صـ 375 – 376 ط دار الغد الجديد].
[5] - ["نهج البلاغة" ص383 بتحقيق صبحي صالح] [صـ 178ط دار الغد الجديد].
[6] - ["نهج البلاغة" ص557 تحقيق صبحي صالح] [صـ 539 ط دار الغد الجديد].

- ومدحهـم مدحــاً بالغاً موازناً أصحـــابه ومعــاوية مع أنصـــار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:( أما بعد! أيها الناس: فو الله لأهل مصركم في الأمصار أكثر مــن الأنصار في العرب، وما كانوا يوم أعطوا رسول الله أن يمنعوه ومن معه من المهاجرين حتى يبلغ رسالات ربـه إلا قبيلتين صغير مولـدها، وما هما بأقدم العرب ميلاداً، ولا بأكثرهم عدداً، فلما آووا النبي وأصحـابه، ونصروا الله ودينه، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحالفت عليهم اليهـود، وغزتهم اليهـود والقبائل قبيلة بعد قبيلة، فتجردوا لنصرة دين الله، وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل وما بينهم وبين اليهـود من العهود، ونصبوا لأهل نجد وتهامة وأهل مكة واليمامة وأهل الحزن والسهل [وأقاموا] قنـاة الديـن، وتصبروا تحت أحلاس الجـلاد حتى دانت لرسول الله العرب، ورأى فيهم قرة العين قبل أن يقبضــه الله إليه، فأنتم في الناس أكثر مــن أولئك في أهـل ذلك الزمـان مـن العرب) ([1]).

8- ويروي المجلسي عن الطوسي رواية موثوقة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لأصحـابه:( أوصيكــم في أصحــــاب رســــول الله ،لا تسبوهم، فإنهــم أصحــاب نبيكم، وهم أصحـابه الذين لم يبتدعوا في الدين شيئاً، ولم يوقـروا صــاحب بدعة، نعــم! أوصـــاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هـــؤلاء) ([2]).

9- ويمــدح المهــاجرين والأنصــار معاً حيث يجعل في أيديهم الخيار لتعيين الإمام وانتخابه، وهم أهل الحـل والعقـد في القرن الأول من بين المسلمين وليس لأحد أن يرد عليهم، ويتصرف بدونهم، ويعرض عن كلمتهم، لأنهم هم الأهل للمسلمين والأساس، فيقول إنما الشورى للمهاجرين والأنصـار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمــامــاً كان ذلك لله رضى، فإن خرج منهم خارج عن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى) ([3]).


موقف أهل البيت من أبي بكر الصديق:


10- يقول علي بن أبى طالب رضي الله عنه وهو يذكر بيعة أبي بكر الصديق بعد وفاة رسول الله :( عند انثيال الناس - أي انصبابهم من كل وجه كما ينثال التراب - على أبى بكر، وإجفالهم إليه ليبايعوه: فمشيت عند ذلك إلى أبى بكر، فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت "كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون "، فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر، وسدد، وقارب، واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله [ فيه ] جاهداً) ([4]).

11- ويذكر في رسالة أخرى أرسلها إلى أهل مصر مع عامله الذي استعمله عليها قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري:( بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين، سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو. أما بعد! فإن الله بحسن صنعه وتقديره وتدبيره اختار الإسلام ديناً لنفسه وملائكته ورسله، وبعث به الرسل إلى عباده و خص من انتخب من خلقه، فكان مما أكرم الله عز وجل به هذه الأمة وخصهم [ به ] من الفضيلة أن بعث محمـداً - - [ إليهم ] فعلمهم الكتاب والحكمة والسنة والفرائض، وأدّبهـم لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما [ لا ] يتفرقوا، وزكاهم لكيما يتطهروا، فلما قضى من ذلك ما عليه قبضة الله [ إليه، فعليه ] صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه إنه حميد مجيد. ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا امرأين منهم صالحين عملاً بالكتاب وأحسنا السيرة ولم يتعديا السنة ثم توفاهما الله فرحمهما الله) ([5]).

12- ويقول أيضاً وهو يذكر خلافة الصديق وسيرته:( فاختار المسلمون بعده (أي النبي ) رجـلاً منهم، فقـارب وسدد بحسب استطاعة على خوف وجد) ([6]).

[1] - ["الغارات" ج2 ص479، 480].
[2] - ["حياة القلوب للمجلسي" ج2 ص621].
[3] - ["نهج البلاغة" ج3 ص7 ط بيروت تحقيق محمد عبده وص367 تحقيق صبحي] [صـ 368ط دار الغد الجديد].
[4] - ["الغارات" ج1 ص307 تحت عنوان "رسالة علي عليه السلام إلى أصحابه بعد مقتل محمد بن أبي بكر"].
[5] - ["الغارات" ج1 ص210 ومثله باختلاف يسير في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، و"ناسخ التواريخ" ج3 كتاب2 ص241 ط إيران، و"مجمع البحار" للمجلسي].
[6] - ["شرح نهج البلاغة" للميثم البحراني ص400


لم اختار المسلمون أبا بكر خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم وإماماً لهم ؟



13- يجيب على هذا السؤال علي والزبير بن العوام رضي الله عنهما بقولهما:( وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وثاني اثنين، وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله بالصلاة وهو حي) ([1]).
ومعنى ذلك أن خلافته كانت بإيعاز الرسول عليه السلام.

14- وعلي بن أبى طالب رضي الله عنه قال هذا القول رداً على أبي سفيان حين حرضه على طلب الخلافة كما ذكر ابن أبى الحديد:( جاء أبو سفيان إلى علي عليه السلام، فقال: وليتم على هذا الأمر أذل بيت في قريش، أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فصيل خيلاً ورجلاً، فقال علي عليه السلام: طالما غششت الإسلام وأهله، فما ضررتهم شيئاً، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك، لـولا أنا رأينا أبا بكـر لها أهـــلاً لما تركنــاه ) ([2]).

15- ولقد كررّ هذا القول ومثله مرات كرات، وأثبتته كتب الشيعة في صدورها ؛ وهو أن علياً كان يعـدّ الصــديق أهلاً للخـــلافة، وأحق الناس بها، لفضـائله الجمة ومناقبــه الكثيرة حتى حينما قيل له قرب وفاته بعد ما طعنه ابن ملجم: ألا توصي؟ قال: ما أوصى رسول الله r فأوصي، ولكن قال ( أي صلى الله عليه وسلم ): إن أراد الله خيراً فيجمعهم على خيرهم بعد نبيهم) ([3]).

16- وأورد مثل هذه الرواية شيخ الشيعة المسمى "علم الهدى" في كتابه الشافي:( عن أمير المؤمنين عليه السلام لما قيل له: ألا توصي؟ فقال: ما أوصى رسول الله r فأوصي، ولكن إذا أراد الله بالناس خيراً استجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم) ([4]).

17- فهذا علي بن أبى طالب رضي الله عنه يتمنى لشيعته وأنصاره أن يوفقهم الله لرجل خيّر صالح كما وفق الأمة الإسلامية المجيدة بعد وفاته لرجل خيّر صــالح هو أبوبكر الصديق رضي الله عنه إمام الهدى، وشيخ الإسلام، ورجل قريش، والمقتدى به بعد رسول الله حسب ما سمــاه سيد أهل البيت زوج الزهــراء رضي الله عنهما كما رواه السيد مرتضى علم الهدى في كتابه عن جعفر بن محمد عن أبيه ( أن رجلاً من قريش جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: سمعتك تقول في الخطبة آنفا: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين، فمن هما؟ قال: حبيبــاي، وعمــاك أبو بكر وعمــر، وإماما الهدى، وشيخا الإسلام. ورجلا قريش، والمتقدى بهما بعد رسول الله ، من اقتدى بهمــا عصــم، ومن اتبع آثارهما هدى إلى صراط المستقيم) ([5]).

18- وقد كرر في نفس الكتاب ( أن علياً عليه السلام قال في خطبته: خيــر هذه الأمـــة بعد نبيها أبو بكر وعمــر)، ولم لا يقول هذا وهو الذي روى "إننا كنا مع النبي على جبـل حـراء إذ تحرك الجبل، فقال له: قـر، فإنه ليس عليك إلا نبـي وصــدّيق وشهيــد" ([6]).
فهذا هو رأى علي رضي الله عنه في أبي بكر.
فالمفروض من القوم الذين يدعون موالاته وبنيه أن يتبعوه وأولاده في آرائهم ومعتقداتهم في أصحــاب النبي صلى الله عليه وسلم ورفقائه.

[1] - ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد الشيعي ج1 ص332].
[2] - ["شرح ابن أبي الحديد" ج1 ص130].
[3] - ["تلخيص الشافي" للطوسي ج2 ص372 ط النجف].
[4] - ["الشافي" ص171 ط النجف].
[5] - ["تلخيص الشافي" ج2 ص428].
[6] - ["الاحتجاج" للطبرسي].
رأى أهل البيت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه


19- قال ابن عباس وهو يذكر الصديق:( رحم الله أبا بكر، كان والله للفقراء رحيمـاً، وللقرآن تالياً، وعن المنكر ناهياً، وبدينه عارفـاً، ومـن الله خائفاً، وعن المنهيـات زاجـراً، وبالمعروف آمراً، وبالليل قائمـاً، وبالنهـار صائمــاً، فاق أصحــابه ورعاً وكفافاً، وسادهـم زهداً وعفافــاً) ([1]).

20- ويقول الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند الشيعة، والذي أوجب الله اتباعه عليهم حسب زعمهم - يقول - وينسبه إلى رسول الله عليه السلام أنه قال -:( إن أبا بكر مني بمنزلة السمع) ([2]).

21- وكان الحســن يوقر أبا بكـر وعمــر كثيرًا، إلى حد أنه جعل من أحد الشروط على معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما لما تنازل له ( أنه يعمل ويحكم في الناس بكتاب الله وسنة رسول الله، وسيرة الخلفاء الراشدين، - وفي النسخة الأخرى - الخلفاء الصالحين) ([3]).

22- وأما الإمام الرابع للشيعة: علي بن الحسين بن علي، فقد روي عنه أنه جاء إليه نفر من العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: ألا تخبروني أنتم ( المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً أولئك هم الصادقون )؟ قالوا: لا، قال: فأنتم ( الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم:( يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا )، اخرجوا عني، فعل الله بكم) ([4]).

23- وأما ابن زين العابدين محمد بن على بن الحسين الملقب بالباقر - الإمام الخامس المعصوم عند الشيعة - فسئل عن حلية السيف كما رواه علي بن عيسى الأربلي في كتابه "كشف الغمة":(عن أبى عبد الله الجعفي عن عروة بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن حلية السيف؟ فقال: لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، قال: قلت: وتقول الصديق؟ فوثب وثبة، واستقبل القبلة، فقال: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصــديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة ) ([5]).

24- ولم يقل هذا إلا لأن جــده رسول الله الناطق بالوحي سماه الصـديق كما رواه البحراني الشيعي في تفسيره "البرهان" عن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لما كان رسول الله في الغار قال لأبي بكـر: كأني أنظر إلى سفينة جعفر وأصحـابه تعوم في البحر، وأنظر إلى الأنصار محبتين (مخبتين خ) في أفنيتهم، فقال أبو بكر: وتراهم يا رسول الله؟ قال: نعم! قال: فأرنيهم، فمسح على عينيه فرآهم، فقال له رسول الله أنت الصـــديق ) ([6]).

[1] - ["ناسخ التواريخ" ج5 كتاب2 ص143، 144 ط طهران].
[2] - ["عيون الأخبار" ج1 ص313، أيضاً "كتاب معاني الأخبار" ص110 ط إيران].
[3] - ["منتهى الآمال" ص212 ج2 ط إيران].
[4] - ["كشف الغمة" للأربلي ج2 ص78 ط تبريز إيران].
[5] - ["كشف الغمة" ج2 ص147].
[6] - ["البرهان" ج2 ص125].
25- ويروي الطبرسي عن الباقر أنه قال:( ولست بمنكر فضل أبى بكر، ولست بمنكر فضل عمــر، ولكن أبا بكر أفضل من عمــر) ([1]).

26- وسئل جعفر الصادق عن أبى بكر وعمر:( يا ابن رسول الله! ما تقول في حق أبى بكر وعمـر؟ فقال عليه السلام: إمامـان عادلان قاسطان، كانا على حـق، وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة ) ([2]).

27- وروى عنه الكليني في الفروع حديثاً طويلاً ذكر فيه ( وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له: أوصِ، فقال: أوصي بالخمس والخمس كثير، فإن الله تعالى قد رضي بالخمس، فأوصي بالخمس، وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته، ولو علم أن الثلث خير له أوصى به، ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهـده سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما، فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل. فقيل له: يا أبا عبد الله! أنت في زهدك تصنع هذا، وأنت لا تدرى لعلك تموت اليوم أو غداً؟
فكان جوابه أن قال: مالكم لا ترجون لي بقاء كما خفتم على الفناء، أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت، وأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم، وأنزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحر لهم الجزور أو من الشياه على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم، فيقسمه بينهم، ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله ما قال؟ ) ([3]).
فأثبت أن منزلة الصـديق في الزهــد من بين الأمة المنزلة الأولى، وبعده يأتي أبو ذر وسلمان.

28- وروى عنه الأربلي أنه كان يقول:( لقد ولدنى أبو بكر مرتين) ([4]).

29- لأن أمه: أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر وأمها (أي أم فروة) أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ([5]).

30- ويروي السيد مرتضى في كتابه "الشافي" عن جعفر بن محمد أنه كان يتولاهما، ويأتي القبر فيسلم عليهما مع تسليمه على رسول الله ([6]).

[1] - ["الاحتجاج" للطبرسي ص230 تحت عنوان "احتجاج أبي جعفر بن علي الثاني في الأنواع الشتى من العلوم الدينية" ط مشهد كربلاء].
[2] - ["إحقاق الحق" للشوشتري ج1 ص16 ط مصر].
[3] - [كتاب المعيشة "الفروع من الكافي" ج5 ص68].
[4] - ["كشف الغمة" ج2 ص161].
[5] - ["فرق الشيعة" للنوبختي ص78].
[6] - ["كتاب الشافي" ص238، أيضاً "شرح نهج البلاغة" ج4 ص140 ط بيروت


- ويقول إمام الشيعة المعروف بالحسن العسكري - الإمام الحادي عشر المعصوم عندهم - وهو يسرد واقعة الهجرة:( أن رسول الله بعد أن سأل علياً رضي الله عنه عن النوم على فراشه قال لأبى بكر رضي الله عنه: أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعيه فتحمل عني أنواع العذاب؟ قال أبو بكر: يا رسول الله! أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل عليّ موت صريح ولا فرح ميخ وكان ذلك في محبتك لكان ذلك أحب إلي من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع مماليك ملوكها في مخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلا فداءك، فقال رسول الله : لا جرم أن اطلع الله على قلبك، ووجد موافقاً لما جرى على لسانك جعلك مني بمنزلة السمع والبصر، والرأس من الجسد، والروح من البدن ) ([1]).

32- وها هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب شقيق محمد الباقر وعم جعفر الصادق الذي قيل فيه: كان حليف القرآن" ([2]).

" واعتقد كثير من الشيعة فيه بالإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف" ([3]).

فها هو زيد يسأل عن أبى بكر وعمر ما تقول فيهما؟ قال: ما أقول فيهما إلا خيراً كما لم أسمع فيهما من أهل بيتي (بيت النبوة) إلا خيراً، ما ظلمانا ولا أحد غيرنا، وعملاً بكتاب الله وسنة رسوله ) ([4]).

فلما سمع الشيعة منه هذه المقالة رفضوه، فقال زيد: رفضونا اليوم، ولذلك سمـوا بالرافضـــة ([5]).

33- ويقول سلمان الفارسي رضي الله عنه – وهو ممن تعظمهم الشيعة -: إن رسول الله كان يقول في صحابته: ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه ([6]).

خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه


34- وبعد ما ذكرنا أهل بيت النبي وموقفهم وآرائهم تجاه سيد الخلق بعد أنبياء الله ورسله أبي بكر الصديق رضي الله عنه نريد أن نذكر أنه لم يكن خلاف بينه وبين أهل البيت في مسألة خلافة النبي وإمارة المؤمنين وإمامة المسلمين، وأن أهل البيت بايعوه كما بايعه غيرهم، وساروا في مركبه، ومشوا في موكبه، وقاسموه هموم المسلمين وآلامهم، وشاركوه في صلاح الأمة وفلاحها، وكان علي رضي الله عنه أحد المستشارين المقربين إليه، يشترك في قضايا الدولة وأمور الناس، ويشير عليه بالأنفع والأصلح حسب فهمه ورأيه. ويتبادل به الأفكار والآراء، لا يمنعه مانع ولا يعوقه عائق، يصلي خلفه، ويعمل بأوامره، ويقضي بقضاياه، ويستدل بأحكامه ويستند، ثم ويسمي أبناءه بأسمائه حباً له وتيمناً باسمه وتودداً إليه.
وفوق ذلك كله يصاهر أهل البيت به وبأولاده، ويتزوجون منهم ويزوجون بهم، ويتبادلون ما بينهم التحف والصلات، ويجري بينهم من المعاملات ما يجري بين الأقرباء المتحابين والأحباء المتقاربين، وكل ذلك مما روته كتب الشيعة – ولله الحمد -.
فقد استدل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقادها كما يذكر وهو يردّ على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أمير الشام بقوله:( إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى) ([7]).

35- وقال:( إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار للناس قل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار) ([8]).
وهذا النص واضح في معناه، لا غموض فيه ولا إشكال بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين، فإنهم اجتمعوا على أبي بكر وعمـر، فلم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، كما ذكرنا قريباً روايتين عن علي بن أبى طالب في الغارات للثقفي بأن الناس انثالوا على أبي بكر، وأجفلوا إليه، فلم يكن إلا أن يقر ويعترف بخلافته وإمامته.

36- وهناك رواية أخرى في غير "الغارات" تقر بهذا عن علي أنه قال وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة:(رضينا عن الله قضائه، وسلمنا لله أمره. فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري) ([9]).

ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق، وبايعه كما بايعه المهاجرون والأنصار، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ولا يتقي الناس، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعي التقية حسب أوهام القوم، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول:( فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر، فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث … فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدد ويسر وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهداً ) ([10]).

ولأجل ذلك رد على أبي سفيان والعباس حينما عرضا عليه الخلافة لأنه لا حق له بعد ما انعقدت للصديق.
وكتب إلى أمير الشام معاوية بن أبى سفيان:(وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعواناً أيّدهم به، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام كما زعمت، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق وخليفة الخليفة الفاروق، ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصائب بهما لجرح في الإسلام شديد يرحمهما الله، وجزاهم الله بأحسن ما عملا) ([11]).

- وروى الطوسي عن علي أنه لما اجتمع بالمهزومين في الجمل قال لهم:( فبايعتم أبا بكر، وعدلتم عني، فبايعت أبا بكر كما بايعتموه …..، فبايعت عمـر كما بايعتموه فوفيت له بيعته ….. فبايعتم عثمان فبايعته وأنا جالس في بيتي، ثم أتيتموني غير داع لكم ولا مستكره لأحد منكم فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر وعثمان، فما جعلكم أحق أن تفوا لأبى بكر وعمـر وعثمان ببيعتهم منكم ببيعتي) ([1]).

38- وينقل الطبرسي أيضاً عن محمد الباقر ما يقطع أن علياً كان مقراً بخلافة أبي بكر، ومعترفاً بإمامته، ومبايعاً له بإمارته كما يذكر أن أسامة بن زيد حب رسول الله لما أراد الخروج انتقل رسول الله إلى الملأ الأعلى ( فلما ورد الكتاب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما رأى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبى طالب (ع) فقال: ما هذا ؟ قال له علي (ع): هذا ما ترى، قال أسامة: فهل بايعته؟ فقال: نعم) ([2]).

39- ولقد أقر بذلك شيعي متأخر وإمام من أئمة القوم هو محمد حسين آل كاشف الغطاء بقوله:( وحين رأى – أي علي - أن الخليفة الأول والثاني بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجيوش وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدوا بايع وسالم) ([3]).

40- ويروي ابن أبي الحديد أن عليًا والزبير قالا بعد مبايعتهما أبي بكر:( وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله بالصلاة بالناس وهو حي) ([4]).



آل البيت يمدحـــون الصحـــابــة رضي الله عنهم


41- وها هو علي بن الحسين الملقب بزين العابدين - الإمام المعصوم الرابع عند الشيعة، وسيد أهل البيت في زمانه - يذكر أصحـاب محمـد عليه الصلاة والسلام، ويدعو لهم في صـلاته بالرحمـة والمغفرة لنصرتهم سيد الخلق في نشر دعوة التوحيد وتبليغ رسالة الله إلى خلقه فيقول:(فاذكرهم منك بمغفرة ورضــوان اللهـم وأصحــاب محمــد خاصــة، الذين أحسنوا الصحبـة، والذين أبلوا البـلاء الحسن في نصره، وكاتفوه وأسرعوا إلى وفـادته، وسابقـوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجـة رسالته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهـار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، والذين هجرتهـم العشائر إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهـم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهـم مـن رضوانـك وبما حاشوا الحـق عليك، وكانوا مـن ذلك لك وإليك، واشكرهم على هجرتهـم فيك ديـارهم وخروجهـم مـن سعـة المعـاش إلىضيقـه، ومن كثرة في اعتزاز دينـك إلى أقله، اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمــان خير جزائك، الذين قصدوا سمتهــم، وتحروا جهتهـم، لو مضوا إلى شاكلتهم لم يثنهم ريب في بصيرتهم، ولم يختلجهـم شك في قفو آثارهم والائتمام بهداية منارهم مكانفين وموازرين لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم، ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم" ([5]).

42- ويقول الحسن العسكري - الإمام الحادي عشر عند الشيعة - في تفسيره:( إن كليم الله موسى سأل ربه: هــل في أصحــاب الأنبياء أكرم عندك مــن صحابتي؟ قال الله: يا موسى! أما عملت أن فضــل صحــــابة محـــمـد r على جميع صحـابة المرسلين كفضـل محـــمــد على جميع المرسلين والنبيين) ([6]).

43- وكتب بعد ذلك في تفسير الحسن العسكري ( إن رجـلاً ممن يبغـــض آل محــمــد وأصحــابه الخيرين أو واحــداً منهـــم يعذبه الله عذاباً لو قسم على مثل عدد خلـــق الله لأهلكهم أجمعين) ([7]).

44- ولأجل ذلك قال جده الأكبر علي بن موسى الملقب بالرضا - الإمام الثامن عند الشيعـة - حينما سئل "عن قول النبي : أصحـابي كالنجــوم فبأيهــم اقتديتم اهديتــم، وعن قوله عليه السلام: دعــوا لي أصحــابي:؟ فقال: هذا صحيح) ([8]).

45- وإليكم ما قاله ابن عــم النبي وابن عــم علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس - فقيه أهل البيت وعامل علي رضي الله عنه - في حــق الصحــابة:( إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه خص نبيه محمــداً بصحــابة آثروه على الأنفس والأموال، وبذلوا النفوس دونه في كل حال، ووصفهم الله في كتــابه فقال: (رحمــاء بينهم) الآية، قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقـه، وقويت أسبابـه، وظهرت آلاء الله، واستقر دينه، ووضحت أعلامه، وأذل بهم الشرك، وأزال رؤوسه ومحا دعائمه، وصارت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية، والأرواح الطـاهـرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياء، وكانوا بعد المـوت أحيـاء، وكانوا لعبـاد الله نصحاء، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها) ([9]).

46- ويروي محمد الباقر رواية تنفى النفــاق عن أصحــاب رســول الله ، وتثبت لهم الإيمان ومحبة الله عز وجل كما أوردها العياشي والبحراني في تفسيريهما تحت قول الله عز وجل:( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ):عن سلام قال: كنت عند أبي جعفر، فدخل عليه حمران بن أعين، فسأله عن أشياء، فلما هم حمران بالقيام قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرك أطال الله بقاك وأمتعنا بك، إنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا، وتسلوا أنفسنا عن الدنيا، وتهون علينا ما في أيدي الناس مـن هذه الأمـوال، ثم نخرج مـن عندك، فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا؟ قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما هي القلوب مرة يصعب عليها الأمر ومرة يسهل، ثم قال أبو جعفر: أما إن أصحــاب رسول الله قالوا: يا رسول الله نخاف علينا النفاق، قال: فقال لهم: ولم تخافون ذلك؟ قالوا: إنا إذا كنا عندك فذكرتنا روعنا، ووجلنا، نسينا الدنيــا وزهدنـا فيها حتى كأنا نعاين الآخرة والجنــة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك، ودخلنا هذه البيوت، وشممنا الأولاد، ورأينا العيال والأهـل والمـال، يكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها عندك، وحتى كأنا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن يكون هذا النفاق؟ فقال لهـم رسول الله r : كــــلا، هذا مــن خطوات الشيطان. ليرغبنكم في الدنيا، والله لو أنكم تدومون على الحال التي تكونون عليها وأنتم عندي في الحال التي وصفتــم أنفسكم بها لصافحتكــم الملائكـــة، ومشيتم على الماء، ولولا أنكم تذنبون، فتستغفرون الله لخلق الله خلقاً لكي يذنبوا، ثم يستغفروا، فيغفر الله لهم، إن المؤمـن مفتـن تواب، أما تسمع لقوله:( إن الله يحب التوابين) وقال:( استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ) ([10]).

47- وأما ابن الباقر جعفر الملقب بالصادق فإنه يقول:( كان أصحــاب رسول الله اثنى عشر ألفا، ثمانية آلاف من المدينة، وألفان من مكة، وألفانمن الطلقاء، ولم ير فيهم قدري ولا مرجئ ولا حروري ولا معتزلي، ولا صاحب رأي، كانوا يبكــون الليل والنهــار ويقولون: اقبـض أرواحنـا مــن قبل أن نأكل خبز الخمير) ([11]).

[1] - ["الأمالي" لشيخ الطائفة الطوسي ج2 ص121 ط نجف].
[2] - ["الاحتجاج" للطبرسي ص50 ط مشهد عراق].
[3] - ["أصل الشيعة وأصولها" ط دار البحار بيروت 1960 ص91].
[4] - ["شرح نهج البلاغة" لأبي أبي الحديد ج1 ص132]. وأورد ابن أبي الحديد رواية أخرى مشابهة في شرحه ] ج1 ص134، 135].
[5] - [صحيفة كاملة لزين العابدين ص13 ط الهند 1248ه‍].
[6] - [تفسير الحسن العسكري ص65 ط الهند، وأيضاً "البرهان" ج3 ص228، واللفظ له].
[7] - [تفسير الحسن العسكري ص196].
[8] - [نص ما ذكره الرضا نقلاً عن كتاب "عيون أخبار الرضا" لابن بابويه القمي الملقب بالصدوق تحت قول النبي: أصحابي كالنجوم ج2 ص87].
[9] - ["مروج الذهب" ج3 ص52، 53 دار الأندلس بيروت].
[10] - ["تفسير العياشي" ج1 ص109، و "البرهان" ج1 ص215].
[11] - ["كتاب الخصال" للقمي ص640 ط مكتبة الصدوق طهران].

اقتداء علي بالصديق رضي الله عنهما في الصلوات وقبوله الهدايا منه


48- ولقد كان علي رضي الله عنه راضياً بخلافة الصديق ومشاركاً له في معاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا، رافعاً إليه الشكاوى، مصلياً خلفه، عاملاً معه، محباً له، مبغضاً من يبغضه.
فقد ذكرنا قبل أن علياً قال للقوم حينما أرادوه خليفة وأميراً: وأنا لكم وزيراً خير لكم منى أميرا ([1]).

49- يذكرهم أيـام الصديق والفاروق حينما كان مستشاراً مسموعاً، ومشيراً منفذاً كلمته. كما يروي اليعقوبي الشيعي في تاريخه وهو يذكر أيام خلافة الصديق ( وأراد أبو بكر أن يغزو الروم فشارو جماعة من أصحاب رسول الله، فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن أبى طالب فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير، فقام أبو بكر في الناس خطيباً، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم ) ([2]).

50- وفى رواية ( سأل الصديق علياً كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي حيث سمعته يبشر بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن! يسرّك الله) ([3]).

51- ويؤيد ذلك عالم الشيعة محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد حيث بوّب باباً خاصاً في كتابه "الإرشاد" لقضايا أمير المؤمنين عليه السلام في إمارة أبي بكر. ثم ذكر عدة روايات عن قضايا علي في خلافة أبي بكر، ومنها ( أن رجلاً رفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحد فقال له: إني شربتها ولا علم لي بتحريمها لأني نشأت بين قوم يستحلونها ولم أعلم بتحريمها حتى الآن، فارتج علي أبي بكر الأمر بالحكم عليه ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعض من حضر أن يستخبر أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير المؤمنين: مر رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار ويناشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله ؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخلّ سبيله، ففعل ذلك أبو بكر فلم يشهد أحد من المهاجرين والأنصار أنه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلى سبيله وسلم لعلي (عليه السلام) في القضاء به) ([4]).

52- وكان علي يمتثل أوامره كما حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة الطغاة، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة الإسلام والمسلمين، فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر علياً والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحراس، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم ([5]).

53- وللتعاطف والتوادد والوئام الكامل بينهما: كان علىّ وهو سيد أهل البيت يتقبل من أبي بكر الهدايا دأب الأخوة المتحابين ؛ كما قبل الصهباء الجارية التي سبيت في معركة عين التمر، وولدت له عمر ورقية، حيث قالت كتب الشيعة ( وأما عمر ورقية فإنهما من سبيئة من تغلب يقال لها الصهباء سبيت في خلافة أبى بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر) ([6]).

( وكانت اسمها أم حبيب بنت ربيعة) ([7]).

وأيضاً منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أسرت مع من أسر في حرب اليمامة وولدت له أفضل أولاده بعد الحسنين: محمد بن الحنفية.
( وهى من سبي أهل الردة وبها يعرف ابنها ونسب إليها محمد بن الحنفية) ([8]).

54- كما وردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية والخمس وأموال الفيء من الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان علي هو القاسم والمتولي في عهده على الخمس والفيء، وكانت هذه الأموال بيد علي، ثم كانت بيد الحسن، ثم بيد الحسين، ثم الحسن بن الحسن، ثم زيد بن الحسن ([9]).

55- وكان يؤدي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصديق، راضياً بإمامته، ومظهراً للناس اتفاقه ووئامه معه ([10]).

[1] - ["نهج البلاغة" ص136 تحقيق صبحي صالح]. [صـ 173ط دار الغد الجديد].
[2] - ["تاريخ اليعقوبي" ص132، 133 ج2 ط بيروت 1960م].
[3] - ["تاريخ التواريخ" ج2 كتاب 2 ص158 تحت عنوان "عزام أبي بكر"].
[4] - ["الإرشاد" للمفيد ص107 ط إيران].
[5] - ["شرح نهج البلاغة" ج4 ص228 تبريز].
[6] - ["شرح نهج البلاغة" ج2 ص718، أيضاً "عمدة الطالب" ط نجف ص361].
[7] - ["الإرشاد" ص186].
[8] - ["عمدة الطالب" الفصل الثالث ص352، أيضاً "حق اليقين" ص213].
[9] - ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحدد ج4 ص118].
[10] - ["الاحتجاج" للطبرسي 53، أيضاً كتاب سليم بن قيس ص253، أيضاً "مرآة العقول" للمجلسي ص388 ط إيران].







مساعدة الصديق في تزويج علي من فاطمة رضي الله عنها


56- وكان للصديق مَنّ على عليّ رضي الله عنهما حيث توسط له في زواجه من فاطمة رضي الله عنها وساعده فيه، كما كان هو أحد الشهود على نكاحه بطلب من رسول الله ، وهذا يرويه أحد أعاظم الشيعة ويسمى بشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي ( عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: سمعت علي بن أبى طالب يقول: أتاني أبو بكر وعمـــر، فقالا: لو أتيت رسول الله فذكرت له فاطمة، قال: فأتيته، فلما رآني رسول الله ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا علي وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي، فقال: يا علي! صـدقت، فأنت أفضل مما تذكر، فقلت: يا رسول الله! فاطمة تزوجنيها) ([1]).

57- وأما المجلسي فيذكر هذه الواقعة ويزيدها بياناً ووضوحاً حيث يقول:( في يوم من الأيام كان أبو بكر وعمــر وسعد بن معاذ جلوساً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتذاكروا ما بينهم بزواج فاطمة عليها السلام. فقال أبو بكر: أشراف قريش طلبوا زواجها عن النبي ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم بأن الأمر في ذلك إلى الله - ونظن أنها لعلي بن أبي طالب - وأما علي بن أبي طالب فلم يتقدم بطلبها إلى رسول الله لأجل فقره وعدم ماله، ثم قال أبو بكر لعمر وسعـد: هيا بنا إلى علـي بن أبي طالب لنشجعه ونكلفه بأن يطلب ذلك من النبي، وإن مانعه الفقـر نســاعده في ذلك. فأجاب سعد: ما أحسن ما فكرت به، فذهبوا إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام فلما وصلوا إليه سألهم ما الذي أتى بكم في هذا الوقت؟ قال أبو بكر: يا أبا الحسن! ليس هناك خصلة خير إلا وأنت سابق بها فما الذي يمنعك أن تطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة؟ فلما سمع عليّ هذا الكلام من أبي بكر نزلت الدموع من عينيه وسكبت، وقال: قشرت جروحي ونبشت وهيجت الأماني والأحلام التي كتمتها منذ أمد، فمن الذي لا يريد الزواج منها؟، ولكن يمنعني من ذلك فقري واستحي منه بأن أقول له وأنا في هذا الحال... الخ ) ([2]).
58- ثم وأكثر من ذلك أن الصديق أبا بكر هو الذي حرض علياً على زواج فاطمة رضي الله عنهم، وهو الذي ساعده المساعدة الفعلية لذلك، وهو الذي هيأ له أسباب الزواج وأعدها بأمر من رسول الله كما يروي الطوسي: أن علياً باع درعه وأتى بثمنه إلى الرسول، ثم قبضه رسول الله من الدراهم بكلتا يديه، فأعطاها أبا بكر وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت، أردفه بعمار بن ياسر وبعدة من أصحـابه، فحضروا السوق، فكانوا يعرضون الشيء مما يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر، فإن استصلحه اشتروه... حتى إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحــاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه الباقي ([3]).

59- بل إن الصديق ورفاقه كانوا شهوداً على زواجه بنص الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه كما يذكر الخوارزمي الشيعي والمجلسي والأربلي ( أن الصـديق والفـاروق وسعـد بن معـاذ لما أرسلوا علياً إلى النبي انتظروه في المسجد ليسمعوا منه ما يثلج صدورهم من إجابة الرسول وقبوله ذلك الأمر، فكان كما كانوا يتوقعون، فيقول علي: فخرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أعقل فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمـر، وقالا لي: ما وراءك؟ فقلت: زوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة ففرحا بذلك فرحاً شديداً ورجعا معي إلى المسجد فلما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله، وإن وجهه يتهلل سروراً وفرحاً، فقال: يا بلال! فأجابه فقال: لبيك يا رسول الله! قال: اجمع إلي المهاجرين والأنصار، فجمعهم ثم رقي درجة من المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: معاشر الناس إن جبرائيل أتاني آنفا وأخبرني عن ربي عز وجل أنه جمع ملائكته عند البيت المعمور، وكان أشهدهم جميعاً أنه زوج أمته فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبده علي بن أبى طالب، وأمرني أن أزوجه في الأرض وأشهدكم على ذلك) ([4]).

60- ويكشف النقاب عن الشهود الأربلي في كتابه "كشف الغمة" حيث يروي:( عن أنس أنه قال كنت عند النبي فغشيه الوحى، فلما أفاق قال لي: يا أنس! أتدري ما جاءني به جبرائيل من عند صاحب العرش؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: أمرني أن أزوج فاطمة من علي، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمـر وعثمـان وعلياً وطلحـة والزبيـر وبعددهم من الأنصار، قال: فانطلقت فدعوتهم له، فلما أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن حمد الله وأثنى عليه ثم إني أشهدكم أني زوجت فاطمة من عليّ على أربعمائة مثقال فضة) ([5]).

61- ولما ولد لهما الحسن كان أبو بكر الصديق يحمله على عاتقه، ويداعبه ويلاعبه ويقول: بأبي شبيه بالنبي.. غير شبيه بعلي) ([6]).

62- وكانت العلاقات وطيدة إلى حد أن زوجـة أبى بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمــرّض فاطمـة بنت النبي عليه السلام ورضي الله عنها في مرض موتها، وكانت معها حتى الأنفاس الأخيرة، فروت كتب الشيعة:(وكان (علي) يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استمرار بذلك) ([7]).
63- و(وصتها بوصايا في كفنها ودفنها وتشييع جنازتها فعملت أسماء بها) ([8]).

64- و(هي التي كانت عندها حتى النفس الأخير، وهى التي نعت علياً بوفاتها ) ([9]).

65- و( كانت شريكة في غسلها) ([10]).

[1] - ["الأمالي" للطوسي ج1 ص38].
[2] - ["جلاء العيون" للملا مجلسي ج1 ص169 ط كتاب فروشي إسلامية طهران، ترجمة من الفارسية].
[3] - ["الأمالي" ج1 ص39، أيضاً "مناقب" لابن شهر آشوب المازندراني ج2 ص20 ط الهند، أيضاً "جلاء العيون" فارسي ج1 ص176].
[4] - ["المناقب" للخوارزمي ص251، 252، أيضاً "كشف الغمة ج1 ص358، أيضاً "بحار الأنوار" للمجلسي ج10 ص38، 39، أيضاً جلاء العيون" ج1 ص184].
[5] - ["كشف الغمة" ج1 ص348، 349 ط تبريز، "بحار الأنوار" ج1 ص47، 48].
[6] - ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص117].
[7] - ["الأمالي" للطوسي ج1 ص107].
[8] - ["جلاء العيون" ص235، 242].
[9] - ["جلاء العيون" ص237].
[10] - ["كشف الغمة" ج1 ص504].

وكان أبوبكر الصديق دائم الاتصال بعلي ليسأله عن أحوال فاطمة رضي الله عنهم



66- ( فمرضت (أي فاطمة رضي الله عنها) وكان علي (ع) يصلي في المسجد الصلوات الخمس، فلما صلى قال له أبو بكر وعمـر: كيف بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟) ([1]).

67- و( لما قبضت فاطمة من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان علياً ويقولان: يا أبا الحسن! لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله ) ([2]).

المصاهرات بين الصديق وآل البيت رضي الله عنهم



68- وكانت العلاقات وثيقة أكيدة بين بيت النبوة وبيت الصديق لا يتصور معها التباعد والاختلاف مهما نسج الأفاكون الأساطير والأباطيل، (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) ([3]).

69- فالصديقة عائشة بنت الصديق أبى بكر كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أحب الناس إليه مهما احترق الحساد ونقم المخـالفون، فإنها حقيقة ثابتة،وهى طاهرة مطهرة - بشهادة القــرآن - مهما جحدها المبطلون وأنكرها المنكرون.

70- ثم أسماء بنت عميس التي جاء ذكرها آنفا كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب شقيق علي، فمات عنها فتزوجها الصديق وولدت له ولداً سماه محمداً الذي ولاه علي على مصـر، ولما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبى طالب فولدت له ولداً سماه يحيى.

71- وحفيدة الصديق كانت متزوجة من محمد الباقر - الإمام الخامس عند الشيعة وحفيد علي رضي الله عنه - كما يذكر الكليني في أصوله تحت عنوان مولد جعفر ولد أبو عبد الله عليه السلام سنة ثلاث وثمانين ومضى في شوال من سنة ثمان وأربعين ومائة وله خمس وستون سنة، ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن فيه أبوه وجده والحسن بن علي عليهم السلام وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر) ([4]).

72- ويقول ابن عنبة عن جعفر:( أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. ولهذا كان الصادق عليه السلام يقول: ولدني أبو بكر مرتين ) ([5]).

73- كما أن القاسم بن محمد بن أبي بكر حفيد أبي بكر، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد علي كانا ابني خالة كما يذكر المفيد وهو يذكر علي بن الحسين بقوله: والإمام بعد الحسن بن علي (ع) ابنه أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، وكان يكنى أيضا أبا الحسن. وأمه شاه زنان بنت يزدجردبن شهريار بن كسرى ويقال: إن اسمها كان شهر بانويه وكان أمير المؤمنين (ع) ولى حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق، فبعث إليه بنتي يزدجردبن شهريار بن كسرى، فنحل ابنه الحسين (ع) شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين (ع) ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر، فولدت له القاسم بن محمد بن أبى بكر فهما ابنا خالة) ([6]).

74- وأما المجلسي فذكر ذلك في "جلاء العيون" ولكنه صحح الروايات التي جاء بها المفيد وابن بابويه بأن شهربانو لم تكن سبيت في عهد عليكما ذكره المفيد ولا في عهد عثمان كما ذكره ابن بابويه القمي، بل كانت من سبايا عمــر كما رواه القطب الراوندي، ثم يقر بعد ذلك بأن قاسم بن محمد بن أبي بكر وزين العابدين بن الحسين بن علي هما ابنا خالة ([7]).

75- وذكر أهل الأنساب والتاريخ قرابة أخرى وهى تزويج حفصة بنت عبد الرحمن بن الصديق من الحسين بن علي بن أبى طالب رضي الله عنهم بعد عبد الله بن الزبير أو قبله.

76- ثم إن محمد بن أبي بكر من أسماء بنت عميس كان ربيب علي وحبيبه، وولاه إمرة مصر في عصره.

77- ( وكان علي عليه السلام يقول: محمد ابني من ظهر أبي بكر) ([8]).

78- وكان من حب أهل البيت للصديق والتوادد فيما بينهم أنهم سموا أبناءهم بأسماء أبي بكر رضي الله عنه، فأولهم علي بن أبي طالب حيث سمى أحد أبنائه بأبي بكر كما يذكر المفيد تحت عنوان "ذكر أولاد أمير المؤمنين (ع) وعددهم وأسماءهم ومختصر من أخبارهم":
( 12- محمد الأصغر المكنى بأبي بكر 13- عبيد الله، الشهيدان مع أخيهما الحسين (ع) بالطف أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية) ([9]).
وقال اليعقوبي:( وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكر الحسن والحسين وعبيد الله وأبو بكر لا عقب لهما أمهما ليلى بنت مسعود الحنظلية من بني تيم) ([10]).
وذكر الأصفهاني في "مقاتل الطالبيين" تحت عنوان "ذكر خبر الحسين بن علي بن أبي طالب ومقتله ومن قتل معه من أهله" وكان منهم ( أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه يعلى بنت مسعود.. ذكر أبو جعفر أن رجلاً من همدان قتله، وذكر المدائني أنه وجد في ساقيه مقتولاً، لا يدري من قتله ) ([11]).
وهل هذا إلا دليل حب ومؤاخاة وإعظام وتقدير من عليّ للصديق رضي الله عنهما؟!
والجدير بالذكر أنه ولد له هذا الولد بعد تولية الصديق الخلافة والإمامة، بل وبعد وفاته كما هو معروف بداهة.
وهل يوجد في الشيعة اليوم الزاعمين حب علي وأولاده رجل يسمي بهذا الاسم؟! وهل هم موالون له أم مخالفون ؟!
ولم يختص عليّ بهذه المحبة والصداقة لأبي بكر، بل تابعه بنوه من بعده ومشوا مشيه ونهجوا منهجه.
فهذا هو أكبر أنجاله وابن فاطمة وسبط الرسول الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند الشيعة - يسمي أحد أبنائه بهذا الاسم كما ذكره اليعقوبي:
( وكان للحسن من الولد ثمانية ذكور وهم الحسن بن الحسن وأمه خولة وأبو بكر وعبد الرحمن لأمهات أولاد شتى وطلحة وعبيد الله) ([12]).
ويذكر الأصفهاني ( أن أبا بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب أيضاً كان ممن قتل في كربلاء مع الحسين قتله عقبة الغنوي) ([13]).
والحسين بن علي أيضاً سمى أحد أبنائه باسم الصديق كما يذكر ذلك المؤرخ الشيعي المشهور المسعودي في "التنبيه والإشراف" عند ذكر المقتولين مع الحسين في كربلاء.
( وممن قتلوا في كربلاء من ولد الحسين ثلاثة، علي الأكبر وعبد الله الصبي وأبو بكر بنوا الحسين بن علي) ([14]).
وقيلإن زين العابدين بن الحسن كان يكنى بأبي بكر أيضاً) ([15]).
وأيضاً حسن بن الحسن بن علي، أي حفيد علي بن أبي طالب سمى أحد أبنائه أبا بكر كما رواه الأصفهاني عن محمد بن علي حمزة العلوي أن ممن قتل مع إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كان أبو بكر بن الحسن بن الحسن ([16]).
والإمام السابع عند الشيعة موسى بن جعفر الملقب بالكاظم أيضاً سمى أحد أبنائه بأبي بكر ([17]).
ويذكر الأصفهاني أن علي الرضا – الإمام الثامن عند الشيعة - كان يكنى بأبي بكر، ويروي عن عيسى بن مهران عن أبي الصلت الهروي أنه قال: سألني المأمون يوماً عن مسألة، فقلت: قال فيها أبو بكرنا، قال عيسى بن مهران: قلت لأبي الصلت: من أبو بكركم؟ فقال: علي بن موسى الرضا كان يكنى بها وأمه أم ولد ([18]).
والجدير بالذكر أن موسى الكاظم سمى إحدى بناته باسم بنت الصديق، الصديقة عائشة كما ذكر المفيد تحت عنوان "ذكر عدد أولاد موسى بن جعفر وطرف من أخبارهم":
( وكان لأبي الحسن موسى عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى منهم علي بن موسى الرضا عليهما السلام …… وفاطمة وعائشة وأم سلمة ) ([19]).
كما سمى جده علي بن الحسين إحدى بناته: عائشة ([20]).
وأيضاً - الإمام العاشر المعصوم عندهم حسب زعمهم - علي بن محمد الهادي أبو الحسن - سمى إحدى بناته بعائشة، يقول المفيد:( وتوفي أبو الحسن عليهما السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره بسرّ من رأى، وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه وابنته عائشة) ([21]).
أخيرًا نودّ أن نذكر بأن هناك في بني هاشم كثيرًا ممن تسموا أو سموا أبناءهم بأبي بكر، نذكر منهم ابن الأخ لعلي بن أبي طالب وهو عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب فإنه سمى أحد أبنائه أيضاً باسم أبي بكر كما ذكره الأصفهاني في مقاتله:
( قتل أبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يوم الحرة في الوقعة بين مسرف بن عقبة وبين أهل المدينة ) ([22]).
وهذا من علامات الحب والود بين القوم خلاف ما يزعمه الشيعة من العداوة والبغضاء، والقتال الشديد والجدال الدائم بينهم.

[1] - ["كتاب سليم بن قيس" ص353].
[2] - ["كتاب سليم بن قيس" ص255].
[3] - [سورة العنكبوت الآية41].
[4] - ["كتاب الحجة من الأصول في الكافي ج1 ص472، ومثله في "الفرق" للنوبختي].
[5] - [عمدة الطالب، ص 195، ط طهران 1961م ].
[6] - ["الإرشاد" للمفيد ص253 ومثله في "كشف الغمة" و"منتهى الآمال" للشيخ عباس القمي ج2 ص3].
[7] - ["جلاء العيون" الفارسي ص673، 674].
[8] - ["الدرة النجفية" للدنبلي الشيعي شرح نهج البلاغة ص113 ص إيران].
[9] - ["الإرشاد" ص186].
[10] - ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص213].
[11] - ["مقاتل الطالبيين" لأبي الفرج الأصفهاني الشيعي ط دار المعرفة بيروت ص142، ومثله في "كشف الغمة" ج2 ص64، "جلاء العيون" للمجلسي ص582].
[12] - ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص228، منتهى الآمال ج1 ص240].
[13] - ["مقاتل الطالبيين" ص87].
[14] - ["التنبيه والإشراف" ص263].
[15] - ["كشف الغمة" ج2 ص74].
[16] - [ "مقاتل الطالبيين"، ص 188 ط دار المعرفة، بيروت ].
[17] - [ " كشف الغمة " ج 2 ص 217 ].
[18] - ["مقاتل الطالبين" ص561، 562].
[19] - ["الإرشاد" ص302، 303، "الفصول المهمة" 242، "كشف الغمة" ج2 ص237].
[20] - ["كشف الغمة" ج2 ص90].
[21] - ["كشف الغمة" ص334، و"الفصول المهمة" ص283].
[22] - [ "مقاتل الطالبيين " ص 123 ].


موقف أهل البيت من عمر الفاروق رضي الله عنه


وأما عمر بن الخطاب، فارس الإسلام وأمير المؤمنين، عبقري الملة، وفاتح القيصرية، وهازم الكسروية، فقد كان محبوباً إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم:
79- يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يذكر الفاروق وولايته ووليهم وال، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه) ([1]).

80- وقال الميثم البحراني الشيعي، شارح نهج البلاغة، وكذلك الدنبلي شرحاً لهذا الكلام:(إن الوالي عمر بن الخطاب، وضربه بجرانه كناية بالوصف المستعار عن استقراره وتمكنه كتمكن العير البارك من الأرض) ([2]).

81- ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي تحت هذه الخطبة، ويذكرها من أولها:( وهذا الوالي هو عمر بن الخطاب، وهذا الكلام من خطبة خطبها في أيام خلافته طويلة يذكر فيها قربه من النبي واختصاصه له، وإفضائه بأسراره إليه.. ) ([3]).
فانظر إلى عليّ كيف يقر ويعترف بأن الدين قد استقر في عهـد عمـر، والإسلام قد تمكن في الأرض في أيام خلافته الميمونة، فهل لمتمسك من الشيعة يتمسك بقول علي بن أبي طالب - الإمام المعصوم عندهم الذي لا يخطئ –؟!
وهذه الخطبة التي مدح فيها عمـر ألقاها في أيام خلافته حيث لم يكن هناك ضرورة للتقية الشيعية التي ألصقوها تهمة بخيار الخلائق رضوان الله ورحمته عليهم.

82- وكم هناك من خطب لعليّ منقولة في نهج البلاغة، تدل على نفس المعنى بأن الفاروق كان سبباً لعز الدين، ورفعة الإسلام، وعظمة المسلمين، وتوسعة البلاد الإسلامية، وأنه أقام الناس على المحجة البيضاء، واستأصل الفتنة، وقوم العوج وأزهق الباطل، وأحيا السنة طائعاً لله خائفاً منه، فانظر إلى ابن عم رسول الله ووالد سبطيه وهو يبالغ في مــدح الفـاروق، ويقول:
( لله بلاء فلان، فقد قوم الأود، وداوى العمد وخلف الفتنة، وأقام السنة، ذهـب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرهـا وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي بها الضال، ولا المستيقن المهتدي ) ([4]).
يقول ابن أبي الحديد:(وفلان المكنى عنه: عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضى أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر.. وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي: هو عمـر، فقلت له: أثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم ) ([5]).
فلينظر كيف يعلن علي رضى الله عنه على ملأ الشهود أن الفاروق رضي الله عنه قوم العوج، وعالج المرض، وعامل بالطريقة النبوية، وسبق الفتنة وتركها خلفا، لم يدركها هو، ولا الفتنة أدركته، وانتقل إلى ربه وليس عليه ما يلام عليه، أصاب خير الولاية والخلافة، ولحق الرفيق الأعلى، ولم يلوث في القتل والقتال الذي حدث بين المسلمين طائعاً لله، غير عاص، واتقى الله في أداء حقه، ولم يقصر فيه ولم يظلم.
فهذا هو الذي يليق أن يضرب الدين في عصره العطن.

83- ولقد استشارعمـر عليا في الخروج إلى غزو الروم فقال له:
( إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم. ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهره الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى، كنت ردأ للناس ومثابة للمسلمين) ([6]).
ويكتب ابن أبي الحديد تحته شرحاً:( أشار عليه السلام أن لا يشخص بنفسه حذراً أن يصاب فيذهب المسلمون كلهم لذهاب الرأس، بل يبعث أميراً من جانبه على الناس ويقيم هو في المدينة، فإن هزموا كان مرجعهم إليه ) ([7]).
فمن يقرأ هذه الخطبة يتبين له الحب المتدفق من علي للفاروق والحرص على شخصه وحياته، والرجاء والتمني لبقائه في الحكم والخلافة ذخرا للإسلام والمسلمين رغم أنوف المبغضين والطاعنين فيه، ثم الجدير بالذكر أن الفاروق رضي الله عنه كان مصمماً على المسير إلى المعركة بنفسه والمرتضى علي رضي الله عنه كان يعرف ذلك، ومع ذلك أراد منعه قدر المستطاع لما كان يراه سبباً لعـز الإسلام ومجده وشموخه، وأن لا يمسه سوء حتى لا تنقلب على الإسلام ودولته قالة ولا تدور عليهم الدائرة، وأكثر من ذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يريد أن ينيب عنه في العاصمة الإسلامية علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فكانت فرصة ذهبية ليأخذ علي زمام الأمور ويسترد الحقوق الموهومة التي يزعم الشيعة أنها سلبت!! ولكنه رضي الله عنه لم يفعل ليتأكد لك أيها القارئ أنه لم يكن بينهما سوى الحب والود، لا كما يزعم الشيعة هداهم الله.

84- و لما استشار عمر عليا في الشخوص لقتال الفرس بنفسه منعه من ذلك وقال له:
( إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة. وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعدّه وأمدّه، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه، فإن انقطع النظام تفرق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً. والعرب اليوم، وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع! فكن قطباً واستدر الرحا بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك.
إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك، وطمعهم فيك. فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين، فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره. وأما ما ذكرت من عددهم، فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة ) ([8]).
وأيضاً أشار بذلك إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب - رواه المجلسي في "بحار الأنوار" عن محمد الباقر –" ([9]).
فقد نبّه سيد أهل البيت بأن الفاروق ليس كواحد من الناس، بل إنه قطب، وعليه يدور رحى الإسلام والعرب المسلمين، فلولا القطب ليس للرحى أن تدور، وأنى لها ذلك؟ ولذلك يلح عليه بقوله: فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها: لأنهم يعرفون أن الفاروق هو الأصل، فإن استؤصل لا يبقى للفرع أثر، وأنه القطب، فإن كسر تنكسر الرحى ولا تدور.

85- وكان علي رضي الله عنه يعتقد أن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وكان يرى بأنه محدّث بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك لم يكن يخالف سيرته وعمله حتى وفي الأمور الصغيرة والتافهة، وقد نقل الدينوري الشيعي أنه لما قدم الكوفة (قيل له: يا أمير المؤمنين! أتنزل القصر؟ قال: لا حاجة لي في نزوله، لأن عمر بن الخطاب كان يبغضه، ولكني نازل الرحبة، ثم أقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى ركعتين، ثم نزل الرحبة ) ([10]).

86- وكذلك لما تكلم في رد فدك أبى أن يعمل خلاف ما فعله عمر، فهذا هو السيد مرتضى يقول:( فلما وصل الأمر إلى علي بن أبي طالب (ع) كلم في رد فدك، فقال: إني لأستحي من الله أن أردّ شيئاً منع منه أبو بكر، وأمضاه عمـر ) ([11]).
وننقل هنا روايات ثلاث تأييداً لهاتين الروايتين نقلناها من كتب القوم.
الأولى: عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال: لا أعلم علياً خالف عمـر، ولا غيّر شيئاً مما صنع حين قدم الكوفة" ([12]).
والرواية الثانية "أن أهل نجران جاءوا إلى علي يشتكون ما فعل بهم عمر، فقال في جوابهم: إن عمر كان رشيد الأمر، فلا أغير شيئاً صنعه عمر" ([13]).
والرواية الثالثة أن علياً قال حين قدم الكوفة: ما كنت لأحل عقدة شدها عمـر" ([14]).
وما كان كل هذا إلا لأنه يراه رجلاً ملهماً حسب إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، ورجلاً مسدداً يدور معه الحق أينما دار.

[1] - ["نهج البلاغة" بتحقيق صبحي الصالح تحت عنوان "غريب كلامه المحتاج إلى التفسير" ص557 ط دار الكتاب بيروت، أيضاً. ["نهج البلاغة بتحقيق الشيخ محمد عبده ج4 ص107 ط دار المعرفة بيروت] [صـ 540ط دار الغد الجديد].
[2] - ["شرح نهج البلاغة" لابن الميثم ج5 ص463، أيضاً "الدرة النجفية" ص394].
[3] - ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص519].
[4] - ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص350، "نهج البلاغة" تحقيق محمد عبده ج2 ص322] [صـ 354ط دار الغد الجديد].
[5] - ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج3 ص92 جزء12]. ومثله ذكر ابن الميثم [انظر لذلك شرح نهج البلاغة لابن الميثم ج4 ص96، 97] والدنبلي وعلي نقي في الدرة النجفية [ص257] وشرح النهج الفارسي [ج4 ص712].
[6] - ["نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص193].
[7] - ["شرح نهج البلاغة" ج2 جزء8 ص369، 370].
[8] - ["نهج البلاغة" بتحقيق صبحي ص203، 204 تحت عنوان "ومن كلام له (أي علي) عليه السلام وقد استشاره عمر في الشخوص لقتال الفرس بنفسه"]. [صـ 231ط دار الغد الجديد].
[9] - ["بحار الأنوار" ج4 كتاب السماء والعالم] فإن دعاء الرسول لا بد له أن يقبل.
[10] - ["الأخبار الطوال" لأحمد بن داؤد الدينوري ص152].
[11] - ["كتاب الشافي في الإمامة" ص213، أيضاً "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد].
[12] - ["رياض النضرة" لمحب الطبري ج2 ص85].
[13] - ["البيهقي" ج10 ص130، "الكامل" لابن أثير ج2 ص201 ط مصر، "التاريخ الكبير" للإمام البخاري ج4 ص145 ط الهند، "كتاب الخراج" لابن آدم ص23 ط مصر، "كتاب الأموال" ص98، "فتوح البلدان" ص74].
[14] - ["كتاب الخراج" لابن آدم ص23، أيضاً "فتوح البلدان" للبلاذري ص74 ط مصر].

- وأورد ابن أبي الحديد ( أن الفاروق لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي دخل عليه ابنا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم فقال ابن عباس: فسمعنا صوت أم كلثوم (بنت علي رضي الله عنه): واعمراه، وكان معها نسوة يبكين فارتج البيت بكاء، فقال عمر: ويل أم عمر إن الله لم يغفر له، فقلت: والله! إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى:( وإن منكم إلا واردها): إن كنت ما علمنا لأمير المؤمنين وسيد المسلمين تقضي بالكتاب وتقسم بالسوية، فأعجبه قولي، فاستوى جالساً فقال: أتشهد لي بهذا يا ابن عباس؟ فكعكعت أي جبنت، فضرب عليّ عليه السلام بين كتفي وقال: اشهـد، وفى رواية لم تجزع يا أمير المؤمنين؟ فوالله لقد كان إسلامك عزاً، وإمارتك فخراً، ولقد ملأت الأرض عدلاً، فقال: أتشهد لي بذلك يا ابن عباس! قال: فكأنه كره الشهادة فتوقف، فقال له علي عليه السلام: قل: نعم، وأنا معك، فقال: نعم) ([1]).

88- وأكثر من هذا أن علياً - وهو الإمام المعصوم الأول عند القوم - كان يؤمن بأن عمــر من أهل الجنة لما سمعه من لسان خيرة خلق الله محمد المصطفى الصادق الأمين ، ولأجل ذلك كان يتمنى بأن يلقى الله بالأعمال التي عملها الفاروق عمر رضي الله عنه في حياته، كما رواه كل من السيد مرتضى وأبو جعفر الطوسي وابن بابويه وابن أبي الحديد:
( لما غسل عمر وكفن دخل علي عليه السلام فقال: ما على الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى (أي المكفون) بين أظهركم ) ([2]).
وقد وردت هذه الرواية في كتب السنة بتمامها.

89- وأما ابن أبي الحديد فيذكر (طعن أمير المؤمنين فانصرف الناس وهو في دمه مسجى لم يصل الفجر بعد، فقيل: يا أمير المؤمنين! الصلاة، فرفع رأسه وقال: لاها الله إذن، لا حظ لامرئ في الإسلام ضيع صلاته، ثم وثب ليقوم فانبعث جرحه دماً فقال: هاتوا لي عمامة، فعصب جرحه، ثم صلى وذكر، ثم التفت إلى ابنه عبد الله وقال: ضع خدي إلى الأرض يا عبد الله! قال عبد الله: فلم أعجل بها وظننت أنها إختلاس من عقله، فقالها مرة أخرى: ضع خدّي إلى الأرض يا بني، فلم أفعل، فقال الثالثة: ضع خدّي إلى الأرض لا أم لك، فعرفت أنه مجتمع العقل، ولم يمنعه أن يضعه هو إلا ما به من الغلبة، فوضعت خدّه إلى الأرض حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خارجة من أضعاف التراب، وبكى حتى نظرت إلى الطين قد لصق بعينه، فأصغيت أذني لأسمع ما يقول فسمعته يقول: يا ويل عمر وويل أم عمر إن لم يتجاوز الله عنه، وقد جاء في رواية أن علياً عليه السلام جاء حتى وقف عليه فقال: ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى) ([3]).
فهل هناك أكثر من هذا ؟

90- نعم! هناك أكثر وأكثر، لقد شهد علي رضي الله عنه:( إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمـر) ([4]).

91- وقال فيه وفي أبي بكر في رسالته:( إنهما إماما الهدى، وشيخا الإسلام، والمقتدى بهما بعد رسول الله، ومن اقتدى بهما عصم) ([5]).

92- وأيضا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:( إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، وإن عمـر مني بمنزلة البصر) ([6]).
والجدير بالذكر أن هذه الرواية رواها عليّ عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وقد رواها عن علي ابنه الحسن رضي الله عنهما.


مدح أهل البيت للفاروق رضي الله عنه


93- يقول ابن عباس رضي الله عنهما:( رحم الله أبا حفص كان والله حليف الإسلام، ومأوى الأيتام، ومنتهى الإحسان، ومحل الإيمان، وكهف الضعفاء، ومعقل الحنفاء، وقام بحق الله صابراً محتسباً حتى أوضح الدين، وفتح البلاد، وآمن العباد) ([7]).
وقد بالغ في مدحه سائر أهل البيت كما مر عند ذكر الصديق رضي الله عنه.

94- ولقد أورد الكليني في كتاب "الروضة من الكافي أن جعفر بن محمد - الإمام السادس المعصوم لدى الشيعة - لم يكن يتولاهما فحسب، بل كان يأمر أتباعه بولايتهما أيضاً، فيقول صاحبه المشهور لدى القوم أبو بصير: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه. فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيسرّك أن تسمع كلامها؟ قال: فقلت: نعم، قال: فأذن لها. قال: وأجلسني على الطنفسة، قال: ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة، فسألته عنهما (أي أبى بكر وعمـر) فقال لها: توليهما، قالت: فأقول لربي إذا لقيته: إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم ([8]).

95- فهذا هو جعفر الصادق الذي جعلوا مذهبهم على اسمه، وشريعتهم على رسمه، حيث سموا أنفسهم جعفريين، ومذهبهم الجعفري، لا يكتفي بتولى أبي بكر وعمـر، بل يأمر أتباعه أيضاً بتوليهما، فرحمة الله عليهم جميعاً، ورحمة ربنا على من يمتثل أمره وأمر آبائه في ولاية أبى بكر الصديق وعمـر الفاروق وغيرهما من أصحاب النبي صلوات الله وسلامه ورضوانه عليهم أجمعين.

[1] - ["ابن أبي الحديد" ج3 ص146، ومثل هذا في "كتاب الآثار" ص207، "سيرة عمر" لابن الجوزي ص193 ط مصر].
[2] - ["كتاب الشافي" لعلم الهدى ص171، و"تلخيص الشافي" للطوسي ج2 ص428 ط إيران، و"معاني الأخبار" للصدوق ص117 ط إيران].
[3] - ["شرح النهج" لابن أبي الحديد ج3 ص147].
[4] - ["كتاب الشافي" ج2 ص428].
[5] - ["تلخيص الشافي" للطوسي ج2 ص428].
[6] - ["عيون أخبار الرضا" لابن بابويه القمي ج1 ص313، أيضاً "معاني الأخبار" للقمي ص110، أيضاً "تفسير الحسن العسكري"].
[7] - ["مروج الذهب" للمسعودي الشيعي ج3 ص51، "ناسخ التواريخ" ج2 ص144 ط إيران].
[8] - ["الروضة من الكافي" ج8 ص101 ط إيران تحت عنوان "حديث أبي بصير مع المرأة"].

تزويج علي ابنته أم كلثوم من عمر – رضي الله عنهم جميعًا -


ولأجل هذه المحبة والعلاقة الحميمة بينهما: زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته التي ولدتها فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم من الفاروق رضي الله عنه حينما سأله الزواج منها ؛ رضى به، وثقة فيه، وإقراراً بفضائله ومناقبه، واعترافاً بمحاسنه وجمال سيرته، وإظهاراً للعلاقات الوطيدة الطيبة والصلات المحكمة المباركة ما يحرق قلوب الحساد، ولقد أقر بهذا الزواج كافة أهل التاريخ والأنساب وجميع محدثي الشيعة وفقهائهم ومكابريهم ومجادليهم وأئمتهم المعصومين حسب زعمهم:

96- يقول المؤرخ الشيعي أحمد بن أبي يعقوب في تاريخه تحت ذكر حوادث سنة 17 من خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:( وفي هذه السنة خطب عمـر إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم بنت علي، وأمها فاطمة بنت رسول الله، فقال علي: إنها صغيرة! فقال: إني لم أرد حيث ذهبت. لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، فأردت أن يكون لي سبب وصه ربرسول الله، فتزوجها وأمهرها عشرة آلاف دينار ([1])
وأقر بهذا الزواج أصحاب الصحاح الأربعة الشيعية أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في كافيه.

97- وروى أيضاً عن سليمان بن خالد أنه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام - جعفر الصادق - عن امرأة توفي زوجها أين تعتد؟ في بيت زوجها أو حيث شاءت؟ قال: بلى حيث شاءت، ثم قال: إن علياً لمّا مات عمـر أتى أم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته ([2]).

98- وهناك رواية أخرى رواها الطوسي عن جعفر - الإمام السادس عندهم - عن أبيه الباقر أنه قال:( ماتت أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما من الآخر، وصلي عليهما جميعاً ) ([3]).

99- ويقول وهو يذكر المقداد بن الأسود:( إن النبي أعطى بنته لعثمان، وإن الولي زوج بنته من عمـر) ([4]).

100- ولقد استدل بهذا الزواج فقهاء الشيعة على أنه يجوز نكاح الهاشمية من غير الهاشمي، فكتب الحلّي في شرائع الإسلام ( ويجوز نكاح الحرة العبد، والعربية العجمي، والهاشمية غير الهاشمي) ([5]).

101- وكتب تحت هذا شارح الشرائع زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني ( وزوج النبي ابنته عثمان، وزوج ابنته زينب بأبي العاص بن الربيع، وليسا من بني هاشم، وكذلك زوّج علي ابنته أم كلثوم من عمـر، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين، وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة، وكلهم من غير بني هاشم ) ([6]).

102- ونريد أن نختم الكلام في هذا الموضوع برواية ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي: قال إن عمر بن الخطاب وجه إلى ملك الروم بريداً، فاشترت أم كلثوم امرأة عمـر طيباً بدنانير، وجعلته في قارورتين وأهدتهما إلى امرأة ملك الروم، فرجع البريد إليها ومعه ملء القارورتين جواهر، فدخل عليها عمـر وقد صبت الجواهر في حجرها، فقال: من أين لك هذا؟ فأخبرته فقبض عليه وقال: هذا للمسلمين، قالت: كيف وهو عوض هديتي؟ قال: بيني وبينك، أبوك، فقال علي عليه السلام: لك منه بقيمة دينارك والباقي للمسلمين جملة لأن بريد المسلمين حمله ) ([7]).


إكرام الفاروق رضي الله عنه أهل البيت رضي الله عنهم واحترامه إياهم


ولم تكن هذه العلاقات من طرف واحد، بل كل الأطراف كانوا معتنين بهذه العلاقات ؛ فكان الفاروق يجل أهل بيت النبي أكثر مما كان يجل أهل بيته هو، وكان يحترمهم ويقدمهم في الحقوق والعطاء على نفسه وأهل بيته، ولقد ذكر المؤرخون قاطبة أن الفاروق لما عيّن الوظائف المالية والعطاءات من بيت المال قدّم على الجميع بني هاشم لقرابتهم من رسول الله ، ولاحترامه أهل بيته عليه الصلاة والسلام.

103- فها هو اليعقوبي يذكر ذلك بقوله:( ودون عمر الدواوين، وفرض العطاء سنة 20، وقال: قد كثرت الأموال فأشير عليه أن يجعل ديواناً، فدعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، و جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف [وكلهم أقرباء علي]، وقال: اكتبوا الناس على منازلهم وابدأوا ببني عبد مناف، فكتب أول الناس علي بن أبي طالب في خمسة آلاف، والحسن بن علي في ثلاثة آلاف، والحسين بن علي في ثلاثة آلاف، ولنفسه أربعة آلاف.. وكان أول مال أعطاه مالاً قدم به أبو هريرة من البحرين مبلغه سبعمائة ألف درهم، قال (يعنى الفاروق): اكتبوا الناس على منازلهم، واكتبوا بني عبد مناف، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم أتبعوهم عمر بن الخطاب وقومه، فلما نظر عمـر قال: وددت والله أني هكذا في القرابة برسول الله، ولكن ابدأوا برسول الله ثم الأقرب فالأقرب منه حتى تضعوا عمـر بحيث وضعه الله ) ([8]).

104- وأما ابن أبي الحديد فقال:( لا بل أبدأ برسول الله ، و بأهله، ثم الأقرب فالأقرب، فبدأ ببني هاشم، ثم ببني عبد المطلب ثم بعبد شمس ونوفل، ثم بسائر بطون قريش، فقسم عمر مروطاً بين نساء المدينة، فبقي منها مرط حسن، فقال بعض من عنده: أعط هذا يا أمير المؤمنين ابنة رسول الله التي عندك - يعنون أم كلثوم بنت علي عليه السلام - فقال: أم سليط أهديه فإنها ممن بايع رسول الله ، وكانت تزفر لنا يوم أحد قرباً ) ([9]).
ولقد ثبت أن الفاروق كان يقدر ويكرم أهل البيت، ويكن لهم من الاحترام ما لا يكن للآخرين، حتى أهل بيته وخاصته.

105- وذكر أن ابنة يزدجرد كسرى إيران أكبر ملوك العالم آنذاك لما سبيت مع أسارى إيران أرسلت مع من أرسل إلى أمير المؤمنين وخليفة رسول الله عمـر الفاروق رضي الله عنه، وتطلع الناس إليها وظنوا أنها تعطى وتنفل إلى ابن أمير المؤمنين والمجاهد الباسل الذي قاتل تحت لواء رسول الله في غزوات عديدة، لأنه هو الذي كان لها كفوا، ولكن الفاروق لم يخصها لنفسه ولالابنه ولا لأحد من أهل بيته، بل رجح أهل بيت النبوة فأعطاها للحسين بن علي رضي الله عنهما، وهى التي ولدت علي بن الحسين رضي الله عنه الذي بقي وحيداً من أبناء الحسين في كربلاء حياً وأنجب وتسلسل منه نسله.
ولقد ذكر ذلك نسابة شيعي مشهور هو ابن عنبة وقال:(إن اسمها شهربانو قيل: نهبت في فسخ المدائن فنفلها عمر بن الخطاب من الحسين عليه السلام ) ([10]).

106- كما ذكر ذلك محدث الشيعة المعروف في صحيحه الكافي في الأصول، عن محمد الباقر أنه قال:( لما قدمت بنت يزدجرد على عمـر أشرف لها عذارى المدينة، وأشرق المسجد بضوئها لما دخلته، فلما نظر إليها عمـر غطت وجهها وقالت: أف بيروج باداهرمز، فقال عمـر: أتشتمنى هذه وهمّ بها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ليس ذلك لك، خيرها رجلاً من المسلمين وأحسبها بفيئه، فخيرها فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الحسين عليه السلام، فقال لها أمير المؤمنين: ما اسمك؟ فقالت: جهان شاه، فقال لها أمير المؤمنين: بل شهربانويه، ثم قال للحسين: يا أبا عبد الله! لتلدن لك منها خير أهل الأرض، فولدت على بن الحسين عليه السلام، وكان يقال لعلي بن الحسين عليه السلام: ابن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم ومن العجم فارس. وروي أن أبا الأسود الدائلي قال فيه: وإن غلاماً بين كسرى وهاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم) ([11]).
وقبل ذلك ساعد أباه علياً في زواجه من فاطمة رضي الله عنهما كما مر سابقاً.

107- و كان الفاروق يأخذ غلة فدك ويدفع إليهم منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي ([12]).

108- ومن إكرامه وتقديره لأهل البيت ما ذكره ابن أبي الحديد عن يحيى بن سعيد أنه قال:( أمر عمر الحسين بن علي أن يأتيه في بعض الحاجة فلقي الحسين عليه السلام عبد الله بن عمر فسأله من أين جاء؟ قال: استأذنت على أبي فلم يأذن لي فرجع الحسين ولقيه عمـر من الغد، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قال: قد أتيتك، ولكن أخبرني ابنك عبد الله أنه لم يؤذن له عليك فرجعت، فقال عمر: وأنت عندي مثله؟ وهل أنبت الشعر على الرأس غيركم) ([13]).

109- وكان يقول في عامة بني هاشم ما رواه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي أنه قال:( قال عمر بن الخطاب: عيادة بني هاشم سنة، وزيارتهم نافلة ) ([14]).

110- ونقل الطوسي والصدوق أن عمر لم يكن يستمع إلى أحد بطعن في علي بن أبي طالب ولم يكن يتحمله، ومرة ( وقع رجل في علىّ عليه السلام بمحضر من
عمـر، فقال: تعرف صاحب هذا القبر؟ - يعني النبي - لا تذكر علياً إلا بخير، فإنك إن آذيته آذيت هذا في قبره ) ([15]).

[1] - [تاريخ اليعقوبي ج2 ص149، 150].
[2] - ["الكافي في الفروع" كتاب الطلاق، باب المتوفى عنها زوجها ج6 ص115، 116، وفي نفس الباب رواية أخرى عن ذلك، وأورد هذه الرواية شيخ الطائفة الطوسي في صحيحه "الاستبصار"، أبواب العدة، باب المتوفى عنها زوجها ج3 ص353، ورواية ثانية عن معاوية بن عمار، وأوردهما في "تهذيب الأحكام" باب في عدة النساء ج8 ص161].
[3] - ["تهذيب الأحكام" كتاب الميراث، باب ميراث الغرقى والمهدوم، ج9 ص262].
وذكر هذا الزواج من محدثي الشيعة وفقهائها السيد مرتضى علم الهدى في كتابه "الشافي" [ص116] وفى كتابه "تنزيه الأنبياء" [ص141 ط إيران]، وابن شهر آشوب في كتابه "مناقب آل أبي طالب" [ج3 ص162 ط بمبئى الهند] والأربلي في "كشف الغمة في معرفة الأئمة" [ص10 ط إيران القديم] وابن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" [ج3 ص124] ومقدس الأردبيلي في "حديقة الشيعة" [ص277 ط طهران] والقاضي نور الله الشوشتري الذى يسمونه بالشهيد الثالث في كتابه "مجالس المؤمنين" [ص76 ط إيران القديم، أيضاً ص82].
[4] - ["مجالس المؤمنين" ص85].
وأيضاً ذكر هذا الزواج في كتابه "مصائب النواصب" [ص170 ط طهران]، وأيضاً ذكره نعمة الله الجزائري في كتابه "الأنوار النعمانية" والملا باقر المجلسي في كتابه "بحار الأنوار" [باب أحوال أولاده وأزواجه ص621 ط طهران]، والمؤرخ الشيعي المرزا عباس علي القلي في تاريخه ["تاريخ طراز مذهب مظفري" فارسي، باب حكاية تزويج أم كلثوم من عمر بن الخطاب]، ومحمد جواد الشري في كتابه ["أمير المؤمنين" ص217 تحت عنوان "علي في عهد عمر" ط بيروت]، والعباسي القمي في "منتهى الآمال" [ج1 ص186 فصل6 تحت عنوان "ذكر أولاد أمير المؤمنين" ط إيران القديم] وغيرهم ممن يبلغ عددهم حد التواتر، ولا ينكر ذلك إلا مكابر أو جاهل.
[5] - ["شرائع الإسلام" في الفقه الجعفري للحلي، كتاب النكاح، المتوفى 672].
[6] - ["مسالك الأفهام" شرح شرائع الإسلام، باب لواحق العقد ج1].
[7] - ["شرح نهج البلاغة" ج4 ص575 ط بيروت 1375ه‍].
ولقد ذكر هذا الزواج علماء الأنساب والتراجم أيضاً مثل البلاذري في "أنساب الأشراف" [ج1 ص428 ط مصر]، وابن حزم في "جمهرة أنساب العرب" [ص37، 38 ط مصر]، والبغدادي في كتابه "المحبر" [تحت عنوان أصهار علي ص56 و437 ط دكن]، والدينوري في "المعارف" [تحت عنوان بنات علي ص92 ط مصر وأيضاً ص79، 80 تحت عنوان أولاد عمر بن الخطاب]، وغيرهم.
[8] - ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص153 ط بيروت].
[9] - ["نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج3 ص113، 114].
[10] - ["عمدة الطالب في أنساب أبي طالب" الفصل الثاني تحت عنوان عقب الحسين ص192].
[11] - ["الأصول من الكافي" ج1 ص467، ناسخ التواريخ ج10 ص3، 4].
[12] - ["شرح نهج البلاغة" لابن ميثم ج5 ص107، أيضاً "الدرة النجفية" ص332، وابن أبي الحديد أيضاً].
[13] - ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج3 ص110].
[14] - ["الآمالي" للطوسي ج2 ص345 ط نجف].
[15] - ["الآمالي" للطوسي ج2 ص46، أيضاً "الآمالي" للصدوق ص324، ومثله ورد في مناقب لابن شهر آشوب ج2 ص154 ط الهند].



حب آل البيت ومبايعتهم للفاروق رضي الله عنهم


وكان أهل بيت النبوة يتبادلون معه هذا الحب والتقدير والاحترام، ولم يستمعوا ولم يصغوا إلى من يتكلم فيه، أو يطعنه بطعنة، أو يعرّض به بتعريض، بل تبرؤا ممن فعل هذا، وأنكروا عليه كما سيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.
وأكثر من ذلك كافئوه على احترامه لهم وتقديره بهم حتى أعطوه ثمرة من ثمار النبوة، وزوّجوها منه، وأطاعوه، وأخلصوا له الوفاء والطاعة، وناصحوه، وشاوروه بأحسن ما رأوه، واستوزرهم فرضوا، وأنابهم فقبلوا نيابته، وجاهدوا تحت رايته، ولم يتأخروا في تقديم النصيحة له وما يطلب منهم وفق الكتاب والسنة، وبذلوا له كل غال وثمين.

111- فها هو علي بن أبي طالب يقر بذلك في رسالته التي أرسلها إلى أصحابه بمصر بعد مقتل محمد بن أبي بكر عامله على مصر، فيقول بعد ذكر الأحداث التي وقعت عقب وفاة الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه: ( فتولى أبو بكر تلك الأمور فلما احتضر بعث إلى عمـر، فولاّه فسمعنا وأطعنا وناصحنا - ثم يمدحه حسب عادته أنه لا يذكره إلا ويبالغ في مدحه – وتولى عمـر الأمر، وكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة ) ([1]).
أي لم نتأخر في بيعته، ولم نبخل بالسمع والطاعة والمناصحة، لأن سيرته كانت طيبة، ونفسه كان ميموناً مباركاً، ناجحاً في أفعاله، مظفراً في مطالبه.

112- ولقد أثبت هذا الطوسي في أماليه حيث يروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:(فبايعت عمـر كما بايعتموه، فوفيت له بيعته حتى لما قتل جعلني سادس ستة، ودخلت حيث أدخلني ) ([2]).

113- فبايعه علي بن أبي طالب، وسمع له، وأطاعه، وناصحه، ورضي بما أمر به، ودخل اللجنة التي جعلها لانتخاب الخليفة، وكان وزيره ومشيره وقاضيه، وعمل بمشورته دون غيره كما ذكر اليعقوبي المؤرخ الشيعي:( إن عمـر شاور أصحاب رسول الله في سواد الكوفة، فقال له بعضهم: تقسمها بيننا، فشاور علياً، فقال: إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء! ولكن تقرها في أيديهم يعملونها، فتكون لنا ولمن بعدنا. فقال: وفقك الله! هذا الرأي ) ([3]).

114- وكذلك وردت الروايات الكثيرة في المسائل القضائية أن عمـر يرجح قضاء علي، ولقد بوب شيخ الشيعة المفيد باباً مستقلاً بعنوان "ذكر ما جاء من قضاياه في إمرة عمـر بن الخطاب" وأورد تحته قضايا مختلفة كثيرة حكم فيها عمـر بقضاء علي رضي الله عنهما، ومنها:( أن عمـر أتى بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هب أن لك سبيلاً عليها أي سبيل لك على ما في بطنها ؟ والله تعالى يقول:( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ؟ فقال عمـر: لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن، ثم قال: فما أصنع بها؟ قال: احتط عليها حتى تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم عليها الحد، فسرى بذلك عن عمـر وعول الحكم به على أمير المؤمنين عليه السلام ) ([4]).

115- وأيضا ذكر المفيد: أن عمـر استدعى امرأة كانت تتحدث عندها الرجال، فلما جاءها رسله فزعت وارتاعت وخرجت معهم فأملصت ووقع إلى الأرض ولدها يستهل ثم مات، فبلغ عمـر ذلك فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الحكم في ذلك فقالوا بأجمعهم: نراك مؤدباً، ولم ترد إلا خيراً، ولا شيء عليك في ذلك، وأمير المؤمنين عليه السلام جالس لا يتكلم في ذلك، فقال له عمـر: ما عندك في هذا يا أبا الحسن؟ فقال: قد سمعت ما قالوا: قال: فما عندك؟ قال: قد قال القوم ما سمعت، قال: أقسمت عليك لتقولن ما عندك، قال: إن كان القوم قاربوك فقد غشوك وإن كانوا ارتاؤا فقد قصروا الدية على عاقلتك لأن قتل الصبى خطأ تعلق بك، فقال: أنت والله نصحتني من بينهم والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني عدي، ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ([5]).

116- وأيضاً ( عن يونس عن الحسن أن عمـر أتى بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إن الله تعالى يقول:( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ويقول جل قائلاً:( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) فإذا تمت المرأة الرضاعة سنتين، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً، كان الحمل منها ستة أشهر، فخلى عمـر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنه إلى يومنا هذا ) ([6]).

117- وأيضاً:( إن امرأة شهد عليها الشهود أنهم وجدوها في بعض مياه العرب مع رجل يطأها ليس ببعل لها، فأمر عمـر برجمها وكانت ذات بعل، فقالت: اللهم إنك تعلم أني بريئة، فغضب عمـر وقال: وتجرح الشهود أيضاً! فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ردوها واسألوها فلعل لها عذراً، فردت وسئلت عن حالها فقالت: كان لأهلي إبل فخرجت في إبل أهلي وحملت معي ماء ولم يكن في إبل أهلي لبن وخرج خليطنا وكان في إبله لبن، فنفذ مائي فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى أمكنه من نفسي فأبيت، فلما كادت نفسي تخرج أمكنته من نفسي كرها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله أكبر ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ) فلما سمع ذلك عمـر خلى سبيلها) ([7]).
فعمل الفاروق في جميع هذه القضايا بقضاء عليّ، ونفّذ ما قاله لأنه كان يقول حسب رواية شيعية:( علي أقضانا ) ([8]).
أفبعد هذا يمكن القول بأن علياً كان يخالف عمر رضى الله عنهما، أو كان بينهما شيء؟!
وهل يتصور أن شخصاً لا يعترف ولا يقرّ بولاية أحد وخلافته ثم يشترك معه في الشورى وفي المسائل المهمة والنوائب الملمة، ويبدي رأيه الصائب، ويؤخذ بقوله ويقضى به بين الناس، وينفذ قضاؤه ؟!

118- وأكثر من ذلك: أن عليًا كان ينوب عنه في الحكم والحكومة أحيانًا ؛ حيث أنابه عمـر سنة 15 من الهجرة لما استمد أهل الشام عمـر على أهل فلسطين فشاور أصحابه فمنعه علي، وقال له: لا تخرج بنفسك، إنك تريد عدواً كلباً، فقال عمـر: إني أبادر بجهاز العدو موت العباس بن عبد المطلب، إنكم لو فقدتم العباس لينقض بكم الشر، كما ينتقض الحبل".
فشخص عمـر إلى الشام.

119- ( وإن علياً عليه السلام هو كان المستخلف على المدينة ) ([9]).

120- ولأجل ذلك قال علي رضي الله عنه لما عزموا على بيعته أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً ) ([10]).
يشير بذلك إلى وزارته أيام الصديق وأيام الفاروق رضي الله عنهم.
ولأجل ذلك كان يقاتل هو وبنوه وأهله وذووه تحت راية عمـر، ويقبلون منه الغنائم والهدايا والجواري والسبايا، ولو لم تكن خلافته حقاً لما كان القتال تحت رايته جهاداً، ولم يكن الجواري والإماء جوارياً وإماءً، ولم يجز قبولها والتمتع بها، وقد ثبت هذا كله كما ذكرناه سابقاً.

121- ومن ذلك ما روى الشيعة أن الحسن بن علي سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام قاتل تحت لواء الفاروق، وجاهد أيام خلافته وتحت توجيهاته وإرشاداته في الجيش الذي أرسل إلى غزو إيران ويقولون: إن في أصفهان مسجداً يعرف بلسان الأرض!‍ ولقد سمي بهذا الاسم لأن الحسن لما جاء إلى أصفهان أيام خلافة عمـر بن الخطاب مجاهداً في سبيل الله غازياً وفاتحاً لهذه البلاد مع عساكر الإسلام نزل في موضع هذا المسجد فتكلمت معه الأرض – كما يزعمون - فسميت هذه البقعة لسان الأرض لتكلمها معه ([11]).

122- تسمية أهل البيت أبناءهم باسم الفاروق عمر، حباً وإعجاباً بشخصيته، وتقديراً لما أتى به من الأفعال الطيبة والمكارم العظيمة، ولما قدم للإسلام من الخدمات الجليلة، وإقراراً بالصلات الودية الوطيدة التي تربطه بأهل بيت النبوة، والرحم، والصهر القائم بينه وبينهم.
فأول من سمى ابنه باسمه: الإمام الأول عند الشيعة ؛ وهو علي رضي الله عنه، فقد سمى ابنه من أم حبيب بنت ربيعة البكرية - التي منحها له أبو بكر رضي الله عنه-: عمـر، كما ذكر ذلك المفيد واليعقوبي والمجلسي والأصفهاني وصاحب الفصول، يقول المفيد في باب "ذكر أولاد أمير المؤمنين وعددهم وأسماءهم":( فأولاد أمير المؤمنين سبعة وعشرون ولداً ذكراً وأنثى (1) الحسن (2) الحسين.(6) عمـر (7) رقية كانا توأمين أمهما أم حبيب بنت ربيعة ) ([12]).
ويقول اليعقوبي:( وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكراً الحسن والحسين ومحسن مات صغيراً، أمهم فاطمة بنت رسول الله.. وعمـر، أمه أم حبيب بنت ربيعة البكرية ) ([13]).
وأما المجلسي فيذكرأن ( عمـر بن علي من الذين قتلوا مع الحسين في كربلاء، وأمه أم البنين بنت الحزام الكلابية ) ([14]).
وصاحب الفصول يقول تحت ذكر أولاد علي بن أبي طالب:( وعمر من التغلبية، وهى الصهباء بنت ربيعة من السبي الذي أغار عليه خالد بن الوليد بعين التمر، وعمّر عمـر هذا حتى بلغ خمسة وثمانين سنة فحاز نصف ميراث علي عليه السلام، وذلك أن جميع إخوته وأشقائه وهم عبد الله وجعفر وعثمان قتلوا جميعهم قبله مع الحسين (ع) بالطف فورثهم ) ([15]).
ولقد تبعه في هذا الحب لعمر بن الخطاب ابنه الحسن فسمى أحد أبنائه عمـر أيضاً.
يقول المفيد في باب "ذكر ولد الحسن بن علي عليهما السلام وعددهم وأسماؤهم".
( أولاد الحسن بن علي (ع) خمسة عشر ولداً ذكراً وأنثى (1) زيد …. (5) عمر (6) قاسم (7) عبد الله أمهم أم ولد ) ([16]).
ويقول المجلسي:( كان عمر بن الحسن ممن استشهد مع الحسين بكربلاء ) ([17]).
ولكن الأصفهاني يرى أنه لم يقتل، بل كان ممن أسر فيقول:( وحمل أهله (الحسين بعد قتله) أسرى وفيهم عمـر، وزيد، والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالب ) ([18]).
وكذلك ابنه الثاني الحسين رضي الله عنه أيضاً سمى أحد أبنائه باسم عمـر، كما ذكر المجلسي تحت ذكر من قتل من أهل البيت مع الحسين بكربلاء ( قتل من أبناء الحسين كما هو المشهور علي الأكبر، وعبد الله الذي استشهد في حجره، وبعضهم قالوا: أيضاً قتل من أبنائه هو عمـر وزيد ) ([19]).
ومن بعد الحسين ابنه علي الملقب بزين العابدين سمى أحد أبنائه أيضاً:عمـر، كما قال المفيد في باب "ذكر ولد علي عليه السلام":( ولد علي بن الحسين عليهما السلام خمسة عشر ولداً (1) محمد المكنى بأبي جعفر الباقر (ع) أمه أم عبد الله بنت الحسن (6) عمـر لام ولد ) ([20]).
وأما الأصفهاني فيذكر أن عمـر هذا كان من أشقاء زيد بن على من أمه وأبيه كما يقول تحت ترجمة زيد بن على:( وزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وأمه أم ولد أهداها المختار بن أبي عبيد لعلي بن الحسين فولدت له زيداً وعمـر وعلياً وخديجة. اشترى المختار جارية بثلاثين ألفاً، فقال لها: أدبري فأدبرت، ثم قال لها: أقبلي فأقبلت، ثم قال: ما أدري أحداً أحق بها من علي بن الحسين فبعث بها إليه وهى أم زيد بن على ) ([21]).
وكذلك موسى بن جعفر الملقب بالكاظم - الإمام السابع لدى الشيعة - سمى أحد أبنائه: عمـر ؛ كما ذكر الأربلي تحت عنوان أولاده ([22]).
فهؤلاء الأئمة الخمسة لدى الشيعة يظهرون لعمر الفاروق ما يكنونه في صدورهم من حب وولاء حتى بعد وفاته ؛ فيسمون أبناءهم باسمه – رضي الله عنهم أجمعين -. شاهدين بفعلهم هذا على كذب ما تحوكه الشيعة من أساطير وخرافات حول العداوة بينهم، مما لا يصدقها عاقل عرف دين وأخلاق الصحابة رضي الله عنهم.
وبعد هؤلاء: سرى هذا الاسم في أولادهم كما في كتب الأنساب والتاريخ والسير، وأورد بعضاً منها الأصفهاني في "المقاتل" والأربلي في "كشف الغمة"، يقول الأصفهاني: فمن الذين خرجوا طلباً للحكم والحكومة من الطالبيين مثل يحيى بن عمـر بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي خرج أيام المستعين.
وعمـر بن إسحاق بن الحسن بن علي بن الحسين "الذي خرج مع الحسين المعروف بصاحب فخ أيام موسى الهادي" ([23]).
و" عمـر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن" ([24]).
وغيرهم كثير، ولكننا اكتفينا بالخمسة الأول لما لهم من مكانة عند القوم لقولهم بعصمتهم وإمامتهم.

[1] - ["الغارات" للثقفي ج1 ص307، والنقيبة هي النفس].
[2] - ["الأمالي" للطوسي ج2 ص121 ط نجف].
[3] - ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص151، 152].
[4] - ["الإرشاد" ص109].
[5] - ["الإرشاد" ص110].
[6] - ["الإرشاد" ص110].
[7] - [" الإرشاد " ص 312].
[8] - ["الأمالي" للطوسي ج1 ص256 ط نجف].
[9] - ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج2 جزء 8 ص370].
ولقد ذكر المؤرخون أن الفاروق رضي الله عنه أناب عليًا رضي الله عنه ثلاث مرات في الحكم على عاصمة المؤمنين: سنة 14 من الهجرة عندما أراد غزو العراق بنفسه. وسنة 15 عند شخوصه لقتال الروم. وعند خروجه إلى أيلة سنة 17 من الهجرة. [انظر: "البداية والنهاية" لابن كثير ج7 ص35 وص55 ط بيروت، وأيضاً "الطبري" ج4 ص83، وص159 ط بيروت].
[10] - [نهج البلاغة ص136 تحقيق صبحي] [صـ 173ط دار الغد الجديد].
[11] - [انظر: "تتمة المنتهى" للعباس القمي ص390 ط إيران].
[12] - ["الإرشاد" للمفيد ص176].
[13] - ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص213، كذلك "مقاتل الطالبيين" ص84 ط بيروت].
[14] - ["جلاء العيون" فارسي، ذكر من قتل مع الحسين بكربلاء ص570].
[15] - ["الفصول المهمة" منشورات الأعلمي طهران ص143، "عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب" ص361 ط نجف، "تحفة الإهاب" ص251، 252، "كشف الغمة" ج1 ص575].
[16] - ["الإرشاد" ص194، "تاريخ اليعقوبي" ج2 ص228، "عمدة الطالب" ص81، "منتهى الآمال" ج1 ص240 "الفصول المهمة" ص166].
[17] - ["جلاء العيون" ص582].
[18] - ["مقاتل الطالبين" ص119].
[19] - ["جلاء العيون" للمجلسي ص582].
[20] - ["الإرشاد" ص261، "كشف الغمة" ج2 ص105، "عمدة الطالب" ص194، "منتهى الآمال" ج2 ص43، "الفصول المهمة" ص209].
[21] - ["مقاتل الطالبين" ص127].
والجدير بالذكر أن كثيراً من أولاد عمـر هذا خرجوا على العباسيين مع من خرج من أبناء عمومتهم ["وتفاصيل هذا موجودة في "المقاتل"].
[22] - ["كشف الغمة" ص216].
[23] - ["مقاتل الطالبين" للأصفهاني ص456 ط بيروت].
[24] - ["مقاتل الطالبين" أيضاً ص446].



موقف أهل البيت من عثمان رضي الله عنه


123- وأما ذو النورين ثالث الخلفاء الراشدين، وصاحب الجود والحياء، حب رسول الله وزوج ابنتيه رقية وأم كلثوم، وعديم النظير في هذا الشرف الذي لم ينله الأولون ولا الآخرون في أمة من الأمم، وعديل علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، وأول مهاجر بعد خليل الله عليه السلام، الذي حمل راية الإسلام وأداها إلى آفاق لم تبلغ إليها من قبل، وفتح على المسلمين مدناً جديدة وبلاداً واسعة شاسعة، وأمد المسلمين من جيبه الخاص بإمدادات كثيرة، واشترى لهم بئر رومة حينما لم يكن لهم بئر يسقون منها الماء بعد هجرتهم إلى طيبة التي طيبها الله بقدوم صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، كما اشترى لهم أرضاً يبنون عليها المسجد الذي هو آخر مساجد الأنبياء.
ولم تكن إمداداته هذه ومساعداته لعامة المسلمين ومصالحهم ؛ مثل تجهيز جيش العسرة وغيرها فحسب، بل كان خيراً، جواداً، كريماً، منفقاً الأموال وناثرها، حتى على الخاصة كما كان على العامة.

224- وهو الذي ساعد عليًا في زواجه، وأعطاه جميع النفقات كما يقر بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنفسه( إني لما تقدمت إلى رسول الله طالباً منه زواج فاطمة قال لي: بع درعك وائتني بثمنها حتى أهيئ لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما، قال علي: فأخذت درعي فانطلقت به إلى السوق فبعته بأربع مائة درهم سود هجرية من عثمان بن عفان، فلما قبضت الدراهم منه وقبض الدرع مني قال: يا أبا الحسن! ألست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني؟ فقلت: نعم، قال: فإن هذا الدرع هدية مني إليك، فأخذت الدرع والدراهم وأقبلت إلى رسول الله فطرحت الدرع والدراهم بين يديه، وأخبرته بما كان من أمر عثمان فدعا له النبي بخير ) ([1]).

125- ولأجل ذلك كان ابن عم رسول الله عبد الله بن عباس يقول:( رحم الله أبا عمرو (عثمان بن عفان) كان والله أكرم الحفدة وأفضل البررة، هجاداً بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهاضاً عند كل مكرمة، سباقاً إلى كل منحة، حبيباً، أبياً، وفياً: صاحب جيش العسرة، خِتن رسول الله ) ([2]).

126- وقد أشهده رسول الله فيمن أشهدهم على زواج علي من فاطمة – كما سبق – حيث يروي الشيعة عن أنس ( أنه قال له عليه الصلاة والسلام: انطلق فادع لي أبا بكر وعمـر وعثمان ….. وبعددهم من الأنصار، قال: فانطلقت فدعوتهم له، فلما أن أخذوا مجالسهم قال.. إني أشهدكم أنى قد زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال من فضة ) ([3]).

127- ويفتخر الشيعة بأن رسول الله زوج عليًا إحدى بناته، وأدخله بذلك في أصهاره وأرحامه، وهذا الذي جعلهم يقولون بأفضليته وإمامته وخلافته بعده، فكيف بمن زوجه رسول الله ابنتين من بناته ؟! وهو عثمان رضي الله عنه، حيث تزوج رقية بنت النبي بمكة، وبعد وفاتها زوجه رسول الله ابنته الثانية أم كلثوم رضي الله عنها، كما يقر ويعترف بذلك علماء الشيعة أيضاً، فها هو المجلسي يذكر ذلك في كتابه "حياة القلوب" نقلاً عن ابن بابويه القمي بسنده الصحيح المعتمد عندهم بقوله:( إن رسول الله ولد له من خديجة القاسم، وعبد الله الملقب بالطاهر، وأم كلثوم، ورقية، وزينب، وفاطمة، وتزوج علي من فاطمة، وأبو العاص بن ربيعة من زينب، وكان رجلاً من بني أمية، كما تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم وماتت قبل أن يدخل بها، ثم لما أراد الرسول خروجه إلى بدر زوّجه من رقية ) ([4]).

128- وأورد الحميري رواية عن جعفر بن محمد عن أبيه قال:( لرسول الله من خديجة: القاسم والطاهر وأم كلثوم ورقية وفاطمة وزينب، فتزوج علي عليه السلام فاطمة عليها السلام، وتزوج أبو العاص بن ربيعة وهو من بني أمية زينباً، وتزوج عثمان بن عفان أم كلثوم ولم يدخل بها حتى هلكت، وزوجه رسول الله مكانها رقية ) ([5]).




هم هؤلاء صحابة ألرسول صلى ألله عليه وسلم يارافضة ......

وسود ألله وجوههكم ووجوه معمميكم ألكفرة ألفجرة ومن على شاكلتهم

آخر تعديل بواسطة ابن الصديقة عائشة ، 2016-02-29 الساعة 09:06 PM
رد مع اقتباس