عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 2016-04-09, 01:09 PM
youssefnour youssefnour غير متواجد حالياً
عضو منكر للسنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-05-30
المكان: مصر/الأسكندريه
المشاركات: 586
افتراضي

منظومة التواصل المعرفي (5)
التواصل المعرفي والتواتر العملي :
لقد جاء القرآن الكريم يحمل من المعارف ما يشكل منظومة عالمية يفهمها العالم أجمع، وما يشكل منظومة عالمية يفهمها العالم أجمع، وما يشكل منظومة أممية يفهمها أهل اللسان العربي، أهل الجزيرة العربية .
فإذا نظرنا إلى هذه المنظومة الأممية وجدناها تنقسم إلى :
1- معارف أجمع عليها كافة المسلمين، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة كهيئة الصلاة، وعدد ركعاتها، ومواقيتها .
2- معارف أجمع عليها أتباع مذهب من المذاهب، كوضع اليدين فى الصلاة .
وعلى هذا الأساس لابد أن نفرق بين أمرين :
الأول : ما هو واجب الإتباع شرعا، وهو ما يشكل " منظومة معرفية " ، عالمية كانت أو أممية، بشرط وجود نص قرآني يأمر بموضوع هذا الاتباع، وأجمع على هذه المعارف كافة المسلمين .
الثاني : ما ليس بواجب، وهو ما يشكل " تواترا عمليا " تواصلت حلقاته عند مذهب من المذاهب، فكان محل خلاف بين المذاهب المختلفة ، لذلك أسميه " التواتر المذهبي " .
فكل ما تواتر من تراث ديني، عند مذهب معين، وإن كان يمثل جزءا من " المنظومة المعرفية " إلا أن نقله عن طريق أتباع المذهب الواحد، يخرجه من دائرة الفرض إلى دائرة المباح .
إن دين الله تعالى لا تثبت حجية نصوصه إلا إذا قام على حجية " الآية القرآنية " آلتي أجمع كافة المسلمين على صحة نسبتها إلى الله تعالى، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا .
لذلك فإن مسألة قبولنا لحجية " التواصل المعرفي "، وعدم قبولنا لحجية " التواتر المذهبي "، لا تقوم على هوى، وإنما على قواعد علمية وأصول شرعية، تنطلق من قوله تعالى :
" قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " .
ومن هذه البراهين الدالة على أن "التواتر المذهبي "، مصطلح مذهبي، وليس حجة في دين الله تعالى إلا إذا كان تواصلا معرفيا ..، ما يلي :
1- أننا يجب أن نثبت أولا حجية المصدر المعرفي الذي يستقى منه المسلم شريعة ربه ، وصحة نسبته إلى الله تعالى . فإذا ما ثبتت هذه الحجية، وقامت على البينة والبرهان الإلهي، لم يعد هناك مجال للحديث عن صحة أو عدم صحة ما حمله هذا المصدر من نصوص الشريعة الإلهية. فما هو المصدر المعرفي الذي صحت نسبته إلى الله تعالى وحمل هذا " التواتر المذهبي "؟!!
2- أن منهج التحقيق العلمي لا يثبت حجية نصوص الشريعة الإلهية بصحة نسبتها إلى الرسل، وإنما بصحة نسبتها إلى الله تعالى، وذلك عن طريق الآيات والبراهين المؤيدة لذلك . ولقد أثبت كافة علماء المسلمين حجية القرآن الكريم وصحة نسبته إلى الله تعالى ، على وجه اليقين، ولم يثبتوا صحة نسبة نصوص هذا " التواتر المذهبي " إلى الله تعالى، بل واختلفوا في صحة نسبتها إلى رسول الله ، عليه السلام .
3- أن " التواتر المذهبي " الذي هو أعلى درجات الصحة عند المحدثين، أمر مختلف فيه أصلا بين علماء الفرق والمذاهب المختلفة . وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه من هذه السلسة من الدراسات .
إن إيماني برسول الله محمد، عليه السلام، وبأنه الذي حمل رسالة الله الخاتمة للناس كافة ، لم يقم على أساس تواتر خبره بين الناس، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، وإنما قام على أساس ما ورد في كتاب الله من خبر هذا الرسول الكريم، وما أكده التواصل المعرفي لهذا الخبر .
وكذلك أنا لم أومن بأخبار وأسماء وقصص الرسل السابقين، إلا من خلال هذه " الآية القرآنية " التي لولاها ما استطعنا أن نؤمن إيمانا يقينيا بأن ما حملته هذه "المنظومة المعرفية" عنهم من أخبار هو حق وعلم يقين. لقد تواتر خبر قتل عيسى عليه السلام، وصلبه، تواترا يعلو تواتر القرآن نفسه بين المسلمين في عصر الرسالة، ومع هذا جاء القرآن يكذب هذه المعرفة المتواترة !!
إن المتدبر لمسائل الخلاف حول الحديث المتواتر، يمكن أن يصل إلى : أنه لا يوجد شئ في مسائل الشريعة الإسلامية، واجب الاتباع، إلا ما اتفق عليه كافة علماء المسلمين، وحملته "منظومة التواصل المعرفي "، وجاء به نص قرآني. وأن ما تدعى كل فرق، بأنه متواتر، قد قام علي مرويات مذهبية، منسوبة إلى رسول الله، عليه السلام، إن صحت عند فريق لم تصح عند آخر .
وهذا هو الفرق الجوهري بين ما "تواصل معرفيا" بين كافة المسلمين، ويقوم على فاعلية "الآية القرآنية"ن وما "تواتر مذهبيا" بين فريق من الناس، ويقوم على فاعلية " الرواية المذهبية" !!!
إن "التواصل المعرفي" ، و"التواتر المذهبي"، يشتركان في إنهما نقل الناس لخبر أو لحدث مشاهد، أو لكيفية أداء حكم شرعي..، ثم يختلفان في أن :
الأول : هو نقل أصحاب الملة الواحدة كافة .
والثاني : نقل فريق منهم، فجميع المسلمين يُصلون، فهذا تواصل معرفي، ولكنهم يختلفون مثلا، في وضع اليدين في الصلاة، كلّ حسب مذهبه الذي نشأ فيه...، فهذا تواتر مذهبي .
إن أتباع كل مذهب يتوارثون كيفية أداء الصلاة عن طريق " التواتر المذهبي" ، كمعظم المسائل الخلافية المتعلقة بهذا الباب، في الوقت الذي يشترك فيه كافة المسلمين في أداء الأصول العامة المجمع عليها عند أداء هذه الصلاة ، عن طريق " التواصل المعرفي" الذي يعتبر "التواتر المذهبي" جزءا منه .
وسواء كان الأمر يتعلق بـ "التواتر"، أو بـ "التواصل" فإننا نتعامل مع كيفيات أداء عملية وليس مع نصوص قولية، وذلك لاستحالة وجود نص قولي متواتر، إلا إذا تولى الله تعالى بنفسه حفظه كما حفظ النص القرآني .
وعلى هذا الأساس يخرج "التواتر المذهبي" من دائرة الحجية، ووجوب الاتباع ليدخل دائرة المباح ما لم يخالف ما لم يخالف موضوعه نصا قرآنيا .
إن كتاب الله تعالى عندما تحرك، على مر العصور، فإنه تحرك في إطار منظومة معرفية عالمية، وليس في إطار "التواتر المذهبي" المغلق على أتباع فرقة، أو على أتباع مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة .
لقد حملت " منظومة التواصل المعرفي " رسالات الله فرقانا يُعين الناس على الاهتداء إلى صراط ربهم المستقيم .
وبعد أن كان الناس يؤمنون بالله ، وبرسله على أساس الآيات الحسية جاءت الرسالة الخاتمة لتعلن عن بداية عصر الإيمان بـ "الآية القرآنية " التي تقوم فاعليتها على أساس تفعيل آليات عمل القلب ، إلي يوم الدين .
لقد جاءت " الآية القرآنية " لتتواصل مع هذه المنظومة المعرفية، تنقل لنا صورة من حركة التفاعل المعرفي التي شهدها هذا الوجود، منذ أن خلق الله تعالي آدم،عليه السلام، لنتخذه مرجعا معرفيا يسير جنبا إلى جنب "الآية القرآنية" يبين لنا مدلولات كلماتها، وعطاء آياتها .
جاءت "الآية القرآنية" آية عقلية ليظل نورها قائما بين الناس مادام هناك عقلاء بينهم يعرفون مهمتهم في هذه الحياة، ويتحملون مسئوليتهم تجاهها، بعد أن وصلت البشرية إلى هذا التقدم التقني المذهل .
جاءت "الآية القرآنية" تدعو الناس لإقامة منهج علمي للتفكير، يميزون به بين الحق والباطل، بين الحسن والقبيح، بين الطيب والخبيث .
ومنذ أن فصل المسلمون بين القرآن وتفاعل آياته مع هذه المنظومة المعرفية، التي جعلها الله تعالى حجة علي الناس إلى يوم الدين، انفصل الجسد عن النفس، وانفصلت الحواس عن القلب، وتحرك المسلمون في دائرة مغلقة كل حسب مذهبه الذي ولد فيه وقاتل في سبيله !!!!
إننا إذا تصورنا أن هذه المنظومة المعرفية عبارة عن دائرة كبيرة، بداخلها دوائر صغيرة، هي مذاهب وملل البشر من لدن آدم،عليه السلام، فإن القرآن الحكيم جاء حاكما على كل هذه الدوائر المعرفية ومهيمنا عليها .
إن هذا القرآن الذي معنا اليوم، والذي وصلنا عبر هذه المنظومة المعرفية محفوظا بحفظ الله له، قد أقام الإسلام في قلوب خير أمة أخرجت للناس، هؤلاء الذين ضربوا المثل الأعلى في بناء النفس على التوحيد الخالص، والجهاد من أجل إقامة موازين الحق والعدل بين الناس، وتثبيت دعائم قاعدة "لا إكراه في الدين" من أجل المحافظة على حرية وكرامة الإنسان .
فلماذا لم يرتفع المسلمون بعد وفاة رسول الله محمد، عليه السلام، إلى مستوي ، صحابته وآل بيته ، والقرآن هو القرآن .
وإذا كان معظم المسلمين قد ولدوا جميعا أسرى إيمانهم الوراثي، ألا يفرض عليهم ذلك، وفى أية مرحلة من مراحل حياتهم، أن يعيدوا النظر في هذا التدين الوراثي على أساس الحجة والبرهان ؟!
إن الذين يثقون بآبائهم ثقة مطلقة، فيقلدوهم تقليدا أعمى، هؤلاء لا يقدرون على قراءة آيات الآفاق والأنفس، ولا على فهم السنن الكونية، ولا اتخاذ العبرة من "منظومة التواصل المعرفي"
إنه لا قيمة لهذا الوجود البشرى دون بناء الإنسان بناءً معرفيا يمكنه من قراءة الآيات الكونية وتناغمها مع الرسالات الإلهية، وتسخيرها والانتفاع بها من أجل تزكية النفس وإحداث التغيير المنشود .
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)العلق
إن العلم وآليات تحصيله، هما أول الطريق إلى معرفة الله تعالى، والوقوف على دلائل وحدانيته، وفاعلية أسمائه الحسنى .
إن منهج التفكير العلمي منهج منطقي يسلكه الإنسان ليصل إلى معرفة الحق عن طريق الملاحظة والاستنباط وإقامة الحجة والبرهان، وسط هذا التراكم المعرفي .
ولا شك أن ذلك يحتاج إلى إعادة قراءة الآيات القرآنية وتفاعلها مع السنن الكونية قراءة صحيحة. لذلك كان أهم وأول عمل قمت به، لبناء إيماني على أساس علمي يقيني، وهو التعرف على الله تعالى، وعلى دلائل وحدانيته، وفاعلية أسمائه الحسنى ونعمه التي لا تحصى...، وذلك بإعادة قراءة نصوص هذه " الآية القرآنية " قراءة أقيم على أساسها توحيدي وإخلاص عبوديتي لله تعالى، وإيماني بصدق رسول الله محمد، عليه السلام، الذي أنزلت عليه .
إنتهت


هذه هي منظومة التواصل المعرفي كما كتبها الأستاذ الدكتور محمد مشتهري ، نقلتها نصا وحرفا من كتابه (المدخل الفطري إلي التوحيد
أي حوار من الأخواة والأخوات الكرام أرجوا أن يكون من ذات النص وليس خارجا عن النص