عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2009-04-07, 05:03 PM
ابو سرحان ابو سرحان غير متواجد حالياً
عضو شيعــى
 
تاريخ التسجيل: 2009-04-07
المشاركات: 14
مهم الإمامة منصب إلهي

إمامة إبراهيم:
ثمّة آية قرآنية تتعلّق بموضوع بحثنا، فلنرَ بماذا ستفيدنا هذه الآية الكريمة، يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(1).
تتحدّث هذه الآية عن واحدة من أعظم السّيَر العظيمة، والتي ظلّت بصمة شاهدة على أصالة التاريخ منذ فجره، ولسنا الآن بصدد دراسة سيرة سيّدنا إبراهيم (عليه السلام) ; لأنّها أعظم من أن تحيط بها هذه الصفحات القلائل.
إنّما ذكرنا هذه الآية لارتباطها الوثيق بمفهوم الإمامة كأصل دينيّ من جهة كونها منصباً إلهيّاً، لا شأن لغير اللّه باختيار من يشغله، كما أنّ نيله متعلّق بشروط ومؤهلات خاصّة، وليتسنّى فهم ذلك رأينا أن نفصّل الآية السابقة إلى مقاطع بحسب ما يمليه علينا سياقها.

أوّلاً: ابتلاءٌ فجزاء
في زمن أرهقت فيه الإنسانية لثقل حملها وانهكت تتأوّه لسوء حالها...
حيث اتّخذت الأصنام أرباباً معبودة، تسجد لها، وتعكف على عبادتها...
في هذا الخضم من الضلال والفوضى...
بُعث سيّدنا إبراهيم أبو الأنبياء (عليه السلام)...
لينتشل المجتمع البشري من بؤرة الوضاعة والانحطاط إلى أُفق الرقيّ والانضباط.
وحاله حال الأنبياء، فما أن تربّع على عرش النبوّة حتى أخذت المحن والابتلاءات الإلهيّة تتهافت عليه واحدة تلو الأُخرى، فكانت لا تزيده إلاّ صبراً وتسليماً.
يقول تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ}(1).
ومن الواضح أنّه ليس المراد من (كلمات) الواردة في هذه الآية مجرّد ألفاظ وتعابير تتألّف من أحرف هجائيّة وإن ذهب البعض إلى هذا المعنى.
لكن على الأكثر والأصح أنّ المراد من هذه الكلمات مجموعة أُمور وأحاديث واقعة، كما في قوله تعالى لمريم: {إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ}(2).
1- البقرة (2): 124.
2- آل عمران (3): 45.
فكلمه اللّه في هذه الآية هو عيسى بن مريم نفسه (عليه السلام).
وعندما قال سبحانه: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات} كان يريد من هذه الكلمات مجموعة الابتلاءات التي مرّ بها إبراهيم (عليه السلام) والتي حدّثنا القرآن الكريم عنها، فمنها:
1 ـ صموده (عليه السلام) أمام نمرود ومن لفّ لفّه، واستعداده لأن يُلقى في النار دون أن يؤثّر ذلك على إيمانه، بل على العكس كان يزداد تعلّقاً بربّه سبحانه.
2 ـ امتثاله لأمر ربّه حين أمره أن يأخذ زوجته ووليده إلى أرض الحجاز ويتركهما وحيدين في أرض قاحلة جدباء لا حول لهما فيها ولا قوّة، حيث قال مستودعهما اللّه: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَاد غَيْرِ ذِي زَرْع}(1).
3 ـ ومنها ما هو أعظم وأمضى; إذ أمره ربّه أن يذبح ابنه إسماعيل بيده! حيث تكرّر عليه هذا المنام في عالم الرؤيا عدّة مرّات، فأيقن أنّه الوحي الإلهي، ثمّ طرح هذا الأمر على ولده إسماعيل، فما كان من الابن إلاّ أن سلّم لأمر ربّه تسليماً، ومن دون تردّد قائلاً: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}(2).
ها هما .الذابح والمذبوح...
كلاهما في ساحة الابتلاء، وعلى أُهبة الاستعداد لتنفيذ الأمر الإلهيّ بمنتهى الإيمان والصبر والتسليم.
فلمّا أوشكا أن يبدأا ـ وما أعظمه من منظر! {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}(1) ـ جاءهما نداء ربّهما: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}(2) وهو الأمر بالتوقّف، إذ لم يكن الهدف هو ذبح إسماعيل أصلاً، إنّما كان الهدف هو ظهور التسليم والإذعان والطاعة منهما مهما كان الأمر الإلهيّ صعباً ومريراً، وليبقى هذا المشهد خالداً يصوّره القرآن الكريم على مرّ العصور، حيث يحكي حقيقة الارتباط باللّه، وحقيقة الإيمان الذي ملأ نفوساً حتى استغرقت بالروح الإلهيّة المقدّسة، فغاب عن مرآها كلّ شي دون اللّه.
1- إبراهيم (14): 37 2- الصافات (37): 102.
1- الصافات (37): 103.
2- الصافات (37): 104 ـ 105
رد مع اقتباس