عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 2008-01-07, 06:04 PM
أبو جهاد الأنصاري أبو جهاد الأنصاري غير متواجد حالياً
أنصارى مختص بعلوم السنة النبوية
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-22
المكان: الإسلام وطنى والسنة سبيلى
المشاركات: 8,399
افتراضي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
============================
ملاحظة : الأصل أن القرآن الكريم معجز للإنس و الجن أن يأتوا بمثله أو بمثل سورة منه. فالأصل إذا ادّعى أحد أنه يستطيع أن يأتى بمثل سورة الكوثر فإنه ملزم أن يأتينا بما ادعى ثم نقوم نحن ببيان الخلل والنقص والعجز الذى اعترى ما ادعى أنه معارض لهذه السورة.
ولكن فى هذا المقام فالأمر مختلف...
=========================
وقد سبق أن أصلنا أصلاً فى مسألة الإعجاز البلاغى فى القرآن مفاده :
أنه لو أزيلت لفظة من القرآن الكريم ودارت عليها لغة العرب لتأتى بأفضل منها أو مثلها لما وجد.
وتطبيقاً لهذه القاعدة فلنبدأ بأولى كلمات هذه السورة الكريمة :
يقول تعالى : (إنا أعطيناك الكوثر)
ولنحاول مع أولى الكلمات وهى قوله تعالى : (إنا)
فهل يوجد فى لغة العرب قاطبة كلمة أخرى تحل محل هذه الكلمة وتقوم بكل ما قامت به من معانى بحيث إذا وضعت تلك مكان هذه لم يكن هناك ثمة فارق بينهما؟
على كل حال أنا سأفترض بعض كلمات ، ومن كان عنده اقتراح لكمات لم أوردها ويظن أنها كذلك فلا مانع من مناقشتها.
- كلمة (إنّا) أصلها ( إننا ) فالنون مدغمة وهى مكونة من جزئين : (إنّ) التوكيدية القريبة من القسم ، و (نا) الفاعلين

و(إنّ) مستقلة ذات قيم بلاغية متعددة :
1- تفيد حسن البدء بالكلام. فوجودها أبلغ وأفيد من حذفها.
2- هى للتوكيد وقريبة من القسم ، بل من العلماء من عدها من أساليب القسم ، وهى تفيد تأكيد ما بعدها.
3- أنها تفيد الوصل والفصل فى نفس الوقت ، بمعنى أنها تفيد وصل ما بعدها بما قبلها ، كما أنها تفيد فصل ما بعدها عما قبلها.
1- الوصل : مفيد فى وصل سورة الكوثر بالسورة التى تسبقها ألا وهى سورة الماعون التى قال ربنا فى فيها :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي
يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ
(5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)

فانظر إلى هذه المقابلة البلاغية الجميلة بين (الذين يمنعون الماعون) وبين (إنا أعطيناك الكوثر) والتقابل فى البلاغة يبرز المعنى ويقويه.
فشتان بين عطاء العبد وعطاء الرب.
كذلك المقابلة (التضاد) بين الذين يمنعون الماعون وبين قوله تعالى (انحر) والمقصود به ذبح الإبل وهى أفضل أموال العرب وأحسن أضاحيهم ، والذى يعبر عن الكرم والجود.
ومن هنا يتضح جمال الربط والترتيب بين هاتين السورتين علاوة على أمور أخرى نذكرها لاحقاً إن شاء الله تعالى.
إذن هذا الحرف (إنّ) قد أفاد الوصل بشكل بليغ.

2- الفصل : بمعنى أن هذه السورة تصلح لأن تكون مستقلة بمعانيها عما سبقتها ، وأنها متكاملة وأنها تصلح فى ذاتها أن تشكل قاعدة مستقلة بنفسها دون حاجة لغيرها.
مثلما تقول مثلاً : إنك رجل قوى. فهنا أنت تؤكد كما أنك تؤصل شيئاً مستقلاً بذاته ، وتخبر عن معلومة لا تحتاج لإضافات أخرى.
======

(نا) وهى للمتكلم الجمع ، وتأتى على لسان المفرد كذلك وفى هذه الحالة تفيد التعظيم ، تعظيم مَن المتكلم؟ نعم فالله هو العظيم ولكن التعظيم هنا ليس لله فحسب ولكن للعطاء أيضاً. ذلك أن الأوصاف التى جاءت لنهر الكوثر وحوضه تبلغ من العظم الشئ الكثير فما بالنا برأى العين. وهذا يحتاج إلى المبالغة فى إبراز عظم هذا العطاء.
= كما أن (نا) تفيد شيئاً آخر ، وهو أنه قد يكون القائم بالفعل متعددون ، وليس واحداً ، بمعنى أن الله قد أمر ملائكته بشق هذا النهر فى الجنة وحوضه فى ساحة العرض يوم القيامة. وتأتى (نا) هنا للدلالة على هذا الأمر ، ولتبين أن خلق الكوثر لم يكن بقوله (كن) فيكون.

ذلك أن هناك من المخلوقات ما يخلقه الله بكن ومن المخلوقات من يخلقه الله بيده ، ومن المخلوقات من يكلف الله غيره بشئ من هذا مثل أمر الله سبحانه لجبريل عليه السلام بنفخ الروح فى مريم ليكون عيسى عليه السلام.

والله ليس محتاجاً لأن يقوم أحد بهذا ، ولكن هذا شرف لمن يؤمر ، ناهيك عن شرف ما يخلقه الله بيده.
وبناءً على هذا يتبين لنا أفضلية (إنا) على (إننى) التى هى أقرب الكلمات التى من الممكن أن تؤدى المطلوب ولكنها لن تقوم بمثل ما قامت (إنا) به.
= ولاحظ معى مسألة تجويدية مهمة وهى عند التقاء (نا) مع حرف الهمزة فى كلمة (أعطيناك) فإنه يتولد ما يسمى بالمد المنفصل ومقداره يتراوح بين حركتين وأربع حركات وست حركات. حسب مستويات القراءة ، فإذا انضم إليها حركة الهمزة فى (إنا) ثم حركتين للنون المشددة صار مجموع الحركات فيها تسع حركات ، وهنا تصبح كلمة (إنا) الصغيرة فى التركيب هى أعظم وأكبر كلمات السورة ، ولم لا أليست هى التى تشير إلى الله.

وهذا ما يسمى بالقيمة التعبيرية للكلمة. فالكلمة الطويلة ذات المقاطع المتعددة تختلف فى مغزاها عن تلك الكلمات الصغيرة ذات المقاطع القليلة ،وهذا فى الغالب الأعم.

وشبيه بهذا كلمة (أعطيناك) فإنها تتكون من أربعة مقاطع صوتية هى (أعـْ - طَيـْ - نا - كـَ) فهى تفيد أيضاً عظم العطاء ، كما أنها تحم جرساً جميلاً على الأذن ممايجعل النفوس تتعلق بالقرآن فلا تمله مع التكرار.

كذلك كلمة (الكوثر) التى تتكون من ثلاثة مقاطع صوتية هى : (الْـ - كَوْ - ثَر) فهى تفيد الكثرة معنى ، كما تفيد الكثرة لفظاً.

ويتضح هذا أكثر عندما نتعرض لكلمتى (صلّ - انحر) فالأولى مقطع واحد والثانية مقطعين ، فهما يدلان على القلة لفظاً ومعنى ، وما فائدة هذا من ناحية المعنى ؟
يفيد أن عطاء الله عظيم جداً ، بينما التكاليف الشرعية من صلاة ونحر وغيرها فهى قليلة جداً جداً إذا ما قورنت بعطاء الله ونعمه!
= ومن مميزات كلمة (إنا) عن كلمة (إنى) أن الأولى تفيد الاستعلاء والارتفاع الصوتى عند النطق بها وهذا أجمل لفظاً ومعنى - فى هذا الموضع - وذلك عند الإشارة بـ (إنا) إلى الله العلى الأعلى سبحانه وتعالى.
أما عندما يقول ربنا (إننى أنا الله) فهذه أيضاً تناسب الموضع الذى جاءت فيه وليس (إنا) ذلك أن (إننى) جاءت فى إطار العقيدة والتوحيد فهذا أنسب لها ، أما فى إطار الربوبية والعطاء فـ (إنا) هى الأنسب. فسبحان الذى أحكم كتابه.
= ومن مميزات (إنا) عن ما عداها من الكلمات :
1- أنها تبدأ بحرف الهمزة ، ومعروف تجويدياً أن حرف الهمزة من حروف الحلق وهو حرف شديد بل هو أشد الحروف ويسمى من حروف الجهر ، وهو يعطى دفعة قوية للكلمة. حتى أن بعض القراء يفضلون الوقت برهة قبل النطق بحرف الهمزة حتى يعطى النفس دفعة قوية ،ليعطى الحرف حقه ومستحقه عند النطق به.
2- ثم أن استخدام حرفى نون مدغمتين يعطى الكلمة بهاءً وروعة ذلك أن حرف النون حرف (أغن) والغنة هى صوت جميل لذيذ يخرج من الخيشوم.
3- كما أن المد الناشئ من التقاء (إنا) مع حرف الهمزة فى (أعطيناك) فإنه عبارة عن دفعة هواء تخرج من الجوف وتستمر ستة حركات (6 ثوان) مما يؤدى إلى التفاعل بين المتكلم والكلام الخارج منه ، وتوحى بالرهبة والعظمة وجمال اللفظ.

من هذا العرض السابق يتبين لنا ما ذكرناه سابقاً وهو أنه لو أزيلت كلمة (إنا) من سورة الكوثر ودارت عليها لغة العرب قاطبةلتأتى بأفضل منها أو مثلها لما وجد.

أرجو أن أكون قد بينت شيئاً من الإعجاز البلاغى فى كلمة (إنا) فهذا حدود علمنا وما عند الله أعظم (وما يعلم تأويله إلا الله) .
وسأشرع إن شاء الله تعالى فى الحديث عن كلمة (أعطيناك).
أسأل الله التيسير.
__________________
قـلــت :
[LIST][*]
من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )).
[*]
ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )).
[*]
ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )).
[*]
ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ).
[/LIST]
رد مع اقتباس