عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2009-07-08, 11:49 PM
مسدد مسدد غير متواجد حالياً
محاور
 
تاريخ التسجيل: 2008-06-24
المشاركات: 191
افتراضي

مكانة وأهمية الحوار:
يقرر الإسلام الاختلافَ كحقيقة إنسانية طبيعية، ويتعامل معها على هذا الأساس. من هذا المنطلق برزت أهمية الدعوة للحوار، واستشراف وجهات نظر الطرف الآخر.
وانطلاقاً من أهمية الحوار، واعتباره إحدى ركائز التعايش، حرص الإسلام على إقرار مبادئه، حيث رتب الشرع أجراً لمن اجتهد وأخطأ، فنعرف جميعا أن من اجتهد وأصاب الحق، فقد نال أجرين: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة للحق. ومن اجتهد وأخطأ، فله أجر واحد، هو أجر الاجتهاد، ولم يؤثَم على الخطأ.
وفي ثقافتنا الإسلامية كذلك أن الحوار يتطلب، أولاً وقبل كل شيء الاعتراف بوجود الآخر المختلف، واحترام حقه، ليس في تبني رأي أو موقف أو اجتهاد مختلف فحسب، بل احترام حقه في الدفاع عن هذا الرأي أو الموقف أو الاجتهاد، ثم واجبه في تحمل مسئولية ما هو مقتنع به.
الطريقة الحوارية في القرآن الكريم:
إن مفهوم الحوار يعتبر من المفاهيم الأكثر رقيا في التعامل بين البشر، فمنذ اللحظة الأولى للتكوين الإنساني، كان الله سبحانه وتعالى يكرّس هذه القيمة الجمالية التي يمكن أن يكون لها أثرا واضحا وجليا في تدعيم الحياة بين بني البشر، والحوار في حد ذاته ليس قصرا على الفرد بعينه، بل يمكن أن يتعدى ذلك، ليصبح حواراً بين الأمم، وقد ذهب القرءان الكريم في إعطاء الحوار معنى أوسع، يتعدى البشر، ويمكن أن يكون الحوار بين الإنسان من ناحية وبين مخلوقات أخرى من ناحية ثانية، سجّل القرءان الكريم بعضاً لهذه الحوارات مثل الحوار الذي دار بين سليمان عليه السلام والهدهد، والحوار الذي دار بين سليمان والنملة في سورة النمل في القرءان الكريم.
ولأن الحوار على هذه الحالة من الشفافية، وبهذه القيمة الجمالية التي تلّفه، كان الخالق عز وجل يضع لنا فلسفة الحوار مع الآخر، حتى لو كان إبليس أو مع من ينوب عن إبليس، فالمولى عز وجل يمثل ذروة الخير المطلق، وإبليس عليه لعنة الله كان ومازال يمثل ذروة الشر المطلق، إلا أن الله سبحانه وتعالى سمح له بالحوار والسؤال والإجابة حينما أمر الملائكة بالسجود لآدم، وإبليس رفض فكرة السجود أو تنفيذها. ويعتبر فهمنا للطريقة الحوارية كإحدى طرق التربية المهمة في الحياة، ولا سيما نحو بناء جيل أكثر وعياً وإشراقا، وأكثر مقدرة على استشراق المستقبل بما يرضي الله سبحانه وتعالى.
الطريقة الحوارية والقرآن الكريم:
من خلال فهمنا للقرآن الكريم كما قدمه العلماء في كتب التفسير المختلفة، يمكن أن نقول بأن هناك نماذجاً مهمة في الحوار جاءت في القرءان الكريم، وفي مناسبات عديدة ومتنوعة لكن يمكن القول أن الطريقة الحوارية كانت واضحة في عدة مواطن كطريقة للتعليم أكثر منها كحوار مجرد فقط.
أشكال الحوار في القرءان الكريم:
· حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة.
· حوار الله سبحانه وتعالى مع الرسل والأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه.
· حوار الله سبحانه وتعالى مع إبليس عليه لعنة الله.
· حوار الله مع الأقوام عن طريق الرسل.
· حوار الله مع الإنسان كإنسان.
· حوار الإنسان مع الإنسان. (حوار أهل الجنة والنار).
· حوار الرسل مع أقوامهم.
· حوار الإنسان مع المخلوقات الأخرى. (الهدهد والنمل).
· حوار الأنبياء مع الطغاة والحكام والجبابرة.
· حوار الإنسان مع الجماد، مثل حوار الإنسان مع أعضائه التي تشهد عليه وتنطق يوم القيامة.
نماذج للحوار في القرآن:
النموذج الأول: حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة:
هذا الحوار بدأ من اللحظة الأولى التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة، ويقوم بدور الخلافة على الأرض، فأراد أن يخلق الإنسان لكي تناط به هذه المهمة الصعبة، فقال سبحانه: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني اعلم ما لا تعلمون* وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين* قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم* قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون"
سورة البقرة { الآيات 30- 33 }.
في هذا النموذج الحواري الذي يدور بين الله والملائكة، يتضح لنا أن الملائكة لديها معلومات عن هذا المخلوق الجديد الذي لم تعرفه من قبل، معلومات غير صحيحة، وكانت هذه المعلومات مبنية على حياة الجن الذي كان يسكن الأرض قبل الإنسان، فاعترضت الملائكة وهي معمّمة لخطأ الجن في القتل وسفك الدم والإفساد، فكان الحوار يتواصل من قبل الله، ويخلق آدم، ثم يعلمه الله أسماء الأشياء والتي قال فيه العلماء قد تكون بمعنى اللغات، وبمعنى آخر هي أسماء الأشياء وصفاتها ومسمياتها، وهنا..يتضح للملائكة أن هذا المخلوق الجديد الإنسان يختلف عن المخلوق السابق الذي كان يسكن الأرض، لذلك ردت الملائكة بعد تصحيح المعلومات لديها بالقول (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم).
النموذج الثاني: حوار الله سبحانه وتعالى مع الأنبياء:
ونقصد هنا في هذا العنوان، حوار الله مع الأنبياء والرسل الذين كان الله يرسلهم لأقوامهم ، سواء كان معهم كتاب سماوي، أو بعض الصحف والألواح، ولكن هنا في معرض النموذج الحواري بين الله وبين أحد الرسل سيكون هدفه إظهار مقدرة الله تعالى الفاعلة في كل شيء، وسيكون محط الدراسة هو "العزير عليه السلام "، وسنرى كيف هذا النبي بضعفه الإنساني يسأل عن بعض الأمور التي قد تكون غائبة أو غير حاضرة في تفكيره حينئذ...والقرءان سجل هذا الحوار فقال سبحانه وتعالى: "أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي الأرض بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فأنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وأنظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وأنظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال اعلم إن الله على كل شيء قدير" سورة البقرة { الآية 259 }.
المعلومات التي لدى العزير، هو الاستغراب عن إحياء قرية بأكملها قد فنيت عن الأرض، ومات أهلها جميعاً وأصبحوا من سكان القبور، هنا كان العقل الإلهي، التعليم من خلال التجربة والممارسة .. أن أماته الله، ثم كان السؤال كم لبثت؟ فقال العزير: يوماً أو بعض يوم، والمعلومة هنا عند العزير عليه السلام هي معلومة خاطئة، فكان الرد الإلهي؛ بل لبثت مائة عام، ثم اتبع الشواهد التي تؤكد هذه الفترة من الموت.
أيضاً عيسى عليه السلام: ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَإِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِينَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (المائدة:116)
النموذج الثالث: حوار الله سبحانه وتعالى مع إبليس:
ويعتبر هذا النموذج من أخطر النماذج الحوارية في القرءان الكريم، وفي مفهوم ولغة الحوار بين الأضداد على إطلاقها، حيث أن هذا النموذج والذي يمثل فيه سبحانه وتعالى رمز الحق المطلق والخير المطلق فيحاور رمز الشر المطلق والباطل المطلق؛ ألا وهو إبليس عليه لعنة الله وكأن الله سبحانه أراد أن يضع فلسفة مهمة لبني الإنسان، تقضي إلى إمكانية الحوار والتفاهم بالطريقة الحوارية مع الآخر، أو إقامة الحجة عليه لو كان يمثل النقيض لفلسفة الخير التي يحملها الدعاة .. ولنترك للقرآن أن يضع بين أيدينا جو هذا الحوار: "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين* قال ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك قال أن خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين* قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين* قال أنظرني إلى يوم يبعثون* قال إنك من المنظرين* قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين* قال أخرج منها مذءوماً مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين" سورة الأعراف { الآيات 11 - 18 }.
ربما هذا الحوار الأطول بين الله سبحانه وتعالى وبين إبليس عليه لعنة الله، والحوار ذاته يتكرر في مواطن مختلفة في القرءان الكريم لكنه يكون بصورة اقل وأقصر مما هو في سورة الأعراف.
والشاهد القوي في الحوار أن إبليس يدعي انه افضل من الإنسان، لذاك رفض أن يسجد لآدم عليه السلام، مع العلم أن السجود هنا هو سجود تحية وليس عبادة، ولكن روح المكابرة في القرءان الكريم التي كانت لدى إبليس جعلته يصّر على كبريائه في هذا النص، ولكن في نصوص السنة المختلفة والتي تفسر القرآن الكريم كثير من الأحيان، أنه جاء في معنى الحديث الشريف أن إبليس يقول: ( ويلي.!.أمر ابن آدم بالسجود فسجد، وأمرت بالسجود فعصيت..!) .. وهذا يعني إقرار بعدم صوابية رؤيته عن أفضليته على آدم. ولكن روح الكبرياء التي عنده هي التي جعلته لا يمتثل لأمر السجود.
ومن هذا الحوار بين الخير والشر، يمكن أن يكون هناك لفته مهمة في حمل دعوة السماء إلى الناس حتى الزعماء منهم أو الطغاة، وهذه اللفتة تتمثل في انه يمكن للدعاة أن يحملوا هذا الدين مبشرين به وليس منفرين، ويطرقوا به أبواب الحكام الظلمة ويقيموا عليهم الحجة والبرهان كما فعل موسى عليه السلام وأخيه مع فرعون فقال سبحانه وتعالى في هذا السياق: "اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكرى* اذهبا إلى فرعون إنه طغى* فقولا له قولاً لينا* لعله يتذكر أو يخشى ...". سورة طه {الآيات 42 - 45}.
وتنتهي رحلة الحوار مع الطغاة في نهاية النموذج مع فرعون بإيمان السحرة.
يتبع ..
رد مع اقتباس