عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2008-03-06, 12:15 AM
سالم سالم غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2007-12-11
المشاركات: 66
افتراضي دقع شبهات عقوبة الزاني و المرتد في ضو ء الكتاب والسنة / عماد الشربيني

هذا الكتاب
يتناول فيه المؤلف الـرد علي أعـداء السـنة المطهرة , ودعاة التغريـب مـن خـلال
عدة قضايا منها :
1- بيان مهمة رسول الله  كما حددها رب العزة في كتابه , واستعراض شبهة أعداء السنة حول هذه المهمة والجواب عنها 0
2- بيان أن مهمة رسول الله  البيانية إنما تعني الحكمة وهي السنة النبوية , واستعراض
شبهة أعداء السنة , بأن سنة رسول الله  الحقيقية ؛ هــي القرآن فقط والجواب عنـها.
3- بيان حقيقة وهدف أعداء السنة بإيمانهم ببيان نبوي لرسول الله  في رسالته ! .
4- بيان وجوب طاعة رسول الله  في القرآن والسنة معاَ , والرد علي أعـداء السنة فـي
حصرهم طاعة رسول الله  في القرآن فقط 0
5- بيان أن طاعة رسول الله  في سنته المطهرة هي عين التوحيد لله تعالي, والرد علـي
أعداء السنة في زعمهم أن الربط بين طاعة الله  في كتابه , وطاعة رسوله في سنته
المطهرة شرك 0
6- بيان السنة النبوية لعقوبة الزاني الواردة في القرآن الكريم ؛ ودفع شبهات المنكرين لهذا البيان النبوي 0
7- بيان السنة النبوية لعقوبة المرتد الواردة في القرآن الكريم ؛ ودفع شبهات المنكرين لهذا البيان النبوي 0

والله الهادي إلي سواء السبيل

============


عقوبتا الزاني والمرتد
في ضوء القرآن و السنة
ودفع الشبهات


الدكتور
عماد السيد الشربيني
مدرس الحديث وعلومه
بجامعة الأزهر
1424هـ- 2003 م

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  ( )
 فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً  ( )
 ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم , فإن كان له مخرج
فخلوا سبيله , فإن الإمام إن يخطئ في العفو ؛
خير له من أن يخطئ في العقوبة  ( 3 ) 0





تقديــــم

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد ,
وعلي آله , وصحبه , ورضي الله عمن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين0

ثم أما بعـــد
فإن السنة المطهرة , كانت هدفَا لأعداء الإسلام منذ زمن بعيد , لكنها قاومت وتقاوم , وحطمت وتحطم محاولات أعداء الإسلام , وأذيالهم بما رسخ في قلوب المؤمنين , من إيمان وتقديس وحب وإقتداء 0

إن الذين يحاولون النيل من السنة المطهرة تختلف مشاربهم وأهدافهم واتجاهاتهم , وإن كثيرَا منهم
يفتح له مجال واسع في الإعلام , الذي يجري وراء المادة الغريبة المستحدثة والشاذة , التي
تجذب الجماهير0


فإن أراد العلماء أن يكشفوا الزيف , ويردوا الشبهات ؛ لم يجدوا المجال الكافي المتكافئ مع نشر
السموم0 ومن هنا يتهم العلماء والمتخصصون بالقصور أو التقصير0

إن أملنا في عقيدة الأمة الراسخة التي لا تزعزعها العواصف , ولولا قوة إيمانها في عقيدتها وشريعتها الإسلامية , لكانت النتيجة خطيرة منذ زمن بعيد , ولكنه وعد رب العزة إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )  ) .ومساهمة متواضعة في التصدي لشراذم البغي قديمَا وحديثَا, ممن يطعنون في شريعتنا الغراء ويتهمونها بالقسوة لما فيها من الحدود , وردَا علي أعداءالسنةالنبوية ؛ الذين ينكرون عقوبة الرجم للزانى المحصن ، وعقوبة القتل للمرتد , بحجة مخالفتهما للقرآن الكريم 0
أسطر هذه السطور حسبة لله تعالي , وانتصارَا لشريعته الغراء , في ستة مباحث هي :
المبحث الأول : في بيان مهمة رسول الله  كما حددها رب العزة في كتابه 0
المبحث الثاني : في بيان أن مهمة رسول الله البيانية إنما تعني الحكمة , وهي
السنة المطهرة 0
المبحث الثالث : في بيان وجوب طاعة رسول  في القرآن والسنة معَا 0
المبحث الرابع : في بيان أن طاعة رسول الله  في سنته المطهرة هي عين التوحيد
الخالص لله 0
المبحث الخامس : في بيان السنة لعقوبة الزاني الواردة في القرآن ودفع الشبهات 0
المبحث السادس : في بيان السنة لعقوبة الردة الواردة في القرآن ودفع الشبهات0 الخاتمــــة : في نتائج هذا البحث , ومقترحات , وتوصيات , وفهرس الموضوعات 0
منهجي في البحث :
1ـ كل ماعرضته في البحث من شبه ومطاعن أهل الزيغ والهوي قديمَا وحديثَا , المتضمنة
الطعن في سنة سيدنا رسول الله  , فإني قرنت ذلك بالرد الحاسم الذي يبين بطلان وزيف
تلك الشبه والمطاعن معتمدَا في ذلك علي القرآن الكريم , والسنة المطهرة , والسيرة العطرة,
وكلام أهل السنة قديمَا وحديثَا 0
2 ـ بينت مواضع الآيات التي وردت في البحث بذكر اسم السورة , ورقم الآية في الهامش , مع
وضع الآية بين قوسين 0
3ـ عزوت الأحاديث التى أوردتها فى البحث إلي مصادرها الأصلية , من كتب السنة المعتمدة ،
فإن كان الحديث فى الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما ، بذكر اسم الكتاب ، واسم
الباب ، وذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث ، وأقدم فى التخريج من ذكرت لفظه ، مع البيان غالباً لدرجة الحديث , من خلال أقوال أهل العلم بالحديث ، أو دراستى للسند ، إن كان الحديث فى غير الصحيحين ، وفيما عدا ذلك اقتصر على ما يفيد ثبوت الحديث أورده0
4 ـ اعتمدت فى التخريج من الصحيحين على طبعتى البخارى "بشرح فتح البارى" لابن حجر،
والمنهاج "شرح صحيح مسلم" للنووى ، لصحة متون الأحاديث فى الشرحين ، ولصحة
عرضهما على أصول الصحيحين ، وتسهيلاً للقارئ لكثرة تداول تلك الشروح ، وإتماماً
للفائدة بالإطلاع على فقه الحديث المخرَّج 0
5ـ التزمت عند النقل من أى مرجع ، أوالإستفادة منه الإشارة إلى رقم جزئه وصفحته
بالإضافة إلى ذكر طبعات المراجع فى الفهرست0
6ـ عند النقل من فتح البارى ، أو المنهاج شرح مسلم للنووى ، أذكر رقم الجزء والصفحة
ورقم الحديث الوارد فيه الكلام المنقول ، تيسيراً للوصول إلى الكلام المنقول ، نظراً
لاختلاف رقم الصفحات تبعاً للطبعات المتعددة 0
7ـ اكتفيت فى تراجم الأعلام من الصحابة بذكر مصادر تراجمهم بذكر رقم الجزء والصفحة
ورقم الترجمة ، ولم أترجم لهم لعدالتهم جميعا ، ولم أخالف فى ذلك إلا فى القليل عندما
تقتضى الترجمة الدفاع عن شبهة 0

8ـ ترجمت لكثير من الأعلام الذين جرى نقل شئ من كلامهم ، مع ذكر مصادر تراجمهم ،
بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة 0
9ـ شرحت المفردات الغريبة التى وردت فى بعض الأحاديث مستعيناً فى ذلك بكتب غريب الحديث ، ومعاجم اللغة ، وشروح الحديث 0

والله عز وجل أسال أن ينفع بما كتبت , وأن يتقبله خالصَا لوجهه الكريم 0
اللهم تقبل هذا العمل خالصاً لوجهك الكريم ، اللهم اجعلني جنداً من جنود كتابك ، جنداً من جنود سنة نبيك  ، اللهم لا تجعلني شقياً ولا محروماً ، اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك ، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك ، ولا قدماً تمشى إلى طاعتك ، ولا يداً تكتب حديث رسولك وصفيك . اللهم لا تدخلنى النار، ولا تفضحنى فيها ، فقد علم أهلها أنى كنت أذب عن دينك ، وأدافع
عن شرعك ، وأظهر مكانة وحيك ، وأبين عظمة وعصمة نبيك وخليلك وصفيك 0
اللهم اجعلنى وما عملت من عمل صالح فى ميزان أبوىَّ
واغفر لهما ، وأكرمهما ، وارحمهما كما ربيانى صغيراً
وألبسهما حلة الكرامة ، وشفع فيهما كتابك ونبيك 
والحمــد لله رب العالمـــين
وصلى الله علـى سيدنــا ومولانــا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الراجى عفو ربه الغفـور
أبو صلاح الدين
د/ عماد السيد الشربيني
مدرس الحديـث وعلومـه
بكلية أصول الدين القاهرة
جامعة الأزهر

=========
المبحث الأول
فـي بيـان مهمة رسول الله  في رسالتـه
كما حددها رب العزة في كتابه

طعن أعداء السنة المطهرة، في دور رسول الله  فى تبليغ الوحي، وحصروا بلاغه في الرسالة، على تبليغ القرآن الكريم فقط، وقالوا هى مهمته الوحيدة، وعدوا القول بخلاف قولهم اتهام لرسول الله ، بأنه فرط فى تبليغ الوحى0

وجاءت أقوالهم فيما يفترون صريحة، وإليك نماذج منها :
1- قال رشاد خليفة( ) : "إن مهمة الرسول الوحيدة : هى تبليغ القرآن بدون أى تغيير، أو إضافة، أو اختزال ، أو شرح"( ).
وقال فى موضع آخر : "أمر محمد بتبليغ القرآن فقط بدون أى تغيير، وألا يختــلق أى
شئ آخر" 0
ويقول : "محمد ممنوع من التفوه بأى تعاليم دينية سوى القرآن"( )0

2- ويقول محمد نجيب( ) : "نسبة أى شئ للرسول غير القرآن طعن فى أمانة الرسول "( )

3- ويقول أحمد صبحى منصور ( ): "إن إسناد قول ما للنبى وجعله حقيقة دينية هو اتهام للنبى بأنه فرط فى تبليغ الرسالة… بإيجاز كانت مهمة النبى مقتصرة على التبليغ دون الإفتاء والتشريع"( )0
4- ويقول إسماعيل منصور( ) : "إنه ليس لجبريل عليه السلام فى القرآن الكريم دور إلا النقل الأمين فحسب، كما أنه ليس لمحمد فيه دور كذلك إلا البلاغ الصادق وحده.
قال تعالى : إن عليك إلا البلاغ( ) وقال سبحانه : وما على الرسول إلا البلاغ
المبين( )0
5- ويقول جمال البنا( ) : "ونصوص القرآن الكريم واضحة، وصريحة، ومتعددة، وهى تحصر
دور الرسول فى البلاغ ، وكثيراً ما تأتى الإشارة إلى البلاغ بصيغة الحصر، ولكنها فى
حالات أخرى تضيف إلى البلاغ صفة "المبين"
قال تعالى : وإن تولوا فإنما عليك البلاغ( ) وقال سبحانه : فإن توليتم فإنما على
رسولنا البلاغ المبين( )0
ويجاب عن هذه المزاعم بما يلى :
أولاً : لكل مسلم أن يعجب من جراءة هؤلاء الأدعياء الذين يتسترون بعباءة القرآن الكريم ، فى جرأتهم وتطاولهم على الذات العليا من حيث يشعرون أو لا يشعرون0
إذ بعثة الرسول أو النبى، وتحديد دوره فى رسالته أمر لا يملك منه أحد شئ سوى الخالق
عز وجل؛ وتلك بديهة لا يخالفها عاقل0

فإذا جاء أعداء السنة المطهرة، وزعموا أن مهمة رسول الله  قاصرة على بلاغ القرآن
فقط، وأن نسبة أى شئ إليه سوى القرآن يعنى الطعن فى أمانته، وأنه فرط فى تبليغ
الرسالة، فقد تجرءوا وتطاولوا على ربهم . حاسبهم سبحانه بما يستحقون0
ثانياً : إذا كان أعداء السنة المطهرة والسيرة العطرة اتخذوا لأنفسهم شعار "القرآنيون" يستدلون به وحده على ما يزعمون؛ فهم يحرصون دائماً على الإيمان ببعض القرآن، والكفر ببعضه الآخر0

حيث أنهم هنا فى افتراءاتهم يستدلون بظاهر وعموم بعض الآيات القرآنية التى تحث رسول الله ، على البلاغ ، وتركوا باقى نصوص القرآن الكريم التى تفصل حقيقة هذا البلاغ ، وتفصل أيضاً باقى أدوار رسول الله ، فى رسالته ! 0

•الأدلة من القرآن الكريم علي أن لرسول الله  في رسالته مهمة غير بلاغ القرآن فقط 0
وإليك شواهد من الآيات القرآنية ترد على افتراءاتهم ، وتبين فى وضوح وجلاء أن دور
رسول الله  فى رسالته ليس قاصراً على بلاغ القرآن الكريم فقط 0
وإنما بيان هذا الكتاب الكريم ، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتزكيتهم، والحكم بينهم فى كل شأن من شئون حياتهم 0
وما كل ذلك إلا بالسنة المطهرة، والسيرة العطرة التى ينكرونها0
1- قال تعالى : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك( ) والبلاغ الذى أمر المولى عز وجل به رسوله ، هو الوظيفة الأولى له  وهو بلاغ عام وشامل لكل ما تحتاج إليه البشرية فى عاجلها وآجلها، ودنياها وأخراها0
وقد وصل إلينا هذا البلاغ فى وحيين :
أحدهمـا : متلو وهو القرآن الكريم0
وثانيهما : غير متلو وهو السنة المطهرة0
ويدل على عموم البلاغ ، عموم الاسم الموصول "ما" فى الآية الكريمة، كما عمم من أراد تبليغهم ، حيث حذف المفعول الأول لـ "بلغ" ليعم الخلق المرسل إليهم0
والتقدير : بلغ جميع ما أنزل إليك من كتاب وسنة ، من يحتاج إلى معرفته من أمر الدين الموحى به إليك( )0
أما كون رسول الله ، كما نص القرآن، ما عليه إلا البلاغ، والاستدلال بظاهر ذلك على حصر مهمته فى بلاغ القرآن فقط ، فإن ذلك فهم غير مراد؛ لأن قوله تعالى : ما على الرسول إلا البلاغ( ) معناه نفى الإكراه على الاعتقاد والإيمان، نحو قوله تعالى : قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل( ) وقال سبحانه : فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ( ) والمعنى : نفى الإكراه على الإعتقاد والإيمان0

ففى العقيدة والتصديق القلبى ، لا إكراه ، أى ليس هناك إلا البلاغ 0
أما فى شريعة الدولة والسياسة والاجتماع والمعاملات ، فهناك السلطان والثواب والعقاب ، وليس هناك أدنى تناقض بين وقوف سلطان الرسول ، فى العقيدة عند البلاغ؛ لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى( ) وبين وجود ووجوب الطاعة المتميزة له، فى إطار بيان وتطبيق الوحى الإلهى…
بل إن القرآن الكريم يجمع بين الأمرين فى الآية الواحدة . وتأمل قوله تعالى : قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين( ) فالرسول الله ، طاعة متميزة وسلطان وتشريع لإقامة الدين ، والإقامة تطبيق وتجسيد ، يزيد على مجرد البلاغ والتبليغ بدليل ما يلى :
2- قوله تعالى : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون( ) و"التبيين" هنا غير "التبليغ" الذى هو الوظيفة الأولى للنبى ، يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك( )0
و"التبيين" و"التبليغ" وظيفتان موضوعهما واحد هو "القرآن الكريم" عبر عنه فى آية "التبليغ"
بهذا اللفظ : ما أنزل إليك وعبر عنه فى آية التبيين بلفظ مختلف : ما نزل إليهم
وبينهما فروق لها دلالتها. مردها إلى الفرق بين الوظيفتين0
"فالتبليغ" : تأدية النص، تأدية "ما أنزل" كما "أنزل" دون تغيير ما على الإطلاق، لا زيادة ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير0
و"التبيين" : إيضاح، وتفسير، وكشف لمراد الله من خطابه لعباده، كى يتسنى لهم إدراكه ، وتطبيقه ، والعمل به على وجه صحيح 0
"والتبليغ" : مسئولية "المبلغ" وهو المؤتمن عليها، وهذا سر التعبير : وأنزلنا إليك حيث عدى الفعل "أنزل" بـ "إلى" إلى ضمير النبى  المخاطب0
و"التبيين" : مهمة، فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به وبلغوه، وإدراك دلالته الصحيحة، ليطبقوه تطبيقاً صحيحاً.
ومن هنا كانت المخالفة فى العبارة … "نزل إليهم" حيث عدى الفعل "نزل" بـ "إلى" مضافاً إلى الضمير "هم" أى الناس، وعدى الفعل : "لتبين" إلى الناس بـ "اللام" أن كانت حاجتهم إلى "التبيين" هى السبب والحكمة من ورائه ، وهى توحى بقوة أن رسول الله ، ليس بحاجة إلى ما احتاج إليه الناس من هذا التبيين0
ولعمرى إنه لكذلك ، فقد أوحى إليه بيانه وألهمه ، فالتقى فى نفسه "البيان" و"المبين" معاً وأصبح مؤهلاً لأن يقوم بالوظيفتين : وظيفة البلاغ ، ووظيفة التبيين على سواء !0
وكما أن محالاً أن يكتم رسول الله ، شيئاً مما أمر بتبليغه ، فمحال أن يترك شيئاً مما أمر بتبليغه دون أن يبينه ، فكلا الأمرين : التبليغ والتبيين من صميم رسالته : بلغ ما أنزل إليك… لتبين للناس ما نزل إليهم0
واختلاف الناس فى فهم القرآن ما بين مصيب ومخطئ… واختلافهم فى درجات الإصابة، ودرجات الخطأ… برهان بين على حاجتهم إلى "تبيين" لكتاب ربهم ، ينهض به إمام الموقعين عن رب العالمين … رسول الله الذى أنزل عليه هذا الكتاب0
هنا يقع قول الله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( ) موقعاً يسد كل ثغرة ، يحاول النفاذ منها من يرفض "سنة رسول الله" أو يهون من شأنها، أو يسعى للتشكيك فيها، وإسقاط حجيتها وإلزامها0
ويقع نفس الموقع قول النبى  : "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول : لا أدرى؟ ما وجدنا فى كتاب الله اتبعناه"( )0
وهنا لى أن أقرر : أن إنكار مهمة رسول الله ، البيانية ، أو رفضها أو التشكيك فيها
ينطوى على رفض وتكذيب للقرآن نفسه ؟ 0
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ( )0
كما ينطوى على الطعن فى عصمة رسول الله ، فى بلاغ وحى الله تعالى إليه ، لأن
ترك تبيين كلمة واحدة فى القرآن الكريم، تحتاج إلى تبيين دون أن يبينها تقصير، ككتمان
حرف واحد مما أمر بتبليغه، ورسول الله  مبرأ من أن يخون فى التبليغ، أو يقصر فى
التبيين0
فمن المتهم إذن : باتهام رسول الله ، بأنه فرط فى تبليغ رسالته ؟ من يؤمن بأن من
مهمته فى رسالته البيان أم من ينكر ذلك ؟!0
إن إنكار أعداء السنة المطهرة ، لهذه المهمة ، بحجة أن المولى عز وجل تكفل بهذا البيان والتفصيل فى قوله : ثم إن علينا بيانه( ) وقوله سبحانه : وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلاً( ) وقوله : ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ( ) 0

لا حجة لهم فى ذلك لما يلى :
أ‌- أن مجئ لفظ البيان فى جانب الله تعالى : ثم إن علينا بيانه، ومجئ لفظ "التبيين" فى جانب رسول الله ، لتبين للناس ما نزل إليهم لا يفسر بأنه تنويع فى اللفظ ، أو تفنن فى العبارة ، وإنما هو قصد مقصود ، وراءه دلالات يبحث عنها وهى :
أن "بيان" الله للقرآن إنما هو لنبيه  0
ومصدره هو الله تعالى 0
ومستقبله رسول الله  0
وطريقه : الوحى فى صورة ما من صورة 0
أما "التبيين" فهو من رسول الله  للناس 0
ومصدره رسول الله  0
ومستقبله المخاطبون بهذا القرآن0
وطريقه إنما هو "اللغة" وليس "الوحى"0

والخلاصة : رسول الله يتلقى بيان القرآن عن ربه "وحياً" والناس يتلقون تبيينه عن رسول الله
"لغة وكلاماً"0
إذن : هناك اختلاف بين "البيان" و"التبيين" من ثلاث جهات : من جهة المصدر، ومن جهة
المستقبل، ومن جهة الطريق أو الأداة، أو الوسيلة، التى يعبر خلالها "البيان" أو "التبيين"
إلى مستقبله 0
هل يكفى هذا لبيان السبب فى اختصاص كل لفظ بموضعه ؟0
وهل يزعم زاعم بعد هذا أن بالإمكان التعبير عن كلا "البيانين" "بيان الله" و"تبيين رسوله"
للقرآن بلفظ واحد0
إن الفرق من السعة والوضوح والعمق ، بحيث يفرض اختلاف التعبير فى هذين المقامين
المختلفين( )0

ب‌- إن المراد بتفصيل وتبيان الكتاب لكل شئ يعنى : تفصيل وتبيان القرآن لكل شئ من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة.
أما تفاصيل تلك القواعد ، وما أشكل منها، فالبيان فيها راجع إلى تبيين رسول الله 0
ويدل على ذلك قول ابن مسعود فى قوله تعالى : تبياناً لكل شئ قال : قد بين لنا فى
هذا القرآن ، كل علم ، وكل شئ 0 وقال مجاهد : كل حلال وحرام 0
وقول ابن مسعود أعم وأشمل ؛ فإن القرآن اشتمل على كل نافع من خبر ما سبق ، وعلم ما سيأتى ، وكل حلال وحرام ، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم ، ومعاشهم ومعادهم.
وقال الأوزاعى "تبياناً لكل شئ" أى بالسنة( )0

ولا تعارض بين القولين – ابن مسعود والأوزاعى – فابن مسعود يقصد العلم الإجمالى الشامل،
والأوزاعى يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالى.
ومن هنا؛ فالقول بأن القرآن الكريم تبيان لكل شئ قول صحيح فى ذاته بالمعنى الإجمالى السابق، ولكن الفساد فيما بنوه عليه من قصر مهمة رسول الله ، على بلاغ القرآن فقط ، وإنكار مهمته البيانية (السنة المطهرة) والاكتفاء بالقرآن ليؤولوه حسب أهوائهم ! 0
وإلا فرب العزة هو القائل فى نفس سورة النحل ، وقبل هذه الآية قال : ليبين لهم الذى اختلفوا فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين( ) 0
وقال سبحانه : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون( ) 0
وقال عز وجل : وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه( ) 0
فتلك ثلاث آيات كريمات فى نفس سورة النحل ، وسابقة لآية ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ والثلاث آيات تسند صراحة مهمة التبيين إلى نبيه  0
فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله عز وجل هذه المهمة – التبيين – التى هى من مهام الرسل جميعاً
كما قال : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم( ) 0
ويوقع التناقض بقوله  : ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ 0
وقوله  : وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلاً ؟ ! 0
إن كل الرافضين لمهمة رسول الله البيانية ، لابد أن يلتزموا بهذه النتيجة التى تعود بالنقض على الإيمان بالكتاب ، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله ، سواء أقروا بلسانهم بهذا النقض أم لا ، وتنبهوا إلى ذلك أم لا ؟!!0
ويجدر بى هنا أن أشير إلى ما قاله الحافظ ابن حجر مبيناً المراد من الأحاديث والآثار المؤذنة بالاقتصار على كتاب الله عز وجل. نحو قوله  : "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله"( ) 0
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : لما حضر رسول الله  ، وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبى  : "هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده" فقال عمر : إن رسول الله ، قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله"( ) 0

وأشباه هذا مما روى مرفوعاً وموقوفاً، بالإقتصار على القرآن فقط0

يقول الحافظ : "الإقتصار على الوصية بكتاب الله ؛ لكونه أعظم وأهم ، ولأن فيه تبيان كل شئ ، إما بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب ، عملوا بكل ما أمرهم النبى ، به لقوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( ) وهذا الذى قاله الحافظ رحمه الله، يؤكد ما سبق ذكره0
ومما هو جدير بالذكر هنا. أن الكلام السابق للحافظ ، نقله مبتوراً جمال البنا حيث قال : "التمسك بالقرآن والعمل بمقتضاه ، إشارة إلى قوله  : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله" 0
وترك جمال البنا، بيان أن العمل بالقرآن الكريم يقتضى العمل بالسنة كما صرح ابن حجر( )0

وهذا ما فعله أيضاً أحمد صبحى منصور. حيث نقل كلام الحافظ ابن حجر الذى نقلته ، وبتر منه لفظه (النبى ) 0
فصارت العبارة : "فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به"( ) 0
وإذا تقرر لك هناك أن لرسول الله ، فى رسالته مهمة غير التبليغ وهى تبيين القرآن الكريم، الملازم للمهمة الأولى وهى تبليغه. فاعلم أن لرسول الله ، حُكمٌ فى رسالته، جعله ربه من مهام رسالته0

3- قال تعالى : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله( ) فبين ربنا سبحانه أنه أنزل الكتاب إلى رسوله ، ليحكم بين الناس بما ألهمه الله وأرشده 0
وإذا كان الحكم بالقانون ، غير سن القانون فإن حكم رسول الله ، بما جاء فى القرآن من
تشريعات ، فضلاً عن تبيينه بالسنة ، هو أمر زائد على مجرد البلاغ لهذه التشريعات0 وتحكيمه  فى كل شئون حياتنا ، والرضى بحكمه ، والتسليم به، جعله رب العزة علامة الإيمان كما قال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسيلما( )
وما ذلك إلا لأن حكمه ، وحى من الله واجب الاتباع لقوله بما أراك الله
وعلى هذا الفهم صحابة رسول الله ، ومن بعدهم 0
يدل على ذلك قول عمر  وهو على المنبر : "يا أيها الناس إن الرأى إنما كان من رسول الله  مصيباً لأن الله عز وجل كان يريه ، وإنما هو منا الظن والتكلف"( ) 0
لقد قال عمر ذلك على المنبر، ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين ، لا من الصحابة ، ولا من التابعين ، مما يدل على أنهم جميعاً يعلمون أن لرسول الله حُكم فى رسالته هو من ربه ، وهو أمر زائد على مجرد البلاغ !0
4- وقال تعالى : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين( )
إن الله عز وجل فى هذه الآية الكريمة ، يمتن على هذه الأمة ، ببعثه رسول الله ؛ من
أنفسهم ، وأنه جاء ليس لمجرد بلاغ وتلاوة القرآن الكريم فقط – كما يزعم أعداء الإسلام !
وإنما جاء مع بلاغ القرآن وتلاوته ؛ جاء بتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة0



وهذه التزكية والتعليم من مهامه  فى دعوته، مع بلاغه للقرآن وبيانه لما فيه، وحكمه به.
وبهذه المهمة (التزكية والتعليم) تكون هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور0
5- قال تعالى : كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور( ) أى من ظلمات الكفر والجهل والضلالة، إلى نور الإيمان والعلم والهداية( )
وقال سبحانه : وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم( ) فأسند الهداية إليه ، مما يدل
على أنه عليه الصلاة والسلام بكل ما جاء به من عند الله عز وجل، يهدى إلى صراط مسقيم0

وتأمل قوله "لتخرج" وقوله "تهدى" إنه سبحانه اسند الفعلين إليه  وفى ذلك دلالة على أن
ذلك من مهام رسالته التى كلفه بها، مع بلاغه للقرآن وتبيينه لما فيه، وحكمه بين الناس
وتزكيته وتعليمه لأمته؛ وكل ذلك ينكره أعداء هذه الأمة ! 0

إن زعم أعداء السيرة العطرة ، أن رسول الله ، مهمته الوحيدة، تبليغ القرآن فقط، وإنكارهم مهمته البيانية للقرآن الكريم ، يعد هذا الزعم منهم طعناً فى عصمته  فيما بلغه من وحى السنة المطهرة ، وطعناً منهم أيضاً فى عصمته فى رجاحة عقله وكماله ، لأنهم فى كتاباتهم
المفتراه ، يقدمون رؤيتهم القرآنية بياناً ، وتفسيراً ، ومفهوماً لآيات القرآن الكريم 0
فكيف ينكرون أن يكون لرسول الله  بيانه ، وتفسيره وشرحه لآيات القرآن الكريم ؛
وهو أعلم الناس به ؛ حيث عليه أنزل ؟ ! 0

ومن هنا لما قال رجل لمطرف بن عبد الله( ) : لا تحدثونا إلا بما فى القرآن قال مطرف: إن والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكنا نريد من هو أعلم بالقرآن منا"( )0
ويقول جابر بن عبد الله  يصف حج النبى  ، : "فصلى رسول الله  ، فى المسجد ثم ركب القصواء( ) حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصرى بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله  بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شئ عملنا به.." الحديث( )0
فتأمل قول الصحابى : "ورسول الله بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله" إنه ، هو الذى علمه الله القرآن، وكل ما من شأنه أن ييسر العمل به، فعلمه تأويله، وأراه ما به يتم الدين0

إن مقتضى إيمانهم برسالته ، أن يسألوه ويحكموه عن كل ما بدا لهم ؛ إنهم يعلمون أنه رسول الله  ، يأتيه الوحى فى أى وقت بالقرآن وتأويله ، وبكل ما يتصل ببيان الدين ، ومن هنا سألوا واستفسروا وأجابهم ، بما به بين، ووضح، وأفاد وأجاد( ) حتى قال  : "قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيع عنها بعدى إلا هالك"( )0

إن تأويل وتفسير، رسول الله ، للقرآن الكريم ، هو فريضة قرآنية ، وتكليف إلهى للنبى  - زائد على مجرد بلاغه – وليس فضولاً ولا تزايداً ، ولا إضافة يمكن الإستغناء عنها 0


لقوله تعالى : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون( ) 0
فكيف ينكرون هذا التبيان النبوى للبلاغ القرآنى ، بينما يمارسون هم شرح وتفسير آيات القرآن ؟‍ أهذا معقول ؟ فضلاً عن أن يكون مقبولاً ؟‍‍‍!!0
إن رسول الله  ، بنص الآيات الكريمات السابق ذكرها، مبلغ، ومبين، وحاكم، ومزكى، ومعلم ، وهادى إلى صراط مستقيم ، وليس مجرد ساعى بريد ؟!0
وبعد : إذا تقرر أن من مهام رسول الله ، فى رسالته بيان القرآن الكريم، والمسلمون جميعاً يعلمون ذلك، ويسلمون به، يبقى توضيح أن البيان النبوى هو الحكمة ، وهى السنة المطهرة التى ينكرها أعداء الإسلام ، ويزعمون أن سنته الحقيقية هى القرآن فقط0
فإلى بيان شبهتهم فىالمبحث التالى والرد عليها

المبحث الثانى
فـي بيان أن مهمة رسول الله  البيانيــة
إنما تعني الحكمة وهي السنة النبوية

زعم أعداء السنة النبوية، أن رسول الله  ، ليست له سنة ، وأن سنته الحقيقية هى القرآن الكريم فقط ، وزعموا أن القول بأن له سنة نبوية ، تشويه لسيرته، وتجعله مشرعاً0

يقول إسماعيل منصور : "إن السنة الحقة، هى سنة واحدة، سنة الله عز وجل ، وليست هناك سنة أخرى غيرها، وإنما للرسول، بيان نبوى للقرآن، نرفعه على العين والرأس ، متى ثبت تحقيقاً، لا يخالف بأى حال أحكام ومدلولات القرآن الكريم ، فنقبله كبيان فحسب ، وليس تشريعاً مستقلاً"( )0

ويقول أحمد صبحى منصور : "إن تلك الأحاديث المذكورة فى كتب التراث ليست من الوحى، الذى نزل على النبى، وليس هناك فى الإسلام حديث إلا حديث الله تعالى فى القرآن، أما تلك الأحاديث التراثية ، وأسفارها ، فلا أول لها ولا آخر، وهى تتناقض حتى فى الكتاب الواحد، وربما فى الصفحة الواحدة وتخالف القرآن مثل الرجم وحد الردة"( )0

ويقول صالح الوردانى : "وإذا ما تبين لنا أن مهمة الرسول ، هى تبليغ ما يوحى إليه من ربه، فلا يجوز للرسول أن يضيف أحكاماً فوق أحكام القرآن، فمهمته تنحصر فى تبليغ القرآن وتبيينه للناس، وتنتهى هذه المهمة بوفاته"( ) 0
ويقول أيضاً : "الروايات المنسوبة للرسول ، والتى تضيف على لسانه أحكاماً جديدة ، وتخترع أحكاماً لا وجود لها فى القرآن تضع الرسول فى دائرة المشرع"( )0

ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : سبق فى المبحث السابق تفصيل أن لرسول الله  فى رسالته مهمة ووظيفة ، زائدة على مجرد البلاغ ، وهى مهمة تبيان القرآن الكريم ، وهذه المهمة تضاربت فيها أقوال من يسمون أنفسهم "القرآنيون".
فبينما تجد بعضهم فيما سبق يجحد هذه المهمة من أصلها ، ترى هنا بعضهم يؤمن بها، وبمفهومه الخاص، القائم على إنكار أن يكون لرسول الله  فى رسالته، وحى غير متلو – السنة المطهرة0
ثانياً : إذا تقرر لك بالدليل القاطع أن لرسول الله  تبياناً للقرآن الكريم ، فاعلم أن لهذا التبيان صفة المبين، من حيث وجوب قبوله ، ووجوب العمل به ، وصلاحيته لكل زمان ومكان؛
ويستلزم هذا ضرورة أن هذا التبيان النبوى، هو الحكمة وهى السنة النبوية التى عبر عنها رسول الله  بقوله : "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه"( )0

وبناء الفعل للمجهول "أوتيت" يدل على أن الله تعالى، أعطى لرسوله ، القرآن ومثله معه، فما هو المماثل الذى تلقاه رسول الله  عن ربه ؟
يصرح القرآن الكريم بأن هذا المماثل هو "الحكمة" التى قرنها رب العزة فى كتابه مع
القرآن الكريم فى آيات عدة منها :
1- قوله تعالى : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً( ) فالآية والحديث يفيدان أن الله تعالى ، أنزل عليه ، الكتاب والحكمة ، مثل القرآن، وهى معه، آتاهما الله له 0
بل إن إحدى روايات هذا الحديث تتواءم مع الآية أكثر من هذه الرواية، ونصها : "أتانى الله
عز وجل القرآن، ومن الحكمة مثليه"( )0
2- وقال تعالى : واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من آيات الله والحكمة( ) فعطف الحكمة على آيات الله، لتندرج تحت ما أضيف إليها وهو "التلاوة" 0
وهذا يضفى على الحكمة – وهى السنة – أنها فى حجيتها، ووجوب تبليغها، كالقرآن سواء
بسواء( )0
3- وقال تعالى : لقد من الله على المؤمنين إذا بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة( ) قال الإمام الشافعى( ) : "فذكر الله الكتاب وهو القرآن ، وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول :

الحكمة( ) سنة رسول الله ، قال : وهذا يشبه ما قال ، والله أعلم ؛ لأن القرآن ذكر واتبعته الحكمة ، وذكر الله منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة ، فلم يجز – والله أعلم – أن يقال الحكمة ههنا إلا سنة رسول الله ، وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله"( ) 0
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : "الكتاب والحكمة" الكتاب والسنة( ) 0
وعن قتادة قال: والحكمة أى السنة( ) 0 ونفس القول قال به غيرهما( ) 0
وعلى هذا الفهم سلفنا الصالح من أئمة المسلمين( )0
ثالثاً : إذا تقرر أن تبيان رسول الله  للقرآن الكريم هو الحكمة ، وأن هذه الحكمة هى السنة النبوية ، وأنها متماثلة للقرآن كما قال رسول الله ، فهذا يعنى أنها مثل القرآن فى وجوب قبولها ، والعمل بها ، سواء بسواء؛ لأنها مثل القرآن وحى من عنده تعالى ، وإليك تفصيل أدلة ذلك :
أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى :
1- قال تعالى : وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى( ) فأعلمنا ربنا سبحانه وتعالى، أن رسوله ، لا ينطق عن هوى وغرض، وإنما ينطق حسبما جاءه الوحى من الله تعالى0
فكلمة "ينطق" فى لسان العرب تشتمل كل ما يخرج من الشفتين من قول أو لفظ( ) أى ما يخرج نطقه  عن رأيه، إنما هو بوحى من الله عز وجل( )0

ولقد جاءت الآيتان بأسلوب القصر عن طريق النفى والاستثناء، والفعل إذا وقع فى سياق النفى دل على العموم ،وهذا واضح فى إثبات أن كلامه  ، محصور فى كونه وحياً لا يتكلم إلا به، وليس بغيره0
2- وقال سبحانه : ثم إن علينا بيانه( ) إنه وعد قاطع بأن بيان القرآن ، سوف يتولاه الله تعالى، كما تولى إن علينا جمعه وقرآنه( ) على حد سواء، ولا معنى لهذا سوى أن يوحى إلى رسوله ، هذا البيان، بصورة ما من صور الوحى0
3- وقال عز وجل : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما( )0
4- وقال تعالى : واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به( ) إن هاتين الآيتين تفيدان – أن الله تبارك وتعالى – أنزل على رسوله شيئين : الكتاب : وهو القرآن، والحكمة : وهى سنته 0
السنة المطهرة إذن "وحى من الله تعالى" أنزلها على رسوله ، كما أنزل القرآن الكريم، سواء بسواء( ) بشهادة القرآن البينة، وهى أيضاً وحى بشهادة السنة نفسها، وإليك شواهد ذلك :
ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى :
1- قوله  : "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه" وقد سبق قريباً بيان دلالته على أن السنة وحى من الله  0
2- قوله  : لما سئل فى عام جدب : سعر لنا يا رسول الله. قال : "لا يسألنى الله عن سنة أحدثتها فيكم لم يأمرنى بها، ولكن اسألوا الله من فضله"( ) 0
إن فى الحديث دلالته الصريحة فى أنه ، لا يحدث أى سنة ، وإنما يبلغ عن الله تعالى ، ما
أمره به عز وجل. مما يدل على أن السنة المطهرة، إنما تأتيه بوحى الله سبحانه0
3- وقوله  : "رأيت ما تعمل أمتى بعدى فاخترت لهم الشفاعة يوم القيامة"( )0
4- وقوله  : "قمت على باب الجنة، فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجد( ) محبوسون، إلا أصحاب النار، فقد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء"( )0
إن هذين الحديثين ، وما فى معناهما ، مما يفيد أن الله تعالى أرى نبيه ، كذا وكذا، يأتى تأكيداً لقوله تعالى : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله( )0
فتأمل قوله تعالى : بما أراك الله وكل الأحاديث الصحيحة التى جاء فيها أن الله أطلع نبيه ، وأراه ما أراه ، تعلم أن السنة النبوية وحى من الله تعالى إلى رسول الله  0
5- حديث جبريل المشهور الذى سأل فيه النبى ، عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، والساعة، ففى نهايته قال  : يا عمر! أتدرى من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"( )0
6- عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه، قال : بينما رسول الله  يصلى بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فلما رأى ذلك القوم ، ألقوا نعالهم ، فلما قضى رسول الله  صلاته قال : "ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟ قالوا : رأيناك ألقيت نعليك ، فألقينا نعالنا ، فقال رسول الله  ، إن جبريل عليه السلام أتانى فأخبرنى أن فيها قذراً" وقال : إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى فى نعليه قذراً أو أذى فليمسحه، وليصل فيهما"( ) 0
وهكذا يراقبه الوحى، فإذا أصاب نعله شئ من النجاسة نبهه0
وبالجملة : فالأحاديث التى قالها رسول الله  ، فتحققت وفق ما أخبر، هذه يعترف العقل أنها لابد من وحى الله إليه ( ) 0
والأحاديث التى تحدث فيها عن أخبار السابقين، وهو الصادق المصدوق ناطقة بأنها من وحى الله إليه، فما الذى أعلمه أخبار الأمم السابقة، وأنبيائها، إلا الوحى من الله تعالى إليه؟( )0
والأحاديث التى تحدث فيها عن سنن الله الكونية ، وأسرار الخليقة ، كتحدثة عن تكوين الجنين فى بطن أمه ، وأنه كيف يشبه أخواله أو أعمامه ، وتحدثه عن الكثير من أسباب الصحة،
فيحذر من امتلاء البطن ، ويحث على النظافة ، هذه مما يسلم العقل أنها من وحى الله تعالى إليه ( )0
ومن أقوى الأدلة على أن السنة من وحى الله الخالق سبحانه إلى رسول الله ؛ أن السنة على كثرة أحاديثها ، وذيوعها وانتشارها ، لا يجد فيها العقلاء إلا الحق الذى يسعد البشرية فى كل ناحية من نواحى الحياة ، فى صحتها ، فى اجتماعيتها ، فى اقتصادها ، فى نسلها ، فى عقلها ، فى كل شئون حياتها0
إن أحاديث رسول الله ، منذ أن قالها إلى الآن تنهل البشرية من خيرها وصوابها، يعترف بذلك المسلمون، والمنصفون من غير المسلمين وهذا دليل قوى على أنها وحى الله سبحانه وتعالى ، إلى رسول الله  ( )0
جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى :

وإنى قد ذكرت الأدلة من كتاب ربنا  ، وسنة نبينا ، على أن السنة وحى من الله إلى رسوله ، فإنى أزيد ذلك توضيحاً ورسوخاً بإيراد أقوال بعض السلف ، بما يفيد أن السنة النبوية وحى من الله عز وجل ، إلى رسول الله 0
1- فعن حسان بن عطية( ) قال : كان جبريل ينزل على النبى  بالسنة ، كما ينزل عليه
بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن( ) 0
ونحو هذا القول روى عن الأوزعى( )0
2- وعن عبد الله بن المبارك( ) قال : كان جبريل إذا نزل بالقرآن على النبى  يأخذه كالغشوة، فيلقيه على قلبه ، فيسرى عنه وقد حفظه فيقرؤه ، وأما السنن فكان يعلمه جبريل ويشافهه بها( )0
3- وعن عمر بن عبد العزيز( ) قال فى إحدى خطبه : "يا أيها الناس، إن الله لم يبعث بعد نبيكم نبياً، ولم ينزل بعد هذا الكتاب الذى أنزله عليه كتاباً، فما أحل الله على لسان نبيه  ، فهو حلال إلى يوم القيامة ، وما حرم على لسان نبيه ، فهو حرام إلى يوم القيامة…"( )0
وقال أيضاً : "سن رسول الله  ، وولاة الأمر من بعده سنناً، الأخذ بها اتباع لكتاب الله ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد من الخلق تغييرها ، ولا تبديلها ، ولاالنظر فى شئ خالفها ، من اهتدى بها فهو المهتد ، ومن انتصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولاه ، وأصلاه جهنم ، وساءت مصيراً"( )0
فتأمل ما قاله خامس الخلفاء الراشدين على ملأ من الحاضرين لخطبته : "فما أحل الله
على لسان نبيه ، فهو حلال إلى يوم القيامة، وما حرم… الخ0
وقوله : "الأخذ بما سن رسول الله … إتباع لكتاب الله ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة
على دين الله…الخ.
تأمل ذلك تعلم عن يقين إيمان السلف جميعاً ، بأن سنة رسول الله ، وحى من عند الله
 ، واجبة الإتباع إلى يوم الدين0
وهكذا توضح الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، وأقوال السلف , أن السنة النبوية وحى من الله تعالى، إلى رسوله ، وهى صالحة لكل زمان ومكان ، وواجبة الإتباع , كالقرآن سواء بسواء 0
وعلى ذلك إجماع الأمة( ) منذ عهد نبيها ، إلى يومنا هذا ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، دون اعتبار لقول من شذ ، من المرجفين في دين الله  ، العاملين على هدم كيان السنة المطهرة ، والسيرة العطرة 0
رابعاَ : إذا تقرر لك أن لرسول الله ، سنة ، هي وحى من ربه  ، واجب قبولها وإتباعها ، فقد حان الوقت لبيان حقيقة وهدف تمسح أعداء السنة ، بإيمانهم ببيان نبوي لرسول الله  في رسالته 0

إن من يتسترون بعباءة القرآن ، ويستدلون بظاهره ، على أن مهمة الرسول الوحيدة هي تبليغ القرآن فقط ، وجدوا أنفسهم فى مأزق من القرآن الكريم ، حيث يصرح بتبيان لرسول الله  فى

رسالته زائد على مجرد البلاغ ، فاعترف بعضهم بهذا التبيان ، إلا أنهم لا يعترفون بأن هذا التبيان، المراد به الحكمة ، والتى فسرت بأنها سنة رسول الله ، وأنها بوحى من الله تعالى على ما سبق قريباً ومن هنا كان إيمانهم بهذا التبيان النبوى إيماناً كاذباً من وجهين :
الوجه الأول : أنهم يشترطون لهذا البيان النبوى أن يوافق القرآن الكريم بمفهومهم هم ، القائم على إنكار السنة المطهرة؛ بدليل أنهم ينكرون جميع أنواع بيان السنة للقرآن؛ من تأكيد السنة لما جاء فى القرآن الكريم، وتفصيل لمجمله، وتقييد لمطلقه ، وتخصيص لعامه ، وتوضيح لمشكله ، سواء كان هذا البيان فى العبادات من طهارة ، وصلاة ، وزكاة ، وحج ، أو فى المعاملات من بيع وشراء ، ورهن، وسلم… الخ أو فى الحدود من قطع ، ورجم،… الخ ، أو فى الأحوال الشخصية من نكاح ، وطلاق ، ورضاع ، وميراث. وغير ذلك( )0
وبالجملة : ينكرون جميع أنواع بيان رسول الله ، لما اشتمل عليه القرآن الكريم،
من عقائد وأحكام فى الدين والدنيا( )0
والوجه الثانى : أنهم حتى مع تظاهرهم بالإيمان بالبيان النبوى ؛ فقيمة هذا الإيمان كعدمه.

وتأمل كلام إسماعيل منصور بعد قوله السابق : "أن لرسول الله ، بيان نبوى للقرآن، نرفعه على العين والرأس ، متى ثبت تحقيقاً ، لا يخالف بأى حال، أحكام ومدلولات القرآن الكريم…الخ( ) 0
قال فى وصف قيمة هذه السنة البيانية : "إنها للاستئناس لا للاستدلال ، وللبيان لا للإثبات ، الأمر الذى يجعل الآخذين بها والرافضين لها ، أمام الشرع على حد سواء. فلا إلزام لأى طرف منهما على قبول رأى الآخر، فالأخذ بها فعله مقبول، والرافض لها فعله مقبول كذلك"( )0
قلت : فإذا كان هذا البيان لكتاب الله ، الآخذ به والرافض له سواء! فأى قيمة لهذا البيان، حتى لو اعترفوا بأن هذا البيان هو السنة ؟!0

وتأمل أيضاً ما قاله عبد العزيز الخولى : "وأما ما ورد فى السنة من أحكام ، فإن كان مخالفاً لظاهر القرآن ، فالقرآن مقدم عليه ، ويعتبر ذلك طعناً فى الحديث من جهة متنه ولفظه، وإن صح سنده ، فإن الحديث لا يكون حجة إلا إذا سلم سنده ومتنه من الطعن ، ولذلك أجاز بعض المسلمين( ) نكاح المرأة على عمتها أو خالتها… إلى أن قال: "وإن كل ما فى السنة لا يخالف ظاهر القرآن، فهو اجتهاد من الرسول ، يرجع إلى أصل قرآنى عرفه الرسول ، وجهلناه نحن أو عرفناه"( ) 0
فتأمل قوله فى البيان النبوى : "وجهلناه نحن أو عرفناه" إذ العبرة عنده فى أول الأمر وآخره، هى : ظاهر القرآن، سواء عرف السنة البيانية أم جهلها ، فهى فى حالة معرفته بها، لم تضف جديداً ، وفى هذه الحالة العبرة بالقرآن، وفى حالة استقلالها بتشريع أحكام جديدة ، تكون السنة مخالفة لظاهر القرآن؛ فلا حجة فيها. هكذا حال لسانه!
ولا أدرى من أين فهموا قيمة هذا البيان النبوى للقرآن الكريم ؟
حيث أن آيات القرآن الكريم السابق ذكرها ، والتى تسند مهمة البيان، تصرح بأن هذا البيان وحى من الله عز وجل : ثم إن علينا بيانه( ) إن أنزلنا إليك الكتاب بالحق
لتحكم بين الناس بما أراك الله( ) وغير ذلك من الآيات( )0

فهل فى الإسلام، وحى واجب الإتباع؛ ووحى الآخذ به ، فعله مقبول والرافض له ، فعله مقبول أيضاً؟!!0

وإذا كان هذا البيان النبوى يحل مشاكل الإختلاف التى يمكن أن تحدث بين العباد ، فى فهم وتطبيق ، المراد من مجمل القرآن ، وعامة ، ومطلقة ، ومشكلة… الخ كما صرح بذلك القرآن الكريم فى قوله تعالى : وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون( )0

فهل يعقل أو يقبل بعد ذلك أن يكون هذا البيان النبوى غير ملزم ؛ ولا واجب الإتباع ؟!
وما فائدة تنويه القرآن إلى هذا البيان النبوى حينئذ ؟! وما قيمة المبين (القرآن) مع عدم حجية البيان (السنة) ؟ ! 0
إن البيان النبوى (السنة المطهرة) متى صح تكون منزلته ، ومنزلة القرآن ، سواء بسواء فى حجيته ، ووجوب العمل به ؛ وعلى هذا انعقد إجماع من يعتد به من علماء الأمة قديماً وحديثاً( )0

خامساً : زعم بعضهم أن ما استقلت به السنة المطهرة من أحكام ، مرفوض بحجة مخالفته للقرآن الكريم ، وفيه تشويه لسيرة رسول الله  بجعله مشرعاً( ) ويضربون أمثلة بحد المحصن "الرجم" وحد الردة "القتل"0

وهذه المزاعم يجاب عنها بما يلى :
أ‌- يتفق العلماء أجمع على وجود أحكام ، لم ترد فى القرآن ، لا نصاً ولا صراحة ، ولكنهم يختلفون خلافاً لفظيا ً، حول تسمية تلك الأحكام الواردة فى السنة.

فالجمهور من العلماء يقولون: إن هذا هو الاستقلال فى التشريع بعينه ؛ لأنه إثبات لأحكام لم
ترد فى القرآن ، وأن هذه الأحكام واجبة الإتباع ، عملاً بعشرات الآيات التى تأمر بطاعة
رسول الله ، واتباعه ، وتحذر من مخالفته 0
وهذه الآيات جميعها( ) تستلزم أن تكون هناك أمور من الدين تأتى بها السنة ، وهى حجة ،
وإلا فلا معنى للأمر بطاعته 0
أما الإمام الشاطبى( ) ومن نحا نحوه : فإنهم مع إقرارهم بوجود أحكام لم ترد فى القرآن إلا أنهم يقولون : إنها ليست زيادة على شئ ليس فى القرآن، وإنما هى زيادة الشرح ، المستنبط من المشروح بإلهام إلهي , ووحي رباني , وتأييد سماوي 0
وبعبارة أخري : هي داخلة تحت أي نوع من أنواع السنة البيانية , أوداخلة تحت قاعدة
من قواعد القرآن الكريم 0
وأنت ترى هنا أن الخلاف بين العلماء فى الأحكام الجديدة الواردة فى السنة المطهرة، الخلاف بينهم لفظى ، فالكل يعترف بوجود أحكام فى السنة المطهرة ، لم تثبت فى القرآن الكريم، ولكن بعضهم لا يسمى ذلك استقلالاً ، والبعض الآخر يسميه. والنتيجة واحدة ؛ وهى حجية تلك الأحكام الزائدة ، ووجوب العمل بها0
ب‌- ليس فى الأحكام الزائدة على كتاب الله عز وجل ، ما يشوه سيرة رسول الله  ، بجعله
مشرعاً ؛ كما يزعم أعداء السنة المطهرة !
لأن الله تعالى قد جعل من جملة صفات رسوله ، ومن مهامه الكبار، أنه يحلل ويحرم،
وهكذا جاء وصفه  فى الكتب السماوية السابقة ، وهو عليه الصلاة والسلام ، لا يشرع
من عند نفسه، إنما يشرع حسب ما يريه الله تعالى ويوحيه إليه، لأنه لا ينطق عن الهوى 0
وتأمل قوله تعالى : الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون( )0
فقوله تعالى : "يحل، يحرم، يضع" هذه من خصائص المشرع الحقيقى ، ولكنه ، لا يفعل من عند نفسه كما قلت ، إنما يوحى الله تعالى إليه. فأطايب اللحم ، كان محرماً على بنى إسرائيل : إلا ما حرم إسرائيل على نفسه( ) فقد أباحه النبى  ، كلحم الإبل ، وشحم البقر، والغنم، على التفصيل المذكور فى قوله تعالى : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون( )0
وقوله تعالى : ويحرم عليهم الخبائث كالميتة، والخنزير، والخمر، والربا… الخ وقوله تعالى : ويضع عنهم إصرهم أى ثقلهم والأغلال أى القيود التى كانت عليهم، كوجوب قتل النفس فى التوبة ، بينما فى ديننا هو الاستغفار والندم ، وغسل النجاسة بالماء ، بينما
كانت تقرض بالمقراض، فهذا كله تخفيف من الله تعالى ورحمة، أوحى به إلى نبيه ، وعلينا السمع والطاعة والامتثال0
وبالجملة : إذا قيل إن رسول الله  ، له حق التشريع ، فمرد هذا التشريع عند من يقول بذلك إلى الله عز وجل .
لأن ما يصدر عن رسول الله  فى تبيانه لكتاب الله ، لا يخلو عن أن يكون هذا البيان النبوى – حتى ولو كان بأحكام زائدة – أوحى الله تعالى بمعناه إلى رسوله ، وعبر عنه رسول الله، بألفاظ من عنده ، وهذا هو الأعم الأغلب فى السنة النبوية ، فيجب قبوله ، لما تقرر من عصمته  فى بلاغه لوحى الله تعالى – قرآناً وسنة – 0

وإما أن يقول رسول الله تبياناً أو حكماً باجتهاده مما يعلم أنه من شرع الله تعالى ، فإن وافق قوله أو فعله أو حكمه مراد الله  ، فالأمر كما أخبر به عليه الصلاة والسلام. وإن كان الأمر يحتاج إلى تصحيح أو توضيح ؛ أوحى الله تعالى إلى نبيه بالتصحيح. وهذا هو الأقل النادر فى السنة النبوية0
وبهذا التصحيح تصبح السنة فى هذه الحالة ؛ حكم الله فى النهاية ، حجة على العباد إلى يوم الدين ، وتجب طاعة رسول الله . فى هذه السنة ، بيانية كانت ، أو زائدة على كتاب الله . يدل على ذلك عشرات الآيات القرآنية التى تحض على طاعته  وتحذر من مخالفته0
وإذا كان أعداء السنة المطهرة، والسيرة العطرة ، ينكرون ذلك. ويزعمون أن طاعته  تنحصر في القرآن فقط0
فإلى بيان شبهتهم في المبحث التالي والرد عليها
رد مع اقتباس