عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2008-07-27, 11:14 PM
جهاد جهاد غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2008-07-27
المشاركات: 18
افتراضي

وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل تقاوم هذه الأسطورةُ الروايةَ الأولى علميا؟ وهل هي رواية متواترة؟ أم هي خبر آحاد؟ أو إشاعة سخيفة؟ وهل هي مسندة بشكل متصل؟ أم مقطوعة ومرسلة وغامضة ومتناقضة ومجهولة؟ وهل هي قديمة ومعروفة في الأجيال الأولى؟ أم نظرية حادثة في العصور المتأخرة؟





يقول ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): "اختلفت الروايات في قصة السقيفة، فالذي تقوله الشيعة - وقد قال قوم من المحدثين بعضه ورووا كثيراً منه - أن علياً عليه السلام امتنع من البيعة حتى أخرج كرهاً، وأن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال: لا أبايع إلا علياً عليه السلام، وكذلك أبو سفيان بن حرب، وخالد ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، والعباس بن عبد المطلب وبنوه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وجميع بني هاشم. وقالوا : إن الزبير شهر سيفه، فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم، قال في جملة ما قال: خذوا سيف هذا فاضربوا به
الحجر. ويقال: إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجراً فكسره، وساقهم كلهم بين يديه إلى أبي بكر، فحملهم على بيعته ولم يتخلف إلا علي عليه السلام وحده، فإنه اعتصم ببيت فاطمة عليها السلام، فتحاموا إخراجه منه قسراً، وقامت فاطمة عليها السلام إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه، فتفرقوا وعلموا أنه بمفرده لا يضر شيئاً، فتركوه.



وقيل: إنهم أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر فبايعه. وقد روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري كثيراً من هذا.(11)



فأما حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة، وقول من قال إنهم أخذوا علياً عليه السلام يقاد بعمامته والناس حوله؛ فأمر بعيد والشيعة تنفرد به، على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه، وسنذكر ذلك. (12)



الروايات السنية



وما أشار اليه ابن أبي الحديد، ورد في خبرٍ في مصنف ابن أبي شيبة ( توفي سنة 235) الذي نقله عن محمد بن بشر (بن الفرافصة العبدي، توفي سنة 203) حدثنا عبيد الله بن عمر (بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، المعاصر لمالك بن أنس) حدثنا زيد بن أسلم (العدوي، توفي سنة 136) (13) عن أبيه أسلم (مولى عمر بن الخطاب، توفي بين سنة 60 – 70 هـ) : أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم .



فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : " يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت ".



قال : فلما خرج عمر جاءوها فقالت : تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فَروا رأيكم ولا ترجعوا إلي، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر". (14)



وبغض النظر عن قيمة الرواية والكتاب العلمية، فان هذه الرواية تتحدث فقط عن التهديد بحرق البيت (15) مع إعراب عمر عن محبته للزهراء، وانصراف علي والزبير ومبايعتهما لأبي بكر، ولكن رواية أخرى ينقلها أحمد بن عبد العزيز الجوهري فيما بعد (في القرن الرابع الهجري)، تتحدث عن مجيء عمر في عصابة وصياح الزهراء ومناشدتها لهم، وإخراج علي والزبير بالقوة من البيت للبيعة. (16)



فيما تضيف رواية ثالثة ينقلها الجوهري أيضا:" أنهم اجتمعوا على أن يبايعوا علياً عليه السلام، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة عليها السلام تبكي وتصيح" رغم أنها تعود فتناقض نفسها وتقول على لسان الامام علي ومن اجتمع عنده:"ليس عندنا معصية، ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس؛ وإنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد. ثم بايعوا أبا بكر، فاستمر الأمر واطمأن الناس". (17)



وفي رواية رابعة مقطوعة السند (18) ينقلها الجوهري ، تتحدث عن عزم الزبير على بيعة علي في مواجهة أبي بكر، وذهاب عمر مع خالد بن الوليد الى بيت علي، وأخذ السيف من الزبير وتكسيره بالحجر، ثم الأخذ بيده ودفعه وإخراج علي معه، وقيام فاطمة على باب الحجرة ومخاطبة أبي بكر:" يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله". (19)



وكل هذه الروايات لا نستطيع التأكد من صحتها، لأن ابن أبي الحديد ينقلها في القرن السابع الهجري عن الجوهري، الذي توفي القرن الرابع ، عن كتابه (السقيفة وفدك) المفقود، الذي ينقل الروايات من دون سند متصل، رغم توثيق ابن أبي الحديد له. (20)

وبالتالي لا يمكن الاعتماد على أية رواية منها. لأن الوجدان في الكتب من أضعف طرق الرواية، خاصة اذا كانت قديمة وعرضة للتلاعب والتزوير.



ونشاهد مثل هذا التخبط لدى مؤرخ آخر هو البلاذري في (أنساب الأشراف) حيث ينقل مجموعة روايات متناقضة، ولكها بلا سند متصل، فيشير في الرواية الأولى التي ينقلها عن (أحمد بن محمد أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري) الى اعتزال علي وطلحة والزبير في بيت فاطمة، دون أي استخدام للعنف معهم. (21)



ويؤكد هذا المعنى في الرواية الثانية التي ينقلها عن (هدبة بن خالد،حدثنا حماد بن سلمة، أنبأ الجريري، عن أبي نضرة) والتي يقول فيها ان عليا والزبير فتحا الباب لعمر وخرجا معه طائعين وبايعا أبا بكر. (22)



كما يؤكده في الرواية الثالثة التي ينقلها عن المدائني، عن عبد الله بن جعفر، عن أبي عون، ولكنه يذكر أن البيعة تمت بعد ارتداد العرب، وأنها تمت بشكل سلمي وودي، حيث يقول:"لما ارتدت العرب، مشى عثمان إلى عليّ. فقال: يا بن عم، إنه لا يخرج أحد إلى هذا العدو، وأنت لم تبايع. فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر. فقام أبو بكر إليه، فاعتنقا، وبكى كل واحد إلى صاحبه. فبايعه فسرّ المسلمون، وجدّ الناس في القتال، وقطعت البعوث". (23)



ولكن البلاذري يشير في رواية رابعة ينقلها عن (بكر بن الهيثم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس) الى أمر أبي بكر لعمر بالإتيان بعلي اليه " بأعنف العنف" قبل أن يبايع. (24) دون أن يذكر تفاصيل عملية الجلب وما حدث خلالها من عنف.



ثم يشير البلاذري في رواية خامسة ينقلها عن (المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمي، وعن ابن عون) الى " أن أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة، فلم يبايع. فجاء عمر، ومعه قبس فتلقته فاطمةُ على الباب، فقالت فاطمة: يا بن الخطاب، أتراك محرّقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. وجاء علي، فبايع وقال: كنتُ عزمتُ أن لا أخرج من منزلي حتى أجمع القرآن". (25)



وبغض النظر عن انقطاع السند في كل روايات البلاذري الآنفة، توجد ملاحظة على شخصيته "الانتهازية" إذ ينقل عنه أنه كان يمدح المأمون ثم كان من ندماء المتوكل، كما يقول ابن عساكر وياقوت الحموي، ويقال أنه وسوس في آخر أيامه ومات في البيمارستان. وأما المؤرخ البصري علي بن محمد أبو الحسن المدائني (توفي سنة 224) الذي نقل البلاذري عنه الرواية الأخيرة، فانه ليس بالقوي في الحديث، كما يقول ابن عدي في (الكامل). ولم يذكره ابن حبان في الثقات، إضافة الى أنه قلّما يذكر رواية مسندة.

يتبع >>>>
رد مع اقتباس