أنصار السنة  
جديد المواضيع



للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 محاسب قانوني   Online quran classes for kids 
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك


العودة   أنصار السنة > القسم العام > حوارات عامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2013-01-23, 06:13 AM
محمود مديو محمود مديو غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-12-20
المشاركات: 0
افتراضي عزل الإمام علي للولاة الذين عينهم عثمان

عزل الإمام علي للولاة الذين عينهم عثمان:
بعد أن تمت البيعة له بالخلافة كان عليه أن يواجه المواقف الصعبة التي نتجت عن استشهاد أمير المؤمنين عثمان بكل تعقيداتها، وكانت أول خطوة خطاها بعد البيعة أنه أقدم على عزل الولاة الذين ولاهم عثمان مثل أبي موسى الأشعري أمير الكوفة، وعبد الله بن عامر بن قريظ الوالي على البصرة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح أخي عثمان من الرضاعة وكان أميرًا على مصر، وخالد بن أبي العاص أمير مكة، ومعاوية بن أبي سفيان الوالي على بلاد الشام، ويعلى بن أمية الوالي على اليمن.
وقد رأى علي أن الأمور لن تستقيم إلا بعزل هؤلاء الولاة، وأدرك أن من الأسباب الرئيسية للفتنة عدم رضا مجموعة من الناس عن الولاة الذين عينهم عثمان وهنا لا بد من التأكيد على أن عليًّا لم يعزل هؤلاء الولاة لعجزهم وظلمهم، كما أشاع عنهم رؤساء الفتنة الذين سعوا في قتل الخليفة عثمان.
والحق أننا إذا ما تعرفنا على سيرة الولاة الذين ولاهم عثمان، فسوف ندرك أنهم كانوا من خيرة الرجال كفاءة وعدلًا، وقدرة على إدارة شئون ولاياتهم، ولم يكن عند واحد منهم ما يقدح في دينه، أو في أمانته في خدمة الإسلام، وقد فتح الله تعالى على أيديهم الكثير من البلدان، وقاموا بدور الجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام، وصاروا في الرعية سيرة العدل والإحسان، وبذلوا الجهد في توفير الأمن والاستقرار في بلادهم، والتوسعة على الناس في أرزاقهم، وكان منهم من تقلد مهام الولاية قبل ذلك في عهد الصديق أبي بكر وفي عهد الفاروق عمر بن الخطاب
وأما الولاة الجدد الذين عينهم علي وكانوا أيضًا من خيرة الرجال وأفاضلهم، ولا يقلون كفاءة ودينًا وخبرة عن الولاة المعزولين، فهم:
عبيد الله بن عباس على اليمن، بدلًا من يعلى بن أمية، وعثمان بن حنيف على البصرة، بدلًا من عبد الله بن عامر بن قريظ، وعمارة بن شهاب على الكوفة، بدلًا من أبي موسى الأشعري، وقيس بن سعد بن عبادة على مصر، بدلًا من عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وسهل بن حنيف على الشام، بدلًا من معاوية بن أبي سفيان.
ولقد استطاع ثلاثة من هؤلاء الولاة الجدد الوصول إلى ولاياتهم، ومباشرة أعمالهم دون مشاكل، وهم: عثمان بن حنيف الذي وصل إلى البصرة، بعد أن تركها عبد الله بن عامر ذاهبًا إلى مكة، والثاني عبيد الله بن عباس أخو عبد الله بن عباس، عبيد الله الذي وصل إلى اليمن بعد أن تركها يعلى بن أمية، ووصل قيس بن سعد بن عبادة إلى مصر، وكان ابن أبي سرح الوالي عليها في زمن عثمان قد غادرها قبل مقتل عثمان، فلم يعد إليها واعتزل الفتنة، فسيطر عليها محمد بن أبي حذيفة، وهو من الذين اشتركوا في إثارة الفتنة على عثمان هذا يعني أن قيس بن سعد لم يتمكن من حكم مصر.
أما عمارة بن شهاب الوالي الجديد على الكوفة فلم يتمكن منها أيضًا؛ لأن أهلها تمسكوا بأبي موسى الأشعري فقبل علي منهم ذلك، وأقر أبا موسى على ولاية الكوفة، وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم له. وكذلك لم يستطع سهل بن حنيف دخول الشام، فقد منعه جند معاوية من ذلك.
وكان كل من عبد الله بن عباس والمغيرة بن شعبة قد أشارا على علي بن أبي طالب بالإبقاء على الولاة الذين عينهم عثمان، إلى أن تستقر الأحوال ويعود الأمن والاستقرار، لكن عليًّا رفض هذه المشورة، ثم اقترح ابن عباس أن يقر معاوية خصوصًا على ولاية الشام، وقال له: "إني أخشى إن عزلته عنها أن يطلبك بدم عثمان، ولا آمن من طلحة والزبير أن يتكلما عليك بسبب ذلك". هذه مشورة ابن عباس على علي، أنه إن عزل فلا يعزل معاوية على وجه الخصوص.
إن هذا الاقتراح الذي أشار به ابن عباس اقتراح وجيه وجيد، فمعاوية لم يكن موضع شكوى من أحد من رعيته أهل الشام، ولم يشترك أحد منهم في الفتنة ضد عثمان ولا سعى أحد منهم في قتله، فإذا أبقى علي معاوية في ولايته لا يلومه أحد، وكان ابن عباس من ناحية أخرى يعرف أن معاوية لن يذعن لقرار العزل وسيبقى في ولايته، لكن عليًّا لم يقبل ذلك وتمسك برأيه، وعزم على عزل جميع الولاة بما فيهم معاوية، واستعمل حقه كخليفة مسئول طبقًا لاجتهاده؛ لما يراه محققًا لمصلحة الأمة، وبدأ في تعيين ولاة جدد كما ذكرنا.
ويرى البعض أن ما قام به أمير المؤمنين علي من تعيين ولاة جدد هو أدعى إلى بيعة الناس في تلك البلاد البعيدة، وليجدد بهم عهد الفتوحات، وليفسح المجال أمام العبقريات الجديدة أن تنطلق، وتخدم دين الإسلام، وكان علي يمتلك موهبة قيادية، ومعرفة بالأوضاع القائمة، وإنه عزل ولاة عثمان ليختار غيرهم حسبما يراه هو ملائمًا لتحقيق الانسجام الإداري والسياسي بين الخليفة وأعوانه.
ومن الملاحظ أن الإمام عليًّا لم يعامل الشام كما عامل الكوفة، لم يسوِّ في المعاملة بين الشام والكوفة كيف ذلك؟
فبينما وافق على إبقاء أبي موسى واليًا على الكوفة بناءً على رغبة أهلها، فقد رفض إقرار معاوية في ولاية الشام، مع أن تمسك الشام بمعاوية كان أشد من تمسك أهل الكوفة بأبي موسى الأشعري.
وهنا يجب أن نتذكر نصيحة حبر الأمة عبد الله بن عباس لعلي بإبقاء معاوية في ولايته؛ لأنه كان يمثل قوة كبيرة، وأغلب الظن أنه إذا فعل ذلك –يعني: إذا أبقى علي على معاوية ولم يعزله- لكان من الممكن أن تتفادى الأمة كثيرًا من الحوادث والعقبات التي شغلت بها، وأعاقتها عن مواصلة مسيرها زمنًا طويلًا، لكنها إرادة الله وقضاؤه.
ويعلق ابن تيمية -رحمه الله- على موقف الإمام علي من عزله معاوية فيقول: "فليت عليًّا تألف معاوية وأمره على الشام وحقن الدماء".
وقال ابن تيمية أيضًا: "كان معاوية خيرًا من كثير ممن استنابه علي، فلم يستحق أن يعزل ويولى من هو دونه في السياسة".
قال: "فإن عليًّا استناب زياد بن أبيه، الذي كان يقال عنه: زياد بن أبي سفيان، وهو أقل من معاوية فضلًا ومنزلة، وقد أشاروا على علي بتولية معاوية وقالوا له: يا أمير المؤمنين توليه شهرًا واعزله دهرًا، يعني: ولِّه مدة ثم إذا أردت أن تعزله فاعزله بعد ذلك.
قال: ولا ريب أن هذا كان هو المصلحة، يعني: لا شك في أن تولية معاوية كان فيه المصلحة. قال: إما لاستحقاقه وإما لتأليفه واستعطافه، يعني: إما لأن معاوية يستحق فعلًا أن يولى على الشام لفضله ومنزلته، وإما تأليفًا لقلبه حتى تهدأ الفتنة وتستقر الأوضاع.
ثم قال شيخ الإسلام: فقد كان رسول الله أفضل من علي وولى أبا سفيان، ومعاوية خير منه، يعني: خير من أبي سفيان، فولى من هو خير من علي وهو رسول الله، مَن هو دون معاوية وهو أبو سفيان".
فابن تيمية يستشهد على ما يقول بأن رسول الله استعان في بعض أعماله وولاياته بمن هو أقل منزلة وفضلًا، فكذلك علي كان بإمكانه أن يستعين بمعاوية مع أن معاوية أفضل من أبيه أبي سفيان، ومن ناحية أخرى كان من المأمول أن يستجيب معاوية لقرار العزل، ويتأسى في ذلك بسعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد { عندما عزلهما عمر بن الخطاب فقبلا وآثرا مصلحة الأمة على نفسيهما، لكن معاوية لم يفعل ورفض البيعة لعلي بالخلافة إلا أن يقيم القصاص أولًا على قتلة عثمان.
فلما أتى الوفد إلى علي وكلموه بكلام معاوية قال علي: "يدخل في البيعة ويحاكمهم إليّ" يعني: عليه أن يدخل في الطاعة والجماعة أولًا ويعطيني البيعة بالخلافة، كما أعطانيها المهاجرون والأنصار من الصحابة، ثم بعد ذلك ننظر في هذه القضية ويحاكم القتلة إليّ، وتأخذ صورتها الشرعية في القضاء.
لقد امتنع معاوية وأهل الشام عن البيعة لعلي، ورأوا أن يقتص علي أولًا من القتلة، ثم يدخل في البيعة وقالوا: لا نبايع من يؤوي القتلة، وعلي في حقيقة الأمر لم يؤوِ القتلة ولم يلق عليهم حمايته أبدًا، وصحيح أن هؤلاء كانوا في جيش عليّ، لكن لم يتمكن علي منهم بسبب أن الفتنة لا تزال قائمة، ويحتاج إلى شيء من الوقت حتى يعود الأمن والاستقرار إلى الدولة، هؤلاء رأوا أن البيعة لعلي لا تجب عليهم، وأنهم إذا قوتلوا على ذلك كانوا مظلومين، هذه عقيدة أهل الشام، وكان معاوية يرى أن عليه مسئولية الانتصار لعثمان والقود من قاتليه، والله يقول: { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } [الإسراء: 33].
كان معاوية يستشهد ويستدل بهذه الآية، ويعتبر نفسه وليًّا لعثمان وليًّا للدم، وعثمان كان من بني أمية ومعاوية أيضًا من بني أمية، لذلك جمع معاوية الناس وخطبهم بشأن عثمان، وبين لهم أنه قتل مظلومًا على يد سفهاء منافقين، لم يقدروا الدم الحرام؛ إذ سفكوه في الشهر الحرام وفي البلد الحرام، فثار الناس واستنكروا، وأيدوا معاوية في دعواه وفي موقفه.
ومن هنا يتبين أن الحرص على تنفيذ حكم الله في القتلة -يعني تنفيذ القصاص- هو السبب الرئيسي في رفض أهل الشام -بقيادة معاوية- البيعة لعلي، ورأوا أن تنفيذ حكم القصاص مقدم على البيعة، والحق أن علي بن أبي طالب لم يكن أقل من غيره حرصًا على إقامة الحد على قتلة عثمان، وأنه لن يقصر في إقامة الحد على قاتل أبدًا، فضلًا عمن قتلوا الخليفة، يعني: هو لا يقصر في إقامة حد على قاتل عادي، فما بالك إذا كان المقتول هو خليفة المسلمين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وذو النورين عثمان.
لكن الموقف الذي هم فيه حينئذ لا يمكنه من ذلك، فإذا كان الذين نفذوا القتل في عثمان عددًا محدودًا، قيل: هم الغافقي بن حرب زعيم ثوار مصر، ومعه سودان بن حمران، وكنانة بن بشر التجيبي، إذا كان الذين نفذوا القتل في عثمان عددًا محدودًا كما ذكرنا بعض أسمائهم، إلا أن وراءهم عشرة آلاف من الثوار، الذين ضللوهم وأقنعوهم بسلامة موقفهم، ومن ثم فهم مستعدون للدفاع عنهم، يعني: هؤلاء الآلاف العشرة مستعدون للدفاع عن هؤلاء القتلة، ولذلك كانوا عندما يسمعون قائلًا يقول: من قتل عثمان؟ كان العشرة آلاف يصيحون في صوت واحد: نحن جميعًا قتلناه، ومن هنا كان رأي علي واجتهاده الصبر والتريث والتمهل، ريثما تهدأ الأوضاع، ويعود الناس إلى بلادهم، وعندئذ يمكن التحقيق في الأمر، وإقامة الحد على القتلة الحقيقيين.
وقد عبر الإمام علي عن موقفه هذا عندما دخل عليه جماعة من رءوس الصحابة بعد إتمام البيعة له، فيهم طلحة والزبير، وطلبوا منه إقامة الحدود والأخذ بدم عثمان، فاعتذر إليهم بأن هؤلاء لهم مدد وأعوان، وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا وقال لهم: يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم، ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم، يعني: انضافوا وانضموا إليهم، وهم خلالكم، يعني: يعيشون بينكم، لا يزالون يعيشون بينكم يسومونكم ما شاءوا، يعني: يسيطرون عليكم، فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا. قال: فلا والله أرى إلا رأيًا ترونه أبدًا إلا أن يشاء الله".
إذًا الصحابة وافقوا عليًّا على تفهمه لهذا الموقف وعلى تحليله له، وقد فسر ابن تيمية موقف علي بن أبي طالب ومعاوية في قضية القصاص بقوله: "لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكنًا من قتل قتلة عثمان إلا بفتنة تزيد الأمر شرًّا وبلاء، ودفع أفسد المفسدتين بالتزام أدناهما أولى من العكس".
وهذه قاعدة مهمة جدًّا يذكرها ابن تيمية في كلامه هذا، وحلل بها موقف علي ، وهنا نتساءل: أين المفسدتان في هذا الموقف؟
المفسدة الأولى: تأجيل حد القصاص، نعم كان ينبغي في ظروف غير هذه الإسراع في إقامة الحد، لكن رأى علي تأجيله، فهذه مفسدة، تأجيل الحد مفسدة لكنها هي المفسدة الأقل.
المفسدة الثانية: أنه لو عجل بإقامة حد القصاص فسوف يترتب على ذلك شر وبلاء عظيم، ويزداد عدد القتلى، وتتسع دائرة الفتنة، وهذا الذي حدث بالفعل، وهذه هي المفسدة الأكبر.
لأنهم –أي: الثوار الذين احتلوا المدينة وقتلوا عثمان- كانوا عسكرًا، يعني: كانوا في عدد كبير، وكان لهم قبائل تغضب لهم، يعني: تحاميهم وتدافع عنهم، والمباشر منهم للقتل، يعني: الذين نفذوا جريمة القتل وإن كانوا عددًا قليلًا، كان ردؤهم أهل الشوكة، يعني: لكن هناك من كان يحميهم ويساندهم من أهل السلاح والشوكة.
يقول: "ولولا ذلك لم يتمكنوا، ولولا الحماية التي كانت عليهم لم يتمكنوا من قتل عثمان. يقول: ولما صار طلحة والزبير إلى البصرة ليقتلوا قتلة عثمان، قام بسبب ذلك حرب قتل فيها خلق كثير" وهي حرب الجمل التي سوف نتحدث عنها قريبًا. هذا من المفاسد التي ترتبت على الإسراع في تنفيذ حكم القصاص.
يقول شيخ الإسلام مكملًا كلامه يقول: "ومما يبين ذلك أن معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي، يعني: بويع معاوية بالخلافة بعد مقتل علي، وصار أميرًا على جميع المسلمين، ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بقوا، يعني: على قيد الحياة، فإن كان قتلهم واجبًا وهو مقدور له كان فعله بدون قتال المسلمين أولى من أن يقاتل عليًّا وأصحابه لأجل ذلك.
ولو قتل معاوية قتلة عثمان لم يقع من الفتنة أكثر مما وقع ليالي صفين، وإن كان معاوية معذورًا في كونه بعد أن صار خليفة لم يقتل قتلة عثمان؛ إما لعجزه عن ذلك، أو لما يفضي إليه ذلك من الفتنة وتفريق الكلمة، وضعف السلطان، فعلي أولى أن يكون معذورًا أكثر من معاوية".
وهذا دليل عقلي يستدل به شيخ الإسلام.
يقول أخيرًا: "إذ كانت الفتنة وتفريق الكلمة وضعف سلطانه بقتل القتلة، لو سعى في ذلك أشد" يعني: لو فعل علي وأسرع في إقامة حد القصاص، لترتب على ذلك فتنة وتفرقت كلمة المسلمين، واتسع الشر واتسعت دائرة الفتنة. انتهى كلام شيخ الإسلام.
هذا ما كان يراه علي بن أبي طالب ، لقد كان موافقًا من حيث المبدأ على وجوب إقامة القصاص من قتلة عثمان، لكنه رأى أن يرجئ القصاص من هؤلاء إلى حين أن تستقر الأوضاع، وأن تهدأ الأمور وأن تجتمع الكلمة، وبناءً على هذا فإن الاختلاف الذي وقع بين علي ومعاوية لم يكن في أصل المسألة، وإنما كان في الطريقة، يعني: لم يكن في أصل إقامة الحد، فالجميع متفقون سواء علي أو معاوية ومن كان معهما من الصحابة، وحتى الذين اعتزلوا هذه الفتنة، كلهم متفقون على أن حد القصاص لا بد أن يقام على قتلة عثمان، إذًا لم يكن الخلاف في أصل المسألة إنما كان في الطريقة التي تعالج بها هذه القضية، وسوف نعرف من منهما كان على الحق ومن منهما كان مخطئًا، حينما ننتهي من ذكر الأحداث إن شاء الله.
وقد بدأ علي في مراسلة معاوية مرة بعد مرة، يدعوه إلى البيعة والدخول في الجماعة، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى نتيجة، وبقي معاوية على مطالبته بالقصاص من قتلة عثمان، أو تسليمهم إليه باعتباره ولي دم عثمان قبل النظر في البيعة، وقبل أن يعطي البيعة لعلي، وقد سانده في ذلك سبعون ألفًا من أهل الشام، كلهم يبكون تحت قميص عثمان المعلق على منبر المسجد الجامع بدمشق، وعندئذ عزم علي بن أبي طالب على قتال معاوية، واعتبره من البغاة الذين خرجوا على طاعة الخليفة.
فأعد العدة وجهز جيشه ليسير به إلى الشام لقتال الفئة الباغية، وقد نصحه كثير بعدم اللجوء للحرب لأن عواقبها وخيمة، ومنهم ابنه الحسن الذي قال له: "يا أبت، دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين، ووقوع الاختلاف بينهم". لكن عليًّا لم يقبل ذلك، وصمم على القتال، وبينما هو يستعد لذلك جاءته أخبار أخرى مفزعة لم تكن في حسبانه، تخبره بمسير السيدة عائشة في جماعة من الناس فيهم طلحة والزبير { من مكة إلى المدينة يبحثون عن قتلة عثمان، فتوجه إليهم علي بجيشه وتطورت الأحداث إلى وقوع

القتال فيما يعرف بمعركة الجمل


http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=6977
عزل الإمام علي للولاة الذين عينهم عثمان:
بعد أن تمت البيعة له بالخلافة كان عليه أن يواجه المواقف الصعبة التي نتجت عن استشهاد أمير المؤمنين عثمان بكل تعقيداتها، وكانت أول خطوة خطاها بعد البيعة أنه أقدم على عزل الولاة الذين ولاهم عثمان مثل أبي موسى الأشعري أمير الكوفة، وعبد الله بن عامر بن قريظ الوالي على البصرة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح أخي عثمان من الرضاعة وكان أميرًا على مصر، وخالد بن أبي العاص أمير مكة، ومعاوية بن أبي سفيان الوالي على بلاد الشام، ويعلى بن أمية الوالي على اليمن.
وقد رأى علي أن الأمور لن تستقيم إلا بعزل هؤلاء الولاة، وأدرك أن من الأسباب الرئيسية للفتنة عدم رضا مجموعة من الناس عن الولاة الذين عينهم عثمان وهنا لا بد من التأكيد على أن عليًّا لم يعزل هؤلاء الولاة لعجزهم وظلمهم، كما أشاع عنهم رؤساء الفتنة الذين سعوا في قتل الخليفة عثمان.
والحق أننا إذا ما تعرفنا على سيرة الولاة الذين ولاهم عثمان، فسوف ندرك أنهم كانوا من خيرة الرجال كفاءة وعدلًا، وقدرة على إدارة شئون ولاياتهم، ولم يكن عند واحد منهم ما يقدح في دينه، أو في أمانته في خدمة الإسلام، وقد فتح الله تعالى على أيديهم الكثير من البلدان، وقاموا بدور الجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام، وصاروا في الرعية سيرة العدل والإحسان، وبذلوا الجهد في توفير الأمن والاستقرار في بلادهم، والتوسعة على الناس في أرزاقهم، وكان منهم من تقلد مهام الولاية قبل ذلك في عهد الصديق أبي بكر وفي عهد الفاروق عمر بن الخطاب
وأما الولاة الجدد الذين عينهم علي وكانوا أيضًا من خيرة الرجال وأفاضلهم، ولا يقلون كفاءة ودينًا وخبرة عن الولاة المعزولين، فهم:
عبيد الله بن عباس على اليمن، بدلًا من يعلى بن أمية، وعثمان بن حنيف على البصرة، بدلًا من عبد الله بن عامر بن قريظ، وعمارة بن شهاب على الكوفة، بدلًا من أبي موسى الأشعري، وقيس بن سعد بن عبادة على مصر، بدلًا من عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وسهل بن حنيف على الشام، بدلًا من معاوية بن أبي سفيان.
ولقد استطاع ثلاثة من هؤلاء الولاة الجدد الوصول إلى ولاياتهم، ومباشرة أعمالهم دون مشاكل، وهم: عثمان بن حنيف الذي وصل إلى البصرة، بعد أن تركها عبد الله بن عامر ذاهبًا إلى مكة، والثاني عبيد الله بن عباس أخو عبد الله بن عباس، عبيد الله الذي وصل إلى اليمن بعد أن تركها يعلى بن أمية، ووصل قيس بن سعد بن عبادة إلى مصر، وكان ابن أبي سرح الوالي عليها في زمن عثمان قد غادرها قبل مقتل عثمان، فلم يعد إليها واعتزل الفتنة، فسيطر عليها محمد بن أبي حذيفة، وهو من الذين اشتركوا في إثارة الفتنة على عثمان هذا يعني أن قيس بن سعد لم يتمكن من حكم مصر.
أما عمارة بن شهاب الوالي الجديد على الكوفة فلم يتمكن منها أيضًا؛ لأن أهلها تمسكوا بأبي موسى الأشعري فقبل علي منهم ذلك، وأقر أبا موسى على ولاية الكوفة، وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم له. وكذلك لم يستطع سهل بن حنيف دخول الشام، فقد منعه جند معاوية من ذلك.
وكان كل من عبد الله بن عباس والمغيرة بن شعبة قد أشارا على علي بن أبي طالب بالإبقاء على الولاة الذين عينهم عثمان، إلى أن تستقر الأحوال ويعود الأمن والاستقرار، لكن عليًّا رفض هذه المشورة، ثم اقترح ابن عباس أن يقر معاوية خصوصًا على ولاية الشام، وقال له: "إني أخشى إن عزلته عنها أن يطلبك بدم عثمان، ولا آمن من طلحة والزبير أن يتكلما عليك بسبب ذلك". هذه مشورة ابن عباس على علي، أنه إن عزل فلا يعزل معاوية على وجه الخصوص.
إن هذا الاقتراح الذي أشار به ابن عباس اقتراح وجيه وجيد، فمعاوية لم يكن موضع شكوى من أحد من رعيته أهل الشام، ولم يشترك أحد منهم في الفتنة ضد عثمان ولا سعى أحد منهم في قتله، فإذا أبقى علي معاوية في ولايته لا يلومه أحد، وكان ابن عباس من ناحية أخرى يعرف أن معاوية لن يذعن لقرار العزل وسيبقى في ولايته، لكن عليًّا لم يقبل ذلك وتمسك برأيه، وعزم على عزل جميع الولاة بما فيهم معاوية، واستعمل حقه كخليفة مسئول طبقًا لاجتهاده؛ لما يراه محققًا لمصلحة الأمة، وبدأ في تعيين ولاة جدد كما ذكرنا.
ويرى البعض أن ما قام به أمير المؤمنين علي من تعيين ولاة جدد هو أدعى إلى بيعة الناس في تلك البلاد البعيدة، وليجدد بهم عهد الفتوحات، وليفسح المجال أمام العبقريات الجديدة أن تنطلق، وتخدم دين الإسلام، وكان علي يمتلك موهبة قيادية، ومعرفة بالأوضاع القائمة، وإنه عزل ولاة عثمان ليختار غيرهم حسبما يراه هو ملائمًا لتحقيق الانسجام الإداري والسياسي بين الخليفة وأعوانه.
ومن الملاحظ أن الإمام عليًّا لم يعامل الشام كما عامل الكوفة، لم يسوِّ في المعاملة بين الشام والكوفة كيف ذلك؟
فبينما وافق على إبقاء أبي موسى واليًا على الكوفة بناءً على رغبة أهلها، فقد رفض إقرار معاوية في ولاية الشام، مع أن تمسك الشام بمعاوية كان أشد من تمسك أهل الكوفة بأبي موسى الأشعري.
وهنا يجب أن نتذكر نصيحة حبر الأمة عبد الله بن عباس لعلي بإبقاء معاوية في ولايته؛ لأنه كان يمثل قوة كبيرة، وأغلب الظن أنه إذا فعل ذلك –يعني: إذا أبقى علي على معاوية ولم يعزله- لكان من الممكن أن تتفادى الأمة كثيرًا من الحوادث والعقبات التي شغلت بها، وأعاقتها عن مواصلة مسيرها زمنًا طويلًا، لكنها إرادة الله وقضاؤه.
ويعلق ابن تيمية -رحمه الله- على موقف الإمام علي من عزله معاوية فيقول: "فليت عليًّا تألف معاوية وأمره على الشام وحقن الدماء".
وقال ابن تيمية أيضًا: "كان معاوية خيرًا من كثير ممن استنابه علي، فلم يستحق أن يعزل ويولى من هو دونه في السياسة".
قال: "فإن عليًّا استناب زياد بن أبيه، الذي كان يقال عنه: زياد بن أبي سفيان، وهو أقل من معاوية فضلًا ومنزلة، وقد أشاروا على علي بتولية معاوية وقالوا له: يا أمير المؤمنين توليه شهرًا واعزله دهرًا، يعني: ولِّه مدة ثم إذا أردت أن تعزله فاعزله بعد ذلك.
قال: ولا ريب أن هذا كان هو المصلحة، يعني: لا شك في أن تولية معاوية كان فيه المصلحة. قال: إما لاستحقاقه وإما لتأليفه واستعطافه، يعني: إما لأن معاوية يستحق فعلًا أن يولى على الشام لفضله ومنزلته، وإما تأليفًا لقلبه حتى تهدأ الفتنة وتستقر الأوضاع.
ثم قال شيخ الإسلام: فقد كان رسول الله أفضل من علي وولى أبا سفيان، ومعاوية خير منه، يعني: خير من أبي سفيان، فولى من هو خير من علي وهو رسول الله، مَن هو دون معاوية وهو أبو سفيان".
فابن تيمية يستشهد على ما يقول بأن رسول الله استعان في بعض أعماله وولاياته بمن هو أقل منزلة وفضلًا، فكذلك علي كان بإمكانه أن يستعين بمعاوية مع أن معاوية أفضل من أبيه أبي سفيان، ومن ناحية أخرى كان من المأمول أن يستجيب معاوية لقرار العزل، ويتأسى في ذلك بسعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد { عندما عزلهما عمر بن الخطاب فقبلا وآثرا مصلحة الأمة على نفسيهما، لكن معاوية لم يفعل ورفض البيعة لعلي بالخلافة إلا أن يقيم القصاص أولًا على قتلة عثمان.
فلما أتى الوفد إلى علي وكلموه بكلام معاوية قال علي: "يدخل في البيعة ويحاكمهم إليّ" يعني: عليه أن يدخل في الطاعة والجماعة أولًا ويعطيني البيعة بالخلافة، كما أعطانيها المهاجرون والأنصار من الصحابة، ثم بعد ذلك ننظر في هذه القضية ويحاكم القتلة إليّ، وتأخذ صورتها الشرعية في القضاء.
لقد امتنع معاوية وأهل الشام عن البيعة لعلي، ورأوا أن يقتص علي أولًا من القتلة، ثم يدخل في البيعة وقالوا: لا نبايع من يؤوي القتلة، وعلي في حقيقة الأمر لم يؤوِ القتلة ولم يلق عليهم حمايته أبدًا، وصحيح أن هؤلاء كانوا في جيش عليّ، لكن لم يتمكن علي منهم بسبب أن الفتنة لا تزال قائمة، ويحتاج إلى شيء من الوقت حتى يعود الأمن والاستقرار إلى الدولة، هؤلاء رأوا أن البيعة لعلي لا تجب عليهم، وأنهم إذا قوتلوا على ذلك كانوا مظلومين، هذه عقيدة أهل الشام، وكان معاوية يرى أن عليه مسئولية الانتصار لعثمان والقود من قاتليه، والله يقول: { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } [الإسراء: 33].
كان معاوية يستشهد ويستدل بهذه الآية، ويعتبر نفسه وليًّا لعثمان وليًّا للدم، وعثمان كان من بني أمية ومعاوية أيضًا من بني أمية، لذلك جمع معاوية الناس وخطبهم بشأن عثمان، وبين لهم أنه قتل مظلومًا على يد سفهاء منافقين، لم يقدروا الدم الحرام؛ إذ سفكوه في الشهر الحرام وفي البلد الحرام، فثار الناس واستنكروا، وأيدوا معاوية في دعواه وفي موقفه.
ومن هنا يتبين أن الحرص على تنفيذ حكم الله في القتلة -يعني تنفيذ القصاص- هو السبب الرئيسي في رفض أهل الشام -بقيادة معاوية- البيعة لعلي، ورأوا أن تنفيذ حكم القصاص مقدم على البيعة، والحق أن علي بن أبي طالب لم يكن أقل من غيره حرصًا على إقامة الحد على قتلة عثمان، وأنه لن يقصر في إقامة الحد على قاتل أبدًا، فضلًا عمن قتلوا الخليفة، يعني: هو لا يقصر في إقامة حد على قاتل عادي، فما بالك إذا كان المقتول هو خليفة المسلمين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وذو النورين عثمان.
لكن الموقف الذي هم فيه حينئذ لا يمكنه من ذلك، فإذا كان الذين نفذوا القتل في عثمان عددًا محدودًا، قيل: هم الغافقي بن حرب زعيم ثوار مصر، ومعه سودان بن حمران، وكنانة بن بشر التجيبي، إذا كان الذين نفذوا القتل في عثمان عددًا محدودًا كما ذكرنا بعض أسمائهم، إلا أن وراءهم عشرة آلاف من الثوار، الذين ضللوهم وأقنعوهم بسلامة موقفهم، ومن ثم فهم مستعدون للدفاع عنهم، يعني: هؤلاء الآلاف العشرة مستعدون للدفاع عن هؤلاء القتلة، ولذلك كانوا عندما يسمعون قائلًا يقول: من قتل عثمان؟ كان العشرة آلاف يصيحون في صوت واحد: نحن جميعًا قتلناه، ومن هنا كان رأي علي واجتهاده الصبر والتريث والتمهل، ريثما تهدأ الأوضاع، ويعود الناس إلى بلادهم، وعندئذ يمكن التحقيق في الأمر، وإقامة الحد على القتلة الحقيقيين.
وقد عبر الإمام علي عن موقفه هذا عندما دخل عليه جماعة من رءوس الصحابة بعد إتمام البيعة له، فيهم طلحة والزبير، وطلبوا منه إقامة الحدود والأخذ بدم عثمان، فاعتذر إليهم بأن هؤلاء لهم مدد وأعوان، وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا وقال لهم: يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم، ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم، يعني: انضافوا وانضموا إليهم، وهم خلالكم، يعني: يعيشون بينكم، لا يزالون يعيشون بينكم يسومونكم ما شاءوا، يعني: يسيطرون عليكم، فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا. قال: فلا والله أرى إلا رأيًا ترونه أبدًا إلا أن يشاء الله".
إذًا الصحابة وافقوا عليًّا على تفهمه لهذا الموقف وعلى تحليله له، وقد فسر ابن تيمية موقف علي بن أبي طالب ومعاوية في قضية القصاص بقوله: "لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكنًا من قتل قتلة عثمان إلا بفتنة تزيد الأمر شرًّا وبلاء، ودفع أفسد المفسدتين بالتزام أدناهما أولى من العكس".
وهذه قاعدة مهمة جدًّا يذكرها ابن تيمية في كلامه هذا، وحلل بها موقف علي ، وهنا نتساءل: أين المفسدتان في هذا الموقف؟
المفسدة الأولى: تأجيل حد القصاص، نعم كان ينبغي في ظروف غير هذه الإسراع في إقامة الحد، لكن رأى علي تأجيله، فهذه مفسدة، تأجيل الحد مفسدة لكنها هي المفسدة الأقل.
المفسدة الثانية: أنه لو عجل بإقامة حد القصاص فسوف يترتب على ذلك شر وبلاء عظيم، ويزداد عدد القتلى، وتتسع دائرة الفتنة، وهذا الذي حدث بالفعل، وهذه هي المفسدة الأكبر.
لأنهم –أي: الثوار الذين احتلوا المدينة وقتلوا عثمان- كانوا عسكرًا، يعني: كانوا في عدد كبير، وكان لهم قبائل تغضب لهم، يعني: تحاميهم وتدافع عنهم، والمباشر منهم للقتل، يعني: الذين نفذوا جريمة القتل وإن كانوا عددًا قليلًا، كان ردؤهم أهل الشوكة، يعني: لكن هناك من كان يحميهم ويساندهم من أهل السلاح والشوكة.
يقول: "ولولا ذلك لم يتمكنوا، ولولا الحماية التي كانت عليهم لم يتمكنوا من قتل عثمان. يقول: ولما صار طلحة والزبير إلى البصرة ليقتلوا قتلة عثمان، قام بسبب ذلك حرب قتل فيها خلق كثير" وهي حرب الجمل التي سوف نتحدث عنها قريبًا. هذا من المفاسد التي ترتبت على الإسراع في تنفيذ حكم القصاص.
يقول شيخ الإسلام مكملًا كلامه يقول: "ومما يبين ذلك أن معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي، يعني: بويع معاوية بالخلافة بعد مقتل علي، وصار أميرًا على جميع المسلمين، ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بقوا، يعني: على قيد الحياة، فإن كان قتلهم واجبًا وهو مقدور له كان فعله بدون قتال المسلمين أولى من أن يقاتل عليًّا وأصحابه لأجل ذلك.
ولو قتل معاوية قتلة عثمان لم يقع من الفتنة أكثر مما وقع ليالي صفين، وإن كان معاوية معذورًا في كونه بعد أن صار خليفة لم يقتل قتلة عثمان؛ إما لعجزه عن ذلك، أو لما يفضي إليه ذلك من الفتنة وتفريق الكلمة، وضعف السلطان، فعلي أولى أن يكون معذورًا أكثر من معاوية".
وهذا دليل عقلي يستدل به شيخ الإسلام.
يقول أخيرًا: "إذ كانت الفتنة وتفريق الكلمة وضعف سلطانه بقتل القتلة، لو سعى في ذلك أشد" يعني: لو فعل علي وأسرع في إقامة حد القصاص، لترتب على ذلك فتنة وتفرقت كلمة المسلمين، واتسع الشر واتسعت دائرة الفتنة. انتهى كلام شيخ الإسلام.
هذا ما كان يراه علي بن أبي طالب ، لقد كان موافقًا من حيث المبدأ على وجوب إقامة القصاص من قتلة عثمان، لكنه رأى أن يرجئ القصاص من هؤلاء إلى حين أن تستقر الأوضاع، وأن تهدأ الأمور وأن تجتمع الكلمة، وبناءً على هذا فإن الاختلاف الذي وقع بين علي ومعاوية لم يكن في أصل المسألة، وإنما كان في الطريقة، يعني: لم يكن في أصل إقامة الحد، فالجميع متفقون سواء علي أو معاوية ومن كان معهما من الصحابة، وحتى الذين اعتزلوا هذه الفتنة، كلهم متفقون على أن حد القصاص لا بد أن يقام على قتلة عثمان، إذًا لم يكن الخلاف في أصل المسألة إنما كان في الطريقة التي تعالج بها هذه القضية، وسوف نعرف من منهما كان على الحق ومن منهما كان مخطئًا، حينما ننتهي من ذكر الأحداث إن شاء الله.
وقد بدأ علي في مراسلة معاوية مرة بعد مرة، يدعوه إلى البيعة والدخول في الجماعة، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى نتيجة، وبقي معاوية على مطالبته بالقصاص من قتلة عثمان، أو تسليمهم إليه باعتباره ولي دم عثمان قبل النظر في البيعة، وقبل أن يعطي البيعة لعلي، وقد سانده في ذلك سبعون ألفًا من أهل الشام، كلهم يبكون تحت قميص عثمان المعلق على منبر المسجد الجامع بدمشق، وعندئذ عزم علي بن أبي طالب على قتال معاوية، واعتبره من البغاة الذين خرجوا على طاعة الخليفة.
فأعد العدة وجهز جيشه ليسير به إلى الشام لقتال الفئة الباغية، وقد نصحه كثير بعدم اللجوء للحرب لأن عواقبها وخيمة، ومنهم ابنه الحسن الذي قال له: "يا أبت، دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين، ووقوع الاختلاف بينهم". لكن عليًّا لم يقبل ذلك، وصمم على القتال، وبينما هو يستعد لذلك جاءته أخبار أخرى مفزعة لم تكن في حسبانه، تخبره بمسير السيدة عائشة في جماعة من الناس فيهم طلحة والزبير { من مكة إلى المدينة يبحثون عن قتلة عثمان، فتوجه إليهم علي بجيشه وتطورت الأحداث إلى وقوع

القتال فيما يعرف بمعركة الجمل


http://vb.mediu.edu.my/showthread.php?t=6977
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع الأقسام الرئيسية مشاركات المشاركة الاخيرة
هل مات الانزع البطين على الكفر موحد مسلم الشيعة والروافض 5 2020-04-22 02:51 AM
خرافة الولاية التكوينية موحد مسلم الشيعة والروافض 1 2020-04-20 10:06 AM
المغانم اية للمؤمنين فاين اية ايمان الانزع البطين موحد مسلم الشيعة والروافض 1 2020-03-16 04:06 PM
من قتل عثمان موحد مسلم الشيعة والروافض 0 2020-02-04 10:06 PM

 link 
*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 يلا شوت 
 شركة تنظيف بالطائف   سحب مجاري   فني صحي   افضل شركة نقل اثاث بجدة   شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   نقل عفش الكويت   pdf help   كورة لايف   koora live   شركة تنظيف في دبي   شركة تنظيف في رأس الخيمة   شركة تنظيف في دبي 24 ساعة   كحل الاثمد   متاجر السعودية   مأذون شرعي   كحل الاثمد الاصلي   تمور المدينة   شركة عزل خزانات بجدة   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج 
شركة صيانة افران بالرياض  كود خصم   سطحة هيدروليك   سطحة بين المدن   سطحة غرب الرياض   سطحة شمال الرياض 
 yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   بث مباشر مباريات اليوم   Kora live   yalla shoot 
 translation office near me   كورة سيتي kooracity   مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر   شركة تنظيف منازل بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض 
 برنامج ادارة مطاعم فى السعودية   افضل برنامج كاشير سحابي   الفاتورة الإلكترونية فى السعودية   المنيو الالكترونى للمطاعم والكافيهات   افضل برنامج كاشير فى السعودية 
 شركة تنظيف مكيفات بجدة   عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   يلا شوت   يلا شوت   الحلوى العمانية 
 يلا لايف   يلا شوت 
 Yalla shoot   شركة حور كلين للتنظيف 
 تركيب ساندوتش بانل   تركيب مظلات حدائق 
 موقع الشعاع   بيت المعلومات   موقع فكرة   موقع شامل العرب   صقور الخليج   إنتظر 
 شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض   دكتور مخ وأعصاب 
 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة كشف تسربات المياه بالدمام   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
دليل السياح | تقنية تك | بروفيشنال برامج | موقع . كوم | شو ون شو | أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي | المشرق كلين | الضمان | Technology News | خدمات منزلية بالسعودية | فور رياض | الحياة لك | كوبون ملكي | اعرف دوت كوم | طبيبك | شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd