العقيدة الادبية عقيدة دينية (2)

[ايوب نصر]

جلسنا نتبادل اطراف الحديث ، و في اثناء ذلك ولى وجهه شطر بعض كتبي ، المتناثرة في الغرفة ، فرمى طيف الرافعي من طرف خفي ، متجسدا في الجزء الثالث من وحي القلم ، فاعرض عني و اخذ يقلب بصره في صفحات الكتاب ، ثم وقف عند رسالة الاستاذ محمد محمود شاكر ، و شخص بصره عند قوله مخاطبا الرافعي : " ثم اعلم أنك ملجأ يعتصم به المؤمنون حين تناوشهم ذئاب الزندقة الأدبية التي جعلت همها أن تلغ ولوغها في البيان القرآني."
ثم التفت الي و قال : ان هذه الجملة تصلح ان تقال حتى في وقتنا هذا ، و ذلك مع تصرف بسيط
فقلت له : و كيف ذلك ؟؟
قال : تلك الذئاب جعلت همها ان تلغ ولوغها في البيان القراني ، و هذه الذئاب جعلت همها من الادب ان تصطاد النعجات .
فقلت له : لكل وجهة هو موليها و هدف بالغه و طريق هو سالكه ، فهناك من جعل من الادب ، وسيلة الى حليلة جاره ، و زوجة صاحبه ، و هناك من جعل الادب وسيلة الى الطعن في عقائد الامة و التدليس على شبابها و قلقلة قاعدتها الشعبية و تهييج العوام و عوام العوام من ابنائها ، و هناك من اختار الادب و سلك طريقه و ولج في مذاهبه ، و كان همه ، الاول و الاخير ، الرقي بالمجتمع و صيانة الامة و الحفاظ على امنها و لم شملها و جمع شتاتها ، و ذب عنها في مازق الغواية ، و الدفع عنها في مستنقعات الضلال ، و عند الله تلتقي الخصوم .


فقال : ذكرتني بقول الخليفة الراشد علي بن ابي طالب _ رضي الله عنه و ارضاه _ حين قال : " الناس ثلاثة : عالم رباني ، و متعلم على سبيل النجاة ، و همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم و لم يلجئوا الى ركن وثيق " فما اوتوا الا من قبل جهلهم ، و من جهلهم كانوا نعاجا حيثما وجهوا ذهبوا ، دون اي حظ من الفكر او قسط من النظر ، و انما هم اتباع كل ناعق.


ثم قال : و هناك نكتة بليغة في كلامه _ رضي الله عنه _ وجب الاشارة اليها ، و هو انه قسم الناس الى ثلاثة اقسام و ذكر اربعة : عالم رباني ، و متعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع ، و ناعق ، و ذلك لاشتراك الناعق و اتباعه من الهمج الرعاع في الجهل ، فجعلهم بذلك قسما واحدا ، فلولا جهله ما نعق ، و لولا جهله لكان احد الرجلين : عالم رباني او متعلم على سبيل النجاة ، و لولا جهلهم ما تركوا العلماء و المتعلمين ، و هاموا وراء الناعقين .


قلت له : ان لكل عصر شعبوية و ناعقين ، و شعبوية هذا العصر و نعاقه ، جمع من حملة الاقلام و مدعي العلم و المعرفة ، الذين صرفوا همهم و اضاعوا اوقاتهم في الاداب ، و اغفلوا دراسة العقيدة و التوحيد و علوم لحديث ، و هي علوم لابد منها لكل من يريد ان يشدو شيئا من الادب ، حتى يكون على بينة من امره ، فلا يطا الشعاب و الفجاج ، و لا يرد مناهل العذب و الاجاج ، لكن القوم اعرضوا عن المحجة البيضاء و سلكوا بنيات الطريق ، فضلوا و اضلوا ، و حملوا اوزارهم و اوزار من تبعهم .
ثم قلت : و انا اكثر الناس تشجيعا للناس على دراسة الادب ، و ما ذلك الا لعلمي باهميته و وقوفي على مخاطره ، و لكن على كل دارس للادب ان يتحصن بالعقيدة و التوحيد و يتعلم شيئا من علوم الحديث ، و الا فلا يطمع من ان يكون اكثر من حامل اسفار ، يفسد كثيرا و يصلح قليلا .




كتب: الثلاثاء 12 جمادى الاخيرة 1440 (19/02/2019)

[ايوب نصر]

المقالة الاولى
https://www.ansarsunna.com/vb/showthread.php?t=99801