أنصار السنة  
جديد المواضيع



للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 محاسب قانوني   Online quran classes for kids 
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك


العودة   أنصار السنة > قسم إحياء السنة النبوية > السنة ومصطلح الحديث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2011-04-01, 05:22 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي مناهج أئمة الجرح والتعديل







مناهج أئمة الجرح والتعديل
قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (11|82): «ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل. لكنهم أكثر الناس صواباً وأندرهم خطأً وأشدهم إنصافاً وأبعدهم عن التحامل. وإذا اتفقوا على تعديلٍ أو جرحٍ، فتمسك به واعضض عليه بناجذيك، ولا تتجاوزه فتندم. ومن شذ منهم فلا عِبْرة به. فخَلِّ عنك العَناء، وأعط القوس باريها. فو الله لولا الحفاظ الأكابر لخطبت الزنادقة على المنابر. ولئن خطب خاطبٌ من أهل البدع، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول r. فنعوذ بالله من الخذلان».

قال ابن حجر في نزهة النظر (ص192): «وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل. فإنه إن عدل أحداً بغير تثبت، كان كالمثبت حكماً ليس بثابت، فيخشى عليه أن يدخل في زمرة "من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب". وإن جرح بغير تحرز، فإنه أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك، ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً. والآفة تدخل في هذا تارة من الهوى والغرض الفاسد –وكلام المتقدمين سالم من هذا غالباً– وتارة من المخالفة في العقائد».

ينبغي لطالب علم الحديث أن يعرف أن العلماء في الجرح والتعديل على أربع مراتب:

المتشددون: أبو حاتم الرازي (195-277هـ)، يحيى بن سعيد القطان (120-198 أو 168هـ)، العُقَيْلي (322هـ)، أبو الفتح الأزدي (374هـ)، ابن حِبَّان (في كتابه المجروحين) (354هـ)، أبو نعيم الفضل بن دكين المُلائي (130-219هـ)، عفان بن مسلم الصَفّار (ت220هـ)، ابن خراش الرافضي (يتعنت مع أهل السنة) (283هـ).

المعتدلون مع بعض التشدد: البُخاري (194-256هـ)، مُسلم (201-261هـ)، يحيى بن معين (158-233هـ)، أبو زُرعة الرازي (200-264هـ)، النَّسائي (215-303هـ)، علي بن المَديْني (261-234هـ)، مالِك (93-179هـ)، شُعْبة بن الحجاج (82-160هـ)، عبد الرحمان بن مهدي (135-198هـ)، أبو إسحاق إبراهيم الجُوزجاني السعدي (قد يتشدد مع الكوفيين) (259هـ)، أبو الحسن بن القطان الفاسي (قد يتشدد مع المجاهيل) (628هـ)، عثمان بن أبي شيبة (156-239هـ)، ابن حزم الأندلسي (384-456هـ).

المعتدلون مع بعض التساهل: محمد الذهلي (172-258هـ)، أحمد بن حنبل (164-241هـ)، أبو داود (202-275هـ)، أبو الحسن الدّارَقَطْني (306-385هـ)، ابن عدي (277-365هـ)، ابن سعد (168-230هـ)، دحيم (170-245هـ)، ابن يونس المصري (281-347هـ)، ابن نمير الكوفي (165-234هـ)، الخطيب البغدادي (392-463هـ)، ابن عبد البر (368-463هـ)، ابن منده (310-395هـ)، سُفيان بن سعيد الثَّوري (97-161هـ)، بقي بن مخلد الأندلسي (201-276هـ)، الذهبي (673-748هـ)، ابن حجر (773-852هـ).

المتساهلون: ابن خُزَيْمة (223-311هـ)، ابن حِبَّان (بذكره بكتاب "الثقات" أو بصحيحه) (354هـ)، الحاكم (321-405هـ)، البَيْهُقي (384-458هـ) (وهم تلامذة بعض)، العِجلي (181-261هـ)، أبو عيسى التِّرمِذِي (209-279هـ)، ابن السكن (294-353هـ)، أبو بكر البزّار (215-292هـ)، ابن جرير الطبري (224-310هـ)، أبو جعفر أحمد بن صالح المصري (170-248هـ)، وتلميذه يعقوب بن سُفْيَان الفسوي (‏277‏هـ)، أبو حفص بن شاهين (297-385هـ).


=========
أهم المراجع لهذا البحث: "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل" للذهبي (ص158-159). وذكر الذهبي قريباً من هذا في "الموقظة" (ص83). وأشار إلى ذلك ابن ناصر الدين في "الرد الوافر" (ص10)، وابن حجر في "النكت" (ص482). إضافة إلى الاستقراء وإلى الأقوال الكثيرة المتفرقة التي أشرنا لبعضها في كل رجل من هؤلاء.

وهذا التقسيم لا يرجع له عموماً إلا عند اختلاف الجرح والتعديل. وقد رسم الحافظ الذهبي في ذلك السبيل الواضح لمن وجد اختلافاً في الكلام على الرجل الواحد من الأئمة النقاد، وكان منهم متشدد وآخر متساهل. فقال في رسالته القيمة "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل" (172) عن الرواة: «قسم منهم متعنت في الجرح متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه. فهذا إذا وثق شخصاً فعض على قوله بناجذيك وتمسك بتوثيقه. وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه: فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق، فهو ضعيف. وإن وثقه أحد، فهذا الذي قالوا فيه لا يقبل تجريحه إلا مفسراً». قال المعلمي في مقدمة الفوائد المجموعة: «ما اشتهر من أن فلاناً من الأئمة مسهل وفلاناً متشدد ليس على إطلاقه. فإن منهم من يسهل تارة ويشدد تارة، بحسب أحوال مختلفة. ومعرفة هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم لا تحصل إلا باستقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام». وعليه : فلا يعني وصف الإمام بالتشديد إهدار تضعيفه ، ولا وصفه بالتساهل إهدار توثيقه ، ولا وصفه بالإنصاف اعتماد حكمه مطلقاً . وإنما فائدة هذه الأوصاف اعتبارها قرينة من قرائن الترجيح عند التعارض.

هذا كله في حال أن الرجل الراوي كثير الحديث. وأما إذا كان قليل الحديث فاختلف العلماء على مذاهب:

1) مذهب توثيق المجاهيل، حتى لو كانوا لا يعرفون عنهم شيئاً. وهو مذهب ابن حبان والعجلي وابن خزيمة والحاكم.

2) مذهب توثيق قليل الحديث، من ليس بالمشهور حتى لو لم يكن له إلا حديثٌ واحد. وهو مذهب ابن سعد وابن معين و النسائي والبزّار والطبري والدارقطني.

3) مذهب الجمهور: لا يوثقون أحداً حتى يطلعون على عدة أحاديث له تكون مستقيمة. وبذلك يجزمون بقوة حفظ هذا الراوي. وهو مذهب غالب علماء الجرح والتعديل وبخاصة علي بن المديني والبخاري وأبي حاتم الرازي.

4) مذهب التضييق في هذا والتشديد في ذلك. كما يفعل ذلك ابن حزم وابن القطان الفاسي حتى أنهم قد يجهّلون أناساً من الثقات أو أناساً لا بأس بهم.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2011-04-01, 05:24 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي








كتب الحديث ومراتبها :





قَسَّمَ الشيخ وليُّ الله الدّهلوي –رحمه الله تعالى– في كتابه الشهير "حُجَّة الله البالغة" (1|107): كتب الحديث إلى خمس طبقات. جعل الأولى للصحيحين والموطأ. والثانية للسنن الثلاثة: أبي داود والنسائي والترمذي. والثالثة قال فيها: «والطبقة الثالثة: مسانيد، وجوامع، ومصنَّفات. صُنّفت قبل البخاري ومسلم، وفي زمانهما، وبعدهما. جمعت بين الصحيح والحسن، والضعيف والمعروف، والغريب والشاذ والمنكر، والخطأ والصواب، والثابت والمقلوب. ولم تشتهر في العلماء ذلك الاشتهار، وإن زال عنها اسم النكارة المطلقة. (قال ابن الصلاح: فلهذا تأخرت مرتبتها –وإن جلَّت لجلالة مؤلّيفيها– عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنّفة على الأبواب).
ولم يتداول ما تفرَّدت به الفقهاءُ كثير تداول. ولم يفحص عن صحَّتها وسقمها، المحدثون كثير فحص. ومنه ما لم يخدمه لغوي ٌّ بشرح غريب، ولا فقيهٌ بتطبيقه بمذاهب السلف، ولا محدّثٌ ببيان مشكله، ولا مؤرّخ بذكر أسماء رجاله. ولا أريد المتأخرين المتعمقين، وإنما كلامي في الأئمة المتقدمين من أهل الحديث. فهي باقية على استتارها واختفائها وخمولها. (فلا يباشرها للعمل عليها والقول بها إلا النحاريرُ الجهابذة الذين يحفظون أسماء الرجال وعلل الأحاديث. نعم ربما يؤخذ منها المتابعات والشواهد). كـ"مسند أبي يعلى" و "مصنف عبد الرازق" و "مصنَّف أبي بكر بن أبي شيبة" و "مسند عبد بن حُميد" و "مسند الطيالسي"، وكتب البيهقي والطحاوي والطبراني. وكان قصدهم جمع ما وجدوه، لا تلخيصه وتهذيبه وتقريبه من العمل.
والطبقة الرابعة: كتبٌ قصد مصنفوها بعد قرون متطاولة جمع ما لم يوجد في الطبقتين الأوليين. وكانت في المجاميع والمسانيد المختفية، فنوَّهوا بأمرها. وكانت على ألسنة من لم يكتب حديثه المحدثون، ككثير من الوعاظ المتشدقين وأهل الأهواء والضعفاء. أو كانت من آثار الصحابة والتابعين. أو من أخبار بني إسرائيل. أو من كلام الحكماء والوعاظ، خلطها الرواة بحديث النبي (r) سهواً أو عمداً. أو كانت من محتملات القرآن والحديث الصحيح، فرواها بالمعنى قومٌ صالحون لا يَعرفون غوامض الرواية، فجعلوا المعاني أحاديث مرفوعة. أو كانت معاني مفهومة من إشارات الكتاب والسنة، جعلوها أحاديث مستبدة برأسها عمداً. أو كانت جُملاً شتى في أحاديث مختلفة، جعلوها حديثاً واحداً بنسقٍ واحدٍ. ومظنة هذه الأحاديث: "كتاب الضعفاء" لابن حبان، و "كامل" ابن عدي، وكتب الخطيب، وأبي نعيم، والجوزقاني، وابن عساكر، وابن النجار، والديلمي. وكاد مسند الخوارزمي يكون من هذه الطبقة. وأصلح هذه الطبقة: ما كان ضعيفاً، ولم تشتهر في العلماء ذلك الاشتهار».

=======

كتب الفضائل

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (7|178 مختصراً): «النسائي صنف "خصائص علي" وذكر فيه عدَّة أحاديث ضعيفة. وكذلك أبو نُعيم في "الفضائل"، وكذلك الترمذي في "جامعه" روى أحاديث كثيرة في فضائل علي، كثير منها ضعيف». وقريباً من ذلك في (8|195) مع إضافة ابن عبد البر.

وفي موضع آخر منه (7|312): «من الناس من قصد رواية كلّ ما رُوي في الباب، من غير تمييز بين صحيح وضعيف. كما فعل أبو نُعيم في "فضائل الخلفاء"، وكذلك غيره ممن صنَّف في الفضائل. ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو علي الأهوازي وغيرهما في "فضائل معاوية". و مثل ما جمعه النسائي في "فضائل علي"، و كذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في "تاريخه" في فضائل عليّ وغيره».
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2011-04-01, 05:27 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي






اختلاف المناهج في الحكم على الرجال :





قال الترمذي في "العلل": «وقد اختلف الأئمة في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم».



كان ابن حِبَّان مُتساهلاً في التعديل، ومتشدداً في الجرح! وكان يوثِّق المجهولين من القدماء الذين ذكرهم البخاري في "تاريخه"، وإن لم يعرف ما روى و عمن روى و من روى عنه. و لكن ابن حبان يشدد، و ربما تعنت فيمن وجد ما استنكره، و إن كان الرجل معروفاً مكثراً. وقد نقل ابن حجر في الميزان (1\14) عن ابن حبان ما يثبت عن نفسه هذا المنهج. ثم انتقده ابن حجر بقوة وبخاصة نظريته في تعديل المجاهيل برواية الثقات عنهم. وابن حبان قد يتساهل في إدراج الراوي المجهول في كتاب "الثقات". ولعله يقصد مجرد العدالة. ولكنه -بالاستقراء- لا يطلق كلمة ثقة إلا على من هو جدير بها كما يظهر. فتوثيقه معتبر إن كان صريحاً. وهو متعنت في الجرح كما تجده في كتابه "المجروحين". وكثيراً من الناس يخطئ فيقول وثقه ابن حبان، مع أن ابن حبان ذكره في كتابه الثقات ولم يوثقه. وقد ظهر لك الفرق الشاسع بين الاثنين. ولكن هذا الخطأ شاع كثيراً حتى صار هو الأصل.



أما العجلي فمنهجه مطابق لمنهج ابن حبان في توثيق المجاهيل. و كذلك محمد بن سعد (خاصة مع المدنيين)، وإلى حد ما النسائي وأبو نعيم والبزّار وابن جرير الطبري (خاصة في كتابه "تهذيب الآثار") و آخرون، يوثِّقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابعٌ أو مشاهد، و إن لم يرو عنه إلا واحد و لم يبلغه عنه إلا حديث واحد.



وألحق السخاوي: الدارقطني والبزار في توثيق المجهول إذا روى عنه اثنان، كما يفعل ابن خزيمة وابن حبان. أما البزار، فقد عرف تساهله. وأما الدارقطني فقد وجدته كذلك: يوثق أحياناً تابعين مجاهيل قليلي الحديث لم يوثقهم أحدُ قبله. وقليل الحديث إن كان من قدماء التابعين، فهو -إن لم يكن فيه توثيق- بالنسبة للدارقطني بمثابة المجهول أو شبه المجهول. ولذلك اعتبره الذهبي من المتساهلين في بعض أحيانه. قال الذهبي في "الموقظة": «والمتساهلُ كالترمذيِّ، والحاكم، والدارقطنيِّ في بعض الأوقات». وعلى التفصيل: فإنه معتدل مع كثير الحديث، متساهل مع قليل الحديث.


يقول المعلمي في "التنكيل": «ينبغي أن يبحث عن معرفة الجارح أو المعدل بمن جرحه أو عدله. فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستهم له وتمكنت معرفتهم به، بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة وسمع منه مجلساً واحداً أو حديثاً واحداً، وفيمن عاصره ولم يلقه ولكنه بلغه شيء من حديثه، وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه. ومنهم من يجاوز ذلك! فابن حبان قد يذكر في "الثقات" من يجد البخاري سماه في "تاريخه" من القدماء، وإن لم يعرف ما روى وعمن روى ومن روى عنه (قال الألباني: يؤيد ذلك أنني رأيته قال في بعض المترجمين عنده : "لا أعرفه، ولا أعرف أباه"! وعلى مثل هذا التوثيق أقام كتابه "الصحيح" المعروف به). ولكن ابن حبان يشدد -وربما تعنت- فيمن وجد في روايته ما يستنكره، وإن كان الرجل معروفاً مكثراً. والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد.
وابن معين والنسائي وآخرون غيرهما، يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابع أو مشاهد، وإن لم يرو عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد. فممن وثقه ابن معين من هذا الضرب: الأسقع بن الأسلع، والحكم بن عبد الله البلوي، ووهب بن جابر الخيواني، وآخرون. وممن وثقه النسائي: رافع بن إسحاق، وزهير بن القمر، وسعد بن سمرة، وآخرون. وقد روى العوام بن حوشب عن الأسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد عن عبد الله بن عمرو بن العاص حديثاً، ولا يُعرف الأسود وحنظلة إلا في تلك الرواية. فوثقهما ابن معين! وروى همام عن قتادة بن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب حديثاً، ولا يُعرف قدامة إلا في هذه الرواية. فوثقها ابن معين! مع أن الحديث غريب، وله علل أخرى. راجع سنن البيهقي (3|248).
ومن الأئمة من لا يوثق من تقدمه حتى يطلع على عدة أحاديث له تكون مستقيمة وتكثر، حتى يغلب على ظنه أن الاستقامة كانت ملكة لذاك الراوي. وهذا كله يدل على أن جل اعتمادهم في التوثيق والجرح إنما هو على سبر حديث الراوي...».



قال المعلمي (1|67): «وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخاً فسمع منه مجلساً، أو ورد بغدادَ شيخٌ فسمع منه مجلساً، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة، ثم سُئِلَ عن الشيخ وثَّقه! وقد يتفق أن يكون الشيخ دجَّالاً استقبل ابنَ معين بأحاديث صحيحة، ويكون قد خلط قبل ذلك أو يخلط بعد ذلك. ذكر ابن الجنيد أنه سأل ابنَ معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي فقال: "ما كان به بأس" (وهو توثيق باصطلاحه). فحكى له أحاديث تُستنكر، فقال ابن معين: "فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذَّاب، وإلا فإني رأيتُ حديث الشيخ مستقيماً". وقال ابن معين في محمد بن القاسم الأسدي: "ثقة وقد كتبت عنه". وقد كذّبه أحمد وقال: "أحاديثه موضوعة". وقال أبو داود: "غير ثقة ولا مأمون، أحاديثه موضوعة"». قلت: والأسدي هذا كذبه أحمد وأبو داود والدارقطني، وضعفه علماء الحديث كلهم إلا العِجلي! ويظهر أن ابن معين قد اكتفى بسماع أحاديث قليلة عن القاسمي، ومن المحتمل أن القاسمي لم يحدثه بمنكراته عن عمد. وهذا كله من أسباب الاختلاف الكبير الذي نجده أحياناً في أحكام ابن معين على الرجال.



وقال المعلمي: «فقد عرفنا في الأمر السابق رأي بعض من يوثق المجاهيل من القدماء إذا وجد حديث الراوي منهم مستقيماً، ولو كان حديثاً واحداً لم يَروِه عن ذاك المجهول إلا واحد. قإن شئت فاجعل هذا رأياً لأولئك الأئمة كابن معين. وإن شئت فاجعله اصطلاحاً في كلمة "ثقة" كأن يراد بها استقامة ما بلغ الموثق من حديث الراوي، لا الحكم للراوي نفسه بأنه في نفسه بتلك المنزلة». وضرب أمثلة كثيرة ثم قال (1|69): «ابن معين كان ربما يطلق كلمة "ثقة"، لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب».


أما أغلب علماء الحديث فلا يوثقون -في العادة- أحداً حتى يطلعون على عدة أحاديث له تكون مستقيمة، و تكثر حتى يغلب على ظنه أن الاستقامة كانت ملَكةً لذلك الراوي. ولذلك تجد البخاري دقيقٌ جداً في أحكامه، وإلا سكت عن الرجل. فإذا جاءك الحكم من البخاري بالتوثيق أو التضعيف فحسبُكَ به. وكذلك كان أبو حاتم شديدٌ في نخل الروايات. فإن لم يجتمع له عدد كافٍ لإصدار حكم على الراوي فإنه قد يسميه شيخاً أو يسكت عنه عادةً. وليس معنى ذلك أنهم لا يوثقون من كان قليل الحديث، لكن المقصود أنهم يحاولون استيعاب ما استطاعوا جمعه من حديثه قبل الحكم عليه.



فالمنهج قد يختلف كما شاهدنا عند كثير من العلماء بحسب إكثار الراوي أو إقلاله. وقد يتغير الحكم بحسب مذهبه. فتجد تشدداً عند الحنبلي والشافعي في أحكامه على الأحناف. وانظر ترجمة أبي حنيفة في "تاريخ بغداد" للخطيب أو عند "كامل" ابن عدي، حيث حاول تضعيف أبي حنيفة معتمداً على ما رواه عنه أباء بن جعفر النَّجيرمي الكذاب (قال عنه ابن حبان: فرأيته قد وضع على أبي حنيفة أكثر من 300 حديث).



وقد تجد تعنتاً من الحافظ الجُوزجاني الدمشقي في من اتهم بالتشيع، بخاصة من الكوفيين. وبالمقابل نجد الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش (283هـ) (وهو رافضيٌّ من غلاة الشيعة)، يتعنت في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد. كما قد تجد تساهلاً لإبن سعد (صاحب الطبقات وكاتب الواقدي) مع مجاهيل المدنيين مع تشدد مع غيرهم، خاصة أهل العراق. وأغلب مادته من الواقدي المتروك كما ذكر ابن حجر في "مقدمة الفتح" عند ترجمة عبد الرحمن بن شريح.



ومن أمثال ذلك تعصب الخطيب البغدادي (436هـ) صاحب "تاريخ بغداد" على الأحناف والحنابلة. قال الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي (ت909هـ) في "تنوير الصحيفة": «لا تَغتَرّ بكلام الخطيب، فإن عنده العصبية الزائدة على جماعةٍ من العلماء كأبي حنيفة وأحمد وبعضِ أصحابه. وتحاملَ عليهم بكل وجه. وصنَّف فيه بعضُهم "السهم المصيب في كَبِد الخطيب"». ونقل العيني الحنفي في "البناية" (1\628) عن ابن الجوزي الحنبلي أنه قال: «والخطيبُ لا ينبغي أن يُقبَل جرحُه ولا تعديلُه، لأن قولَه ونقلَه يدل على قِلَّةِ دين».



أما ابن الجوزي (597هـ) فقد كان كثير الأوهام، لذلك وجب ترك ما تفرد به من جرح الثقات. وقد عجِبَ سبطُ ابن الجوزي من جده إذ تابع الخطيب البغدادي، فقال في "مرآة الزمان": «وليس العجَبُ من الخطيب، فإنه طعن في جماعة من العلماء. وإنما العجبُ من الجدِّ كيف سلك أسلوبه وجاء بما هو أعظم!». ولكن السبط هذا جاء بما هو أعظم من جده إذ كان رافضياً، جازاه الله بما يستحق.



يقول الشيخ حسان عبد المنان في كتابه "حوار مع الشيخ الألباني" (ص159): «إن ما يجبُ أن يُعلَمَ أولاً أنَّ التصحيح والتضعيف في الحديث أمرٌ اجتهادي. وليس يقومُ في الغالب إلا على التصوُّر وسَبْرِ الطرقِ وسبر أحاديث الراوي. فقد يكون الراوي عند أحمد وأبي حاتم مثلاً مجروحاً، ولا يوافقُه فيه يحيى بن معين والبخاري وغيرُهما. على أن السَّبرَ في مثلِ هذه الأحاديث قد يكونُ عندهم جميعاً، ولكن المقاييس تختلف، والمناهج الأصولية عندهم أحياناً لا تنطبق. بل قد يخرج عن ذلك كله إلى قناعةِ الإمام المحدِّث بضعف أو بتصحيح، دون إبداء بينة واضحة. والأمثلة كثيرة على هذا».



وبشكل عام فإن تمييز الرواة الثقات من الضعفاء يتم بإحدى ثلاث طرق (على الأقل):

معاصرة الراوي ومشاهدة أحواله واختبار حفظه وسؤال الناس عنه. وواضح أن هذا لا يصلح إلا مع الإدراك والمعاصرة.

سبر حديثه ومقارنته مع أحاديث الثقات. وغالب أحكام الرواة مبنية على السبر.

الموازنة بين أقوال العلماء في الراوي. وهذا هو عمل المتأخرين كالذهبي وابن حجر وغيرهما. ولكن أن تقول أن هذا تلخيص لحال الراوي، ليس فيه حكم جديد عليه. والمقصود أن من اتفق المتقدمون على تضعيفه، لا يجوز للمتأخر توثيقه. وكذلك من اتفق المتقدمون على توثيقه، لا يجوز للمتأخر تضعيفه. اللهم إلا إذا كان التوثيق غير معتبر (كتوثيق ابن حبان) فيمكن أن يطلق المتأخر حكم الجهالة، كما يفعل ابن القطان. فالقاعدة العامة أنه لا عِبرة بما تفرد به متأخر من حكم. كأمثال ابن حزم الأندلسي (456هـ)، وابن عبد البر (341هـ)، فمن بعدهم، إلا عندما يعتمد على الاستقراء وهو نادر بينهم.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2011-04-01, 05:30 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي






منهج البخاري : محمد بن إسماعيل البخاري رحمة الله


صحيح البخاري ورواته

اسم صحيح البخاري كما رجحه ابن حجر: "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه".
ويقال (والله أعلم) أن البخاري (194-256هـ) قد عرض صحيحه على أهم علماء عصره مثل أحمد بن حنبل (241هـ\855م) وابن معين (233هـ\847م) وابن المديني (234هـ\848م)، أي أن البخاري انتهى من تأليف صحيحه عام (232هـ\846م)، ثم أمضى 24 سنة من حياته يرحل في بلاد المسلمين ويُحدّث بصحيحه. وفي كل مدينة يزورها، يجتمع عليه آلاف من الناس يستمعون لصحيحه. وبهذا تعلم أن تشكيكات المستشرقين في احتمال تَغيّر أحاديث البخاري بعد وفاته، هي محض أوهام، لأن صحيحه قد تواتر عنه في حياته، فلو غلط عنه واحد من الرواة فسينكشف ذلك لكل الناس. خلال تلك الفترة الطويلة (24 سنة)، قام البخاري بعدة تعديلات طفيفة في صحيحه، خاصة في أسماء الأبواب. فكل رواية سُمّيت باسم راويها. وذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه "النكت على ابن الصلاح" أن عدد الأحاديث في كل الروايات هو نفسه لم يختلف. وقد سمع منه الصحيح قرابة تسعون ألفاً، ورواه عنه عدد من الرواة الثقات، أشهرهم محمد بن يوسف الفربري (231 - 320هـ\846 - 932م)، وقد سمع الصحيح مرتين: سنة 248هـ وسنة 252هـ. ومنهم إبراهيم بن معقل النسفي (295هـ\907م) و حمّاد بن شاكر النسوي (290 أو 311هـ\923م)، وآخرهم حسين المَحامِلي (330هـ\942م) و منصور بن محمد البزدوي (329هـ\941م).





شرط البخاري في صحيحه

لم يشترط البخاري ذكر كل حديث صحيح عنده في صحيحه، بل صرح بخلاف ذلك، وقد سأله تلميذه الترمذي عن عدة أحاديث لم يروها في صحيحه فصححها. لكنه جمع في حديثه أصح الأحاديث وفق شروط لم ينص عليها، لكن العلماء حالوا باجتهادهم معرفتها. وذكر ابن حجر في كتابه النكت: أن أكثر هؤلاء الرجال الذين تكلم فيهم من المتقدين يخرج البخاري أحاديثهم غالباً في الاستشهاد والمتابعات والتعليقات بخلاف مسلم، فإنه يخرج لهم الكثير في الأصول والاحتجاج ولا يعرج البخاري في الغالب على من أخرج لهم مسلم في المتابعات. فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم، وأكثر من يخرج لهم مسلم في المتابعات لا يعرج عليهم البخاري.





هل يصح قولنا: احتج به البخاري؟ وهل هذا توثيق؟

أي راوٍ أخرج له الشيخان في صحيحيهما فهو يحتمل أن يكون ذلك في الأصول ويحتمل أن يكون ذلك في الشواهد. ولا بد من الاستقراء لحسم الأمر. فإن قال واحد "إنما أخرجا له في الشواهد"، فلا يصح اعتراض من قال "بل احتجا له في الأصول" حتى يبيّن ذلك الحديث. فإذا بيّن، فالقول قوله، حتى يُثبِتَ الطرفُ الآخر أن لهذا الحديث شواهد ومتابعات، فيَخرجُ الراوي من طَور المحتجّ بهم. وفي كلّ حالٍ فمن المعلومِ أن الشيخان قد يحتجّان بالمليّن حديثه بما علِما أنه من صحيح حديثه. فما عُلِم أن الشيخان قد احتجا به، فهذا يقوّي شأنه ويثبت عدالته، لكنه دون التوثيق الكامل.

قال ابن القيم في زاد المعاد (1|364): «وعلّله ابن القطان بمطر الوراق، وقال: "كان يشبهه في سوء الحفظ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعيب على مسلم إخراج حديثه". انتهى كلامه. ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه، لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه. كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه. فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع حديث الثقة، ومن ضَعَّفَ جميع حديث سيئ الحفظ. فالأُولى طريقة الحاكم وأمثاله. والثانية طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله. وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن. والله المستعان». ونقل الترمذي في العلل الكبير (2|978 حمزة ديب، ص 394 السامرائي) عن شيخه البخاري قوله: «وكل رجل لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه، لا أروي عنه ولا أكتب حديثه».



من علامات الاستشهاد عند البخاري عبارة "قال لنا".

لا يخفى على أحد دقة البخاري في اختياره لمفرداته. وقد احتاط لصحيحه ما لم يحتط لغيره من مصنّفاته. فتراه يقول في صحيحه: "وقال لي علي بن عبد الله" يعني شيخه ابن المديني. وفي تاريخه يقول في القضية الواحدة: "حدثنا علي بن عبد الله".
والسرّ في ذلك أنه لا يعبّر في صحيحه بقوله "قال فلان" إلا في الأحاديث التي يكون في إسنادها عنده نظر، أو التي تكون موقوفة، أو التي رواها مُسنَدةً في موضعٍ آخر. وزعم بعضهم أنه يعبّر في ذلك فيما أخذه في المذاكرة أو المناولة. قال ابن حجر: وليس عليه دليل. بل نقل عن شيخه أبو الفضل نقضه لذلك بأنه وجد في الصحيح عدة أحاديث يرويها البخاري عن بعض شيوخه قائلا "قال فلان"، ويورِدَها في موضعٍ آخر بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ.
قال ابن حجر في فتح الباري (5|ص3): «وهذه الصيغة هي "قال لنا" يستعملها البخاري –على ما استقرأت من كتابه– في الاستشهادات غالباً، وربما استعملها في الموقوفات». وقال صالح بن سعيد عومار الجزائري في كتابه "التدليس وأحكامه" (ص255): «وباستقرائي للجامع الصحيح، مع ملاحظة المواضع التي استعمل فيها البخاري هذه الصيغة، ثم الاستعانة بكلام الحافظ ابن حجر في توضيحها، تبين لي أن البخاري رحمه الله، استعمل صيغة "قال لنا" غالباً في الآثار الموقوفة، التي يكون ظاهرها الوقف لكنها تحتمل الرفع وليست بصريحة فيه. واستعملها أيضاً –ولكن في مواضع نادرة– لأغراض أخرى كفائدة في إسناد –نحو التصريح بالسماع من مدلس– أو قصورٍ في السند –كوجود راوٍ فيه ليس على شرطه– أو في المتابعات».

وقال ابن حجر في الفتح (1|188): «وقد ادعى ابن مندة أن كل ما يقول البخاري فيه "قال لي" فهي إجازة، وهي دعوى مردودة. بدليل أني استقريت كثيراً من المواقع التي يقول فيها في "الجامع": "قال لي" فوجدته في غير الجامع يقول فيها: "حدثنا". والبخاري لا يستجيز في الإجازة إطلاق التحديث، فدل على أنها عنده من المسموع. لكن سبب استعماله لهذه الصيغة: ليفرق بين ما بلغ شرطه وما لا يبلغ».

وقال الشيخ عبد العزيز الطريفي: «وإذا قال البخاري: "قال فلان"، وهو من شيوخه، كما حكاه عن هشام بن عمار وعلي بن المديني وعبدالله بن صالح وغيرهم، فيظهر أنه أراد أنه دون شرطه في الصحيح، مع ثبوت الاتصال في هذا الخبر لأن البخاري ليس من أهل التدليس. والله أعلم».
ومن هنا سمى الدمياطي: ما يعلقه البخاري عن شيوخه "حوالة". ومثالها حديث المعازف الشهير، الذي علقه البخاري عن شيخه هشام بن عمار، رغم أنه سمعه منه، والسبب هو ضعف حفظ أحد رواة الحديث (عطية بن قيس الشامي).



طرق التحمل والأداء عند البخاري:
السماع من لفظ الشيخ: لم يفرق البخاري بين قول المحدث حدثنا أو أخبرنا وأنبأنا.
القراءة والعرض على المحدث: رجح البخاري أنه لا فرق بين السماع من العالم والقراءة عليه (العرض) وأنهما متساويان. بمعنى إذا قرئ الرجل على المحدث فلا بأس أن يقول: "حدَّثَني".
لا البخاري يرى صحة الرواية بالإجازة المطلقة وإنما يرى صحة الإجازة المقترنة بالمناولة أو المكاتبة. وقد ذكر العلماء للمناولة ثلاثة أنواع هي:
1 – المناولة المقرونة بالإجازة مع التمكين من النسخة والرواية بها صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين.
2 – المناولة مع الإجازة من غير تمكين من النسخة، يرى الفقهاء والأصوليون أنه لا تأثير لها، ولا فائدة فيها بينما شيوخ الحديث يرون لذلك مزية معتبرة.
3 – المناولة المجردة من الإجازة أجازها طائفة من أهل العلم، وصححوا الرواية بها، وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على من أجازها وسوّغ الرواية بها.
والإمام البخاري يعتبر النوع الأول فقط. وأما النوعين الآخرين (وما يتفرع عنهما كالإعلام والوصية والوجادة) فهما من توسع المتأخرين بعد عصر الرواية محافظة على بقاء الإسناد.



ملاحظة: هناك الكثير جداً من الكتب والرسائل التي كتبت عن منهج البخاري في الحديث والفقه، لكن أنفعها وأكثرها فائدة هي رسالة ماجستير من إعداد الشيخ "أبو بكر كافي" بإشراف الدكتور حمزة عبد الله المليباري طبع دار ابن حزم بعنوان "منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح".



سكوت البخاري في كتابه التاريخ عن راو لا يعد توثيقا له

قال الألباني في السلسلة الضعيفة (11|#5186): «وجدت عديداً من الرواة جرحهم (البخاري) في كتابه "الضعفاء الصغير" (وهو مخصص عادة للجرح الشديد)، ومع ذلك سكت عنهم في "التاريخ الكبير". فهذا مثلا في المجلد الذي بين يدي أَورد فيه (4|2|106): "نصر بن حماد الوراق، أبو الحارث البجلي، عن الربيع بن صبيح"، وسكت عنه، مع أنه أورده في "الضعفاء" وقال (ص35): "يتكلمون فيه"». وقد يسكت أيضاً عن الراوي الثقة، مثل خالد بن مهران الحذاء، وقد أكثر عنه في صحيحه.



متفرقات وفوائد عن البخاري وصحيحه:

1- الإمام البخاري كان من أئمة الفقه المجتهدين. وتبويبه يدل على فقه واسع وذكاء مفرط. وكم من حديث تظنه لا يتعلق بالباب ولكن بعد التأمل تجد أن فيه إشارة ولو بعيدة إليه. لكن هذا التفنن صار سيئة في صحيح البخاري لصعوبة الوصول إلى حديث معين. ولذلك تفوق صحيح مسلم على صحيح البخاري بحسن تبويبه.



2- الإمام البخاري كان لا يحب الحنفية. ولذلك كان حريصاً على إيراد أي حديث يرد على الأحناف إن وافق شرطه. لذلك أي حديث يرد على الأحناف لا تجده في صحيح البخاري لا مسنداً ولا معلقاً، فهو قطعاً ليس على شرطه. وغالباً يكون ضعيفاً. إنظر نصب الراية (1|355).

وليس معنى هذا أن البخاري صنف صحيحه للرد على الحنفية، بل هو يرد عليهم في مسائل معدودة خالفوا فيها السنة الصحيحة التي تبين لدى البخاري صحتها. وهي إشارات خفية وبعضها صريحة. وقد سبق الى مثل هذا ، فقوله "قال بعض الناس" أول من استعمله هو الشافعي. ومن أسباب حملة البخاري على الحنفية دون غيرهم من أهل الرأي (كالمالكية)، هو تأثره بشيوخه، وخاصة بالحميدي الذي صنف كتاباً في الرد على الحنفية سمعه منه الكبار (كأبي زُرعة). والسبب الآخَرُ هو انتشار الحنفية في دياره وخصوصا في بلاد ما وراء النهر وفي بلاد خراسان وشدة تعصبهم لمذهب أبي حنيفة. فكان لا بد من الرد عليهم وتنبيههم. ولهذا صنّف "جزء في رفع اليدين" و "جزء في القراءة خلف الإمام". ويُكثر من الاستدلال بابن المبارك، لأنه مُعَظَّمٌ لدى سائر المسلمين من أهل الرأي وأهل الحديث. وكان ابن المبارك عند أهل خراسان هو شيخ الاسلام، وقد كان كذلك رحمه الله. والشاهد أن إشارات البخاري في الرد على أبي حنيفة وأتباعه، تدل على شدة معرفته بالحديث والفقه وتدل على معرفته بدقائق الفقه، على خلاف عادة كثير من المحدثين.



3- أخرج البخاري لعدد من المبتدعة الدعاة في صحيحه، لكن ليس فيما ينشر بدعتهم. فأخرج للخوراج وللمرجئة وللقدرية وللشيعة وللنواصب من الدعاة ومن غير الدعاة. ولكن لا أعلم له حديثاً أخرجه لمبتدع يدعو فيه لبدعته.



4- وشرط البخاري في الرجال أشد من شرط مسلم، وهو أعلم منه بالعلل وبالفقه. وطريقته في العلل بصرية بحتة، وهي طريقة شيخه ابن المديني (إمام العلل). وأحمد ينهج نهجاً وسطاً بين الكوفيين والبصريين. ومسلم خراساني قريب من منهج أحمد (وهو من تلامذة أحمد الملازمين له)، ويحبذ نهج الكوفيين في العلل على نهج البصريين. والمنهج الكوفي يمتاز بالمرونة. وربما يصح أن نطلق عليه المتساهل المتشدد في آنٍ واحد أمام المنهج البصري. وأحياناً يكون المنهج الكوفي أشد، وخصوصاً في الرجال. وإمام المنهج الكوفي هو ابن معين.



5- البخاري قد يروي بالمعنى (وهذا نادرٌ للغاية كما ثبت بالمقارنة وكما أشار الصنعاني في كلامه عن اختلاف أحاديث البخاري ومسلم). ومسلم شديد العناية باللفظ ولا يحدث إلا من أصوله. فإذا اختلف ‏اللفظ بينهما عن نفس الشيخ، كان لفظ مسلم هو الراجح. وقد يكون غير ذلك إن اختلف الشيخ.‏



6- لا بُدّ من التفريق بين ما علقه البخاري في صحيحه بصيغة جزم ‏‏(وهو صحيح لكن على غير شرط كتابه)، وبين ما علقه بصيغة التمريض (وهو من نوع الحسن الضعيف الذي يحتمل الصحة إن لم يبين علته)، ‏وبين ما أسنده في كتابه في قسم الأحكام (وهو الصحيح على شرط البخاري).



7- غالب ألفاظ الأحاديث التي انتقدوها على البخاري قد أخرجها بلفظها الصحيح في موضع آخر من كتابه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" (ص86)، وهو في "مجموع الفتاوى" (1|256): «ولا يبلغ تصحيح ‏مسلم مبلغ تصحيح البخاري. بل كتاب البخاري أجلُّ ما صُنِّف في هذا الباب. والبخاري من أعرف خلق الله بالحديث وعِلله، مع فقهه فيه. وقد ‏ذكر الترمذي أنه لم ير أحداً أعلم بالعلل منه. ولهذا كان من عادة البخاري إذا روى حديثاً اختُلِفَ في إسناده أو في بعض ألفاظه، أن يذكر ‏الاختلاف في ذلك، لئلا يغترَّ بذكره له بأنه إنما ذكره مقروناً بالاختلاف فيه. ولهذا كان جمهور ما أُنكر على البخاري مما صحّحه، يكون قوله ‏فيه راجحاً على قول من نازعه. بخلاف مسلم بن الحجّاج، فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه». ثم ضرب أمثلة.



8- وهو أيضاً يتساهل في غير الأحكام تساهلاً خفيفاً مثل باقي أئمة الحديث، كما ثبت لي بالاستقراء وكما أشار إليه بعض ‏الحفاظ. مثال ذلك: حديث الإستخارة في إسناده ضعف يسير وتفرد، ولكنه دعاء في أي حال! ومثاله: حديث من عادى لي ولياً فقد آذنني بالحرب، حديث فيه ضعف بكل شواهده كما بين الذهبي في "الميزان" وابن رجب في "جامع العلوم والحكم". لكن ليس فيه أحكام فقهية، ومعناه حسن. ومثاله: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وهو حديث جميل جداً لكن إسناده فيه ضعف يسير. وغالب ما كان عند البخاري وليس عند أحمد أو عند مسلم فهو حديث فيه علة. وقد تكون العلة غير قادحة إلا أنها تنزله من مرتبة أعلى الصحيح. ذلك أن شرطيهما أسهل بكثير من شرطه، فتأمل.

فمن هذا حديث "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. وحديث الاستخارة، فيه عبد الرحمن بن أبي الموال، وفيه كلام. وقد أنكروا عليه حديث الاستخارة هذا. وانظر ما كتبه ابن عدي في الكامل عنه. وحديث "من عادى لي ولياً" غريبٌ جداً. إنظر جامع العلوم والحكم (1|357)‏. قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال (26|97): «هو من غرائب الصحيح، مما تفرد به شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي ‏هريرة. وتفرد به خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن شريك». وكلاهما فيه ضعف.‏ وشرط البخاري في أحاديث الأحكام، أنه لا يأخذ إلا الطبقة الأولى في أصل الباب من أصحاب المحدثين الكبار. فيأخذ مالك ومعمر عن الزهري، ويترك الكثير من الثقات ممن حدثوا عن الزهري لكن لم يلازموه طويلاً. وقد تفرد شريك -على لينه- عن عطاء. مع أنه لو كان للحديث أصل لرواه الحفاظ ولتناقلوه فرحوا به، لشدة جماله ولأنه ممن يرفعهم قدراً بين الناس. وقد قال عنه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1\360): «إنه أشرف حديث في ذكر الأولياء».‏

فهذه الأحاديث على التسليم بصحتها، فإنها ليست على شرطه قطعاً. وهو لم يُعَلّقها حتى نقول أنها خارج شرط الصحيح. وقد ترك في الأحكام أصح منها بكثير. فمثل هذه الأحاديث مجرد أمثلة على أن ما يخرجه البخاري في غير الأحكام ليس على نفس شرطه، بل يتساهل. وأرى أن هذا مذهب مقبول منه. والله أعلم.



9- الشائع أن البخاري لم يخرج في صحيحه عن الأحناف. لكن يظهر أن ذلك ليس على إطلاقه، فقد خرّج لمعلى بن منصور وحفص بن غياث (وفي نسبة الأخير لأبي حنيفة خلاف).



10- نقل ابن حجر عن الكرماني قوله: «مع أن البخاري في جميع ما يروده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم. وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة من الشافعي وأبي عبيد وأمثالهما. وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما». أقول: أما نقله في تفسير الغريب عن كبار النحويين كأبي عبيدة والفرّاء، فهذا مقبول لا بأس به، لأن اللغة إنما تكون بالتلقي لا بالاستنباط. وأما أنه يقلد الشافعي في المباحث الفقهية، فهذا باطل. لأن البخاري أحد أئمة الفقه المجتهدين، بل هو من كبار الفقهاء. وقد فضله جماعة على أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. فالإمام البخاري لا يقلد أحداً (لا الشافعي ولا أحمد ولا أبا عبيد ولا غيرهم). وصحيحه -وما تضمنه من أختيارات- يدور فيها مع النص، يخالف فيها الأئمة أو بعضهم. وأما أن يقلد المبتدعة كالكرابيسي وابن كلاب في الاعتقاد، فحاشاه. بل هو على معتقد أهل السنة والجماعة كما يظهر ذلك جلياً لمن قرأ الصحيح في مسائل الإيمان والتوحيد وغيرها. ومن أراد أن يعرف الفرق بين مذهب الإمام البخاري وبين ابن كلاب والكرابيسي وغيرهما، فليقرأ في "درء تعارض العقل والنقل" (1|ص270–276).



11- لا يبالغ البخاري في ألفاظ الجرح والتعديل. إذ يلاحظ تورعه عن استعمال ألفاظ حادة في الجرح. فغالباً ما يقول: فيه نظر، يخالف في بعض حديثه، وأشد ما يقول: منكر الحديث. وكذلك لا يبالغ في ألفاظ التوثيق، بل يكتفي بقول: ثقة، أو حسن الحديث، أو يسكت عن الرجل.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 2011-04-01, 05:31 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي








منهج مسلم
نسبه

الإمام مسلم عربي أصيل من بني قشير، وهو ليس من الموالي كما يعتقد بعض طلبة العلم اليوم.



شرط الإمام مسلم

قسم الإمام مسلم مجموع ما أُسند إلى رسول الله r إلى ثلاثة أقسام:
1- روايات الحفاظ المتقنين وقد التزم بتخريج رواياتهم.
2- من ليس موصوفا بالحفظ والإتقان ممن يشملهم اسم الستر والصدق. فهؤلاء يتبع رواياتهم أهل القسم الأول.
3- المتهمون بوضع الحديث ومن الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، فهؤلاء يمسك عن حديثهم.
وقد بنى مسلم صحيحه بناءً على القسم الأول في الأصول، ثم قد يتبع الحديث بشواهد من القسم الثاني. أما القسم الثالث فلم يذكره في كتابه.

وقد تحدث الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة" (ص150) عن "معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم". قال: «ولنوضح ذلك بمثال، وهو أن تعلم أن أصحاب الزهري مثلا على طبقات خمس، ولكل طبقة منها مزية على التي تليها وتفاوت. فمن كان في الطبقة الأولى فهو الغاية في الصحة، وهو غاية مقصد البخاري. والطبقة الثانية شاركت الأولى في العدالة، غير أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة للزهري، حتى كان فيهم من يُزامله في السفر ويُلازمه في الحضر، والطبقة الثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه، وكانوا في الإتقان دون الطبقة الأولى، وهم شرط مسلم. والطبقة الثالثة: جماعة لزموا الزهري مثل أهل الطبقة الأولى، غير أنهم لم يسلموا من غوائل الجرح، فهم بين الرد والقبول، وهو شرط أبي داود والنسائي».

فائدة: نقل مسلم في مقدمة صحيحه الإجماع على أن الإسناد المعنعن -السالم صاحبه من وصمة التدليس- له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعِن والمعنعَن عنه، وإن لم يثبت اجتماعهما -أي إذا أمكن اللقاء فحسب- بشرط أن لا تكون هناك أي قرينة على عدم التقائهما. وهذا إجماع صحيح، ولم تثبت مخالفة البخاري وابن المديني له، كما توهم بعض العلماء.


بيان اعتماد مسلم على البخاري وأحمد

قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: «لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء». وقال أيضاً: «إنما أخذ مسلم كتاب البخاري فعمل فيه مستخرجاً وزاد فيه أحاديث». وقال الحاكم أبو أحمد: «رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام، فإنه الذي ألف الأصول وبَيَّن للناس. وكُلُّ من عَمِلَ من بعده، فإنما أخذه من كتابه. كمسلم، فرق كتابه في كتابه، وتجلَّد فيه حق الجلادة، حيث لم ينسبه إليه». و انظر هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص514).

لقد استفاد الإمام مسلم الكثير من الإمام البخاري فقد سار على طريقة البخاري في إفراد الأحاديث الصحيحة المسندة دون غيرها، في صحيحه. ولم يكن الإمام مسلم مجرد مقلد للإمام البخاري، بل كان إماماً مجتهداً له آراؤه الخاصة في التصحيح والتعليل والتجريح والتعديل. فنراه في صحيحه يخرج لرواة تركهم البخاري، ويصحح أحاديث أعلها البخاري، ويعل أحاديث صححها البخاري، ويترك رواة روى لهم البخاري. كما استفاد منه في كتابه الكنى.

(المزيد من الكلام عن أحمد)



مسلم لا يحتج بالوحدان

ليس في صحيح مسلم حديث أصل من رواية من ليس له إلا راو واحد أبداً. وليس في صحيح البخاري إلى حديث واحد عن تابعية من الوحدان.



منهج مسلم في ترتيب صحيحه

من عادة مسلم أن يرتب الروايات في كل باب بحسب صحتها. فيبدأ بأصح العبارات لفظاً وسنداً، ثم يتبعها بالروايات الأخرى التي تشهد لها. وقد تكون تلك الشواهد صحيحة لكن من مخارج أخرى (كاختلاف الصحابي)، أو تكون حسنة الإسناد (كرواية المستور والليّن)، أو تكون ضعيفة ذكرها مسلم للتنبيه عليها (وهذا قليل). وأحياناً يذكر الإسناد فقط ويقول "بنحوه"، ويكون هناك اختلاف طفيف في اللفظ، أو يكون هناك اختصار وإجمال، لكن تبينه الرواية المتقدمة الصحيحة.

قال المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص23): «من عادة مسلم في صحيحه أنه عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدم الأصح فالأصح. فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال أو خطأ تبينه الرواية المقدمة في ذاك الموضع». وقال: «عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها: يُقدّم الأصح فالأصح»


تبويب صحيح مسلم ليس من صنعه

لم يقم مسلم بكتابة عناوين أبواب صحيحه بنفسه كما فعل ذلك غيره. والعناوين التي نعرفها إنما وضعها النووي أو جمعها من علماء قبله.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 2011-04-01, 05:33 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي






منهج أحمد بن حنبل رحمة الله





منهج أحمد في توثيق الرجال معتدل، وهو أسهل من ابن معين في التوثيق. قيل ليحيى بن معين (كما في العلل ومعرفة الرجال 1|114): «لو أمسكت لسانك عن الناس فإن أحمد يتوقى ذلك؟ فقال: هو والله كان أشد في الكلام في الرجال، ولكنه هو ذا اليوم يمسك نفسه».

الإمام أحمد لم يشترط الصحة في مسنده
جاء في خصائص المسند لأبي موسى المديني (ص27): إن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال لأبيه: «ما تقول في حديث ربعي عن حذيفة؟». قال: «الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد؟». قال (عبد الله): «يصح؟». قال: «لا، الأحاديث بخلافه. وقد رواه الحفاظ عن ربعي عن رجل لم يُسمّه». قال (عبد الله): «قد ذكرتَهُ في المسنَد!». فقال (أحمد): «قصدت في المسند الحديث المشهور، وتركت الناس تحت ستر الله. ولو أردت أن أقصد ما صحّ عِندي، لم أروِ هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء. ولكنك –يا بُنَيّ– تعرف طريقتي في الحديث: لست أُخالِفُ ما فيه ضعف، إذا لم يكن في الباب شيءٌ يدفعه». ونقل ابن الجوزي في "صيد الخاطر" من خط القاضي أبي يعلى الفراء في مسألة النبيذ، قال: «إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم». وفي فهرسة ابن خير: «قال عبد الله: هذا المسند أخرجه أبي رحمه الله من سبع مئة ألف حديث. وأخرج فيه أحاديث معلولة، بعضها ذكر عللها، وسائرها في كتاب العلل، لئلا يخرج في الصحيح». وفي "منهاج السنة" لابن تيمية: «وشرطه في المسند أن لا يروى عن المعروف بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف». وقال ابن الجزري في "المصعد الأحمد" «وقد عاجلته المنية قبل تنقيح مسنده». قال الشيخ حمزة المليباري في "نظرات جديدة في علوم الحديث" (71): «وكذلك وُجِدت الموضوعات في جملة من الأحاديث التي أمر الإمام أحمد ابنه عبد الله بالضرب عليها، فضرب عليها عبد الله، في حين نسي جملة منها». وهناك رواة صرّح الإمام أحمد بأنّه لا يكتب حديثهم ولا يفرح به، مثل: عبد الرحمن بن زياد الأفرقي و ابن أبي ليلى والليث بن أبي سليم. في حين نجد أنّ لهم روايات في المسند.

قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: «لم كرهت وضع الكتب وقد عَمِلتَ المُسْنَد؟ فقال: «عَمِلتُ هذا الكتاب إماماً: إذا اختَلفَ الناسُ في سنّةٍ عن رسول الله r، رُجِعَ إليه». وقال أحمد كذلك: «إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمِئَةٍ وخمسينَ ألفاً (750,000). فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله r، فارجعوا إليه. فإن كان فيه، وإلا ليس بحجة». قال ابن كثير: فاتهُ أحاديث كثيرة جدًّا، بل قيل: إنَّه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في «الصَّحيحين» قريبًا من مئتين.... قال العِرَاقيُّ: ولا يلزم من ذلك أن يكون جميع ما فيه صحيحاً، بل هو أمثله بالنسبة لما تركه، وفيه الضَّعيف. أقول: بل أقر الفقيه الحنبلي ابن الجوزي بأن فيه الموضوع كذلك.

أحاديث استنكرها أحمد وهي مروية في مسنده
قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (1|132): «فأما حديث "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان". فقد خرجه أحمد (3|68) والترمذي وابن ماجه من حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعاً. قال أحمد: "هو حديث منكر، ودراج له مناكير"».

وقال الحافظ في (2|87): «وفي رواية للإمام أحمد "لا يصلى في شعرن"، وقد أنكره الإمام أحمد إنكارا شديدا». وهذا الحديث في المسند (6|101).

قال الحافظ (2|433): «وفي المسند (2|98) من حديث ابن عمر مرفوعا "من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم تقبل له صلاة ما دام عليه". وقد ضعف الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي طالب، وقال: "هذا ليس بشيء. ليس له إسناد"».

قال الحافظ (7|42): «عن أبي مجلز عن ابن عمر أن النبي (r) سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر، فرأى أصحابه أنه قرأ {تنزيل} السجدة. خرجه الإمام أحمد (2|83) وأبو داود، ولم يسمعه التيمي عن أبي مجلز... وقال الإمام أحمد: "ليس له إسناد". وقال أيضاً: "لم يسمعه سليمان من أبي مجلز، وبعضهم يقول فيه عن ابن عمر"، يعنى مرسلا».

جاء في المنتخب من العلل للخلال (ص50) حديث عمران بن حصين مرفوعا "ما شبع آل محمد من خبز بر". أمر أحمد بالضرب عليه، وهو موجود في المطبوع من المسند (4|441).

وكذلك (ص90) حديث أنس: "إن هذا الدين متين". قال أحمد: «هو منكر». وهو موجود في المسند (3|199).

وكذلك (ص163) أمر أحمد بالضرب عليه. وهو في المسند (2|202). وهو عند البخاري (6|612 فتح) ومسلم (2917). وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (6|615): «هو من غرائب شعبة».

وكذلك (ص191). قال أحمد: «اضرب عليه، فإنه حديث منكر». وهو في المسند (4|154).

وكذلك (ص206) قال: «أحاديث الكوفيين هذه مناكير».

وهناك أمثلة أخرى ومن كتب أخرى:

حديث: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". قال الترمذي في السنن: قال أحمد بن حنبل: «لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد».

حديث: "كنّا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة". قال أبو داود في سؤالاته: قال أحمد: «لا أصل له».

أحاديث شرب النبي (r) النبيذ. قال الإمام أحمد: «لا يصح في شرب النبيذ حديث».

حديث: "إذا قام إلى صلاة الليل كبر ثم يقول سبحانك اللهمّ وبحمدك ...الحديث". قال الترمذي في السنن: قال أحمد: «لا يصحّ هذا الحديث».

ملاحظة: معنى قول بعض الأئمة "استنكر حديثه أحمد"، هي لأن الإمام أحمد غالبا ما يخص خطأ الرواة في الإسناد أو المتن بالنكارة، وإن كانوا من كبار الثقات. وهذه الصيغة ليست بالضرورة جرحاً في الراوي، فالثقة قد يُخطئ ويُستنكر له بعض الأحاديث. انظر كلام طارق عوض الله في مقدمته للمنتخب من العلل للخلال (ص 14-27).

حجة النافين لاحتجاج أحمد بالحديث الضعيف
لقد اشتهر عن الإمام أحمد أنه قال: «الحديث الضعيف أحبُّ إليَّ من رأي الرجال». وعيّر بعض الناس أهل الحديث بأنهم يبنون اختياراتهم الفقهية بناءً على الأحاديث الضعيفة والباطلة، بدلاً من القياس وفق القواعد الفقهية المتينة. ويرى بعض المحققين أن هذا خطأ على أهل الحديث. فليس هذا نص قوله، ولا هذا مقصوده.

جاء في تاريخ بغداد (13|448) وفي كتاب "السنة" المنسوب لعبد الله بن أحمد (1|180) قال: سألت أبي عن الرجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه مما يبتلى به من الأيمان في الطلاق وغيره. وفي مِصْرِهِ قومٌ من أصحاب الرأي ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف الإسناد والقوي الإسناد. فمَن يسأل: أصحاب الرأي أو أصحاب الحديث على ما كان من قلة معرفتهم؟ قال: «يسأل أصحاب الحديث ولا يسأل أصحاب الرأي. ضعيف الحديث خيرٌ من رأي أبي حنيفة». قال ابن حزم في "الإحكام" (6|226): «صدق رحمه الله. لأن من أخَذَ بما بَلَغهُ عن رسول الله (r) وهو لا يدري ضعيفه، فقد أُجِرَ يقيناً على قصده إلى طاعة رسول الله (r) كما أمره الله تعالى». فهذا جواب الإمام أحمد في مسألة قد يواجهها سائلٌ مضطرٌّ في ظروفٍ لا يجد فيها عالماً بسنة رسول الله (r) يعرف الحديث الصحيح من الحديث الضعيف. ففي هذه الظروف الصعبة فقط، يجيز الإمام أحمد – لِمَن هذه حاله– أن يسأل أهل الحديث الذين تنقصهم المعرفة بالصحيح والضعيف، ولا يجيز له أن يسأل أصحاب الرأي (الذين كذلك وصفهم في السؤال بعدم معرفة الصحيح من الضعيف). هذا والمعروف عن الإمام أحمد شدته على الأحناف لِما حصل أيام الفتنة، فرأى أن يذهب الرجل إلى صاحب حديث أحسن بتقديره من الشيخ الحنفي.

أما ما يفعله الإمام الترمذي من سرد الحديث الضعيف وبيان ضعفه وعدم ثبوته، ثم قوله أن العمل عليه، فليس معنى هذا أنه يحتج به. وكيف يحتجُّ بقولٍ يُثْبْتُ بنفسِهِ أن النبي (r) ما قاله؟! بل يقصد أن معنى الحديث صحيح لما يدل عليه القياس وقواعد الشريعة، وقد عمل به فلان وفلان، لكن الحديث لا يصح. أما من قال أن الحديث الضعيف أفضل من رأي الرجال. فنقول إن الحديث إذا لم تثبت نسبته لرسول الله (r) فهو قطعاً من رأي الرجال. وليس هو كالاجتهاد المرتكز على القياس وفق القواعد الفقهية الثابتة، بل هو عادة خطأ من راوٍ أو كذبة من وضّاع أو رأيٍ محض من أحد الرواة. فكيف تستبدل ما هو خير بالذي هو أدنى؟! والمذهب المبني على حديث ضعيف هو بدوره مذهب ضعيف.

فنسبة هذا المذهب الرديء إلى الإمام أحمد فيها نظر. ويوضحه ما جاء في مسائل عبد الله (3|1311) قال: سألت أبي عن الرّجُل: يكون له الكتب المصنَّفة فيها قول رسول الله (r) واختلاف الصحابة والتابعين، وليس للرجل بصَرٌ بالحديث الضعيف المتروك منها، فيفتي به ويعمل به؟ قال: «لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها، فيكون يعمل على أمرٍ صحيحٍ يسألُ عن ذلك أهل العلم». قلت: فهذا نصٌّ صريحٌ من الإمام أحمد أنه لا يجوز –لمن ليس له بصر بالحديث– أن يعمل به، حتى يسأل من يميز من أهل العلم بين الصحيح والضعيف. أفيُعقَلُ بعد هذا أن نقول عن من يعرف ويميّز بين الصحيح والضعيف في الحديث –مثل الإمام أحمد– أنه يُفتي أمة محمد (r) بحديثٍ ضعيفٍ عنده غير صحيح؟‎!‎

والصواب أن الضعيف الذي يحتجون به أو يستأنسون به أو يقدمونه على الرأي، هو الحديث الذي لم يتبيّن صوابه ولا خطؤه، وذلك لاحتمال أن يكون قولاً للنبي (r). وقد يطلقون عليه بالضعف أو يطلق عليه المتأخرون بالحسن. وأما ما تبين فيه الخطأ، وثبت أنه قول صحابي أو تابعي وليس قولاً للنبي (r)، فلا يحتج به، ولا مجال لتقديمه على رأيٍ آخر، لتساويهما في الأمر. مع العلم أنه ثبت من خلال الاستقراء أن هذه الأحاديث التي يحتجون بها، هي عند المتأخرين من قبيل الحديث الحسن، هذا إذا لم يأت خلافها. والمتأخرون يحتجون بهذا مطلقاً ويتوسعون فيه حتى لو عارضه حديثٌ صحيح!

قال الأثرم: سُئِلَ أبو عبد الله (أحمد بن حنبل) عن عَمْرِو بن شُعَيْب، فقال: «أنا أكتب حديثه وربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء». وقال الأثرم (كما في شرح العلل ص188): «كان أبو عبد الله، ربما كان الحديث عن النبي (r)، وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجئ خلافه أثبت منه، مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري. وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجيء خلافه». أما المتأخرون فيحسّنون حديث عمرو بن شعيب ويحتجون به مطلقاً. ومثال آخر: قال الدوري في تاريخه (231): «سمعت أحمد بن حنبل وقيل له: "يا أبا عبد الله، ما تقول في موسى بن عبيدة الربذي وفي محمد بن إسحاق؟". فقال: "أما محمد بن إسحاق فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث -كأنه يعني المغازي ونحوها-. وأما موسى بن عبيدة الربذي فلم يكن به بأس، ولكنه حدث بأحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر. فأما إذا جاء الحلال والحرام، أردنا أقواما هكذا". وقبض على أصابع يديه الأربع». فدل على أنه يُفصّل في أحاديث ابن إسحاق والربذي، فيأخذ به في المغازي والسير وفي المتابعات، وأما إذا تفرد بحكم فقهي فلا يأخذ به. أما المتأخرون فيحسنون تلك الأحاديث ويحتجون بها.

وفي ضوء هذه النصوص يمكن القول بأن احتجاج أحمد بتلك الأحاديث الضعيفة التي لم يتبين فيها الخطأ كان على سبيل الاحتياط لاحتمالها أن تكون مما قاله النبي (r)، وليس احتجاجه بها كما يحتج بجميع أنواع الأحاديث الصحيحة وما يقاربها.

حجة المثبتين لاحتجاج أحمد بالضعيف
قال المثبت: يأخذ الإمام أحمد بالضعيف إذا لم يكن في الباب ما يدفعه، أو لم يكن في الباب غيره. وهذا على تفصيل فيما يبدو بعد استقراء صنيعه.

1) فمثلاً قال عن عبد الرحمن ابن إسحاق الواسطي: «متروك الحديث»، «ليس بشيء. منكر الحديث» (كما في موسوعة أقوال الإمام أحمد 2|317 لأبي المعاطي). ثم احتج به في وضع اليدين تحت أو على السرة، في أثر علي المشهور.
* والجواب أن: أثر علي (ر) لم يحتج به الإمام أحمد: جاء في (مسائل أبي داود 220 طارق): «قال: وسمعته سئل عن وضعه، فقال: "فوق السرة قليلاً، وإن كان تحت السرة فلا بأس"». فانظر –بارك الله فيك– لم يقل: «فوق السرة قليلاً، وتحت السرة». فالسنة عنده فوق السرة قليلاً، وقال: «وإن كان تحت السرة فلا بأس». ولو كان أثر علي الذي في سنده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، سنة عنده، لما قال: «فلا بأس». ولقدَّمَه علَى قوله: «فوق السرة قليلاً». فتفكر. ومما يؤيد أنه لم يأخذ بحديثه، أن ابنه عبد الله قال: «رأيت أبي إذا صلى، وضع يديه إحداهما على الأخرى فوق السرة».

2) قال المثبت: وقال أحمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل: «منكر الحديث» (كما في الموسوعة 2|285) ثم أخذ بروايته في الصدقة بوزن شعر المولود (كما نقله عنه ابن القيم في تحفة المودود).
* والجواب: قال صالح بن أحمد: قال أبي: «إن فاطمة (ر) حلقت رأس الحسن والحسين، وتصدقت بوزن شعرهما ورقاً». قلت: هذا قول الإمام أحمد. وهل جميع الطرق في سندها عبد الله بن محمد بن عقيل، حتى نقول أن الإمام أحمد أعتمد عليه وأخذ بروايته فقط؟

3) قال المثبت: قول: «رب اغفر لي، رب اغفر لي» بين السجدتين في حديث حذيفة (ر). فإنه لم يثبت في الباب شيء، حتى روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم أن كان لا يقول شيئاً، و أن طاووساً كان يقرأ القرآن بينهما. وقد أخرج مسلم حديث حذيفة (782) من رواية أبي معاوية وابن نمير وجرير كلهم عن الأعمش بدون ذكر هذا الدعاء. وقد تفرد بذكره حفص بن غياث عن الأعمش دون سائر أصحابه كما عند ابن خزيمة (684). وقد أخذ بهذه الزيادة الإمام أحمد كما في مسائل أبي داود (رقم 240 – طارق): «قال: قلت لأحمد ما يقول بين السجدتين؟ قال: "رب اغفر لي"».
* الجواب: هذا صحيح. وجاء في المغني (1|309): «قال رحمه الله: يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي، رب اغفر لي" يكرر ذلك مراراً. والواجب منه مرة، وأدنى الكمال ثلاث». وهذا يدل على أنه صحيح عنده أو حسن، وإلا لما أفتى به. وأخذ به أيضاً: ابن خزيمة والحاكم. وأحمد يتساهل في مثل هذه الأمور.

4) قال المثبت: في مسائل عبد الله (85) عن أبيه قال في التسمية على الوضوء: «لا يثبت عندي هذا، ولكن يعجبني أن يقوله». وفي مسائل أبي داود (30) عن أحمد قال: «إذا بدأ يتوضأ يقول: "بسم الله"». وفيها (31) عن أحمد قال: «ولا يعجبني أن يتركه خطأًً ولا عمداً، وليس فيه إسناد». هذا فيه أخذ بالضعيف.
* الجواب: البسملة مطلوبة في الوضوء وفي غيره. والإمام أحمد قد يستدل بعموميات في مثل هذا.

5) قال المثبت: وفي مسائل عبد الله (112) أن أباه نهاه عن كثرة الوضوء، وقال له: «يقال: إن للوضوء شيطاناً يقال له: الولهان». وحديث "الولهان" تفرد به حبيب بن أبي حبيب، وعنه قال أحمد: «ليس بثقة»، «كان يحيل الحديث ويكذب»، «كذاب» (الموسوعة 1|223). وانظر كلام ابن حبان عنه في المجروحين (1|323 #272).
* الجواب: هذا الحديث قد رواه الترمذي في جامعه وقال: «وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن قوله». وفي تاريخ ابن معين (رواية الدوري) (3|343) قال: سمعت يحيي يقول: «قد روي سفيان الثوري عن بيان عن الحسن "إن للوضوء شيطان يقال له الولهان". هذا بيان بن بشر». فالظاهر أن الاعتماد على مرسل الحسن البصري. وانظر –بارك الله فيك– قول الإمام أحمد حيث قال «يقال» ولم يقل «قال رسول الله (r)». ولو كان ثابت عنده عن النبي (r) لما قال: «يقال إن للوضوء...».

6) قال المثبت: وفي مسائل أبي داود (1001) عن أحمد: «المرأة تكفن في خمسة أثواب». وحديث تكفين المرأة في خمسة أثواب في المسند (6|380) عن ليلى الثقفية، وفيه مجهول وانظر نصب الراية (2|258).
* الجواب: حديث تكفين المرأة في خمسة أثواب، رواه أحمد وأبو داود. قال العظيم آبادي في "عون المعبود شرح سنن أبي داود" (8|434): «قال الحافظ في التلخيص: والحديث أعله ابن القطان بنوح وأنه مجهول –وإن كان محمد بن إسحاق قد قال إنه قارئاً للقرآن–. وداود حصل له فيه تردد: هل هو داود بن عاصم بن عروة بن مسعود، أو غيره. فإن يكن بن عاصم فثقة. فيعكر عليه بأن ابن السكن وغيره قالوا: إن حبيبة كانت زوجاً لداود، فحينئذ لا يكون داود بن عاصم لأم حبيبة عليه ولادة، أي لأنه زوج ابنتها. وما أعله به ابن القطان ليس بعلة. وقد جزم ابن حبان بأن داود هو: ابن عاصم، وولادة أم حبيبة مجازية إن تعيّن ما قاله ابن السكن. وقال بعض المتأخرين: إنما هو ولدته بتشديد اللام، أي قبلته انتهى. قلت: فالحديث سنده حسن صالح للاحتجاج. والله أعلم».
قلت: وممن قال بتكفين المرأة بخمسة أثواب: ابن عمر (ر) والحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين. وكثيراً ما يفتي أحمد بن حنبل بقول من سبقه من الصحابة والتابعين، إن لم يكن في الباب ما يناقضه، وإن لم يكن دليله ثابتاً.

7) قال المثبت: في مسائل أبي داود (40) قال في اللحية: «يخللها. قد روي فيه أحاديث ليس يثبت فيه حديث».
* الجواب: تخليل اللحية من النظافة.

8) قال المثبت: وفيها أيضاً (178) أن: «الحائض لا تقرأ القرآن». وساق حديث: «إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع...». ونقل الشيخ طارق في الحاشية عن الإمام أحمد أنه أنكره.

9) وفي كتاب الترجل للإمام أحمد (ص10 #18): أن الإمام أحمد قال في الاكتحال: «وتراً، وليس له إسناد». أي ليس له إسناد يصح. وإلا فيه عن ابن عباس مرفوعاً من رواية عباد بن منصور المشهورة عن ابن أبي يحيى.

10) وفيه (#69) استدلال الإمام أحمد على كراهة حلق القفا بحديث مرسل.

* الجواب: ذلك لأن فيه تشبهاً بالمجوس.

11) قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (657): قال أحمد بن حنبل: «ليس في قطع السدر حديث صحيح»، وكان بعد هذا يكره قطعه.

* أقول: وهذا حق، وليس من جواب عليه إلا أن أحمد كان يعمل بالضعيف أحياناً.



وقد تعقب الشاطبي الإمام أحمد في هذا، كما في الاعتصام (2|16). فهذا منهج مستغرب من الإمام أحمد. فكيف الذي يعرف ويميز بين الصحيح والضعيف في الحديث -مثل الإمام أحمد- يفتي أمة محمد (r) بحديث ضعيف عنده غير صحيح؟ ومن العجيب أن ابن القيم قد تحمس لهذا الرأي فقال في إعلام الموقعين (1|31) (في زعمه بوجوب الأخذ بالحديث الضعيف): «وليس أحدٌ من الأئمة إلا وهو موافقُهُ (أي لأحمد بن حنبل) على هذا الأصل من حديث الجملة. فإنه ما منهم أحدٌ إلا وقد قدَّم الحديث الضعيف على القياس». وهذا باطلٌ ومخالفٌ لما قرره شيخه ابن تيمية، واحتجاج بعض الأئمة مثل مالك والشافعي بأحاديث ضعيف أو مرسلة، قد يكون لقرائن معها (مثل عمل المدينة) أو تكون قد صحت عندهم. وهل من أحد يقبل أن يفتي المسلمين في حديث منكر عنده لا يثبت عن النبي (r)؟

احتجاج أحمد بالصحابة
اختلف منهج الإمام أحمد حول الاحتجاج بمذهب الصحابي إن لم يأت خلافه، فأحياناً يحتج به وأحياناً يُعرض عنه. فمثلاً: جاء في مسائل إسحاق بن هانئ (165): «قلت لأبي عبد الله (أحمد بن حنبل): "حديثٌ مرسلٌ عن رسول الله (r) برجالٍ ثبتٍ أحبُّ إليك، أو حديثٌ عن الصحابة أو عن التابعين متصلٌ برجال ثبت؟". قال أبو عبد الله: "عن الصحابة أعجب إلي"». وهذا دليل صريح على أن أحمد يُقدّم قول الصحابي على الحديث المرسل. فلو كان الحديثُ المرسَلُ عنده صحيحاً، لما جاز أن يقدّم أحداً على رسول الله (r). بل الحديث المرسل ضعيفٌ عنده وعند الشافعي وعند أبي حنيفة وعند جمهور العلماء المتقدمين. وهذا التقديم يقتضي أن قول الصحابي حجة إن لم يكن في الباب حديث.

لكن جاء في مسائل أبي بكر الخلال (59): أخبرني عبدالله بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: «لا ينظر العبد إلى شعر مولاته»، وكرهه. قال أبي: «وروي عن ابن عباس أنه قال: "لا بأس أن ينظر العبد إلى شعر مولاته"، فكأنه تأول: {أو ما مَلَكَتْ أيْمَانُهُنَّ}. وقال سعيد بن المسيب: "لا تغرنكم هذه الآية التي في سورة النور: {أو ما مَلَكَتْ أيْمَانُهُنَّ}، إنما عنى بها الإماء". لا ينبغي للمرأة أن ينظر عبدها إلى جبينها، ولا إلى قرطها، ولا إلى شعرها، ولا إلى شيء من محاسنها». وجاء في (65): أخبرني محمد بن علي، قال: حدثنا الأثرم،قال: سألت أبا عبدالله عن العبد ينظر إلى شعر مولاته، فقال: «لا ينظر إلى شعر مولاته»، وذكر حديث سعيد بن المسيب. قلت له: فما قوله (تبارك وتعالى) {أو ما مَلَكَتْ أيْمَانُهُنَّ}؟ قال: «يقول: من النساء». قيل لأبي عبد الله: الخصي ينظر إلى شعر مولاته؟ قال: «لا». قيل: الخصي وغير الخصي عندك في هذا سواء؟ قال: «نعم»، وجعل يستعظم ما يستجيز بعض الناس من إدخال الخصيان على نسائهم. وذكرت لأبي عبد الله حديث ابن عباس: "لا بأس أن ينظر إلى شعر مولاته"، فقال: «ابن عباس كان له تأويل في القرآن كثير»، ثم قال: «وهذا من أي وجه هو؟». قلت له: السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس. فقال: «نعم». قلت: أفليس هذا إسناد؟ قال: «ليس به بأس».

فهنا رد تفسير حِبر القرآن ابن عباس برأيه من غير حديث ولا رأي صحابي، بل احتج بقول تابعي تلميذ لابن عباس. مما دل على أن قول الصحابي ليس بحجة عند أحمد. والله أعلم.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 2011-04-01, 05:34 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي







منهج أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله




بيان اعتدال النسائي وبعده عن التشدد

النسائي يعد من المتشددين في التوثيق والتعديل من جهة استعماله بعض العبارات في درجة أرفع مما هي عليه في اصطلاح المتأخرين. مثل عبارة: "ليس به بأس" فإن أكثر الذين وصفهم بها هم ثقات مطلقاً، بل إنه قال في جماعة كبيرة منهم في موضع آخر: "ثقة". وقد ظهر تشدده في إطلاقه عبارة: "ليس بالقوي" وشبهها على جماعة كبيرة من الصدوقين والمقبولين، ما أنه أطلق كثيراً بعض عبارات الجرح الأخرى في رجال هم أخف ضعفاً أو أرفع رتبة مما حكم عليهم به.

ولا يمنع اشتهار النسائي بالتشدد في الجرح والتليين أن يتساهل أحياناً في الحكم على بعض الرجال، فقد قال في رشيد الهجري: "ليس بالقوي" مع أنه هالك. وينظر ترجمة جارية بن هرم، والحكم بن عبد الله بن مسلمة الخراساني، وداود بن المحبر، وغيرهم. والله أعلم.

فهو إذاً يستعمل عبارات ليس فيها توثيق قوي، في رجال يحتج بهم. ويطلق في صدوقين خفيفي الضبط، ألفاظ يستعملها غيره في المتروكين. لكن لو فهمنا مصطلحاته الحديثية، لوجدنا أنه معتدل في أحكامه. وقد اشتهر بين أهل العلم أن النسائي ينسب إلى التشدد، وهو غير صحيح على إطلاقه كما تبيّن. وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن المعلمي في كتابه "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" (1|66): أن النسائي متساهل في جانب توثيق المجاهيل من القدماء. وقال كذلك: «ومن عادة النسائي توثيق بعض المجاهيل، كما شرحته في الأمر الثامن من القاعدة السادسة من قسم القواعد». وإن كان في مقام آخر من الكتاب نفسه (1|463) وصفه بالتشدد، يعني مع الرواة المشهورين. والحقيقة أن من سبر أحكام النسائي، لوجده يكثر من توثيق كبار التابعين ممن لم يرو عنهم إلا واحد، رغم تأخر زمانه عنهم. مثال على ذلك سعد بن سمرة بن جندب الفزازي.

واحتج من يرى تشدد النسائي بقول أبي طالب أحمد بن نصر بن طالب البغدادي الحافظ: «من يصبر على ما يصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن النسائي؟ كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة، فما حدث بها. وكان لا يرى أن يحدث بحديث ابن لهيعة». قلت: قال المزي في تهذيب الكمال: «روى النسائي أحاديث كثيرة من رواية ابن وهب و غيره يقول فيها: عن عمرو بن الحارث، و ذكر آخر: و هو فلان، و ذكر آخر، و نحو ذلك. و جاء كثير من ذلك مبيناً في رواية غيره أنه ابن لهيعة». أقول: هذا مع قول النسائي عن ابن لهيعة: "ليس بثقة"، وهي لفظة تفيد جرح العدالة. فهذه حجة لنا في أن النسائي غير متشدد.

واحتج هؤلاء أيضاً بأن النسائي قد ليّن بعض من أخرج لهم البخاري ومسلم. قال محمد بن طاهر المقدسي في "شروط الأئمة الستة" (ص104): «سألت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة عن حال رجل من الرواة فوثقه، فقلت: إن أبا عبد الرحمن النسائي ضعفه، فقال: يا بُني إن لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطاً أشد من شرط البخاري ومسلم». وشرح الذهبي هذا بأن النسائي قد لين رجالاً احتج بهم الشيخان. لكن ابن كثير اعترض على هذا الحكم بقوله في "اختصار علوم الحديث" (ص25): «وقول الحافظ أبي علي بن السكن وكذا الخطيب البغدادي في كتاب "السنن" للنسائي: "إنه صحيح"، فيه نظر. و "إن له شرطاً في الرجال أشد من شرط مسلِم"، غير مُسَلَّم. فإنه فيه رجالاً مجهولين إما عيناً أو حالاً، وفيهم المجروح، وفيه أحاديث ضعيفة ومعللة ومنكرة كما نبهنا عليه في "الأحكام الكبير"». وقال ابن الصلاح في "المقدمة" (ص39): «حكى أبو عبد الله الحافظ أنه سمع محمد بن سعد الباوردي بمصر يقول: كان من مذهب أبي عبد الرحمن النسائي أن يُخرج عن كل من لم يُجمع على تركه». وهذا كذلك يدل على تساهل من النسائي، ولذلك فقد غلط من قال بأن كل من أخرج له النسائي في سننه فإنه قد احتج به. ففي سننه رواة مجاهيل ورواة جرحهم بنفسه فضلاً عن غيره.

عموماً هناك دراسة جيدة حول هذا الأمر، وهي رسالة في خمسة مجلدات لقاسم علي سعد بعنوان "منهج الإمام أبي عبدالرحمن في الجرح والتعديل وجمع أقواله في الرجال". وقد نقلت الكثير من نتائجها بحروفها في هذا البحث. وقد قام الشيخ قاسم سعد بجمع واستقراء كلام الإمام النسائي في الجرح والتعديل ومقارنتها بكلام العلماء. وقد ذكر كل قسم بمفرده، فمن وثقهم النسائي بمفردهم، ومن جرحهم ولينهم بمفردهم، ومن جهلهم بمفردهم. وقال في الخاتمة (5|2321): «فالنسائي -رحمه الله- من النقاد المتبصرين المتوسعين الذين ختم بهم عهد المتقدمين، بل حاز قصب السبق في أهل عصره. وامتاز على أترابه وأقرانه، بالاستقلال والاتساع والدقة. ومازال أئمة النقد من المتأخرين يتوقفون عند قوله استحساناً له واختياراً . ونفَسُهُ في الجرح والتعديل هو نفس المتثبـِّتين المتحرّين من المتقدمين، مع مرونة حسنة. وهو في الجرح أشد منه في التعديل. ولو روعيت الاصطلاحات الخاصة به والعامة عند المتقدمين، لكان أقرب إلى الاعتدال -في التوثيق والتعديل- من التشدد». والمقصود أن ظاهر استعماله لاصطلاحات الجرح والتعديل أنه متشدد. لكن لو روعيت الاصطلاحات الخاصة به، لوجدناه أقرب للاعتدال من التشدد. وهو عين ما ذكرناه أعلاه.


اصطلاحات النسائي الحديثية

وأكثر عبارات التوثيق والتعديل استعمالاً عند النسائي هي كلمة: ثقة، ثم "ليس به بأس"، ثم "لا بأس به". وقد وضعت العبارتين الأخيرتين في درجة أعلى من درجة: "صدوق" لأن أكثر الذين قال فيهم النسائي: "ليس به بأس" و "لا بأس به" هم ثقات مطلقاً. بل إنه قال في جماعة كبيرة منهم في موضع أخر ثقة. ورغم هذا فإني لا أجرؤ على وضع هاتين العبارتين في وصف كلمة ثقة. وقد قدمت كلمتي: "لا بأس به صدوق" و"صدوق لا بأس به" على "ليس به بأس" و"لا بأس به" لأن كل الذين قال فيهم النسائي العبارتين الأوليين أو إحداهما، قد حكم عليهم في موضع أخر بكلمة: "ثقة".

وإطلاق كلمة: صالح في الأصل ينصرف إلى الصلاح في الدين لكن النسائي، وجماعة آخرين قصدوا بها الحكم على الرواية. وقد أشار إلى ذاك الأصل ابن حجر فقال في "النكت على كتاب ابن الصلاح" (2|680): «من عاداتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك فقالوا: صالح الحديث. فإذا أطلقوا الصلاح فإنما يريدون به في الديانة. وقد كان النسائي قليل الاعتناء بوصف الحفاظ، والفقهاء، والعباد، والزهاد، بما عرفوا به من حفظ وفقه، وعبادة، وزهد عند كلامه فيهم جرحاً وتعديلاً. كذلك لم يعتن حالة حكمه على الرجال بذكر ما نسبوا إليه من بدع.

فأما كلمة "ليس بالقوي" وما شابهها فإن النسائي يستعملها غالباً في الصدوقين ومن دونهم من أهل العدالة. ورغم كثرة استعمال النسائي لتلك العبارة في الصدوقين والمقبولين، فإنه يريد بها التليين كما يفيد قوله: "ليس بجرح مفسد". ولأنه حكم بها على رجال كثيرين في كتابه المختص بالضعفاء. وهذا ليس مصطلحاً خاصاً بالنسائي، بل هو ما عليه أهل الشأن. قال الذهبي في الموقظة (ص83): «وبالاستقراء إذا قال أبو حاتم: "ليس بالقوي". يريد بها أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوي الثبت». قال الذهبي أيضاً: «والبخاري قد يطلق على الشيخ: ليس بالقوي. ويريد أنه ضعيف». وقد تقدم في ترجمة سعد بن طريف وغيره أن البخاري وأبا أحمد الحاكم استعملا كلمة: "ليس بالقوي عندهم" في جماعة من المتروكين. والأمر نفسه بالنسبة لكلمة "ضعيف" أو "ضعيف الحديث"، فقد يراد منها مجرد التليين، لكنها تستعمل أيضاً مع الرواة المتروكين. فإذا وصف إمامٌ لأحد الرواة بأنه كذاب، فلا يناقض هذا وصف إمام ثان له بأنه ضعيف.



توثيقه للمجاهيل

أكثر عبارات التجهيل استعمالاً عند النسائي هي: لا نعلم أحداً روى عنه غير فلان، نحوها، ثم لا أعرفه، ثم ليس بالمشهور، وكذلك مجهول، ثم ليس بمعروف، وكذلك ليس بذاك المشهور، وكذلك ليس بمشهور، وكذلك لا أدري ما هو. وخلاصة القول: إن من اقتصر النسائي على ذكرهم فيمن لم يرو عنه إلا واحد، ومن أفرد فيهم إحدى العبارات التالية: "ليس بالمشهور" و: "ليس بمشهور" و: "ليس بذاك المشهور"، وعامة من أطلق فيهم عبارة: "مجهول"، وغالب الذين قال فيهم: "لا أعرفه"، هم مجهولو العين عنده. ويبدو أنه يستعمل العبارات التالية: "لا أدري ما هو" و: "لا علم له به" و: "ليس لي به علم" في مجهولي الحال.

وليست رواية الرجل الواحد عن رجل مستلزمة لجهالة عينه عند النسائي، لأنه لا يتحرج عن توثيق من لم يرو عنه إلا واحد إذا تبينت له ثقته من خلال سبر حديثه، مثل رافع بن إسحاق المدني. والله أعلم.

وقد ذكر الذهبي في "الموقظة" أن النسائي وابن حبان يوثقان المجاهيل. قال: «وقولهم: "مجهول"، لا يلزمُ منه جهالةُ عينِه. فإن جُهِلَ عينُه وحالُه، فأَولَى ‏أن لا يَحتجُّوا به. وإن كان المنفردُ عنه من كبارِ الأثبات، فأقوى لحاله، ‏ويَحتَجُّ بمثلِه جماعةٌ كالَّنسائي وابنِ حِباَّن». وقال الذهبي في "الميزان" (4|583) في بعض التابعين: «لا يُعرف، لكن احتج به النسائي على قاعدته». وقال الزيلعي في "نصب الراية" (1|333): «والنسائي وابن حبان وغيرهما يحتجون بمثل هؤلاء، مع أنهم ليسوا مشهورين بالرواية، ولم يرو واحد منهم حديثاً ليس له شاهد ولا متابع حتى يجرح بسببه، وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات». وقال المعلمي في "التنكيل" (2|164) في كلام له في بعض الرواة: «وتوثيق النسائي معارض بطعن البخاري. على أن النسائي يتوسع في توثيق المجاهيل كما تقدم في "القواعد"». وهذا يدل على تساهله في توثيق المجاهيل، وإن لم يصل لمستوى ابن حبان، لكنه قارب.

وحتى الألباني على تساهله، يقر بأن النسائي من المتساهلين في توثيق المجاهيل. سأل أبو الحسن: «نلاحظ من صنيع الحافظ ابن حجر أنه إذا انفرد النسائي –وأحيانا ابن معين– بالتوثيق فإنه يقول: "وثقه النسائي" ويهرب من العهدة، أو يقول فيه "صدوق". ونادراً ما يعتمد توثيقه. وإذا خالف النسائي أحد، فإن الحافظ يجنح للمخالف، سواءاً تعلق الأمر بتوثيق أو تجريح. وكذا يصنع الحافظ مع الدراقطني ومطين وابن عبد البر. فهل هذا لتساهله كما قال الشيخ المعلمي، بأن ابن معين والنسائي ربما وثقا بعض المجاهيل؟». فأجاب الألباني: «النسائي كالعجلي تقريباً في التساهل. فهو يوثق بعض المجاهيل، ولكنه لا يكثر من ذلك. فإذا انفرد النسائي بالتوثيق، فإننا إلى الرواة وصفاً وعدداً وكذلك من أخرج لهذا الراوي محل البحث ممن عرف بالانتقاء أو التشدد. وكذا ننظر في علو الطبقة ونزولها، وغير ذلك من القرائن».



منهجه في السنن

قال الحافظ ابن رجب في "شرح علل الترمذي" عن سنن النسائي: «تجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث، بدأ بما هو غلط، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له». وهذا تجده في السنن الكبرى أكثر من الصغرى. وهذه الملاحظة من الحافظ هي في غاية الأهمية، لأن منهج النسائي في الترتيب هو بعكس منهج مسلم. لذلك قال المعلمي في "الأنوار الكاشفة": «عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها: يُقدّم الأصح فالأصح».
وللفائدة: زوائد النسائي على الصحيحين لسيد بن كسروي حسن، تبلغ 3227 وزوائد النسائي على الصحيحين وعلى الترمذي وأبي داود حوالي 2400 حديثاً. وهو أصح السنن وأكبرها.


تشيع النسائي

و النّسائي هو أحمد بن شعيب: فارسي ولد في فارس ببلدة نساء. وقد قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (14|133): «فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي كمعاوية وعمرو». وعلى أية حال فتشيع النسائي كان خفيفاً لا يترتب عليه تبديع، وليس فيها طعن في العدالة. بل قد انتسب إليه بعض أهل السنة.

وقد أنكر أهل السنة على النسائي أنه كتب كتاباً في فضائل علي t دون أن يذكر الشيخين. وقد اعتذر عن ذلك بأنه كتبه للنواصب فقط! والغريب أنه كتب فيه الكثير من الأحاديث الضعيفة. قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (7|178): «النسائي صنف "خصائص علي" وذكر فيه عدَّة أحاديث ضعيفة». ثم إنه اضطرّ –تحت وطأة ضغوط أهل السنة– إلى تصنيف "فضائل الصحابة"، لكنه لم يذكر فيه الأحاديث في فضل معاوية t. فقيل له ألا تخرج فضائل معاوية t؟ فقال: «أي شيء أخرج؟ حديث اللهم لا تشبع بطنه؟». فسكت السائل.

قلت: والعجيب أن النسائي قد فهم هذا الحديث على أنه مذمة مع أن النسائي معدود من الأكلة المشهورين. فلا أكاد أقرأ له ترجمة إلا ويذكرون بها ولعه بالنساء والطعام. فقد ذكر المِزِّي على سبيل المثال في تهذيب الكمال (1|337): «وكان يكثر الجماع مع صوم يوم وإفطار يوم. وكان له أربع زوجات يقسم لهن. ولا يخلو مع ذلك من جارية واثنتين يشتري الواحدة خامسيه ونحوها، ويقسم لها كما يقسم للحرائر. وكان قوته في كل يوم رطل خبز جيد يؤخذ له من سويقة العرافين لا يأكل غيره كان صائماً أو مفطرا. وكان يكثر أكل الديوك الكبار تشترى له وتُسَمّن ثم تذبح فيأكلها، ويذكر أن ذلك ينفعه في باب الجماع!!».

ثم إنه ذهب مرة إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية وما جاء في فضائله، فقال: «لا يرضى رأساً برأس حتى يفضل؟». فضربه أهلها تعزيراً له، ثم خرج منها وتوفي في الرملة. كل هذا يظهر أنه كان عنده تشيع، لكن ذلك محل شك عندي. فإن له أقوالاً أخرى يثبت فيها فضائل معاوية ويترضى عنه. قال الحافظ أبو القاسم: «وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان. وإنما تدل على الكف في ذكره بكل حال». ثم روى بإسناده: سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله r، فقال: «إنما الإسلام كدار لها باب. فباب الإسلام الصحابة. فمن آذى الصحابة، إنما أراد الإسلام. كمن نقر الباب، إنما يريد دخول الدار. فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة». فهو إذاًَ لم يرَ من الحكمة أن يحدث النواصب بفضائل معاوية t فيزيدهم تمسكاً ببدعتهم. وكذلك لا يصح تحديث الشيعة بفضائل علي t، ولا الخوارج بأحاديث الوعيد، ولا المرجئة بأحاديث النجاة.

وقد ظن بعض المعاصرين أن النسائي يضعّف هذه الأحاديث، وليس ذلك بسديد. فقد أخرج في "فضائل الصحابة" أحاديث أضعف من هذه الأحاديث التي أخرجناها في فضائل معاوية. فتأمل ذلك وتدبره يا رعاك الله.



هل مجتبى النسائي من تأليفه؟

كتاب النسائي هو "السنن الكبرى"، وهو عدّة روايات استعمل منها المزّي في "التحفة" تسع روايات. وقد طبع الكتاب في دار الكتب العلمية (الحرامية)، 1991، بتحقيق: الدكتور عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، وهي طبعة ملفقة من عدّة روايات. وفيها من التصحيف والتحريف والسقط ما لا يخفى على أدنى طالب علم. وكتاب "المجتبى" –الذي طبع قديماً وهو المشهور المتداول، وإليه العزو عند الإطلاق– قيل أنه ليس من اختيار النسائي، بل هو من اختيار تلميذه أبي بكر أحمد بن محمد بن السني. نصّ على هذا الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3|940)، وفي "السِّير" (14|131). فيما اعتبر ابن الأثير في "جامع الأصول" (1|196) أن المجتبى من اختيار النسائي، وأنّه أهدى السنن لأميرٍ فقال: «أصحيح كلّه؟». قال: «لا». قال: «فاكتب لنا منه الصحيح»، فجرّد المجتبى. وقد ردَّ الذهبي هذا في "السير " (14|131) فقال: «هذا لم يصحّ. بل المجتبى اختيار ابن السني».
قال الدكتور فاروق حمادة (69): «وأما الجانب الآخر فيرى أن المجتبى هو من صنع النسائي نفسه من السنن الكبرى، وابن السني مجرد راوية له. ويقف في هذا الجانب فريقٌ كبيرٌ جداً من الأعلام والمحدّثين. وهو المعروف المشهور بين الناس. وهو الرأي الذي أصوّبه وأرتضيه، لدلائل عديدة. منها:

1- لم يقدم لنا الذهبي دليلاً على قوله هذا الذي جاءنا به، لا نقلاً ولا استنباطاً. وإن كان هو من الأعلام، لكنه خولف. والوهم لا يخلص منه إنسان.

2- وجود مثبتات على ذلك: ما نقله ابن خير الإشبيلي المتوفى سنة 575هـ بسنده عن أبي محمد بن يربوع قال: قال لي أبو علي الغساني رحمه الله: كتابي "الإيمان والصلح" ليسا من المصنف، إنما هما من المجتبى له -بالباء- في السنن المسندة لأبي عبد الرحمن النسائي، اختصره من كتابه الكبير المصنَّف. وذلك أن أحد الأمراء سأله عن كتابه في السنن: أكله صحيح؟ فقال: لا. قال: فاكتب لنا الصحيح مجرَّداً. فصنع المجتبى. فهو المجتبى من السنن. ترك كل حديث أورده في السنن، مما تكلم في إسناده بالتعليل. روى هذا الكتاب عن أبي عبد الرحمن: ابنه عبد الكريم بن أحمد، ووليد بن القاسم الصوفي. ورواه عن أبي موسى عبد الكريم من أهل الأندلس: أيوب بن الحسين قاضي الثغر، وغيره... انتهى. وهذا نصٍّ ظاهر في الموضوع.

3- كما أنني وجدت مجلدين من المجتبى قديمين جداً، كتبت عليها سماعات بين سنة 530هـ و561هـ، فيها نص ظاهر أنها من تأليف النسائي. وقد جاء في صدر أحدهما: الجزء الحادي والعشرون من السنن المأثورة عن رسول الله r. تأليف أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن بحر النسائي. رواية أبي بكر أحمد بن إسحاق بن السني عنه. رواية القاضي أبي نصر أحمد بن الحسن بن الكسار عنه. رواية الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن محمد الدوني عنه. رواية أبي الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري عنه. رواية الشيخ الإمام زين الدين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن نجاد الحنبلي الواعظ.

وفيها نص ظاهر على أنها من تأليف النسائي، وابن السني مجرد رواية لها. وإن كان أحد المجلدَين قد أكلت أكثره الأرضة، فالآخر لا يزال أكثره صالحاً واضحاً بخط مشرقي جيد يحمل رقم 5637 بالخزانة الملكية بالرباط. وعلى ظهر هذه النسخة كتب بخط قديم قدمها: "قال الطبني: أخبرني أبو إسحاق الحبال: سأل سائل أبا عبد الرحمن... بعض الأمراء عن كتابه السنن: أصحيح كله؟ فقال: لا. قال: فاكتب لنا الصحيح مجرداً. فصنع المجتبي (بالباء) من السنن الكبرى، ترك كل حديث أورده في السنن ما تكلم في إسناده بالتعليل".

وأبو إسحاق الحبال الذي ينقل عنه الطبني، هو الحافظ المتفنن محدث مصر إبراهيم بن سعيد بن عبد الله التجيبي. كان من المتشددين في السماع والإجازة، يكتب السماع على الأصول...

وكذلك نجد أن ابن الأثير الذي جرد الأصول الخمسة وضم إليها الموطأ، جرّد المجتبى وليس السنن الكبرى. وساق إسناده بالمجتبى. وفيه بالنص الواضح على أن المجتبى من تأليف النسائي ذاته. يقول ابن الأثير انه قرأه سنة 586هـ على أبي القاسم يعيش بن صدقة الفراتي إمام مدينة السلام الذي قراه على أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسن بن محمويه اليزيدي سنة 551 والذي قرأه على أبي محمد عبد الرحمن بن حمد بن الحسن الصوفي الدوني سنة 500هـ في شهر صفر والذي قرأه على أبي نصر أحمد بن الحسين الكسار بخانكاه دون سنة 433هـ والذي قرأه على ابن السني سنة 363هـ والذي قال: حدثنا الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي رحمه الله بكتاب السنن جميعه.

وهذا نص واضح قبل ما يزيد على قرن ونصف من الزمن. ونص أبي علي الغساني أسبق من هذا كذلك... كما أن ابن السني ذاته قد نص أنه سمع المجتبى من مصنفه بمصر في أكثر من موضع منه. انظر المطبوع 7|171 صدر كتاب الصيد والذبائح. وقد وجدت نسخاً مخطوطة ينص على سماعها من النسائي بمصر في صدر المجتبى. منها نسخة في الخزانة العامة بالرباط تحت رقم 1877ك و2408ك». انتهى كلام الدكتور فاروق حمادة. ومن أراد المزيد فليرجع إلى بحث الدكتور فاروق في أول كتاب "عمل اليوم والليلة".


ومما يقوي القول بأن المجتبى من تصنيف النسائي:

1- أبو إسحاق الحبال مصري، وهو أعلم بالنسائي وبكتاب النسائي. وقوله أولى بالقبول من قول غيره. والخبر -وإن كان فيه انقطاع- فهو أولى بالاعتماد من تخمينٍ لا دليل عليه.

2- القول بأن ابن السني هو من صنف المجتبى، هذا يجعل ابن السني من كبار حفاظ الحديث. والذي يتلخص من ترجمته ومن كتابه "عمل اليوم والليلة" لا يفيد سوى أنه حافظ من حفاظ الحديث، ليس من جهابذة الفن. وإن اختيار هذه الأحاديث وتصنيف كتاب ككتاب المجتبى يحتاج إلى معرفة بالعلل والسنن. وابن السني لم يشتهر بذلك.

ولمعترض أن يقول: وهذا يصح لو أن كل ما في كتاب المجتبى صحيح، أو أنه لم يترك أحاديث صحيحة في السنن الكبرى ليست في الصغرى. وإلا فعمله ليس فيه عبقرية! وأي طالب علم في الجامعة يستطيع أن يلخص لك كتاب حديثي معلل بحذف الأحاديث التي تكلم عليها صاحب الكتاب، لكن هذا لا يضمن لك أن يترك بعض الأحاديث الصحيحة، وينقل بعض الأحاديث الضعيفة، لأنه ليس من أهل هذا الشأن. والله أعلم.

لكن من الممكن أن نجيب: أنه في الصغرى نفَس النسائي رحمه الله الجامع بين علمي الفقه والعلل. فتجده يقول بعد سرد بعض الأحاديث "ذكر الاختلاف على شعبة"، ويعلل تلك الروايات بنفَسٍ حديثي قوي.



وأهم الاعتراضات على نظرية كون النسائي صاحب السنن الصغرى:

1- توجد أحاديث نصّ النسائي على ضعفها في "المجتبى". فيدلّ ذلك على أنّه لم يجتبِ الأحاديث الصحيحة من الكبرى. ومن المستبعد بالاستقراء أن يكون كل ما في الصغرى صحيح. وفي الصغرى أحاديث أعلّها النسائي في الكبرى ببيان الاختلاف على بعض رواتها. مثل حديث كفارة إتيان الحائض. وأحياناً يورد الرواية ويبين انقطاعها وعلتها. فكيف تكون صحيحة؟

والجواب: أن هذا لا يعني أن الكتاب ليس من تأليف النسائي. فالحديث الذي أعله ليس على شرطه، وإنما ذكره لغرض ما. وهذا كتاب الجامع الصحيح للبخاري، يورده فيه أحاديث معلقة أو مرسلة ليبين علتها. فهل وجود حديث في صحيح البخاري -ويكون قد أعله خارج الصحيح- يجعل الكتاب ليس من تصنيف المؤلف؟ بل ينبغي دارسة منهج النسائي في سننه الصغرى، ولماذا أورد الأحاديث التي أعلها في موضع آخر.

2- الحكايات التي ذكرها الدكتور فاروق (عما ذكره الغساني والتجيبي)، تبقى احتمالاً لأنها منقطعة.
والجواب: أن هذه الحكايات المنقطعة، أولى من جزم الذهبي الذي ليس له مستند ولاشيء منصوص، سوى احتمالات ظنية. والذهبي رغم أنه من أهل الاستقراء التام، إلا أنه يجزم في مواطن كان ينبغي له أن يتثبت قبل أن يجزم. ومن ذلك نفيه أن يكون الإمام أحمد صنف التفسير، وقد رد عليه بعض الحنابلة.

3- من الممكن القول بأن "المجتبى" هو رواية ابن السنّي للسنن الكبرى. وقد يقال: كم من كتاب لم يرويه إلا شخص واحد، وقد يكون سمعه عشرات ولكن الراوي واحد. أقول: نعم، لكن عدم وجود راو للمجتبى من غير طريق ابن السني يجعل احتمال كون ابن السني هو المؤلف، أمراً وارداً. أما ما ذكره ابن الكثير من سماع ابن السني للسنن من النسائي، فهذا أمر لم ننكره أصلاً. نعم، سمع السنن الكبرى، وسمع غيرها، ثم اجتبى من حديث شيخه بعضه.

4- لماذا هناك أحاديث ضعيفة في المجتبى (رغم أنه من المفروض أن يكون كله صحيح) مع علمنا أن النسائي متعنت في توثيق الرجال كما يزعمون؟

والجواب أن: الغالب أن الذي في السنن الصغرى أو المجتبى أنه صحيح على شرط النسائي. هذا الغالب. وأحياناً يخرج عن هذا الشرط لسبب أو لآخر. والإنسان نفسه قد يشترط شرطاً ويخالفه. ثم أغلب الأحاديث التي فيها ضعف، ينبه عليها النسائي. وشرط غيره لا يلزمه، فالنسائي له منهج خاص. وأما القول بأن هناك أحاديث أعلها النسائي في المجتبى، فالقول: الحكم للغالب. فالبخاري قد يذكر حديث فيه ضعف أو زيادة. فهل معنى ذلك أنه لم يشترط في كتابه الصحة؟ وكذا الأحاديث التي ذكرها النسائي، لعل بعضها ذكرها عرضاً. وهذه المسألة تحتاج مزيد بحث وتوسع. هذا مع الفارق الشاسع بين صحيح البخاري ومجتبى النسائي.

5- الإشكال أن أمير الرملة قد طلب من النسائي تجريد الصحيح من "السنن الكبرى"، لكن: هناك أحاديث في "الصغرى" ليست صحيحة. وهذه وإن كانت قليلة لكنها موجودة. فإن قال معترض أن مسلم أخرج في صحيحه أحاديث ضعيفة، فلنا أن نقول أن النسائي لم يلتزم بأمر أمير الرملة بتجريد الصحيح فحسب.

هذا الإشكال جوابه: كيف حكم على الحديث بالضعف؟ هل ضعفه النسائي وأورده في السنن؟ إن كان كذلك صح هذا الإشكال. وإلا فتضعيف غيره ليس بحجة عليه.

6- هناك أحاديث صحيحة كثيرة، بل كتب بأكملها في "الكبرى" مثل كتاب "التفسير" و "خصائص علي" و "الطب" و "فضائل الصحابة"، ليس منها شيء في "الصغرى".
والجواب أنه: اختلف في نسبة بعض هذه الكتب إلى السنن الكبرى. ولو ثبتت، فإن كتابه السنن الصغرى اقتصر في ذلك على ما ورد في السنن والأحكام على أصل الكتاب. أي أن النسائي قد جرد صحيح أحاديث الأحكام فحسب.

7- هناك كتب في "الصغرى" مثل كتاب "الإيمان وشرائعه" و "الصلح" ليست في "الكبرى". وهناك أحاديث في "الصغرى" ليست في "الكبرى". فلعل النسائي قد غفل عنها في "الكبرى"، فأضافها هنا؟

8- توجد ألفاظ وتراجم وأبواب في "الصغرى" لا وجود لها في "الكبرى".
والجواب: بل مجرد ثبوت وجود أحاديث في المجتبى ليست في الكبرى، تدل على أن الكتاب للنسائي وليس لابن السني. وإلا كان الكتاب لابن السني، وليس للنسائي فيه مدخل. أو يقال حينها: زيادات ابن السني على النسائي، كما قالوا في زيادات عبد الله. ولابد أن يكون سندها واضحاً كما هي في مسند أحمد. وما سمعنا بأحد قال ذلك.

لكن يبقى مجتبى النسائي (السنن الصغرى) أفضل وأعلى طبقة من كثير من الكتب التي ادعت الصحة وفشلت فيها، مثل صحيح (!) ابن حبان، ومستدرك الحاكم، والمختارة، والمنتقى، والسلسلة الصحيحة، وأمثال ذلك. والله أعلم بالصواب.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2011-04-01, 05:36 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي








منهج أبو داود رحمه الله





سكوت أبي داود

قال أبو داود في "رسالته في وصف تأليفه لكتاب السنن" (ص6): «وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح». قال السيوطي في "تدريب الرواي" (ص97): «فعلى ما نُقل عن أبي داود يُحتمل أن يريد بقوله "صالح": الصالح للاعتبار دون الاحتجاج، فيشمل الضعيف أيضاً». وقال النووي: «في سنن أبي داود أحاديثُ ظاهِرَة الضعف، لم يُبيّنها مع أنه متفقٌ على ضعفها. فلا بد من تأويل قوله: "وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح"». ثم ناقض النوويّ نفسَه في "شرح المُهذّب"، واحتج فيه بما سكت عليه أبو داود إطلاقاً، كعادة المتأخرين من تبيِيْنِ ضعف الحديث إن أيد خصومهم، مع السكوت عنه إن أيد مذهبهم.


قال ابن حجر في "النكت على مقدمة ابن الصلاح" (1\438): «ومن هنا يظهر ضعفُ طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود. فإنه يُخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج، ويسكت عنها، مثل ابن لَهيعة، وصالحٍ مولى التّوأمة، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وموسى بن وَردان، وسَلَمة بن الفَضل، ودَلْهَم بن صالح، وغيرهم. فلا ينبغي للناقد أن يقلّده في السكوت على أحاديثهم». ثم قال ابن حجر عن أبي داود: «وقد يُخرج لمن هو أضعفُ من هؤلاء بكثير، كالحارث بن وجيه، وصَدَقة الدقيقي، وعثمان بن واقد العمري، ومحمد بن عبد الرحمان البَيْلَماني، وأبي جَنَاب الكلبي، وسليمان بن أرقم، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وأمثالِهم من المتروكين (وبعضهم كذابين). وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأسانيد التي فيها من أُبهمَت أسماؤهم. فلا يتجه الحكمُ لأحاديث هؤلاء بالحُسْنِ من أجل سكوت أبي داود».


قلت: ثم إنّ أبا عبيد الآجري في سؤالاته ينقل كثيراً من تضعيف أبي داود لبعض الأحاديث، وهو قد سكت عنها في سننه. فهذه أدلة قاطعة على أن ما سكت عنه أبو داود ليس بحجة.


منهجه في كتابه "السنن"

قال أبو داود: «كتبت عن رسول الله r خمس مئة ألف حديث. انتخبت منها ما ضمّنته هذا الكتاب (يعني كتاب السنن). جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمئة حديث. ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه».



قال الإمام أبو داود في "رسالته إلى أهل مكة في وصف سننه" (ص22): «فإنكم سأَلتُم أن أذكُرَ لكم الأحاديث التي في كتاب السنن، أهي أصحّ ما عرفت في الباب؟ ووقفت على جميع ما ذكرتم. فاعلموا أنه كذلك كله، إلا أن يكون قد رُوِيَ من وجهين صحيحين: فأحدُهما أقومُ إسناداً، والآخر صاحبه أقدم في الحِفظ. فربما كتبت ذلك. ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث. ولم أكتب في الباب إلا حديثاً أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح. فإنه يكثر، وإنما أردت قرب منفعته». وله كلامٌ أصرحُ من هذا في أنه قصد استيعاب الأحاديث الفقهية. فقال (ص26): «وقد ألفته نَسَقاً على ما وقع عندي. فإن ذُكِرَ لك عن النبي r سُنّةٌ ليس مما خرّجته، فاعلم أنه حديثٌ واهٍ، إلا أن يكون في كتابي من طريقٍ آخر. فإني لم أُخْرج الطرق، لأنه يكبُر على المتعلّم». وقال كذلك (ص27): «وهو كتابٌ لا تَرِدُ عليك سُنّةٌ عن النبي r بإسنادٍ صالحٍ، إلا وهي فيه. إلا أن يكون كلاماً استُخرِجَ من الحديث، ولا يكاد يكون هذا». ومن هنا قال بعض أهل العلم أن ما أورده أبو داود في سننه هو أصحّ ما وقف عليه في الباب. فإذا لم يورد في الباب سوى حديثاً ضعيفاً دلّ ذلك على أنّ كلّ الأحاديث الأخرى في ذلك الباب ضعيفة عنده.



وأبو داود فقيهٌ ضليعٌ لا يُستهان به. وهو أفقه صاحب الكتب الستة بعد البخاري. فإن معرفته الفقهية تجعله كفئاً لأن يجمع ويستوعب الأحاديث التي احتج بها الفقهاء. فتراه يقول (ص28): «وأما هذه المسائل –مسائل الثوري ومالك والشافعي– فهذه الأحاديث أصولها». وصرّح في آخر رسالته بأنه ما استوعب إلا الأحاديث الفقهية، فقد قال (ص34): «وإنما لم أصنّف في كتاب "السنن"، إلا الأحكام. ولم أصنف كتب الزهد وفضائل الأعمال وغيرها. فهذه الأربعة آلاف والثمانمئة (التي احتواها كتابه)، كلها في الأحكام. فأما أحاديث كثيرة في الزهد والفضائل وغيرها، هذا لم أخرجه». لكن فيه بعض أبواب لا تتعلق أصالة بالأحكام نحو "الحروف والقراءات" و"الملاحم" و"السنة" وغيرها. وهذا في الأحاديث المشهورة وليس الغريبة. فقد قال (ص29): «الأحاديثُ التي وضعتها في كتاب السنن، أكثرها مشاهير. وهي عند كلّ من كَتَبَ شيئاً من الحديث. إلا أن تمييزها، لا يقدر عليه كل الناس. والفخر بها أنها مشاهير. فإنه لا يُحتجّ بحديثٍ غريبٍ، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العِلم».



كتابه له روايات عدة، ورواية اللؤلؤي هي المقدَّمة عند علماء المشرق. وسبب ذلك أن اللؤلؤي أطال ملازمة أبي داود، وكان هو الذي يقرأ السنن حينما يعرض أبو داود كتابه السنن على طلبة العلم إلى أن توفي أبو داود. أما رواية ابن داسة فإنها مشتهرة في بلاد المغرب أكثر من شهرتها في بلاد المشرق، وسبب تقديمهم لها أنها أكثر أحاديثاً من رواية اللؤلؤي فهي أكمل من رواية اللؤلؤي -حسب رأيهم-، لكن في الحقيقة أن الزيادات التي في رواية ابن داسة حذفها أبو داود في آخر حياته لشيء كان يريده في إسنادها. ذكر ذلك أبو عمر الهاشمي الراوي للسنن عن اللؤلؤي، والله أعلم.



هل صحيح أنه لا يروي إلا عن ثقة؟

يلهج الكثير من طلبة العلم بمقولة "أبو داود لا يروي إلا عن ثقة". على أن هذه ليست قاعدة مُطردة. لذلك قال الحافظ ابن القطان (وهو أول من وضع هذه القاعدة) في "بيان الوهم والإيهام" (5|39): «هذا لم نجده عنه نصاً، وإنما وجدناه عنه توقياً في الأخذ». والدليل على ما نقوله أبا داود نفسه ضعَّف وتكلم وغمز بعضاً من شيوخه الذين حدَّث عنهم في السنن. ومنهم: إبراهيم بن العلاء بن الضحاك، قال أبو داود: «ليس بشيء». الحسين بن علي بن الأسود العجلي، قال أبو داود: «لا ألتفت إلى حكاياته، أراها أوهاماً». هشام بن عبد الملك بن عمران اليزني، قال أبو داود: «شيخ ضعيف»، وقال مرة: «شيخ مغفل». شعيب بن أيوب بن زريق الصريفيني، قال أبو داود: «إني لأخاف الله في الرواية عن شعيب بن أيوب». وكذلك سهل بن محمد بن عثمان السجستاني و حكيم بن سيف بن حكيم الأسدي. وقد يكون ممن ضعّفه غيره كذلك. سليمان بن عبد الحميد البهراني، قال النسائي: «كذاب ليس بثقة ولا مأمون». الحسين بن علي بن الأسود العجلي، قال ابن عدي: «يسرق الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها»، وقال الأزدي: «ضعيف جداً، يتكلمون في حديثه»، وقال ابن المواق: «رمي بالكذب وسرقة الحديث».
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2011-04-01, 05:40 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي






منهج الدراقطني رحمه الله






أبو الحسن الدّارَقَطْني (385هـ) من كبار حفاظ الحديث. ورغم تأخر زمانه، إلا أنه محسوب على متقدمي المحدّثين: لسلوكه طريقتهم، و لأن اعتماده في علم العلل على كتبهم في العلل، مثل "علل ابن المديني" وغيرها. فأما كتابه في "العلل" الذي أملاه على تلميذه من حافظته، فهو من أجود كتب العلل وأكبرها وأسهلها وضوحاً. إلا أن الإشكال في كتابه "السنن"، الذي يظن بعض الفقهاء أنها من جنس "سنن" الترمذي أو "سنن" النسائي، فينقلون منها دون تحقيق، كأنما ينقلون من الصحيحين!



والحق أن سنن الدارقطني أشبه بكتب العلل، وإن كانت تختلف عنها كذلك في الإسلوب. قال شيخ الإسلام في الرد على البكري (1\78): «الدارقطني صَنّفَ سُننه ليذكر فيها غرائب السُّنَن. وهو ‏في الغالب يبيّن ما رواه، وهو من أعلم الناس بذلك». قال هذا شيخ الإسلام رداً على البكري الجاهل الذي ظن أن الدراقطني يحتج بكل الأحاديث في سننه! وقال في الفتاوى الكبرى (5\299): «أبو الحسن ‏‏(الدراقطني) –مع إتمام إمامته في الحديث– فإنه إنما صنف هذه السنن كي يذكر فيها الأحاديث المستغربة في ‏الفقه، ويجمع طرقها. فإنها هي التي يحتاج فيها إلى مثله».‏



فإن أنت اعتبرت سنن الدارقطني مثل باقي كتب السنن، فهي أكثرهم على الإطلاق احتواءً للأحاديث الضعيفة والغريبة والموضوعة. قال الذهبي : «سنن الدارقطني بيت المنكرات». ووصف هذا الكتاب الزيلعي بأنه «مجمع الأحاديث المعلولة، ومنبع الأحاديث الغريبة». وكذلك وصفه ابن رجب. قال الإمام ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي": «بل إنما رواه مثل الدارقطني الذي يجمع في كتابه غرائب السنن، ويكثر فيه من رواية الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة».

وإذا أنت اعتبرتها من كتب العلل، فأسلوبها من أصعب الأساليب في كتابة العلل. فالملاحظ على الدارقطني في كتاب السنن ما يلي:

بعض تلك الأحاديث يبين الدارقطني عللها بكلمات موجزة مختصَرة، مثل: "هذا مرسل" و "فلان مجهول" وشيء من هذا.

وأحياناً يبين العلة باصطلاح له هو "حديث حسن". وهو لا يطلقه عادة إلا على الحديث المعلول. بل تراه يقول: "رواته ثقات وإسناده حسن"، وهو يريد الإشارة لعلة كانقطاع في السند أو خطأ من أحد الرواة الثقات.

وأحياناً لا يذكر العلة، لكنه يذكر الروايات التي تبين العلة، حيث يكتفي بذلك وكأن كتابه خاص بالمتبحرين بعلم العلل، الذين سيفهمون مقصوده بسرعة.

وأحياناً يذكر رواية ضعيفة، ليس لبيان ضعفها، لكن لأن بعض ألفاظها تشرح الغموض في الرواية الصحيحة، التي قد يذكرها وقد لا يذكرها.

وأحياناً يذكر رواية ضعيفة، ولا يذكر ما يدل على ضعفها، كأنه قصد جمع هذه الروايات المستغربة في الفقه.

ومن الأمور التي أنكرها العلماء على الحافظ الدراقطني، كثرة توثيقه للمجاهيل. بل قد عده الحافظ الذهبي في كتابه "الموقظة" ممن يتساهل أحياناً في التوثيق، والظاهر أنه يقصد توثيق المجاهيل. قال العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة" عن قصة أنكرها: «سند الحكاية غير صحيح، تفرد بها عن مالك رجل يقال له "عبد الوهاب بن موسى" لا يكاد يُعرف، وليس من رجال شيء من كتب الحديث المشهورة، ولا ذُكِرَ في تاريخ البخاري ولا كتاب ابن أبي حاتم. بل قال الذهبي في الميزان: "لا يدرى من ذا الحيوان الكذاب". وفي مقدمة صحيح مسلم "الذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شار ك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قبل منه". وهذا الرجل لم يُمعن في المشاركة فضلاً عن أن يكون ذلك على الموافقة. لكن هذا الشرط لا يتقيد به بعض المتأخرين كابن حبان والدارقطني. ومن ثم –والله أعلم– وثّق الدارقطني عبد الوهاب هذا، وزعم أن الخبر صحيح عن مالك».
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 2011-04-01, 05:41 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي






منهج ابن حبان رحمه الله :



قال الذهبي في ميزان الاعتدال (1|441): «ابنُ حِبّان ربما جَرَح الثقة حتى كأنه لا يَدري ما يَخرج من رأسه!». وقال الذهبي في ترجمة "محمد بن الفضل السَّدُوسي عارم" في الميزان (6|298): «وقال الدارقطني: "تغير بآخره، وما ظهر له بعد اختلاطه حديثٌ مُنكَرٌ، وهو ثقة". قلت (أي الذهبي): فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النَّسائي مثله. فأين هذا القول من قول ابن حبان الخَسَّاف المتهوِّر في عارم؟! فقال: "اختَلَط في آخر عمره وتغيّر، حتى كان لا يدري ما يُحدّثُ به. فوقع في حديثه المناكير الكثيرة. فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون. فإذا لم يُعلَم هذا من هذا، تُرِكَ الكل ولا يُحتجّ بشيءٍ منها". قلتُ (أي الذهبي): ولم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً. فأين ما زعم؟!». وقال كذلك في السير (10|267): «فانظر قول أمير المؤمنين في الحديث أبي الحسن (الدارقطني). فأين هذا من قول ذاك الخَسَّاف المتفاصِح أبي حاتم ابن حبان في عارم؟!». أقول: وهذا يظهر بوضوح أن ابن حبان يطلق الأقوال بغير تحقيق ولا تدقيق، حيث أساء فهم أقوال كبار أئمة الجرح والتعديل، فجاء بهذا الحُكم المتعسّف. بعكس الدارقطني الذي حقّق واستقرئ. وشتان بين الاثنين.

وقال الذهبي في الميزان (1|460): «ابن حبان صاحب تشنيع وشغب»، مشيراً إلى عدم الاعتداد ببعض ما ينقله. وقال أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية : «غلط ابن حبان الغلط الفاحش في تصرفاته».

وقال الذهبي في الميزان: «وقد بدت من ابن حبان هفوة فطعنوا فيه بها. قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان فقال: نحن أخرجناه من سجستان. كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين. قدم علينا، فأنكر الحد لله، فأخرجناه». وهذا إضافة لموقف ابن حبان من التبرك بالقبور، إنما يدل على أن عقيدته لم تكن سلفية خالصة.

و ابن حبّان قد يذكر الرجل في كتابه "الثّقات" مع أنه لا يعرفه. وقد ظن بعض العلماء أن هذا توثيق له، وهو خطأ فادح. فقد يذكر رجلاً في كتابه الثقات ثم يجرحه في كتابه المجروحين. وإنما قصد العدالة وحدها التي هي الأصل في المسلمين. والعدالة وحدها تكفي عنده -بخلاف الجمهور- في الاحتجاج بالراوي دون الضبط، وذلك يخرج حديث المجاهيل في صحيحه. وظن البعض أن هذا يرفع جهالة العين وتبقى جهالة الحال. وهذا أيضاً خطأ. فقد يذكر الرجل ويصرح بأنه لا يعرف عنه شيء. وقد صرح بذلك في مقدمة كتابه بقوله: «فمن لم يعلم يجرح فهو عدل، إذا لم يبين ضده. إذ لم يُكلّف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم»، أي كل رجل لم يعرف فيه جرحاً (واعتماده الأساسي على تاريخ البخاري الكبير الذي قلّما يذكر الجرح) فهو ثقة عنده! قال ابن حجر في مقدمة "لسان الميزان" (1|208 تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة): «وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان، من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه، كان على العدالة إلى أن يتبين جَرحُه، مذهبٌ عجيب، والجمهور على خلافه». وإليك بعض الأمثلة من الرّجال الذين أوردهم ابن حبّان في (الثقات) مع تصريحه بعدم معرفته لهم، بما في ذلك من وصفهم بـ "شيخ":

أبان: شيخٌ يروي عن أُبي بن كعب، روى عنه محمد بن جحادة، لا أدري مَن هو ولا ابن من هو.

إبراهيم بن إسحاق: شيخٌ يروي عن ابن جريج، روى عنه وكيع بن الجراح، لست أعرفه ولا أباه.

أحمد بن عبد الله الهمداني: يروى عن يزيد بن هارون عن إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي عن أيمن بن خريم بن فاتك قال أبي وعمي شهدا بدراً. روى عنه الحضرمي إن لم يكن بن أبي السفر فلا أدري من هو.

أسير بن جابر العبدي الكوفي: يروي عن عمرو بن مسعود. روى عنه البصريون قتادة وأبو عمران الجوني وأبو نضرة. في القلب من روايته من أويس القرني. إلا أنه حكى ما حكى عن إنسان مجهول. لا يدرى من هو والقلب أنه ثقة أميل.

أمية القرشي: شيخ يروى عن مكحول. لست أدري من هو. روى عنه ابن المبارك.

أيوب الأنصاري: يروي عن سعيد بن جبير. روى عنه مهدي بن ميمون. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

بكير أبو عبد الله: يروي عن سعيد بن جبير. روى عنه أشعث بن سوار. إن لم يكن الضخم فلا أدري من هو.

جميل: شيخ يروى عن أبى المليح بن أسامة روى عنه عبد الله بن عون لا أدري من هو ولا ابن من هو.

حاجب: يروي عن جابر بن زيد، لا أدري من هو ولا ابن من هو، روى عنه الأسود بن شيبان.

حِبّان: يروي عن أبيه عن علي، لست أعرفه ولا أباه.

حبيب الأعور: يروي عن عروة بن الزبير. روى عنه الزهري. إن لم يكن ابن هند بن أسماء فلا أدري من هو.

حبيب بن سالم: يروي عن أبي هريرة، روى عنه محمد بن سعيد الأنصاري، إن لم يكن مولى النّعمان بن بشير، فلا أدري من هو.

الحسن أبو عبد الله: شيخ يروي المراسيل. روى عنه أيوب بن النجار. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

الحسن القردوسي: يروي عن الحسن. روى عنه عكرمة بن عمار. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

الحسن الكوفي: شيخ يروي عن ابن عباس. روى عنه ليث بن أبي سليم. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

الحسن بن مسلم الهذلي: يروي عن مكحول. روى عنه شعبة. إن لم يكن ابن عمران فلا أدري من هو.

حماد أبو يحيى: يروي عن الحسن وابن سيرين. عداده في أهل البصرة. روى عنه التبوذكي والربيع بن صبيح. لا أدري من هو.

حنظلة: شيخ يروي المراسيل. لا أدري من هو.

راشد: شيخ يروي عن سليك الفزاري. روى عنه سفيان الثوري. إن لم يكن الأول فلا أدري من هو.

رباح: شيخٌ يروي عن ابن المبارك، عِداده في أهل الكوفة، روى عنه إبراهيم بن موسى الفرّاء، لست أعرفه ولا أباه.

رباح: شيخٌ يروي عن أبي عبيدالله عن مجاهد، روى عنه سفيان الثوري، لست أعرفه ولا أدري من أبوه.

رمى: شيخ يروي عن القاسم بن محمد. روى عنه سليمان التيمي. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

الزبرقان: شيخ يروي عن النواس بن سمعان. روى داود بن أبى هند عن شهر بن حوشب عنه. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

زياد: شيخٌ يروي عن زر عن ابن مسعود، روى عنه إسماعيل السدّي، ولا أدري من هو.

سبرة: شيخ يروي عن أنس. روى عنه السدي. لا أدري من هو.

سعيد بن أبي راشد: يروى عن عطاء عن أبى هريرة في المسح على الخفين. روى عنه مروان بن معاوية. إن لم يكن سعيد بن السماك فلا أدري من هو. فان كان ذاك فهو ضعيف.

سلام: شيخ يروي عن الحسن. روى عنه سعيد بن أبى عروبة. وإن لم يكن سلام بن تميم فلا أدري من هو.

سلمة: يروي عن بن عمر. روى عنه ابنه سعيد بن سلمة. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

سليم بن عثمان أبو عثمان الطائي: يروي عن جماعة من أهل الشام، روى عنه سليمان بن سلمة الخبائري الأعاجيبَ الكثيرةَ، ولست أعرفه بعدالة ولا جرح.

سميع: شيخ يروي عن أبي أمامة. روى عنه عمرو بن دينار المكي. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

سهل: شيخٌ يروي عن شدّاد بن الهادي، روى عنه أبو يعفور، ولست أعرفه ولا أدري من أبوه.

سهيل بن عمرو: شيخ يروي عن أبيه. روى عنه همام بن يحيى. لا أدري من هو ولا من أبوه.

شعبة: شيخٌ يروي عن كريب بن أبرهة، روى عنه سليط بن شعبة الشعباني، لست أعرفه ولا أباه.

شهاب: شيخ يروي عن أبى هريرة. روت عنه القلوص بنت علية. لا أدري من هو.

شيبة: شيخ يروي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين. روى عنه بن جريج. إن لم يكن بن نصاح فلا أدري من هو.

صيفي: شيخ يروي عن أبي اليسر كعب بن عمرو. روى عنه عبد الله بن سعيد بن أبى هند. إن لم يكن الأول فلا أدري من هو ولا ابن من هو.

عباد بن الربيع: إمام بجيلة كوفي يروي عن علي. روى هشيم عن أبي محمد عنه. إن لم يكن أبو محمد هو الأعمش فلا أدري من هو.

عبّاد القرشي: يروي عن عائشة، روى عنه عقبة بن أبي ثبيت. إن لم يكن عباد بن عبد الله بن الزبير فلا أدري من هو.

عبد السلام: يروي عن أبي داود الثقفي عن ابن عمر، روى عنه سعيد بن بشير، إن لم يكن ابن سليم فلا أدري من هو.

عبد العظيم بن حبيب شيخ يروى عن بهز بن حكيم روى عنه سليمان بن مسلمة الخبائري إن لم يكن الأول فلا أدري من هو.

عبد الكريم: شيخ يروى عن أنس بن مالك. روى الليث بن سعد عن إسحاق بن أسيد عنه. لا أدري من هو ولا بن من هو.

عزرة: شيخ يروى عن الربيع بن خثيم. عداده في أهل الكوفة. روى عنه أبو طعمة. إن لم يكن بعزرة بن دينار الأعور فلا أدري من هو.

عطاء المدني: يروي عن أبي هريرة في صلاة الجمع، روى عنه منصور، لا أدري من هو ولا ابن من هو.

عقبة الرفاعي يروى عن عبد الله بن الزبير روى عنه ابنه محمد بن عقبة إن لم يكن بن أبى عتاب فلا أدري من هو

عكرمة: شيخٌ يروي عن الأعرج، لست أعرفه ولا أدري من أبوه، روى عنه إبراهيم بن سعد.

عمارة: شيخ من بني حارث بن كعب، يروي عن ابن عباس، روى عنه ابنه عبد الله، إن لم يكن ابن خزيمة بن ثابت فلا أدري من هو.

عمر الدمشقي: شيخٌ يروي عن أم الدرداء الصغرى، روى عنه سعيد بن أبي هلال، لا أدري من هو ولا ابن من هو.

عيسى الأنصاري: يروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، روى عنه زيد بن أبي أنيسة، لست أدري من هو ولا ابن من هو.

فزع: شهد القادسية. يروي عن المقنع. وقد قيل إن للمقنع صُحبة. ولست أعرف فزعاً ولا مقنعاً، ولا أعرف بلدهما، ولا أعرف لهما أباً. وإنما ذكرتهما للمعرفة لا للاعتماد على ما يرويانه.

فُضيل: شيخٌ يروي عن سالم بن عبد الله، إن لم يكن بن أبى عبد الله صاحب القاسم بن محمد فلا أدري من هو.

فُضيل: شيخٌ يروي عن معاوية، روى عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم عنه، إن لم يكن الهوزني فلا أدري من هو.

النضر: شيخ يروى عن عطاء بن يسار روى عنه الدراوردي. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

مالك: شيخ يروى عن سلمان. روى عنه أبو إسحاق السبيعي. إن لم يكن مالك بن مالك فلا أدري من هو.

متوكل: شيخ يروى عن أبى هريرة. روى عنه خالد بن معدان. لا أدري من هو.

محمد أبو عبد الله الأسدي: لا أدري من هو، يروي عن وابصة بن معبد، روى عنه معاوية بن صالح.

محمد الزهري الكوفي: قوله روى عنه بن عون. إن لم يكن محمد بن محمد بن الأسود فلا أدري من هو.

محمد بن أفلح: يروي عن أبي هريرة، روى عنه يعلى بن عطاء وحميد الطويل، إن لم يكن الأول فلا أدري من هو.

محمد بن سعيد: شيخ يروى عن عمر بن الخطاب. روى عنه قتادة. لا أدري من هو.

محمد مولى بنى هاشم: قال رأيت ابن عمر وابن عباس يمشيان بين يدي الجنازة. روى عنه قتادة. لا أدري من هو.

مروان: شيخ يروي عن بن مسعود. روى عنه عمران بن أبى يحيى. لا أدري من هو ولا ابن من هو.

مضارب العجلي: من بكر بن وائل يروي المراسيل. روى عنه قتادة. إن لم يكن مضارب بن حزن فلا أدري من هو.

مقاتل: شيخٌ يروي عن أنس بن مالك، روى عنه سعيد بن أبي عروبة، لا أدري من هو.

مهاجر: شيخٌ يروي عن عمر، روى عنه محمد بن سيرين، لا أدري من هو ولا ابن من هو.

نبتل: شيخٌ يروي عن أبي هريرة، روى عنه يعقوب بن محمد بن طحلاء، لا أدري أبو حازم هو أو غيره.

وقّاص: شيخٌ يروي عن أبي موسى الأشعري، رَوَتْ عنه ابنته منيعة، لا أدري من هو.

الوليد: شيخٌ يروي عن عثمان بن عفان. روى عنه بكير بن عبد الله بن الأشج. لا أدري من هو.

يعقوب بن غضبان: شيخ يروى عن بن مسعود. روى عنه شيخ يقال له ضرار. لا أدري من هو.

فالصواب أن من ذكره ابن حبان في كتابه الثقات وصرح بعدم معرفته له، فليس مراده في ذلك تعديله أو قبول روايته، بل مقصده هو من أجل معرفة من كانت له رواية فحسب، لا من أجل الاعتماد عليه فيما يرويه. والدليل على ذلك ما ذكره ابن حبان نفسه في كتاب "الثقات" (7/326) في ترجمة الفزع: «شهد القادسية، يروي عن المقنع، وقد قيل: إن للمقنع صحبة، ولست أعرف فزعاً، ولا مقنعاً، ولا أعرف بلدهما، ولا أعرف لهما أباً، وإنما ذكرتهما للمعرفة لا للاعتماد على ما يرويانه». فعُلِمَ من ذلك أن إيراد ابن حبان للمقنع، وللفزع، ولمن كان على شاكلتهما لا يريد بذلك التعديل، أو الاعتماد على مروياتهم؛ بل مجرد المعرفة بهم فحسب.


وهذه الفائدة قد ذكرها الشيخ الألباني في مقدمته لصحيح موارد الظمآن (1|19)، وعلق عليها: «وهذا نصٌّ هامٌّ جداً جداً، وشهادة منه –لا أقوى منها– على أن كتابه الثقات ليس خاصاً بهم، وإنما هو لمعرفتهم، ومعرفة غيرهم من المجهولين والضعفاء، ونحوهم. غير أن هذا النص زاد عليه أنه أعلمنا أنه يذكر هؤلاء للمعرفة، لا على أنهم من الثقات الذين يحتج بخبرهم عنده».


قال أسعد سالم تيم في "علم طبقات المحدثين" (ص160): «كتاب الثقات نفسه يكاد يكون مُنتَزَعاً من "التاريخ الكبير". فقد قارنت مئات التراجم في الكتابين، فوجدت ابن حبان ينقل كلام البخاري بنصه أو باختصار، وقَلّما يأتي بشيءٍ جديدٍ من عنده في تراجم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. إلا أن تراجم الطبقة الرابعة (في المجلدين الثامن والتاسع) من تأليفه. وهذان المجلدان من أثمن ما في الكتاب وأكثره فائدة، وفيهما تتجلى عبقرية ابن حبان. أما مبحث السيرة والتاريخ الإسلامي اللذين شغلا المجلدين الأوليين، فلا فائدة فيهما بالمرة! إذ اختصر ابن حبان الأسانيد، وخلط الغث بالسمين بالصحيح بالمنكر. وشتان ما بين ما كتبه ابن سعد في مقدمة كتابه، وبين ما كتبه أبو حاتم إمام الأئمة!». وهو ما أقر به بشكل غير مباشر، فقال في مقدمة الثقات (ص11): «وأقنع بهذين الكتابين المختصرين عن كتاب "التاريخ الكبير" الذي خرجنا، لعلمنا بصعوبة حفظ كل ما فيه من الأسانيد والطرق والحكايات، ولأن ما نمليه في هذين الكتابين (أي الثقات والمجروحين) -إن يسر الله ذلك وسهله- من توصيف الأسماء بقصد ما يحتاج إليه، يكون أسهل على المتعلم إذا قصد الحفظ...».


قال ابن عبد الهادي: «وقد وقع له مثل هذا التناقض والوهم في مواضع كثيرة. وقد ذكر أبو عمرو بن الصلاح أنه غلط الغلط الفاحش في تصرفه. ولو أخذنا في ذكر ما أخطأ فيه وتناقض، من ذكره الرجل الواحد في طبقتين متوهماً كونه رجلين، وجمعه بين ذكر الرجل في الكتابين كتاب الثقات وكتاب المجروحين، ونحو ذلك من الوهم والإيهام، لطال الخِطاب». انظر كتابه "الصارم المنكي" ص (103-105). وقال: «وينبغي أن ينتبه لهذا، ويعرف أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق». وقال: «وطريقة ابن حبان في هذا (أي تعديل المجاهيل) قد عُرِفَ ضعفها. مع أنه قد ذكر في كتاب الثقات خلقاً كثيراً، ثم أعاد ذكرهم في المجروحين وبَيَّن ضعفهم. وذلك من تناقضه وغفلته، أو من تغير اجتهاده». قلت أيما كان السبب فهو دليلٌ على ضعف توثيقه. ولقد حاول الدكتور مبارك الهاجري أن يجمع الرواة الذين ذكرهم ابن حبان في المجروحين وأعادهم في الثقات فكان مجموعهم (159) راوياً. واستدرك عليه بعض الباحثين في موقع ملتقى أهل الحديث (25) راوياً. فيكون ابن حبان قد حكم على نفسه بالتناقض في (184) راوياً على الأقل.


وممن انتقد ابن حبان أيضاً -غير ابن عبد الهادي-: ابن الصلاح وابن تيمية والذهبي وابن حجر وابن رجب وكثير غيرهم. بل جعله السخاوي قريباً من مرتبة الحاكم الذي هو مضرب المثل في التساهل البالغ. قال السخاوي في "فتح المغيث" (1|35): «وابن حبان يداني الحاكم في التساهل. وذلك يقتضي النظر في أحاديثه أيضاً. لأنه غير متقيد بالمعدَّلين، بل ربما يخرج للمجهولين، ولا سيما ومذهبه إدراج الحسن في الصحيح». ولذلك يئس البعض من الاستفادة من توثيق ابن حبان. فيقول عداب الحمش في "رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل" (ص72): «والفصل في الرواة الذين سكت عليهم ابن حبان، هو عرضهم على كتب النقد الأخرى. فإن وجدنا فيها كلاماً، أخذنا بما نراه صواباً مما قاله أصحاب كتب النقد. وإن لم نجد فيها كلاماً شافياً، طبقنا قواعد النقاد عليهم، وقواعد ابن حبان نفسه».

وقد حاول المعلمي في التنكيل الدفاع عن توثيق ابن حبان رداً على الكوثري (مع أنه لم يعتد به في المواضع الأخرى)، فقال: «التحقيق أن توثيقه على درجات: الأولى: أن يصرح به كأن يقول "كان متقنا" أو "مستقيم الحديث" أو نحو ذلك. الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم. الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة. الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذاك الرجل معرفة جيدة. الخامسة: ما دون ذلك. فلأولى لا تقلّ عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم (!) والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل». وكلام العلامة المعلمي نظري بحت، وقليل الفائدة من حيث التطبيق. فالمرتبة الأولى نسبة عدد رواتها (أقل من 300) إلى عدد كل الرواة (16,500) تقارب الصفر، وأكثرهم من شيوخ شيوخه، وفيهم الضعفاء كذلك، أي ليس توثيقاً قوياً. والمرتبة الثانية لا تكاد تكون، لأن ابن حبان لا يكاد يذكر شيوخه في "ثقاته". وهؤلاء لا يكاد يذكرهم في "ثقاته" وإنما تجدهم في "صحيحه". وشرطه في "صحيحه" أحسن من شرطه في "ثقاته"، فيكون توثيقه مقبولاً إن لم يكن له معارض. وأما المرتبة الثالثة فيعكر على كلام المعلمي إخراج ابن حبان لضعفاء مشهورين في ثقاته، وبعضهم جرحهم بنفسه في كتابه المجروحين. أما المرتبة الرابعة، فنعم إن نص ابن حبان على أنه قد سبر مروايات الراوي كما فعل مع بقية الحمصي فيعتبر توثيقه، لكن هذا نادر للأسف. أما المرتبة الخامسة وهي التي تشمل عامة كتابه، فقد اعترض الألباني على حكم المعلمي عليها وقال: «غير قد ثبت لدي بالممارسة أن من كان منهم من الدرجة الخامسة فهو على الغالب مجهول لا يعرف‏».

فالخلاصة أن مجرد ذكر ابن حبان للرجل في كتابه "الثقات" لا يفيد توثيقاً يعتد به، والله أعلم.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 2011-04-01, 05:43 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي







منهج الطحاوي والبيهقي رحمهما الله




الطحاوي (ت321)

قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ (3|809): «وكان أولاً شافِعياً، يقرأ على المزني (صاحب الشافعي). فقال له يوماً: "والله لا جاء منك شيء". فغضِبَ من ذلك، وانتقل إلى ابن أبي عمران (قاضي مصر الحنفي). فلما صنّف مختصره، قال: "رحم الله أبا إبراهيم، لو كان حيّاَ لكفّر عن يمينه"». وقد أعاد ابن حجر هذه القصة في لسان الميزان (1|275)، لكن مع تطويلٍ ولمزٍ وغمز في الطحاوي، كعادته في تراجم علماء الأحناف. فيما يغض النظر عن أخطاء أبناء مذهبه –الشافعية– وإن عظمت.


قال مسلمة بن قاسم الأندلسي في كتاب "الصلة" عن الطحاوي: «كان ثِقَةً، جليل القدر، فقيه البدن، عالماً باختلاف العلماء، بصيراً بالتصنيف. وكان يذهب مذهب أبي حنيفة. وكان شديد العصبية فيه». وقال عنه أبو بكر محمد بن معاوية بن الأحمر القرشي: «وكان يذهب مذهب أبي حنيفة، لا يرى حقاً في خِلافه». قلت: رحم الله الطحاوي، فلو أراد أن يكون إماماً مجتهداً لفعل، فقد جمع بين علمي الفقه والحديث. وما يجتمع ذلك إلا للقليل. ولكن حملته عصبيته على خاله المزني إلى التعصب لمذهب أبي حنيفة. ولو أنه تعصب لسنة رسول الله ‎r‎ لكان ذلك خيرٌ له عند ربه.


قال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1|353) –بعد أن ذكر كلاماً للطحاوي في حديث "مس الذكر"، فتعقّبه– قال: «أردت أن أُبيّن خطئه في هذا. وسَكَتّ عن كثيرٍ من أمثال ذلك. فبيّنَ في كلامه أن علم الحديث لم يكن من صناعته. وإنما أخذ الكلمة بعد الكلمة من أهله، ثم لم يُحكِمها»، وهذا عندي فيه مبالغة. ويتهمه أيضاً (1|219) بـ«تضعيف أخبار صحيحة عند أهل العلم بالحديث حين خالفها رأيه، وتصحيح أخبار ضعيفة عندهم حين وافقها رأيه... وتسوية الأخبار على مذهبه، وتضعيف -ما لا حيلة له فيه- بما لا يضعف به، والاحتجاج بما هو ضعيف عند غيره». كما يذكر أنه «يحتج في كتابه بمن قد أجمع أهل العلم بالحديث على ضعفه في الرواية».


قلت: هذا حق لكن لم يكن البيهقي بأحسن منه، بل هو نظيره عند الشافعية. فكان الطحاوي لو وجد حديثاً يستدل به الشافعية، بالغ في رده وفي تبيين عِلَله، مع سكوته على الأحاديث التي تؤيد الأحناف. وكان البيهقي يفعل العكس. وكم من حديثٍ موضوعٍ سكت عنه البيهقي لأنه يؤيد مذهب الشافعية. هذا مع معرفة كلاهما بالفقه والحديث واللغة وعلوم الدين. قال ابن الجوزي في "التحقيق" (1|23): «و ألوم عندي ممن قد لُمتَهُ من الفقهاء جماعة من كبار المحدثين، عرفوا صحيح النقل وسقيمه وصَنّفوا في ذلك. فإذا جاء حديثٌ ضعيفٌ يخالف مذهبهم، بَيّنوا وجه الطعن فيه. وإن كان موافقاً لمذهبهم، سكتوا عن الطعن فيه. وهذا يُنبئ عن قِلة دينٍ وغَلبةِ هوى».



قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (8|195): «الطحاوي ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم. ولهذا روى في "شرح معاني الآثار" الأحاديث المختلفة. وإنما يرجّح ما يرجحه منها -في الغالب- من جهة القياس الذي رآه حجة، ويكون أكثرها مجروحاً من جهة الإسناد لا يثبت. ولا يتعرض لذلك، فإنه لم تكن معرفته بالإسناد، كمعرفة أهل العلم به. وإن كان كثير الحديث فقيهاً عالماً». وقال الحافظ ابن رجب في "شرح العلل" (1|332 همام): «الطحاوي من أكثر الناس دعوى لترك العمل بأحاديث كثيرة. وعامة هذه الأحاديث قد ذكرناها في مواضعها من الكتاب».


فترك العمل بالحديث قد يكون بالقول بنسخه بدون دليل واضح، كما فعل الطحاوي في شرح معاني الآثار (1|493) في مسألة الصلاة على الجنازة في المسجد. فقد ذهب إلى نسخ حديث عائشة (الذي أخرجه مسلم في صحيحه #973) بحديث أبي هريرة (مع ضعفه). قال الطحاوي: «فصار حديث أبي هريرة أولى من حديث عائشة رضي الله عنها لأنه ناسخ له»! وهو أمر لا يصح لا دراية ولا رواية.





البيهقي (384-458هـ)

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (5|510): «البيهقي يروي في الفضائل أحاديث كثيرة ضعيفة بل موضوعة، كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم». قلت: قبّح الله هذه العادة الذميمة. وقال كذلك (في تلخيص كتاب الاستغاثة ص78 ط. الغرباء) في الرد على البكري: «والبيهقي... من أقلهم استدلالاً بالموضوع. لكن يروي في الجهة التي ينصرها من المراسيل والآثار ما يصلح للاعتضاد، ولا يصلح للاعتماد. ويترك في الجهة التي يضعفها ما هو أقوى من ذلك الإسناد».



وقال شيخ الإسلام كذلك في مجموع الفتاوى (24|154): «وإن كان البيهقي روى هذا، فهذا مما أُنكِرَ عليه. ورآه أهل العلم: لا يستوفي الآثار التي لمخالفيه، كما يستوفي الآثار التي له. وأنه يحتج بآثار لو احتج بها مخالفوه، لأظهر ضعفها وقدح فيها. وإنما أوقعه في هذا -مع علمه ودينه- ما أوقع أمثاله ممن يريد أن يجعل آثار النبي موافقة لقول واحد من العلماء دون آخر. فمن سلك هذه السبيل، دحضت حججه، وظهر عليه نوع من التعصب بغير الحق. كما يفعل ذلك من يجمع الآثار ويتأوّلها -في كثير من المواضع- بتأويلات يَـبـيـنُ فسادها، لتوافق القول الذي ينصره. كما يفعله صاحب "شرح الآثار" أبو جعفر (الطحاوي)، مع أنه يروي من الآثار أكثر مما يروي البيهقي. لكن البيهقي ينقي الآثار ويميز بين صحيحها وسقيمها، أكثر من الطحاوي». ولذلك انتقده الزيلعي في "نصب الراية" (1|19) ورماه بالتحامل.


وكان البيهقي متأثراً بمذهب الأشاعرة. قال المعلمي في التنكيل (1|345): «وإني والله ما آسى على ابن فورك، وإنما آسى على مسحوره البيهقي الذي امتلأ من تهويلات ابن فورك وغيره رعباً، فاستسلم لهم وانقاد وراءهم». وأما عن مرتبة البيهقي في معرفة الحديث، فبالرغم من معرفته بمنهج المتقدمين، لكنه متأثر كذلك بمنهج المتأخرين. لذلك يقول المعلمي (1|477): «ابن حبان والخطيب أعرف بالفن ودقائقه من البيهقي».



وذكر الذهبي في "السير" (18|165) و "تذكرة الحفاظ" (3|1132)، وكذا الحافظ ابن عبد الهادي في "طبقات علماء الحديث" (3|329): أن البيهقي لم يكن عنده السنن الثلاث: الترمذي والنسائي وابن ماجة. وقال زاهد الكوثري في حاشية كتابه "إحقاق الحق": «مع أن البيهقي لم يكن عنده من الأصول الستة غير: الصحيحين وسنن أبي داود، ولا كان عنده مسند أحمد. ومن يكون حاله هكذا في الحديث، لا يكون بالمنزلة التي يعتقدها أهل مذهبه له». لكن وقع للبيهقي عدد من الكتب القيمة والموسوعات الكبيرة (مثل مستدرك الحاكم)، فلعل هذا يغني بعض الشيء، والله أعلم. وأما كتب الشافعي فقد كانت له معرفة كاملة بها.



وقال أحمد الغُمَاري في كتابه "المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير" (ص6): «المؤلّف (أي السيوطي) يعتمد كثيراً على قول البيهقي: إنه لا يُخرج في كتبه حديثاً يعلم أنه موضوع. وليس كذلك، بل يخرج الموضوعات بكثرة». وقال في (ص48) عند حديث "الدنيا سبعة آلاف، أنا في آخرها ألفاً" الذي أورده السيوطي عن البيهقي في "الدلائل" (واستدل به السيوطي على أنه آخر المجددين!): «قال الحفاظ: موضوع. ولو كان المؤلفُ (السيوطيّ) في عصرنا، لاستحى أن يذكره. وكذلك البيهقي الذي زعم أنه لا يخرج حديثاً يعلم أنه موضوع». وقال في (ص73) عند حديث "العرب للعرب أكفاء، والموالي للموالي، إلا حائكاً أو حجاماً" الذي رواه السيوطي عن البيهقي في "السُّنن": «عجباً للبيهقي الذي يُخرج هذا الباطل في "سننه"، ويزعم أنه لا يخرج في كتبه حديثاً يعلم أنه موضوع! مع أنه لا يَشكّ في وضعه طالبُ حديث!». وقد نبه في كتابه المذكور إلى طائفة من الأحاديث التي رواها البيهقي في كتبه وهي موضوعة، تجدها في: (ص9، 26، 35، 77، 79، 102).
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 2011-04-01, 05:46 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي







منهج ابن جرير الطبري


أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، الإمام الفقيه المفسر المؤرخ. كان من كبار أئمة المسلمين.
تشيع الطبري

فقد قال فيه الذهبي في ميزان الاعتدال في نقد الرجال (6\90): «فيه تشيع يسير وموالاة لا تضر». إذاً فرمي ابن جرير الطبري بالتشيع أمر صحيح، وهو لا يخالف أنه من أئمة أهل السنة. فالتشيع غير الرفض. ومن الأسباب التي دلت على تشيعه اليسير:

1- تصنيفه في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

2- إثباته الأسانيد و الروايات لحديث غدير خم.

3- مناظرته مع إمام الحنابلة في عصره داود (أو ابن أبي داود) الذي نتج عنها أن صنّف كتاباً في الرد على الطبري، رماه بالعظائم والرفض، كما ذكر ذلك عوام الحنابلة في بغداد.

4- اشتباه اسمه باسم أحـد الروافض وهو محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري الرافضي، صاحب فتوى المسح على الرجلين. أما صاحبنا ابن جرير بن يزيد، فهو إمام سني فيه تشيع خفيف، وليس فيه رفض البتة.

5- إكثاره من الرواية عن أبي مخنف لوط بن يحيى، حيث روى عنه خمسمئة وسبعاً و ثمانين رواية. وهو مؤرخ رافضي كذاب.



منهج ابن جرير في تهذيب الآثار

مع العلم بأن الظاهر من كلام المترجمين للطبري أن "تهذيب الآثار" صنفه ابن جرير بعد "جامع البيان " (تفسير الطبري المشهور). وذلك أنه توفي ولم يتمه كما ذكر الذهبي في السير.



قال الأَلْبَانِيُّ في كِتَابِهِ سِلْسِلَةُ الأَحَادِيْثِ الضَّعِيْفَةِ و المَوْضُوعَةِ (5\173) : «إِنِّي لأَعْجَبُ أشدَّ العجَبِ من أسلوبِ الإمامِ الطَّبريِّ في تَصْحِيْحِ الأحاديثِ في كتابِهِ المذكور (تَهْذِيْبُ الآثَارِ). فَقَدْ رأيتُ له فيهِ عشَرَاتُ الأحاديثِ يُصَرِّحُ بِصِحَّتِها عندَهُ، و لا يَتَكَلَّمُ على ذلك بِتَوْثِيْقٍ. بل يُتْبِعُهُ بحكايته عن العلماءِ الآخرينَ تَضْعِيْفَهم و بكلامِهِم في إعلاَلِهِ، و لا يردُّهُ. بحيثُ أنَّ القَارِئَ يَمِيْلُ إلَيْهِم دُونَهُ! فما أشْبَهَهُ فيهِ بأسلوبِ الرَّازِي في رَدِّهِ على المُعْتَزِلَةِ في تَفْسِيْرِهِ: يَحْكِي شُبُهَاتِهِم عَلَى أَهْلِ السُنَّةِ، ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْ رَدِّهَا».



قال الشيخ عبد الله السعد في تقديمه لدراسة حديث أم سلمة في مبحث الجهالة:

وابن جرير الطبري كذلك (في تصحيح حديث المجهول). فقد روى في "تهذيب الآثار" في مسند علي (ص 118) من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن ذي حدّان عن علي... ثم قال: «وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل...». إلى أن قال: «والثالثة: أن سعيد بن ذي حدان عندهم مجهول، ولا تثبت بمجهول في الدين حجة». قلت: قال ابن المديني عنه: «وهو رجل مجهول، لا أعلم أحداً روى عنه إلا أبو إسحاق». وذكره ابن حبان في "الثقات" (4| 282) على عادته، وقال: «ربما أخطأ».

وصحح أيضاً لحلام الغفاري، فقد روى في مسند علي من "تهذيب الآثار" (ص 158) من طريق شقيق بن سلمة عنه عن أبي ذر... ثم قال: «وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل...». إلى أن قال: «والثانية: أن حلّاما الغفاري عندهم مجهول غير معروف في نقله الآثار، ولا يجوز الاحتجاج بمجهول في الدين». قلت: وحلاّم هذا مجهول فيما يظهر، وقد ترجم ابن أبي حاتم لحلام بن حزل وقال: «يقال هو ابن أخي أبي ذر، روى عن أبي ذر، روى عنه أبو الطفيل، سمعت أبي يقول ذلك». وذكره البخاري في "التاريخ" (3| 129) و سمّاه: حلاب بن حزل. وسكت عنه.

وصحح أيضا لهانئ مولى علي، وفيه جهالة. فقد روى في مسند علي من "تهذيب الآثار" (ص170) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه عن علي... ثم قال: «وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل...». إلى أن قال: «والثانية: أن هانئاً مولى علي غير معروف في أهل النقل، فلا يجوز الاحتجاج بنقله في الدين حجة». قلت: ترجم له البخاري في "تاريخه" (8| 229) وابن أبي حاتم (9|100) وسكتا عنه. وذكره ابن حبان في "الثقات" (5| 509) على عادته. وترجم له ابن حجر في "التهذيب" ولم يذكر فيه توثيقا سوى ما جاء عن ابن حبان. ولذلك قال الذهبي في "الميزان" (4| 291): «لا يعرف».

وصحح أيضا لمسور بن إبراهيم كما في مسند باقي العشرة (ص 102). وقد قال عنه الذهبي في "الميزان" (4| 113): «لا يعرف حاله، وحديثه منكر». وعندما ترجم له ابن حجر في "التهذيب" لم ينقل توثيقه عن أحد. ولم يذكره حتى ولا ابن حبان في "الثقات" فيما يظهر.

وصحح أيضا لنوفل بن إياس الهذلي كما في مسند باقي العشرة (ص120)، و هو ممن تجهل حاله. قال الذهبي في "الميزان" (4| 280): «لا يعرف». وذكره ابن حبان في "الثقات" (5| 479) كعادته في ذكر مثله.

وصحح أيضاً لأبي الرداد الليثي، كما في مسند باقي العشرة (121) وفيه جهالة (تنظر ترجمته في "الميزان" و "اللسان").

ومن صحح له أيضا عبيد الله بن الوازع، كما في مسند باقي العشرة (ص550). فقد روى من طريقه عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال الزبير... ثم قال: «وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلتين...». إلى أن قال: «والثانية: أنه من رواية عبيد الله بن الوازع... وعبيد الله عندهم غير معروف في نقلة الآثار».

وعبيد الله هذا مجهول، لم يترجم له البخاري في "تاريخه"، ولا ابن أبي حاتم. وعندما ترجم له ابن حجر في "تهذيب التهذيب" لم ينقل توثيقه عن أحد، ولم يذكر في الرواة عنه سوى حفيده عمرو بن عاصم، ولذلك قال في "التقريب": «مجهول». وذكره الذهبي في "الميزان" (3| 17) وقال: «ما علمت له راويا غير حفيده». ولم يذكر فيه توثيقا. وأما قوله عنه في "الكاشف": «صدوق» فهذا فيه نظر لما تقدم. وذكره ابن حبان في "الثقات" (8|403) وطريقته في مثله معروفة.

وممن صحح أيضا: ابن أبي عمرة الأنصاري، فقد روى في باقي مسند العشرة (531) من طريق المسعودي عن ابن أبي عمرة عن أبيه... وقد قال قبل ذلك ( ص 526): «وقد وافق الزبير في رواية هذا الخبر عن رسول الله r جماعة من أصحابه، نذكر ما صح عندنا من ذلك سنده». ثم ذكر أحاديث منها هذا الحديث. و ابن أبي عمرة هذا مجهول فيما يظهر، وقد اختلف على المسعودي في تسميته، فمرة سماه: أبو عمرة، ومرة: رجل من آل أبي عمرة، ومرة أخرى: ابن أبي عمرة كما تقدم وهذا يؤكد جهالته، والله أعلم. وتنظر ترجمته في: "التهذيب" و " الميزان" (4| 558) و " الكاشف"، وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": «مجهول من السادسة، وإلا فالصواب أنه الأنصاري والد عبد الرحمن». قلت: الأنصاري والد عبد الرحمن صحابي، وقد مات في خلافة علي t، فهو ليس هذا جزماً.



تبين مما تقدم ما يلي:

1. أن أبا جعفر بن جرير صحّح لجمع من المجهولين، وتقدم أيضا ذكر الأدلة من أقوال الأئمة على جهالتهم.

2. أن بعض هؤلاء الرواة نص أبو جعفر على جهالتهم عند الآخرين، فعلى هذا لا يقال: إنه خفي على أبي جعفر جهالة هؤلاء الرواة، وعندما ذكر مخالفته لمذهب الآخرين في عدم جهالتهم لم يذكر ما يدلُّ على توثيقهم.

3. أن أبا جعفر نص على تصحيح الأسانيد التي فيها هؤلاء الرواة لذاتها، فعلى هذا لا يقال: إنه صحح هذه الأحاديث لشواهدها، خاصة أن بعض هذه الأسانيد منكرة، مثل تصحيحه لحديث سعيد بن ذي حدان، فإن الصواب وقفه على علي t، وإن كان المتن جاء من حديث صحابة آخرين. ومثل تصحيحه لحديث المسور بن إبراهيم، وحديثه منكر فرد، لم يتابع عليه، قال أبو حاتم الرازي في "العلل" لابنه (1| 452) عنه: «هذا حديث منكر، و مسور لم يلق عبد الرحمن، وهو مرسل أيضا». وقال الذهبي في "الميزان" (4| 113): «لا يعرف حاله، وحديثه منكر».

4. أن أبا جعفر بن جرير وإن كان يشترط لصحة الخبر أن يكون رواته ثقات –كما في مسند ابن عباس من "تهذيب الآثار" (ص: 26، 342، 623، وغيرها)– وأحياناً ينص على اشتراط العدالة –كما في مسند عمر (ص280) ومسند علي (272) ومسند ابن عباس (ص770) وغير ذلك– ولكنه يتوسع في حد الثقة كما تقدم في تصحيحاته، والله تعالى أعلم.

انتهى كلام الشيخ السعد وفقه الله.



وهناك مواضيع متعددة في "تهذيب الآثار" يصرح فيها الطبري بأن له منهج مستقل غير منهج المحدثين (ويسميهم الآخرين). وهذه بعضها:



تهذيب الآثار (1|55): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداهما أنه خبر قد حدث به عن خالد عن عكرمة غير من ذكرت فأرسله ولم يجعل بين عكرمة والنبي ابن عباس. والثانية أنه من رواية عكرمة وقد ذكرت قولهم في عكرمة فيما مضى من كتابنا هذا. والثالثة أن راويه عن عكرمة خالد وكان شعبة يغمص عليه».

تهذيب الآثار (1|90): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداها أنه من رواية عكرمة عن ابن عباس وقد ذكرنا قولهم في عكرمة وفيما روى فيما مضى قبل فكرهنا إعادته. والثانية أنه خبر قد رواه عن عكرمة غير خالد فأرسله ولم يصله ولم يجعل بينه وبين النبي أحداً. والثالثة أنه من نقل خالد عن عكرمة، وخالد عندهم في نقله نظر».

تهذيب الآثار (1|188): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداها أنه خبر لا يعرف له مخرج من حديث خالد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا إلا من هذا الوجه. والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه. والثانية أنه من رواية عكرمة عنه وفى نقل عكرمة عندهم نظر. والثالثة أنه من رواية خالد عنه وفى نقل خالد عندهم ما ذكرنا قبل. والرابعة أنه خبر قد رواه عن عكرمة غير خالد فأرسله عن ابن عباس ولم يرفعه إلى النبي وخالفه أيضا في اللفظ والمعنى. والخامسة أنه قد رواه أيضا بعضهم عن عكرمة فأرسله ولم يجعل بينه وبين النبي أحدا وخالفه في اللفظ والمعنى. ذكر من روى ذلك عن عكرمة عن ابن عباس ولم يرفعه إلى النبي وجعله من كلام ابن عباس وخالفه في اللفظ والمعنى».

تهذيب الآثار (1|217): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده لا علة فيه توهنه ولا سبب يضعفه وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداهما أنه خبر قد حدث به عن عكرمة أيوب السختياني، فأرسله عنه ولم يجعل بينه وبين النبي أحدا. وإن كان بعض رواته قد وصله عنه. والثانية أنه خبر قد حدث به عن خالد الحذاء غير من ذكرت، فأرسله عنه عن عكرمة ولم يجعل بين عكرمة وبين النبي ابن عباس. والثالثة أنه من نقل عكرمة، وفى نقله عندهم نظر لأسباب قد بيناها قبل. والرابعة أنه من رواية خالد عن عكرمة وفى رواية خالد عندهم ما قد تقدم بيانه قبل».

تهذيب الآثار (1|240): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلتين: إحداهما أن بعض ما فيه من معانيه لا مخرج له يصح عن ابن عباس عن النبي إلا من هذا الوجه. والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه. والثانية أنه من نقل عكرمة عن ابن عباس وفى نقل عكرمة عندهم نظر يجب التوقف فيه».

تهذيب الآثار (1|317): «وهذا الخبر صحيح عندنا سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداها أنه خبر لا يعرف له مخرج يصح عن ابن عباس إلا من هذا الوجه. والثانية لأنه من نقل عكرمة عن ابن عباس وفى نقل عكرمة عندهم نظر يجب التثبت فيه من أجله. والثالثة أن المعروف عن ابن عباس من روايته القنوت في الصبح إنما هو عن عمر t دون الرواية عن النبي r».
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 2011-04-01, 05:48 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي







منهج ابن خراش وابن عقدة الرافضيان







ابن خراش

عبد الرحمن بن يوسف بن خراش (283هـ). كان من الحفاظ الكبار الذين كانت تعقد لهم مجالس التحديث والمذاكرة. وقال الخطيب في تاريخ بغداد (10|280): «كان أحد الرحالين في الحديث إلى الأمصار، وممن يوصف بالحفظ والمعرفة». وقال ابن المنادي: «كان من المعدودين المذكورين بالحفظ والفهم للحديث والرجال».


لكن ابن خراش شيعي خبيث متهم بالرفض. قال الحافظ عبدان الأهوازي (306هـ)، (فيما نقله عنه تلميذه ابن عدي): «وحمل ابن خراش إلى بندار عندنا جزأين صنفهما في مثالب الشيخين، فأجازه بألفي درهم. فبنى بذلك حجرة ببغداد ليحدث فيها. فما متع بها، ومات حين فرغ منها». وقال ابن عدي في الكامل (4|321): «سمعت أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة يقول: كان ابن خراش في الكوفة إذا كتب شيئا من باب التشيع يقول لي: "هذا لا ينفق إلا عندي وعندك يا أبا العباس"».


قال الذهبي في السير (13|510) عنه: «هذا مُعَثَّرٌ مخذول. كان عِلمهُ وبالاً، وسعيه ضلالاً، نعوذ بالله من الخِذلان». وقال في الميزان عنه (4|330): «هذا والله: الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه. فإنه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة. وبعد هذا فما انتفع بعلمه. فلا عتب على حمير الرافضة». وأشار كذلك في عدة مواضع لعدم الاعتداد بهذا الرافضي. فقال في السير (12|487) رادّاً على تكذيب ابن خراش للحافظ أحمد بن الفرات: «من الذي يُصَدّق ابن خراش –ذاك الرافضي– في قوله؟!». وقال في الميزان (ص259) في ترجمة "أحمد بن عبدة": «وقال ابن خراش: "تكلم الناس فيه"، فلم يَصدُق ابن خراش في قوله هذا». قال الذهبي في الميزان (6|536) في ترجمة "موسى بن إسماعيل": «لم أذكر أبا سلمة لِلِينٍ فيه، لكن لقول ابن خراش فيه "صدوق، وتكلم الناس فيه". قلت: نعم، تكلموا فيه بأنه ثقة ثبت، يا رافضي!».



والتشيع ثابت عليه ظاهر، أما الرفض فيظهر أنه لم يكن يظهره في بغداد، وإلا لفضحه نقاد الحديث فيها. وإنما صنف كتابه في الرفض في بندار، والظاهر أنه لم يشتهر عنه في غيرها. والله أعلم. فلذلك يؤخذ برأيه في الرجال، إلا إن شذ أو تفرد برأي، فهنا يتهم بذلك ويرد قوله ولا كرامة، كما في كلامه على مالك بن أوس.



ابن عقدة

رافضي مجروح في دينه ونقله. قال المعلمي في التنكيل (1|170): «الذي يتحرر من هذه النقول وغيرها أن ابن عقدة ليس بعمدة. وفي سرقة الكتب والأمر بالكذب وبناء الرواية عليه، ما يمنع الاعتماد على الرجل فيما ينفرد به». وقال الخطيب في "تاريخ بغداد" (2|237): «في الجرح بما يحكيه أبو العباس بن سعيد (ابن عقدة) نظر. حدثني علي بن محمد بن نصر قال: سمعت حمزة السهمي يقول: سألت أبا بكر بن عبدان عن ابن عقدة إذا حكى حكاية عن غيره من الشيوخ في الجرح، هل يقبل قوله أم لا؟ قال: لا يُقبل». وفي سؤالات السُّلمي (ص3 #41) قال الدار قطني وقد سُئِل عن ابن عقدة: «حافظ محدّث. ولم يكن في الدين بالقوي. ولا أزيد على هذا».
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 2011-04-01, 05:49 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي







أبو حنيفة بين الجرح والتعديل :






أبو حنيفة –رحمه الله– إمامٌ فحلٌ صاحب مدرسة فقهية كبيرة لها وقعها الكبير قديماً و حديثاً. و قد اختار ابن تيمية كثيراً من أقواله، جمعها أحد الاخوة في جزء. وهو من أذكياء العالم، لا يستريب في هذا أحد! وأبو حنيفة هو إمام علم في الفقه والاستنباط، وإمام في الزهد والورع. ولا يعيبه أن تكون بضاعته في الحديث مُزجاة، أو أنه لم يُذكر في عداد أهل الصناعة والدراية. ومن قال ذا يعيبه؟ فهذا الشأن لكل من انصرف لفن دون آخر.

وأما كونه ضعيفاً في الحديث فلا يجرح في إمامته في الفقه والدين. فكم من فقيه جليل لا يعتد بروايته للحديث، كما أنه كم من محدث جليل لا يقيم الفقهاء لرأيه واستنباطه وزناً. وكل علم يسأل عنه أهله. وإذا كان الراوي أحياناً يكون ثقة في روايته عن شيخ، وضعيفاً في روايته عن شيخ آخر، أو يكون ثقة في روايته عن أهل بلد، وضعيفا في روايته عن أهل بلد آخر، فكذلك يكون الرجل ثقة في روايته لعلم، وضعيفاً في روايته لعلم آخر.

قال الذهبي في السير (5|260) في ترجمة عاصم: «وما زال في كل وقت يكون العالم: إماماً في فن، مقصراً في فنون. وكذلك كان صاحبه حفص بن سليمان ثبتاً في القراءة واهياً في الحديث. وكان الأعمش بخلافه: كان ثبتاً في الحديث، ليّناً في الحروف. فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب "المنهج" وغيره، لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر. والله أعلم».

والأحناف في كل كتاب حديث تقريبا يضيعون مساحة شاسعة منه للدفاع عن أبي حنيفة وإثبات أنه ثقة. بل ويغيرون كل علم الجرح والتعديل حتى يحصلون على تعديل إمامهم. وكل من جرح أبا حنيفة يصبح متعنت أو مجروح. والعكس بالعكس.

يا من تنشدون الكمال لأبي حنيفة من كل وجه، لقد سودتم الصحيفة بِرَميِكُم المحدّثين بالتعصب والحسد. وبهذا أسقطتم كبار القوم للدفاع عن رجل واحد، اعترف له الكل بفضله وتقدمه في فنه، ونطق المحدثون بضعفه في الحديث، وفق ما تقتضيه الأمانة والديانة، ودلّ على ذلك الشواهد والواقع. أمانة حملوها فوق أعناقهم، لم يسعهم السكوت عنها. ما أتوا ظلماً ولا هضماً. بل أنزلوا أبا حنيفة منزلة غيره من المحدثين، ممن لا يُحصون عدداً، مروا جميعهم على ميزان النقد. لم يحابوا والداً ولا ولداً، شريفاً ولا وضيعاً، أميراً ولا وزيراً. إنها الأمانة والعدالة، صيانة لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فلماذا ترون هذا واجباً في حق جميع الرواة دفاعاً عن السنة، وترونه ظلماً وحسداً في حق فردٍ واحد؟ أليس هذا هو التعصب؟


الثناء على أبي حنيفة:

أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي (أبو بكر العطار، ثقة)، قال: سمعت حمزة بن علي البصري يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: «الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه». وقال حرملة بن يحيى: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: «من أراد أن يتبحر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة». قال: و سمعته -يعني الشافعي- يقول: «كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه».

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (6|404): قال حفص بن غياث: «كلام أبي حنيفة في الفقه أدق من الشعر، لا يعيبه إلا جاهل». وقال الذهبي أيضاً: وروي عن الأعمش أنه سئل عن مسألة، فقال: «إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت، وأظنه بورك له في علمه». وقال جرير: قال لي مغيرة: «جالس أبا حنيفة تفقه، فإن إبراهيم النخعي لو كان حيا لجالسه». قلت –أي الذهبي–: «الإمامة في الفقه ودقائقه، مسلّمة إلى هذا الإمام. وهذا أمر لا شك فيه». انتهى. وقال الذهبي عنه: «برع في الرأي، وساد أهل زمانه في التفقه، وتفريع المسائل، وتصدر للاشتغال، وتخرج به الأصحاب». ثمَّ قال: «وكان معدوداً في الأجواد الأسخياء، والأولياء الأذكياء، مع الدين والعبادة والتهجد وكثرة التلاوة، وقيام الليل رضي الله عنه».

وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (10|110): «الإمام أبو حنيفة... فقيه العراق، وأحد أئمة الإسلام، والسادة الأعلام، وأحد أركان العلماء، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة، وهو أقدمهم وفاة». وقال ابن العماد في "شذرات الذهب" (1|228): «وكان من أذكياء بني آدم. جمع الفقه والعبادة، والورع والسخاء. وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل ينفق ويؤثر من كسبه». ويروى عن سفيان الثوري –كما في الفقيه والمتفقه (2|73)– قوله: «كان أبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه».

وقال محمَّد بن مُزاحِم: سمعت ابن المبارك يقول: «أفقَهُ الناس أبو حنيفة. ما رأيتُ في الفقه مثله». وقال ابن المبارك أيضاً: «لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان، كنت كسائر الناس».

توثيق أبي حنيفة:

لم أجد من وثق أبا حنيفة من المحدثين إلا ابن معين (ولم يصح) وابن المديني، وسائر ما يذكر في ترجمته من الثناء إنما هو في علمه وفضله ورأيه. وقد جاء عن ابن معين وابن المديني تضعيفها لأبي حنيفة، وهو ما يخفيه الأحناف ولا يذكرونه! وإليكم كلامهما:

ففي تهذيب التهذيب (1|401): قال محمد بن سعد العَوْفي (ضعيف) سمعت ابنَ معين يقول: «كان أبو حنيفة ثقةً لا يُحدِّث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يُحدِّث بما لا يحفظ». وقال صالح بن محمد الأسدي الحافظ (مجهول): سمعت يحيى بن معين يقول: «كان أبو حنيفة ثقة في الحديث». و قال أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز (لم أجد فيه توثيق)، عن يحيى بن معين: «كان أبو حنيفة لا بأس به».

وقال ابن عبد البر في "الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء" (ص127): قال عبد الله بن أحمد الدَّورقي (مجهول): سئل يحيى بن مَعين وأنا أسمع عن أبي حنيفة؟ فقال ابنُ مَعين: «هو ثقةٌ ما سمعتُ أحداً ضعَّفه (!!). هذا شعبةُ بن الحجاج يكتب إليه أن يُحدِّث، ويأمُرُه. وشعبةُ شعبة». وهذا الدورقي قد قال ابن حزم عنه في "حجة الوداع": «لا أعرفه». نقل هذا الذهبي في ميزان الاعتدال (8|132) مقراً له. وقال الحسيني في الإكمال (1|237): «فيه جهالة». والمقولة منكرة لما نعلم من ذم شعبة لأبي حنيفة.

فإذا عرفنا أن توثيق ابن معين لأبي حنيفة لم يصح، نذكر أنه قد صح عنه تضعيف حديث أبي حنيفة. قال ابن أبي مريم –كما في الكامل لابن عدي (8|236)–: سألت يحيى بن معين عن أبي حنيفة، فقال: «لا يكتب حديثه». وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة –كما في الضعفاء للعقيلي (4|285)–: سمعت يحيى بن معين وسئل عن أبي حنيفة، قال: «كان يضعف في الحديث». وقال محمد بن حماد المقرئ –كما في تاريخ بغداد (13|445)–: وسألت يحيى بن معين عن أبي حنيفة، فقال: «وإيش كان عند أبي حنيفة من الحديث حتى تسأل عنه؟!».

وعلى فرض صحة روايات التوثيق (وقد رأيت أنها لا تصح مطلقاً)، فيجاب عليها بأن ابن معين مشهور ميله لأبي حنيفة واستحسانه لرأيه، ولعل هذا التوثيق كان في أول أمر يحيى بن معين، ثم اطلع بعد ذلك على ما له من أوهام وأخطاء فضعفه في الحديث.

قال الإمام علي بن المديني: «أبو حنيفة روى عنه الثوري وابن المبارك، وهو ثقة لا بأس به». وقد جاء عنه التضعيف كذلك. إذ قال عبد الله بن علي بن عبد الله المديني –كما في تاريخ بغداد (13|450)–: وسألت –يعني أباه– عن أبي حنيفة صاحب الرأي، فضعفه جداً، وقال: «لو كان بين يَدَيّ ما سألته عن شيء». وروى خمسين حديثاً أخطأ فيها. انتهى.

قال المعلمي في التنكيل (1|358) جواباً عن توثيق علي بن المديني لأبي حنيفة: «كان من دعاة المحنة حنفية، وكانوا ينسبون مقالتهم التي امتحنوا الناس فيها إلى أبي حنيفة، ويدعون إلى مذهبه في الفقه، كما مرت الإشارة إلى طرف منه في ترجمة سفيان الثوري، فكأنهم استكرهوا ابن المديني على أن يثني على أبي حنيفة ويوثقه فاضطر إلى أن يوافقهم. وقد يكون ورّى فقصد بكلمة "ثقة" معنى أنه لم يكذب، ثم لما سأله ابنه أخبره بما يعتقد».

تضعيف أبي حنيفة:

يجب من الأول أن نفهم سبب تشدد السلف على الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. فإن من منهج أهل السنة والجماعة أن الرجل إذا زل في بعض المواضع فإننا نستر عليه ذلك فإذا اشتهر نحذر من تلك الأخطاء والزلات دون أن نهدر عدالته. لكن زاد الكثير من العلماء على هذا أن من كثرت زلاته وجب إسقاطه مهما بلغت مكانته العلمية لأن هذا أسهل من التحذير من هذه الأخطاء. وكثير من هذا الطعن في أبي حنيفة تجد مثله في غيره من العلماء بما فيهم مالك والشافعي. لكن الذي حمى مالك من أن يسقطه أهل الحديث كونه يحتاج إليه جداً في الكثير من الأحاديث. وهذا أوضحه ابن عبد البر ببحث طويل في "جامع بيان العلم وفضله" وكذلك في "الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء" ليس هذا مكان ذكره.

نقل العلامة المعلمي اليماني في كتابه "التنكيل بما في مقالات الكوثري من الأباطيل" مواقف شديدة لبعض أئمة السلف من الإمام أبي حنيفة والتي كان يستدل بها الكوثري، وعلق عليها المعلمي اليماني أن من مذاهب السلف في إسقاط أخطاء الفقهاء: مذهب بإسقاط صاحب الأخطاء الكثيرة وتنفير الناس منه حتى لا يتبعوه، حتى لو كانوا يقرون بفضله على الأمة. وهذا ما نقمه الكوثري على بعض الأئمة المتقدمين لكون بعضهم عمل على إسقاط الإمام أبي حنيفة رحمه الله.

ومذهب آخر بالترحم على أهل الفضل من العلماء الذين يقعون في أخطاء علمية، مع تعقب أخطائهم فقط حتى لا يقع فيها الناس. إلا أن هذا المذهب قد يشتد في الإنكار لعظم الخطأ في بعض المسائل، مع إبقاء أصل الاحترام مع نقل ذلك. فالصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومن بعدهم من أئمة التابعين وغيرهم من السلف، لم ينقطع بينهم الولاء والقتال في صف واحد. ومع ذلك كانوا لا يتساهلوا فيما يمكن أن يحرف دين الأمة.

ومثال ذلك و الأمثلة كثيرة: ما جاء في صحيح مسلم من قول ابن الزبير لابن عباس –وهو من هو– حبر الامة، وفضله على الأمة جاري حتى الآن، وعلم ابن الزبير لا يقارن بعلم ابن عباس. قال له بخصوص مسألة زواج المتعة: «أفعل بنفسك (يقصد زواج المتعة) ولأرجمنك بأحجارك». رضي الله عنهم أجمعين. و قد كان يحدث بينهم ذلك لان الأمر كان عندهم دين يجب صيانته من التحريف. لكن لا يأتي أحد ويقيم ابن عباس من قول ابن الزبير عنه. فهذا غلط.

وبهذا نفهم سبب حدة بعض العلماء القدامى على الإمام أبي حنيفة رحمه الله. ثم استقر الأمر على إمامته في الفقه. لذلك لا تجد الفقهاء السلفيين كالذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والمزي وابن عبد الهادي وابن عبد الوهاب إلا ويذكرونه بالخير.

قال ابن عبد البر في التمهيد (14|13) عن حديث "المتبايعان بالخيار": «وقد روي عن أبي حنيفة أنه كان يرد هذا الخبر، باعتباره إياه على أصوله، كسائر فعله في أخبار الآحاد: كان يعرضها على الأصول المجتمع عليها عنده، ويجتهد في قبولها أو ردها. فهذا أصله في أخبار الآحاد. وروي عنه أنه كان يقول في رد هذا الحديث: "أرأيت إن كانا في سفينة؟ أرأيت إن كانا في سجن أو قيد؟ كيف يفترقان؟ إذن فلا يصح بين هؤلاء بيع أبداً"! وهذا مما عيب به أبو حنيفة. وهو أكبر عيوبه وأشد ذنوبه عند أهل الحديث الناقلين لمثالبه، باعتراضه الآثار الصحاح، ورده لها برأيه. وأما الإرجاء المنسوب إليه، فقد كان غيره فيه أدخل وبه أقوَل، لم يشتغل أهل الحديث من نقل مثالبه ورواية سقطاته مثل ما اشتغلوا به من مثالب أبي حنيفة. والعلة في ذلك ما ذكرت لك. وذلك ما وجدوا له من ترك السنن وردها برأيه، أعني السنن المنقولة بأخبار العدول الآحاد الثقات، والله المستعان».

أهم الكتب التي ذكرت جرح أبي حنيفاً مسنداً هي:

1- تاريخ بغداد للخطيب.
2- المجروحون لابن حبان.
3- الكامل لابن عدي.
4- السنة لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل.

وأظنها استوعبت الجرح كله، وبخاصة الأول. وبعض تلك الأقوال منصف وكثير منها غير منصف.

1– فقوم طعنوا في روايته وقلة حفظه وضبطه، وأن أبا حنيفة لا يميز بين صحيح الحديث وضعيفه.

وهذا أمر صحيح أجمع عليه علماء الحديث قاطبة، وذكروا أدلته. وسبب ذلك أنه كان اهتمامه منصباً على الفقه والاجتهاد والعبادة. وإذا روى الحديث رواه بالمعنى على إسلوب شيخه حماد. وقد اعترف الإمام به بنفسه. إذ أخرج الإمام ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8|449): عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، عن أبي عبد الرحمان المقرئ، قال: كان أبو حنيفة يُحدثنا، فإذا فرغ من الحديث، قال: «هذا الذي سمعتم كله ريحٌ وباطلٌ». وقال الترمذي: سمعت محمود بن غيلان، يقول: سمعت المقرئ، يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: «عامة ما أحدثكم خطأ». وهذا سند صحيح كالشمس. وهو موافقٌ لكلام النقاد، واعترافٌ من الإمام بأنه ليس ضابطاً لحديثه. وهذا حمله عليه ورعه ومعرفته بقدر نفسه في الحديث، لأنه ليس من فرسان الأسانيد والعلل.

وقد اعترف الإمام الزيلعي (وهو من أكبر الحفاظ الحنفية) بضعف أبي حنيفة في حديث "نهى عن بيع وشرط". وهناك رسالة نوقشت قديماً بعنوان "الإمام أبو حنيفة بين الجرح والتعديل" نوقشت في جامعة أم القرى. وانتهى -كما قيل لنا- إلى أن أبا حنيفة من حيث الحفظ في مرتبة الصدوق. وأظنه بنى ذلك على تخريج الأحاديث المروية من طريق أبي حنيفة.

2– وقوم طعنوا فيه لما يرجع إلى العقائد و الكلام في الأصول.

وهذا باطل. ولم يخالف أبو حنيفة السلف الصالح إلا في مسألة الإرجاء، إذا وافق شيخه حماد في ما يسمى بمذهب مرجئة الفقهاء في الإيمان. وقد أوضح شيخ الإسلام أن هذا كان في ذلك الوقت خلافاً لفظياً فحسب. ثم تطور لاحقاً على يد الماتريدية والأشاعرة فصار حقيقياً. و والله تجد اليوم أقوام غالوا في الإرجاء الحقيقي مع الحكام الطواغيت، بل فاقوا الجهمية أنفسهم، ومع ذلك يلمزون الإمام أبا حنيفة. ولا نقول إلا: رمتني بدائها وانسلت.

يقول شيخ الإسلام في كتاب الإيمان (ص337): «إنه لم يكفر أحد، من السلف من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال، لا بدع العقائد، فإن كثيراً من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنَّة هو الصواب». وقال في مجموع الفتاوى (7|297): «ومما ينبغي أن يعرف أن أكثر التنازع بين أهل السنَّة في هذه المسألة هو نزاع لفظي، وإلاَّ فالقائلون بأن الإيمان قول من فقهاء -كحماد بن أبي سليمان وهو أول من قال ذلك، ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم- متفقون مع جميع علماء السنَّة أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد وإن قالوا: إن إيمانهم كما كإيمان جبريل، فهم يقولون: إن الإيمان بدون العمل المفروض ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقاً للذم والعقاب كما تقوله الجماعة. ويقولون أيضاً: إن من أهل الكبائر من يدخل النار كما تقوله الجماعة». وبه قال الذهبي وابن أبي العز إذ قال في شرح العقيدة الطحاوية (ص362): «الاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنَّة صوري فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب أو جزء من الإيمان مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه نزاع لفظي، لا يترتب عليه فساد اعتقاد».

لكن القوم أصروا على أن يفتروا عليه أقوال ومسائل بهدف التشنيع، وظاهرها الكفر والضلال. قال الإمام ابن تيمية في المنهاج (2|619): «كما أن أبا حنيفة –وإن كان الناس خالفوه في أشياء وأنكروها عليه– فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه. وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعاً».

ومن ذلك اتهامه –والعياذ بالله– بالقول بخلق القرآن. واتهامه بأنه استتيب من الكفر مرتين! روى عبد الله في "السنة" (ص192) قال: «سمعت أبي –رحمه الله– يقول (عن أبي حنيفة): أظن أنه استتيب في هذه الآية {سبحان ربك رب العزة عما يصفون}. قال أبو حنيفة: "هذا مخلوق". فقالوا له: "هذا كفر". فاستتابوه». قال الشيخ الدكتور محمد بن سعيد القحطاني معلقاً: «لا يقام حكم بظن». ثم إن الإمام أحمد، قد ظهر له خطأ ظنه، وثبت عنده أن أبا حنيفة ما قال بخلق القرآن قط. قال أبو بكر المروزي (كما في تاريخ بغداد 13|378): سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: «لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن مخلوق». وهذا يكذب كل الروايات التي تتهم الإمام أبا حنيفة بالكفر، والعياذ بالله. بل إن الإمام أحمد حصل له نوع من التعاطف والتقدير لموقف أبي حنيفة المشرف من السلاطين الظلمة. فقال إسماعيل بن سالم البغدادي (كما في تاريخ بغداد 13|327): «ضرب أبو حنيفة على الدخول في القضاء، فلم يقبل القضاء». قال: «وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى، وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد أن ضُرِبَ أحمد».

وبالنسبة لمسألة استتابته من الكفر فقد رد الأئمة الأحناف على هذه الفرية. قال الفقيه المحقق علي بن محمد القاري في مناقب الإمام: قال أبو الفضل الكرماني: لما دخل الخوارج الكوفة مع الضحاك –ورأيهم تكفير كل من أذنب وتكفير كل من لم يكفَّر مرتكب الذنب– قيل لهم: هذا شيخ هؤلاء. فأخذوا الإمام أبا حنيفة وقالوا له: تب من الكفر. فقال: أنا تائب من كل كفر. فقيل لهم: إنه تائب من كفركم، فأخذوه فقال لهم: أبعلم قلتم أم بظن؟ قالوا: بظن، قال إن بعض الظن إثم، والإثم ذنب فتوبوا من الكفر. قالوا: تب أنت أيضاً من الكفر، فقال أنا تائب من كل كفر. فهذا الذي قاله أهل الضلال من إن الإمام استتيب من الكفر مرتين، ولبّسوا على العامة من الناس. ا.هـ

3– وقوم طعنوا لقوله الرأي فيما يخالف الأحاديث الصحاح. وهذا تجد تفصيله في "التنكيل".

4– وقوم طعنوا فيه بأمور باطلة أو أنها ليست جرحاً. مثل قول يزيد بن زريع: «كان أبو حنيفة نبطياً»، وهذه جاهلية عنصرية وفوق ذلك فالقول خطأ لأن أبا حنيفة فارسي.

5- وقوم ما ذكروا طعناً، لكنهم أفحشوا في السب واللعن والاستهزاء (مثل تسميته بأبي جيفة). وليس المؤمن بلعان ولا فاحش ولا بذيء. إنما صفة المنافق أنه إذا خاصم فجَر.

وأما عن تحامل الكثيرين عليه فهذا لا ريب فيه. قال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2|149): قال يحيى بن معين: «أصحابنا (أي أهل الحديث) يُفْرِطون في أبي حنيفة وأصحابه». وبعض الذين انتقدوا أبي حنيفة هم فعلاً أصحاب تعصب مذهبي. فالخطيب البغدادي كان شافعياً متعصباً على الأحناف والحنابلة، كما ذكر ابن عبد الهادي. وقد رد عليه ابن الجوزي الذي لم يكن أقل منه تعصباً وحدّة (لمذهب الحنابلة). وكثير من الأقوال التي نقلها الخطيب في ذم أبي حنيفة لا تصح.

قلة حديث أبي حنيفة:

ولا بد من التنبيه أن ما قيل من قلة أحاديث أبي حنيفة ليس على إطلاقه. نعم، لم يصله الكثير جداً من الأحاديث الصحيحة. وليس معنى ذلك أنه ليس عنده حديث. قال العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة": «لزم أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان يأخذ عنه مدة، وكان حماد كثير الحديث. ثم أخذ عن عدد كثير غيره كما تراه في مناقبه. وقلة الأحاديث المروية عنه لا تدل على قلة ما عنده، ذلك أنه لم يتصدى للرواية. وقد قدمنا أن العالم لا يكلف جمع السنة كلها. بل إذا كان عارفاً بالقرآن وعنده طائفة صالحة من السنة بحيث يغلب على اجتهاده الصواب كان له أن يفتي، وإذا عرضت قضية لم يجدها في الكتاب والسنة سأل من عنده علم بالسنة، فإن لم يجد اجتهد رأيه. وكذلك كان أبو حنيفة يفعل. وكان عنده في حلقته جماعة من المكثرين في الحديث كمسعر وحبان ومندل. والأحاديث التي ذكروا أنه خالفها قليلة بالنسبة إلى ما وافقه. وما من حديث خالفه إلا وله عذر لا يخرج إن شاء الله عن أعذار العلماء. ولم يدع هو العصمة لنفسه ولا ادعاها له أحد. وقد خالفه كبار أصحابه في كثير من أقواله. وكان جماعة من علماء عصره ومن قرب منه ينفرون عنه وعن بعض أقواله. فإن فرض أنه خالف أحاديث صحيحة بغير حجة بينة، فليس معنى ذلك أنه زعم أن العمل بالأحاديث الصحيحة غير لازم. بل المتواتر عنه ما عليه غيره من أهل العلم أنها حجة. بل ذهب إلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء اتباعاً لحديث ضعيف (وذكر ابن القيم في إعلام الموقعين مسائل أخرى لأبي حنيفة من هذا القبيل وكذلك غيره). ومن ثُمّ، ذكر أصحابه أن من أصله تقديم الحديث الضعيف –بله الصحيح– على القياس».
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 2011-04-01, 05:51 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي








أبو يوسف وزفر صاحبي أبي حنيفة




توثيق أبو يوسف صاحب أبي حنيفة





قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (8\535): «هو الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم». وقال إبراهيم بن أبي داود البرلسي: سمعت ابن معين يقول: «ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث ولا أحفظ ولا أصح رواية من أبي يوسف». وقال أحمد بن حنبل: «أول ما كتبت الحديث، اختلفتُ إلى أبي يوسف. وكان أميَلَ إلى المحدِّثين من أبي حنيفة ومحمد». وكان أحمد بن حنبل كذلك يحفظ كتب أبي يوسف ومحمد بن الحسن عن ظهر قلب. وفي سير أعلام النبلاء (11\306): قال ابنه عبد الله: «كتب أبي عن أبي يوسف ومحمد الكتب، وكان يحفظها. فقال لي مهنى: كنت اسأله، فيقول: "ليس ذا في كتبهم". فأرجع إليهم، فيقولون: "صاحبك أعلم منا بالكتب"».



وقال ابن معين: «أبو يوسف: صاحب الحديث، صاحب سنة». وروى الدوري (4\474) عن ابن معين عن أحمد قوله: «اختلفت إلى أبي يوسف، ثم اختلفت إلى الناس بعد». وقد درس ابن معين الفقه على أبي يوسف، وبقي له محباً، حتى أن الذهبي بالغ فجعل ابن معين من الحنفية الغلاة. وقد حدث خلاف وتنافس بين أبي يوسف ومحمد بن الحسن على زعامة الأحناف، فهذا سبب حمل ابن معين الشديد على محمد.


روى الذهبي في تذكرة الحفاظ (1\293): أن يحيى بن معين قال: «ليس في أصحاب الرأي أكثر حديثاً ولا أثبت من أبي يوسف». وقال علي بن الجعد سمعت أبا يوسف يقول: «من قال "إيماني كإيمان جبريل" فهو صاحب بدعة». وقال المزني (صاحب الشافعي): «أبو يوسف أتبَعُ القوم للحديث». وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (8\537): قال أحمد (بن حنبل): «كان أبو يوسف مُنصِفاً في الحديث».



وابن حبان رغم تعصبه ضد الأحناف تجده يقول عن أبي يوسف في كتابه "مشاهير علماء الأمصار" (ص171): «من الفقهاء المتقنين». وقال عنه في "الثقات" (7\645): «وكان شيخاً مُتقِناً». واعترف بأنه سلفي العقيدة، ثم قال: حدثني الحسن بن محمد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم القاص، ثنا قتيبة بن سعيد، قال: سمعت أبا يوسف يقول: «الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد وينقص». وقال ابن عدي: «لا بأس به». وقال النسائي في طبقات الحنفية: «وأبو يوسف ثقة».



فهؤلاء على كراهيتهم الشديدة للأحناف وثقوه، وهو من إنصافهم. ولو لم يكن ثبتاً لطعنوا فيه فوراً، لما بينهم وبين الأحناف. ومع إقرار أحمد بعلم أبي يوسف وقوة حفظه للحديث، فإنه قليل الرواية عنه. كما أنه إذا روى عن أبي حنيفة، دلس اسم أبي حنيفة وجعله "أبا فلان"! بل إنه قال لإبنه كما في الجرح والتعديل عن أبي يوسف: «صدوق، ولكن من أصحاب أبي حنيفة، لا ينبغي أن يُروى عنه شيء!».



فهذا يظهر لك شدة حمل الحنابلة على الأحناف. فهم يروون عن غلاة الشيعة ورؤوس المرجئة ودعاة الخوارج والكثير من القدرية، لكنهم يمتنعون عن الرواية عن الأحناف. مع أن أبا يوسف كان ثقةً فقيهاً سلفي العقيدة، وكان يقول: «الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص». ومن المؤسف أن يظل البعض اليوم على هذا المنوال.



قال محمد بن جرير الطبري: «وتحامى حديثه قوم من أهل الحديث من أجل: غلبة الرأي عليه، وتفريعه الفروع والأحكام، مع صحبة السلطان، وتقلّده القضاء». قال ابن عبد البرّ: «كان أبو يوسف قاضي القضاة، قضى لثلاثة من الخلفاء، ولّيَ القضاء في بعض أيام المهدي ثم للهادي ثم للرشيد. وكان الرشيد يكرمه ويجلّه، وكان عنده حظياً مكيناً. لذلك كانت له اليد الطولى في نشر ذكر أبي حنيفة وإعلاء شأنه لما أوتي من قوة السلطان، وسلطان القوة».




زفر بن الهذيل


كان زفر بن الهذيل (ت158هـ) من أصحاب أبي حنيفة الثقات، وكان معروفاً بإنصافه وسرعة رجوعه إلى الحق.
قال ابن حبان في "الثقات" (7\646): «لسنا ممن يوهم الرعاع ما لا يستحله، ولا ممن يحيف بالقدح في إنسان، وإن كان لنا مخالفاً. بل نُعطي كل شيخٍ حظه مما كان فيه. ونقول في كل إنسان ما كان يستحقه من العدالة والجرح. أدخلنا زفراً وأبا يوسف بين الثقات، لما تبين عندنا من عدالتهما في الأخبار. وأدخلنا من لا يشبههما في الضعفاء، مما صح عندنا مما لا يجوز الاحتجاج به».

جاء في تاريخ ابن معين (رواية الدوري) (3\503): سمعت يحيى يقول: «زفر صاحب الرأي ثقة مأمون». وقال أبو نعيم (الفضل بن دكين، وهو متشدد): «زفر ثقة مأمون»، نقله ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.

قال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار" (ص170): «زفر بن الهذيل القياس أبو الهذيل: من متورعة الفقهاء، لم يسلك سبيل صاحبيه (أبي حنيفة ومحمد بن الحسن) في الروايات (أي في الإفراط في التأويل). وكان إذا لاح له الحق، يرجع إليه من غير أن يتمادى في باطله».
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 2011-04-01, 05:53 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي







منهج أبو الفرج ابن الجوزي :





ابن الجوزي رجل واسع الاطلاع كثير التأليف جداً، لكنه قليل التحقيق صاحب أوهام كثيرة. فهو يحتج بروايات موضوعة بكثرة في أكثر كتبه (كصيد الخاطر وغيرها)، لكن ربما ينسب (في كتب أخرى) إلى الوضع أحاديث صحيحة ربما أخرجها مسلم وغيره. مع انحراف في العقيدة وتبديع وتشنيعٍ شديد على أهل السنة، وافتراءٍ على الإمام أحمد بن حنبل. فقد ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في ذيل طبقات الحنابلة (1\144): «ابن الجوزي –رحمه الله– تأثر بشيخه أبو الوفاء علي ابن عقيل الذي كان يتردد على ابن التبان وابن الوليد شيخي المعتزلة. وكان يقرأ عليهما في السر عِلم الكلام. فظهر منه بعض الأحيان انحرافٌ عن السنة وتأوّلٌ لبعض الصفات، إلى أن مات رحمه الله».


ورغم تأثره الواضح بالمعتزلة، فإنه فقد أكثر في كتابه "صيد الخاطر" من ردوده على الإمام الأشعري وأتباعه. مما دعا علي الطنطاوي الأشعري لأن يتتبع ابن الجوزي في تحقيقه، ويدافع بشدة عن الأشعري، ويشنِّع على ابن الجوزي تعصباً للأشعري. والسبب هو شدة اضطرابه في اعتقاده، بل في سائر علومه. فقد قال بقول أهل التأويل لا سيما في كتابه "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه". وقال بالتفويض في كتابه "تلبيس إبليس". فتأمل كيف يجمع بين النقيضين ويرد على نفسه في موضعٍ آخر حتى لكأنه شخص مختلف. ولذلك قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4\169): «لم يَثبت على قدم النفي، ولا على قدم الإثبات. بل له من الكلام في الإثبات نظماً ونثراً ما أثبت به كثيراً من الصفات التي أنكرها في هذا المُصنَّف». وقال في "درء التعارض" (9\160): «فيوجد له من المقالات المتناقضة بحسب اختلاف حاله، كما يوجد لأبي حامد (الغزالي) والرازي وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهم».


والأسوء من ذلك أنه أضاف لكل تلك الأوهام ولكل ذلك الإضطراب، لساناً حاداً على غيره من العلماء، مع أنه الأولى بالتشنيع. ومن ذلك مثلاً تهكمه بابن عبد البر الأندلسي الذي هو خير من ملء الأرض من ابن الجوزي فِقهاً في الدين وسُنةً ودِرايةً بالحديث ونقده. والعجيب أنه هو الذي كان يهاجم الخطيب البغدادي في تطاوله على الأئمة الكبار. وقد عجِبَ سبطُ ابن الجوزي (يوسف بن قزغلي الحنفي الرافضي) من جده إذ تابع الخطيب البغدادي، فقال في "مرآة الزمان": «وليس العجَبُ من الخطيب، فإنه طعن في جماعة من العلماء. وإنما العجبُ من الجدِّ كيف سلك أسلوبه وجاء بما هو أعظم!».


وأما عن علم ابن الجوزي، فلا يخفى كثرة مآثرة ومؤلفاته. ولكن من كان لديه بالعلم والتحقيق العلمي دراية، يعلم أن ابن الجوزي لم يكن من أئمة الفقه ولا الحديث، وإن ألف فيهما ما ألّف. وإنما حصل له ذلك بكثرة اطلاعه وبحثه. قال السيوطي في طبقات الحفاظ (1\480): قال الذهبي في التاريخ الكبير: «لا يُوصَفُ ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة، بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه». ورغم كثرة تآليفه في شتى العلوم، فقد ضَعُفَ من ناحية التحقيق في أكثر العلوم التي ألّف فيها، ولا سيما في الحديث. فتجد كلامه مخالفاً كثيراً لكلام حُفّاظِ الحديث. فالمفترض أن تكون كتبه مراجع يستعملها طالب العلم المتمكن الذي يستطيع التمييز بين الصواب و الخطأ، فلا تُنشر على العامة وصغار المتفقّهة.


قال الإمام موفق الدين عن ابن الجوزي: «كان حافظاً للحديث، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة ولا طريقته فيها». وقال عنه الموفق عبد اللطيف: «وكان كثير الغلط فيما يصنفه. فإنه كان يخلو من الكتاب ولا يعتبره». ذكر ذلك الحافظ ابن عبد الهادي في طبقات علماء الحديث (4\122). فقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (21\378): «هكذا هو: له أوهامٌ وألوانٌ من ترْك المراجعة، وأخذ العِلم من صُحُف». قال الحافظ سيف الدين بن المجد: «هو كثير الوهم جداً، فإن في مشيخته ‏–‏مع صِغرها‏–‏ أوهاماً». وقيل لإبن الأخضر: ألا تجيب عن بعض أوهام بن الجوزي؟ قال: «إنما يُتتبع على من قل غلطه، فأما هذا فأوهامه كثيرة». قال السيف: «ما رأيت أحداً يُعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله، راضياً عنه». وقد عابه الكثير من أهل السنة فأصر على بدعته. وعاتبه أبو الفتح بن المني في أشياء. ولما بان تخليطه أخيراً رجع عنه أعيان السنة، وذمّوه وتركوه.

وقال ابن حجر لسان الميزان (2|83) بترجمة ثمامة بن الأشرس البصري بعد قصة: «دلّت هذه القصة على أن ابن الجوزي حاطب ليلٍ لا ينتقد ما يحدّث به». قلت: فمثل هذا الرجل لا يوثق بنقله ولا بكلامه.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 2011-04-01, 05:55 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي






منهج الحافظ الذهبي :




الإمام الذهبي لما لخص مستدركه، كان ذلك في شبابه
الذهبي كان في متوسط عمره عندما ألف كتاب تلخيص المستدرك. وهذا استنتجته من عدة أمور:
1) التلخيص عادة يكون في أوائل الطلب، لا في أواخره.

2) تلخيص المستدرك ذكره الذهبي في غالب كتبه، مما يجعلنا نجزم بأنه من قديم تصنيفه.

3) بعض عباراته في التلخيص فيها بعد الشدة مقارنة مع عباراته في الميزان والسير وغير ذلك.

4) فاتته عدة أحاديث وهِم بها الحاكم وقد أخرجها الشيخان. ولم ينبه الذهبي إلا على قليل منها.

5) تصحيحه لأحاديث قد ضعفها فيما بعد أو في مواضع أخرى. ومثل هذا التناقض أستبعده على الذهبي الذي نعرفه في آخر عمره.

6) كتاب التلخيص قال عنه الذهبي في السير: وبكلّ حالٍ فهو -أي مستدرك الحاكم- كتابٌ مفيدٌ قد اختصرته، ويعوز عملاً وتحريراً.

وإجمالاً فالأمرين الأول والثاني هما السببين الأساسيين لترجيحي بذلك. وهناك الكثير من الكتب التي كتبها مؤلفوها في شبابهم فكانت دون مستواهم الذي نجده في كتبهم المشهورة الأخرى.



الذهبي لا يوثق كل النساء كما يزعم بعض طلبة العلم
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (7\465): «فصل في النسوة المجهولات. وما علمت في النساء من اتُّهِمت، ولا من تركوها». قال السيوطي في تدريب الراوي (1\321): «من ضَعُف منهنّ إنما هو للجهالة». وظن بعض طلبة العلم أن مقولة الذهبي تشمل كل النساء. وهذا ليس على إطلاقه، بل قوله هذا هو خاص بمن يذكرهن في هذا الفصل فحسب. وقد صيّر كثيرٌ من طلاب العلم هذا القول حكماً عاماً في كل راوية لم يأت فيها توثيق، أو لم يحكم عليها أحد بجهالة. فنفوا عنهن أن يكن قد مُسِسْنَ بأيِّ ضربٍ من ضروب التجريح!
1- فماذا عن حكامة بنت عثمان؟ أليست متهمة متروكة؟ فقد روت عن أبيها أحاديث موضوعة، وهو قد وُثّق. فقد قال ابن حبان في الثقات (7\194): «عثمان بن دينار، أخو مالك بن دينار. يروى عن مالك بن دينار. روت عنه ابنته حكامة بنت عثمان بن دينار. وحكامة لا شيء». وقال العقيلي في ضعفاءه (3\200): «عثمان بن دينار أخو مالك بن دينار، تروي عنه حكامة –ابنته– أحاديث بواطيل ليس لها أصل». وسرد بعض تلك الأحاديث ثم قال: «أحاديث حكامة تشبه حديث القصاص: ليس لها أصول». وقال الذهبي في "المغني في الضعفاء" (2\425): «عثمان بن زائدة، عن نافع: صدوق. لكن له حديثٌ منكَرٌ خولِفَ فيه، ذكره العقيلي. رواه عنه متروك (أي ابنته) فالآفة من صاحبه (أي منها)». وأيد ذلك قال ابن حجر في لسان الميزان (2\331). فمقولة الذهبي ليست على إطلاقها.
2- أم عمر بنت أبي الغصن: قال ابن معين (رواية ابن محرز 1\58، ومن طريقه الخطيب في تاريخه 14\433): «ليست بشيء».
3- كريمة بنت سيرين، أخت محمد بن سيرين: قال ابن معين (كما في لسان الميزان 6\71): «يحيى وكريمة ابنا سيرين: ضعيفا الحديث».
4- هند الأنصارية: قال الذهبي في السير (3\465): «كانت شيعية».
5- زينب: ترجم لها الحافظ ابن حجر في اللسان (3\365)، وقال: «الكذابة».
6- رابعة: قال أبو داود (رواية الآجري 1\416، ونقله الذهبي في الميزان 2\62): «كان (رياح بن عمرو القيسي) رجُل سوء، هو وأبو حبيب، وحيان الجريري. ورابعة رابعتهم في الزندقة».



سكوت الذهبي في تلخيص المستدرك لايعد موافقة منه للحاكم
كثر في هذا العصر استعمال بعض الأفاضل اصطلاح: "صححه الحاكم، ووافقه الذهبي"، فيما أورده الإمام الذهبي في كتابه: "تلخيص المستدرك" من كلام أبي عبد الله الحاكم النيسابوري. معتبرين أن مجرد سكوت الذهبي على كلام الحاكم، هو موافقة منه له. وهذا غلط في غاية البعد عن الصواب للأسباب التالية:

1. موضوع كتاب "تلخيص المستدرك" ما هو إلا تلخيص للأحاديث –إسناداً ومتناً– مع تلخيص أقوال الحاكم في أقواله على مروياته فحسب، إضافة إلى بعض التعقبات التي يوردها الذهبي على هذه الأقوال. هذا لا خلاف فيه عند أحد.

2. الإمام الذهبي لَمْ يحقق المستدرك، بَلْ اختصره كَمَا اختصر عدداً من الكتب. وَكَانَ من صنيع هَذَا الإمام العظيم أنْ يعلّقَ أحياناً عَلَى بَعْض الأحاديث، لا أنّه يريد تحقيقها والحكم عَلَيْهَا وتتبعها جميعهاً.

3. لم يذكر الذهبي أبداً –ولا أحد من تلامذته– أن ما سكت عليه فهو مقر للحاكم. ولا ذكر أن كتابه استدراك وتعقّب.

4. إذا اتفقنا أن شرط الذهبي تلخيص، فكونه يتعقب هو أمرٌ زائدٌ على شرطه لم يلتزمه. بل إن استدراكه قليل جداً، فلا نجعل من تعقبه في بعض المواضع لازم آخر –وهو الموافقة–.

5. الذهبي ضعّف كثيراً من الأحاديث التي في المستدرك في كتبه الأخرى كالميزان وغيره، مع أنه سكت عليها في اختصاره للمستدرك. هل يعني هذا أنه اضطرب؟ طبعا لا، لأنه في المستدرك يلخص لا يعقب ويوافق. وإلا للزم من هذا أن كل مؤلِّف شَرَح أو عَلَّقَ على كتابٍ أخر فتعقّب في موضعٍ على حديث، أنه موافقٌ فيما ترك.

6. مجرّد اختصاره لمقولة الحاكم عقب الأحاديث "صحيح على شرط البخاري ومسلم" أو "على شرط البخاري" أو "شرط مسلم"، لا يعني أنه مؤيد، بل هو ناقل. وإلا فالذهبي ينتقد جزءً كبيراً جداً من المستدرك كما في ترجمة الحاكم من تاريخه، ومن ذلك قوله في السير: «في المستدرك شيء كثير على شرطهما. وشيء كثير على شرط أحدهما. ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أقل. فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة. وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد. وذلك نحو ربعه. وباقي الكتاب مناكير وعجائب. وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءاً». فكيف يوافقه؟

7. قال الذهبي عن كتابه "تلخيص المستدرك" في ترجمته للحاكم في "سير أعلام النبلاء" (17|176): «وبكل حال فهو –أي المستدرك– كتاب مفيد قد اختصرته. ويعوز عملاً وتحريراً». فلو أنه وافق الحاكم على جميع ما سكت عليه لما قال ذلك.

8. كتاب تلخيص المستدرك ألفه الذهبي في شبابه. فهو ليس في مستوى كتبه الأخرى. وقد سبق بيان ذلك.

9. لم يكن شائعاً بين أهل العلم المتقدمين من بعد عصر الذهبي مثل هذه المسألة في قوله "صححه الحاكم ووافقه الذهبي". وأول من تساهل وأطلق هذه العبارة هو المناوي صاحب "فيض القدير". وتجوز فيها أيضاً جماعة كصديق حسن خان والصنعاني. ثم شهرها ونشرها الشيخ أحمد شاكر، ثم طفحت بها كتب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ شعيب الأرنؤوط، حتى عمت عند أغلب الباحثين. ولو كانت هذه المقولة صحيحة لاستخدمها الحافظ ابن الملقن و العراقي والهيثمي و ابن حجر العسقلاني والبقاعي والسخاوي والسيوطي وهم من الذين أكثروا التخريج.

وقد جمعت بعض أقوال الزيلعي صاحب "نصب الراية" –وهو تلميذ الذهبي– وكيف تصرفه في المسالة هذه. قال في (3|3): «وأخرجه الحاكم في المستدرك في تفسير آل عمران وسكت عنه، ولم يتعقبه الذهبي في مختصره بالانقطاع». وقال في (3|80): «ووهم الحاكم في المستدرك فرواه وقال "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ولم يعقبه الذهبي في ذلك». وقال (3|38): «ورواه الحاكم في المستدرك وقال "حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه"، ولم يعقبه الذهبي في مختصره». فعبارة الزيلعي عبارة دقيقة فهم فيها كلام شيخه الذهبي وقصده في التصنيف.

وللزيلعي نقولات عديدة عن مختصر المستدرك نقل فيها تعقب الذهبي على الحاكم. وعلى سبيل المثال (3|459،464،38،39،63،73،80،153،311،340،347) و(1|275، 261،134) وغيرها. ويستغرب من فهم بعض المعاصرين لمعنى آخر غير الذي يفهمه تلاميذ الذهبي.



فعلى هذا فلا تقل: "صحّحه الحاكم وأقره الذهبي"، بل تقول: "صححه الحاكم وسكت عنه الذهبي"



ومن المرويات التي تؤيد من سبق:

1- قال الحاكم في المستدرك (1|545): «هذا حديث صحيح الإسنادـ فإن رواته كلهم مدنيون ثقات». اختصر الذهبي هذه المقولة في التلخيص إلى: «صحيح رواته ثقات». ثم ترجم في الميزان (1|136) لأحمد بن محمد بن داود الصنعاني وقال: «أتى بخبر لا يحتمل». ثم أورد حديثه هذا، ثم قال: «قال الحاكم: "صحيح الإسناد". قلت: "كلاّ". قال: "فرواته كلهم مدنيون". قلت: "كلا". قال: "ثقات". قلت: "أنا أتهم به أحمد".

2- قال الحاكم (2|545): «صحيح الإسناد ولم يخرجاه». فاختصر الذهبي كلام الحاكم في التلخيص بقوله: «صحيح». ثم أورد هذا الحديث في الميزان لما ترجم لعمر بن إبراهيم العبدي بقوله: «صححه الحاكم، وهو حديث منكر كما ترى».

3- قال الحاكم (1|473): «صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي، ولم يخرجاه». وكذا نقل الذهبي قول الحاكم في التلخيص، دون جملة: «ولم يخرجاه». ثم أورد الذهبي في الميزان (3|185) هذه الرواية بهذا الإسناد وقال: «فإنه بهذا الإسناد باطل، ما رواه ابن عيينة قط. بل المعروف حديث عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر مختصراً».

4- قال الحاكم (1|169): «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ». اختصر الذهبي كلام الحاكم في التلخيص بقوله: «على شرط م». ثم أورد في السير (4|491) هذه الرواية من طريق ثور، ثم قال: «إسناده قوي، وخرجه الحاكم فقال: على شرط مسلم، فأخطأ: فإن الشيخين ما احتجا براشد، ولا ثور من شرط مسلم».

5- قال الحاكم (1|28): «صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر». اختصر الذهبي كلام الحاكم في المختصر بقوله: «احتج م بكلثوم». ثم لما ترجم الذهبي لكلثوم بن جبر في الميزان (3|413) أورد هذا الحديث في مناكيره.

6- قال الحاكم (1|492): «هذا حديث صحيح، فإن محمد بن الحسن هذا هو التل... صدوق في الكوفيين». اختصر الذهبي كلام الحاكم هذا بكلمة: «صحيح» فقط! ثم لما ترجم الذهبي للتل في الميزان (3|513) قال: «ومن مناكيره...»، ثم أورد له هذا الحديث، ثم قال: «أخرجه الحاكم وصححه، فيه انقطاع».

7- صحح الحاكم في مستدركه (2|200، 235، 327، 386) مرويات كثيرة من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، وجعلها على شرط الشيخين، ولم يعقب عليه الذهبي بشيء. ثم قال الذهبي في السير (5|248) لما ترجم لسماك بن حرب: «تجنب البخاري إخراج حديثه، وقد علق له البخاري استشهادًا به. فسماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس نسخة عدة أحاديث، فلا هي على شرط مسلم، لإعراضه عن عكرمة، ولا هي على شرط البخاري، لإعراضه عن سماك. ولا ينبغي أن تعد صحيحة، لأن سماكًا إنما تُكلم فيه من أجلها».



ومن عجائب أحد المعاصرين (وهو الشيخ أبو إسحاق الحويني) أنه بنى على هذه المسألة كتابا أسماه "إتحاف الناقم بأوهام الذهبي مع الحاكم". ولعله انتبه لهذا مؤخراً، وهو حسن الظن به.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 2011-04-01, 05:56 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي






منهج جلال الدين السيوطي :

قال العلامة أبو الحسنات، محمد عبد الحيّ اللكنوي الهندي (1264 هـ - 1304 هـ) في كتاب: "الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة"، ص 126، ط. أولى: 1384 هـ/1964 م، بعناية عبد الفتاح أبي غدّة، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا: «أما السيوطي: فهو الحافظ المطلع الجمّاع المنقطع النظير، وهو أوسع العلماء الأجلّة الذين ذكرتهم، تساهلاً في إيراد الحديث الضعيف، والتالف، والموضوع وشبهه في كتبه ورسائله. وإن كان قد عزم رحمه الله تعالى أن يصون كتابه الخيِّر: "الجامع الصغير من حديث البشير النذير" عن الحديث الموضوع حيث قال في فاتحته: "...وصنته عما تفرد به وضّاع أو كذّاب". فإن هذا العزم لم يتم له الوفاء به، فقد وقع منه في: "الجامع الصغير" نفسه -وفي غيره من كتبه أيضاً- أحاديث كثيرة هي من الحديث الموضوع، كما نبه عليها شراحه كالشيخ المناوي في شرحه: "فيض القدير شرح الجامع الصغير"».
وأضاف اللكنوي: «والأحاديث الموضوعة التي وقعت للحافظ السيوطي رحمه الله في "الجامع الصغير" كثيرة غير قليلة كما سيأتي بيان عددها، وبعضها قد حكم السيوطي نفسه بوضعه في كتابه: "ذيل اللآلئ"». ونبه اللكنوي إلى عيب قاتل في مؤلف: "الجامع الصغير" بقوله (ص 127): «وأما ما يوجد في بعض النسخ من الرمز إلى "الصحيح"، و"الحسن"، و"الضعيف"، بصورة رأس: (ص)، و(ح)، و(ض): فلا ينبغي الوثوق به، لغلبة تحريف النُّسّاخ!».
وقد ألف أحمد بن الصديق الغماري كتاباً خاصاً بما وقع من حديث موضوع في: "الجامع الصغير" سماه: "المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير"، ط. أولى: 1402 هـ، دار الرائد العربي، بيروت. فقال في مقدمته (ص 3): «فقد أورد (السيوطي) فيه أحاديث تفرد بها الكذابون، وأخرى ظاهرة الوضع وإن لم يتفردوا بها، لأنها من رواية الكذابين أمثالهم، الذين يسرقون الأحاديث ويركبون لها أسانيد أخرى لقصد ترويج ذلك الحديث الموضوع، لغرض الإغراب!، أو الاحتجاج!، أو غير ذلك من الأغراض. بل من الأحاديث التي ذكرها فيه ما جزم هو نفسه بوضعه!، إما بإقراره حكم ابن الجوزي بوضعه، وذلك في: "اللآلئ المصنوعة"، وإما باستدراكه هو إياه على ابن الجوزي، وذلك في: "ذيل اللآلئ" له...».
وقد عد ابن الصديق عدد الأحاديث الموضوعة المتبادرة الوضع فبلغت عنده 456 رواية، بدون تقصي. (قال المعلق: وهي أكثر من ذلك بكثير لمن رام الاستقصاء بشروط النقد الموضوعي الصارم المتعددة التخصصات، على ما دأبنا على انتهاجه في غير ما مؤلف من مؤلفاتنا في مثل هذه الموضوعات. وأنظر لمزيد "الأجوبة الفاضلة..."، ص 128-129). لذلك لا يجب الاعتماد على الرموز التي يوردها السيوطي في كتابه "الجامع الصغير" ولا على أقواله عامة في الموضوع للعوار الذي يعتريها من هذين الجانبين: جانب الحكم على الأخبار، وجانب تصحيفات وتحريفات النساخ. وإيرادنا لها إنما هو استئناساً لنحكم عليها نحن بما تستحقه فعلاً.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 2011-04-01, 05:57 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي






منهج داود الظاهري :




أبو سليمان الفقيه داود بن علي الأصبهاني الكوفي الظاهري (200-270 هـ). قال أبو الفتح الأزدي: «لا يُقنع برأيه ولا بمذهبه. تركوه». وكان من المتعصبين للشافعي وهو أول من صنف كتاباً في مناقبه. قال الإمام السلفي ابن أبي حاتم عنه: «ثم ترك ذلك ونفى القياس. وألّف كتباً شذ فيها عن السلف. وابتدع طريقة هجره أكثر أهل العلم عليها. وهو مع ذلك صدوق في روايته ونقله واعتقاده، إلا أن رأيه أضعف الأراء، وأبعدها عن طريق الفقه، وأكثرها شذوذاً». وقد ذكرنا جملة عن حياته في بحثنا حول المذهب الظاهري.

ونقل وراق داود عن أبي حاتم أنه قال في داود: «ضالٌّ مُضِلٌّ، لا يُلتَفت إلى وساوِسِه وخَطَراته». وقال المروذي حدثنا محمد بن إبراهيم النيسابوري أن إسحاق بن راهويه لما سمع كلام داود بن علي في بيته، وَثبَ وضربه وأنكر عليه. وقد كان داود أراد الدخول على الإمام أحمد فمنعه وقال: كتب إليَّ محمد بن يحيى الذُّهلي في أمره وأنه زعم أن القران مًحدَثُ، فلا يَقرَبني. وتفصيل المسألة وأقوال معاصريه مبسوطة في ترجمته في تاريخ بغداد (8|373) وفي لسان الميزان (2|423). والخلاصة أنه صار يتكلم في مسالة اللفظ بكلام مبهم على الناس، ولم يرجع عنه، فنهى أئمة الإسلام عنه. أما في مسائل الصفات وبقية مسائل الاعتقاد فلم يخالف فيها السلف (كما فعل ابن حزم).

ابنه هو: محمد بن داود أبو بكر الأصبهاني. ترجمته في تاريخ بغداد (5|256 #2750). كان عالما أديبا شاعرا ظريفا، له كتاب في شعر الغزل اسمه كتاب الزهرة. لكن له عملٌ فاحشٌ شديد القبح. ذلك أنه كان يعشق غلاماً، ويتغزل به، ويستحل ذلك! فيا غوثاه من مكايد إبليس. قال الخطيب البغدادي: حدثني مكي بن قال أنشدنا بن كامل الدمشقي لأبي بكر محمد بن داود بن علي في حبيبه محمد بن زخرف: يا يوسف الحسن تمثيلا وتشبيها * يا طلعة ليس إلا البدر يحكيها * من شك في الحور فلينظر إليك * فما صيغت معانيك إلا من معانيها * ما للبدور وللتحذيف يا أملي * نور البدور عن التحذيف يغنيها * إن الدنانير لا تجلى وإن عتقت * ولا يزاد على النقش الذي فيها. قال الخطيب: أنبأنا أبو سعد الماليني حدثنا الحسن بن إبراهيم الليثي حدثني الحسين بن القاسم قال: كان محمد بن داود يميل إلى محمد بن جامع الصيدلاني وبسببه عمل كتاب الزهرة، وقال في أوله: وما ننكر من تغير الزمان وأنت أحد مغيريه ومن جفاء الإخوان وأنت المقدم فيه من عجيب ما يأتي به الزمان السهو يتظلم وغابن يتندم ومطاع يستظهر وغالب يستنصر. قال الحسن: وبلغنا أن محمد بن جامع دخل الحمام وأصلح من وجهه وأخذ المرآة فنظر إلى وجهه فغطاه وركب إلى محمد بن داود فلما رآه مغطى الوجه خاف أن يكون لحقته آفة فقال ما الخبر فقال رأيت وجهي الساعة في المرآة فغطيته وأحببت أن لا يراه أحد قبلك فغشي على محمد بن داود. قال الليثي: وحدثني محمد بن إبراهيم بن سكرة القاضي قال: كان محمد بن جامع ينفق على محمد بن داود، وما عُرِفَ فيما مضى من الزمان معشوقٌ ينفق على عاشق إلا هو. ومات بسبب عشقه الشاذ من غير توبة. نسأل الله حسن الختام. فهذا ابن إمام الظاهرية الذي أسس مذهبهم.
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 2011-04-01, 05:58 PM
عارف الشمري عارف الشمري غير متواجد حالياً
محـــــــــاور
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-12
المشاركات: 1,573
افتراضي







منهج الترمذي:






تساهل الترمذي

قال الذهبي ميزان الاعتدال (7\231): «فلا يُغتَرّ بتحسين الترمذي. فعند المحاقَقَةِ غالبُها ضعاف». وفي نصب الراية (2\217): قال ابنُ دِحْيَة في "العَلَم المشهور": «وكم حَسّن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية!». وقال الذهبي في السير (13\276) عن سنن الترمذي: «"جامعه" قاضٍ له بإمامته وحفظه وفقهه. ولكن يترخّص في قبول الأحاديث، ولا يُشدّد. و نفَسهُ في التضعيف رَخو».

وقال ابن القيم في "الفروسية" (ص243): «الترمذي يصحّح أحاديثَ لم يتابعه غيره على تصحيحها. بل يصحّح ما ‏يضعّفه غيره أو ينكره»، ثم ضرب عدة أمثلة.‏

وأخرج الترمذي حديث: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حرماً». قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح». لكن في ‏إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه، وهو مُجمعٌ على ضعفه كما قال ابن عبد البر. وقال فيه الشافعي وأبو داود: هو ركنٌ من أركان الكذب. ‏وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة. وضرب أحمد على حديثه. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال الدارقطني وغيره: ‏متروك.‏

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (5\493): «وأما الترمذي فروى من حديثه الصلح جائز بين المسلمين، وصحّحه. فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح ‏الترمذي». قلت: فقد نقل الذهبي (وهو من أهل الاستقراء التام كما يصفه الحفاظ) عن جمهور العلماء: عدم الاعتماد على تصحيح الترمذي، وهو الصواب إن شاء الله.‏ وليس ذلك معناه إسقاط الإمام الترمذي وتجاهل أحكامه، بل المقصود أن تصحيحه في بعض التساهل، فيجب إعادة النظر فيه. وقد اعترض أحد المعاصرين على مقولة الذهبي، فرد عليه الألباني في السلسلة الضعيفة (3|30) وقال: «تساهُل الترمذي، إنكارُه مكابرةٌ، لشهرته عند العلماء. وقد تتبعتُ أحاديث "سننه" حديثاً حديثاً، فكان الضعيفُ منها نحو ألف حديث، أي: قريباً من خُمس مجموعها، ليس منها ما قَوّيتُه لمتابعٍ أو شاهد».

قال الدكتور بسام فرج في كتابه عن نقد الفكر السياسي عند ابن تيمية (ص137): «وقد دافع نور الدين عتر عن الترمذي في رسالته الدكتوراه (ص264-269) بغير حق. وادعى بأن الترمذي كالإمام البخاري ومسلم وقع في بعض الأخطاء كما وقعا. وبما أنه لم يحط ذلك من مرتبتهما العلمية، فكذلك لا يحط من مرتبته. ونحن لا نوافقه في الشق الأول من ادعاءه، إذ أن وقوع الترمذي وتساهله مشهور عند العلماء كما قال الذهبي، وليس الأمر كذلك مع البخاري ومسلم فإن أخطاءهما قليلة جداً بالنسبة لغيرهم من المحدثين. وأما بالنسبة لإمامة الترمذي وتقدمه في علم الحديث، فهذا لا يخالِفُ فيه إلا من جَهِل قدر العلم والعلماء عموماً وقدر الترمذي خصوصاً، وليس هو موضوعنا. وللأسف أن بعض الباحثين في الأشخاص يجند نفسه للدفاع عمن يكتب عنه من بداية البحث، مما يبعده عن الحقيقة العلمية كما فعل د. العتر هنا».



مصطلح الترمذي: "حديث غريب"

هناك رسالة للدكتور عداب الحمش بعنوان "الإمام الترمذي، ومنهجه في كتابه الجامع، دراسة نقدية تطبيقية" تقع في ثلاثة مجلدات. قال (1|427): أطلق الترمذي مصطلحات متعددة كلها تدل على الغرابة والتفرد، وقبل عرض هذه المصطلحات يحسن عرض رأي الترمذي في مفهوم الغريب، واستعراض خلاصة الجهود السابقة في الموضوع، حتى لا نقع في تكرار أو إنكار، ويحسن أن أعرض أوجه الغرابة عند الترمذي في مسائل: المسألة الأولى: رواية الحديث من وجه واحد (ثم ذكر كلام الترمذي عن حديث أبي العشراء). المسألة الثانية: زيادة الراوي ألفاظا في المتن (ثم ذكر حديث مالك). المسألة الثالثة: استغراب راو في السند (ثم ذكر حديث أبي موسى).

وذكر بعد ذلك (1|441-442) نتائج رسالة علمية لأحد تلاميذه وكانت بعنوان "الحديث الغريب - مفهومه وتطبيقاته في جامع الترمذي"، وقال إنه يوافقه فيما وصل إليه من نتائج. حيث ذكر أن الترمذي حكم على (1081) بالغرابة،وأن معناها التفرد بقسميه المطلق والنسبي. وكانت هذه الأحكام على أقسام: منها ما هو مطلق عن أي قيد. ومنها ما هو مقرون بمصطلح الصحة والحسن أو أحدهما. ومنها ما هو تفسير للغرابة، أو قيود إضافية في الحكم على الحديث.
وقال: إنه لم يدرس ما أطلق عليه غريب مع الوصف بالصحة أو الحسن، لأن الغرابة هنا إشارة وصفيَّة وليست عِليَّة، إذ لو كانت علَّة لما صحح الحديث وحسَّنه. ثم قال: لقد كانت أحاديث مصطلح "غريب" كلها ضعيفة عند الترمذي إلاَّ خمسة أحاديث: أحدها أخرجه الترمذي والبخاري ومسلم، والآخر أخرجه الترمذي ومسلم. بالإضافة إلى ثلاثة أحاديث خالف المزِّي الجماعة في نقل حكم الغرابة عليها، وكان الصواب مع الشيخين.



مصطلح الترمذي في التصحيح

أعلى اصطلاح له في التصحيح هو "حسن صحيح" ثم يليه "صحيح"، ثم "جيد"، ثم "صحيح غريب حسن"، ثم "غريب حسن صحيح" و"صحيح حسن غريب"، ثم "صحيح غريب".



وقد أولع العلماء بمصطلحات الترمذي، وكثرت الكتب التي تتحدث عنه. ومن الأبحاث المعاصرة المفيدة بحث الطريفي (ضمن شرح حديث جابر في الحج) وبحث الدكتور الشايجي، لكنه للأسف وهو متأثر ببحث شيخه الدكتور نور الدين عتر صاحب كتاب "الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين".
__________________
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس :إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله:الحلمُ ، والأناةُ )رواه مسلم :1/48
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) رواه مسلم : 4/2065
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع الأقسام الرئيسية مشاركات المشاركة الاخيرة
حسد الأنبياء وشماتة أئمة أتباع الفرقة الشيعية الامامية بأهل القبلة وإبتكارهم أسلوبا جديدا ابو هديل الشيعة والروافض 0 2020-03-12 05:21 PM
ماذا سيفعل أئمة الامامية الاثنى عشرية لو انهم رأوا وشاهدوا صحاح الامامية الاثنى عشرية ؟ مسخرة قذارة ابو هديل الشيعة والروافض 0 2020-02-11 12:57 AM
لماذا كان أئمة أهل السنة يصفون الأشاعرة بإناث الجهمية ومخانيث المعتزلة؟ فلق الصبح المعتزلة | الأشعرية | الخوارج 1 2019-12-01 03:19 PM
أبرز علماء الإسلام معاوية فهمي إبراهيم مصطفى السير والتاريخ وتراجم الأعلام 0 2019-11-13 01:54 PM
حسد الأنبياء وشماتة أئمة أتباع الفرقة الشيعية الامامية بأهل القبلة ابو هديل الشيعة والروافض 0 2019-10-12 05:46 PM

 link 
*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   نقل عفش الكويت   pdf help   كورة لايف   koora live   شركة تنظيف في دبي   شركة تنظيف في رأس الخيمة   شركة تنظيف في دبي 24 ساعة   كحل الاثمد   متاجر السعودية   مأذون شرعي   كحل الاثمد الاصلي   تمور المدينة   شركة عزل خزانات بجدة   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج 
شركة صيانة افران بالرياض  كود خصم   سطحة هيدروليك   سطحة بين المدن   سطحة غرب الرياض   سطحة شمال الرياض 
 yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   بث مباشر مباريات اليوم   Kora live   yalla shoot   ربح المال من الانترنت 
 سحب مجاري   translation office near me   كورة سيتي kooracity   مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر   شركة تنظيف منازل بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض 
 برنامج ادارة مطاعم فى السعودية   افضل برنامج كاشير سحابي   الفاتورة الإلكترونية فى السعودية   المنيو الالكترونى للمطاعم والكافيهات   افضل برنامج كاشير فى السعودية 
 شركة تنظيف مكيفات بجدة   عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   يلا شوت   يلا شوت   الحلوى العمانية 
 يلا لايف   يلا شوت 
 Yalla shoot   شركة حور كلين للتنظيف 
 تركيب ساندوتش بانل   تركيب مظلات حدائق 
 موقع الشعاع   بيت المعلومات   موقع فكرة   موقع شامل العرب   صقور الخليج   إنتظر 
 شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض   دكتور مخ وأعصاب 
 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة كشف تسربات المياه بالدمام   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
دليل السياح | تقنية تك | بروفيشنال برامج | موقع . كوم | شو ون شو | أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي | المشرق كلين | الضمان | Technology News | خدمات منزلية بالسعودية | فور رياض | الحياة لك | كوبون ملكي | اعرف دوت كوم | طبيبك | شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd