أنصار السنة  
جديد المواضيع



للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 محاسب قانوني   Online quran classes for kids 
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك


العودة   أنصار السنة > الفرق الإسلامية > الشيعة والروافض

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #61  
قديم 2010-09-12, 04:33 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي


الهدية رقم " 47 " لكل شيعي .



"أيه الشيعي كن كسلمان في بحثه عن الحقيقة "!!




بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين
نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وبعد ...


سلمان الفارسي رضي الله عنه

لكل شيعي باحث عن الحقيقة

سلمان الفارسي رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله، من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز، سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه لرجل من اليهود ثم إنه كوتب فأعانه النبي في كتابته، أسلم مقدم النبي المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي الخندق، وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن.

عن عبد الله بن العباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبه مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت كلا والله إنه لخير من ديننا، قال فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا الأسقف في الكنيسة، قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال فادخل، فدخلت معه، قال فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب، قال وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال فأريتهم موضعه، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقا، قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدًا، قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارًا منه، قال فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان، إني كنت معك فأحببتك حبًّا لم أحبه أحداً من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي أقم عندي، قال فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي، قال فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على مثل أمرنا، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني لرجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال، فلانُ قاتلَ اللهُ بني قيلة! والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي، قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك، قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل، قال فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئته به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان، قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد، قال ثم قال لي رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر والرجل بعشرة والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي، قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده فوا الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل فبقي علي المال، فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدُعِيْتُ له، قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك، قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد. رواه الإمام أحمد.


--------------------------------------------------------------------------------

نبذة من فضائله

عن أنس قال: قال رسول الله: السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة.

وعن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله خط الخندق وجعل لكل عشرة أربعين ذراعًا فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلا قويًّا، فقال المهاجرون سلمان منا، وقالت الأنصار لا بل سلمان منا، فقال رسول الله: سلمان منا آل البيت.

وعن أبي حاتم عن العتبي قال: بعث إلي عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوباً ثم صعد المنبر وعليه حلة والحلة ثوبان، فقال أيها الناس ألا تسمعون؟! فقال سلمان: لا نسمع، فقال عمر: لم يا أبا عبد الله؟! قال إنك قسمت علينا ثوبًا ثوبًا وعليك حلة، فقال: لا تعجل يا أبا عبد الله، ثم نادى يا عبد الله، فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد الله بن عمر، فقالك لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: نشدتك الله الثوب الذي ائتزرت به أهو ثوبك؟ قال: اللهم نعم، قال سلمان: فقل الآن نسمع.


--------------------------------------------------------------------------------

غزارة علمه رضي الله عنه

عن أبي جحيفة قال: آخى رسول الله بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة (في هيئة رثة) فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: إن أخاك أبا الدرداء ليست له حاجة في الدنيا، قال: فلما جاء أبا الدرداء قرب طعامًا، فقال: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان نم فنام، فلما كان من آخر الليل قال له سلمان: قم الآن، فقاما فصليا، فقال إن لنفسك عليك حقًّا ولربك عليك حقًّا وإن لضيفك عليك حقًّا وإن لأهلك عليك حقًّا فأعط كل ذي حق حقه، فأتيا النبي فذكرا ذلك له فقال صدق سلمان. انفرد بإخراجه البخاري.

وعن محمد بن سيرين قال: [دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم جمعة فقيل له هو نائم فقال: ما له؟ فقالوا إنه إذا كانت ليلة الجمعة أحياها ويصوم يوم الجمعة قال فأمرهم فصنعوا طعامًا في يوم جمعة ثم أتاهم فقال كل قال إني صائم، فلم يزل به حتى أكل، فأتيا النبي فذكرا ذلك له فقال النبي: عويمر سلمان أعلم منك، وهو يضرب بيده على فخذ أبي الدرداء، عويمر، سلمان أعلم منك ـ ثلاث مرات ـ لا تخصن ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصن يوم الجمعة بصيام من بين الأيام]

وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما.


--------------------------------------------------------------------------------

نبذة من زهده

عن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه.

وعن مالك بن أنس أن سلمان الفارسي كان يستظل بالفيء حيثما دار ولم يكن له بيت فقال له رجل ألا نبني لك بيتا تستظل به من الحر وتسكن فيه من البرد فقال له سلمان: نعم فلما أدبر صاح به فسأله سلمان: كيف تبنيه؟ قال أبنيه إن قمت فيه أصاب رأسك، وإن اضطجعت فيه أصاب رجليك، فقال سلمان: نعم. وقال عبادة بن سليم كان لسلمان خباء من عباء وهو أمير الناس. وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن سلمان أنه تزوج امرأة من كندة فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت المرأة فلما بلغ البيت قال ارجعوا أجركم الله ولم يدخلهم، فلما نظر إلى البيت والبيت منجد قال أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة، فلم يدخل حتى نزع كل ستر في البيت غير ستر الباب، فلما دخل رأى متاعًا كثيرًا، فقال لمن هذا المتاع؟ قالوا متاعك ومتاع امرأتك، فقال ما بهذا أوصاني خليلي رسول الله، أوصاني خليلي أن لا يكون متاعي من الدنيا إلا كزاد الراكب، ورأى خدمًا فقال لمن هذه الخدم؟ قالوا خدمك وخدم امرأتك، فقال ما بهذا أوصاني خليلي أوصاني خليلي أن لا أمسك إلا ما أنكح أو أنكح فإن فعلت فبغين كان علي مثل أوزارهن من غير أن ينقص من أوزارهن شيء، ثم قال للنسوة اللاتي عند امرأته هل أنتن مخليات بيني وبين امرأتي؟ قلن نعم، فخرجن فذهب إلى الباب فأجافه وأرخى الستر ثم جاء فجلس عند امرأته فمسح بناصيتها ودعا بالبركة فقال لها: هل أنت مطيعتي في شيء آمرك به؟ قالت: جلست مجلس من يطيع قال فإن خليلي أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن أجتمع على طاعة الله، فقام وقامت إلى المسجد فصليا ما بدا لهما ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من امرأته، فلما أصبح غدا عليه أصحابه فقالوا كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنهم ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم قال: إنما جعل الله عز وجل الستور والخدر والأبواب لتواري ما فيها، حسب كل امرئٍ منكم أن يسأل عما ظهر له، فأما ما غاب عنه فلا يسألن عن ذلك، سمعت رسول الله يقول: المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافدان في الطريق.

وعن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين، ثم قال: فلان يقرئك السلام قال: متى قدمت، قال: منذ كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. رواه أحمد.


--------------------------------------------------------------------------------

كسبه وعمله بيده

عن النعمان بن حميد قال: دخلت مع خالي على سلمان الفارسي بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول: أشتري خوصًا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهمًا فيه وأنفق درهمًا على عيالي وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهيت. وعن الحسن قال: كان سلمان يأكل من سفيف يده.



--------------------------------------------------------------------------------

نبذة من ورعه وتواضعه

عن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبني، قال: ألك شيء قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس، قال: تريد أن تطعمني غسالة الناس.

عن ثابت قال: كان سلمان أميرًا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان: تعال احمل وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا هذا الأمير فقال: لم أعرفك!! فقال سلمان إني قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك.

وعن عبد الله بن بريدة قال: كان سلمان إذا أصاب الشيء اشترى به لحما ثم دعا المجذومين فأكلوا معه.

وعن عمر بن أبي قره الكندي قال: عرض أبي على سلمان أخته أن يزوجه فأبى، فتزوج مولاة يقال لها بقيرة، فأتاه أبو قرة فأخبر أنه في مبقلة له فتوجه إليه فلقيه معه زنبيل فيه بقل قد أدخل عصاه في عروة الزنبيل وهو على عاتقه.

وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: رأيت سلمان في سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم.

وعن أبي الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم.

عن ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة له فتلقاه عمر فقال: أرضاك لله عبدًا قال: فزوجني، فسكت عنه، فقال: أترضاني لله عبدًا ولا ترضاني لنفسك، فلما أصبح أتاه قوم فقال: حاجة؟ قالوا: نعم، قال: ما هي؟ قالوا: تضرب عن هذا الأمر يعنون خطبته إلى عمر فقال أما والله ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانه، ولكن قلت رجل صالح عسى الله عز وجل أن يخرج مني ومنه نسمة صالحة.

وعن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند علي ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم! ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، بحر لا ينزف. وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم.


--------------------------------------------------------------------------------

نبذة من كلامه ومواعظه

عن حفص بن عمرو السعدي عن عمه قال: قال سلمان لحذيفة: يا أخا بني عبس، العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما تحتاج إليه في أمر دينك ودع ما سواه فلا تعانه.

وعن أبي سعيد الوهبي عن سلمان قال: إنما مثل المؤمن في الدنيا كمثل المريض معه طبيبه الذي يعلم داءه ودواءه فإذا اشتهى ما يضره منعه وقال لا تقربه فإنك إن أتيته أهلكك فلا يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه، وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرة مما قد فضل به غيره من العيش، فيمنعه الله عز وجل إياه ويحجزه حتى يتوفاه فيدخله الجنة.

وعن جرير قال: قال سلمان: يا جرير، تواضع لله عز وجل فإنه من تواضع لله عز وجل في الدنيا رفعه الله يوم القيامة، يا جرير، هل تدري ما الظلمات يوم القيامة؟ قلت: لا، قال: ظلم الناس بينهم في الدنيا، قال: ثم أخذ عويدًا لا أكاد أراه بين إصبعيه، قال: يا جرير، لو طلبت في الجنة مثل هذا العود لم تجده، قال قلت: يا أبا عبد الله، فأين النخل والشجر؟ قال: أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها الثمر.

وعن أبي البختري عن سلمان قال: مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد قال المقعد إني أرى تمرة ولا أستطيع أن أقوم إليها فاحملني فحمله فأكل وأطعمه.

وعن قتادة قال: قال سلمان: إذا أسأت سيئة في سريرة فأحسن حسنة في سريرة، وإذا أسأت سيئة في علانية فأحسن حسنة في علانية لكي تكون هذه بهذه.

وعن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدًا وإنما يقدس الإنسان عمله وقد بلغني أنك جعلت طبيبًا فإن كنت تبرئ فنعمًا لك وإن كنت متطببًا فاحذر أن تقتل إنسانًا فتدخل النار، فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين فأدبرا عنه نظر إليهما وقال متطبب والله ارجعا إلي أعيدا قصتكما.

عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمل دنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض عنه، وثلاث أحزنني حتى أبكينني: فراق محمد وحزبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدي ربي عز وجل ولا أدري إلى جنة أو إلى نار.

وعن حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال: ما من مسلم يكون بفيء من الأرض فيتوضأ أو يتيمم ثم يؤذن ويقيم إلا أمَّ جنودًا من الملائكة لا يرى طرفهم أو قال طرفاهم.

وعن ميمون بن مهران قال: جاء رجل إلى سلمان فقال أوصني، قال: لا تَكَلَّمُ، قال: لا يستطيع من عاش في الناس ألا يتكلم، قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت، قال: زدني، قال: لا تغضب، قال: إنه ليغشاني مالا أملكه، قال: فإن غضبت فأمسك لسانك ويدك، قال: زدني قال لا تلابس الناس، قال: لا يستطيع من عاش في الناس ألا يلابسهم ، قال: فإن لابستهم فاصدق الحديث وأد الأمانة.

وعن أبي عثمان عن سلمان قال: إن العبد إذا كان يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء فدعا قالت الملائكة صوت معروف من آدمي ضعيف فيشفعون له، وإذا كان لا يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة صوت منكر من آدمي ضعيف فلا يشفعون له.

وعن سالم مولى زيد بن صوحان قال: كنت مع مولاي زيد بن صوحان في السوق فمر علينا سلمان الفارسي وقد اشترى وسقا من طعام فقال له زيد: يا أبا عبد الله، تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله؟ قال: إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت وتفرغت للعبادة ويئس منها الوسواس.

وعن أبي عثمان عن سلمان قال: لما افتتح المسلمون "جوخى" دخلوا يمشون فيها وأكداس الطعام فيها أمثال الجبال قال ورجل يمشي إلى جنب سلمان فقال يا أبا عبد الله ألا ترى إلى ما أعطانا الله؟ فقال سلمان: وما يعجبك فما ترى إلى جنب كل حبة مما ترى حساب؟! رواه الإمام أحمد.

وعن سعيد بن وهب قال: دخلت مع سلمان على صديق له من كندة نعوده فقال له سلمان: إن الله عز وجل يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه فيكون كفارة لما مضى فيستعتب فيما بقي، وإن الله عز وجل يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه فيكون كالبعير عقله أهله ثم أطلقوه فلا يدري فيم عقلوه ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه.

وعن محمد بن قيس عن سالم بن عطية الأسدي قال: دخل سلمان على رجل يعوده وهو في النزع فقال: أيها الملك ارفق به، قال يقول الرجل إنه يقول إني بكل مؤمن رفيق.


--------------------------------------------------------------------------------

وفاة سلمان رضي الله عنه

عن حبيب بن الحسن وحميد بن مورق العجلي أن سلمان لما حضرته الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال عهد عهده إلينا رسول الله قال ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب قال فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا في بيته إلا إكافًا ووطاءً ومتاعًا قُوِّمَ نَحْوًا من عشرين درهما.

عن أبي سفيان عن أشياخه قال: ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟ قال فقال سلمان: أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود، وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة، قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك، فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت.

وعن الشعبي قال: أصاب سلمان صرة مسك يوم فتح جلولاء فاستودعها امرأته فلما حضرته الوفاة قال هاتي المسك فمرسها في ماء ثم قال انضحيها حولي فإنه يأتيني زوار الآن ليس بإنس ولا جان، ففعلت فلم يمكث بعد ذلك إلا قليلا حتى قبض.

قال أهل العلم بالسير: كان سلمان من المعمرين وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين.



رضي الله عنك ياسلمان وعن جميع أل بيت الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم

وانتظرووووناااا مع هدية جديدة .





__________________

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 2010-09-12, 04:33 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي


الهدية رقم " 48 " لكل شيعي .





أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة

زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما



الحمد لله الذي أحصى كل شيءٍ عدداً، ورفع بعضَ خلقه على بعض فكانوا طرائق قدداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك ولن يكون أبداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أكرم به عبداً سيداً! وأعظم به حبيباً مؤيداً! فما أزكاه أصلاً ومحتداً! وأطهره مضجعاً ومولداً! وأكرمه آلاً وأصحاباً! كانوا نجوم الاهتداء، وأئمة الاقتداء، صلى الله عليه وعليهم صلاة خالدة وسلاماً مؤبداً.
أما بعـــد:
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أيها الناس! هذه سيرة رجل كان أعبد أهلِ زمانه، حباه الله من الأخلاق ما لم يجتمع إلا لعظماء الرجال.. عَبَدَ الله فأخلص العبادة حتى لقَّبه أهل زمانه زين العابدين.. أبوه شهيد، وجده خليفة.. أتدرون من هو؟
إنه أبو الحسين زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.. هو البقية الباقية، وفيه البيت والعدد والخلافة، قُتل جميعُ إخوته في كربلاء وبقي هو، وكان يومئذٍ مَوعُوكاً، فلم يقاتل ولا تعرضوا له، بل أحضروه مع آله إلى دمشق، فأكرمه يزيد ورده مع آله إلى المدينة.
وكان يوم كربلاء في الثالثة والعشرين، وعاش بعد ذلك خمساً وثلاثين سنة، كلها مليئةٌ بالكرم والإحسان والعبادة.. كان رحمه الله من العلماء العاملين، حتى قال عنه الزهري كما في سير أعلام النبلاء: «ما رأيت أفضل من علي بن الحسين»، وكان من الفضلاء التابعين.
كان رحمه الله يجالس الموالي ممن له سبق في الإسلام وهو يقول: (إنما يجلس العاقل حيثُ ينتفع)، وكان يجالس العلماء، حتى قيل له مرة وهو يجلس في حلقة زيد بن أسلم: (أتجالس هذا العبد؟ فقال: العلم يُطلَب حيثُ كان)، وكان خلفاء بني أمية الكبار يحبونه ويحترمونه.
ذكر ابن الجوزي في صِفةِ الصَّفْوة عن عبد الرحمن بن حفص القُرشي، قال: «كان علي بن الحسين إذا توضأ يَصْفَرُّ، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟!».
وعن عبد الله بن أبي سالم قال: (كان علي بن الحسين إذا مشى لا تُجَاوِزُ يَده فَخِذه، ولا يَخطُر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رِعْدة).
ووقع مرَّة حريقٌ في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد، فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله النار! يا ابن رسول الله النار! فما رفع رأسه حتى أُطفِئت، فقيل له: (ما الذي دهاك عنها؟ قال: ألهتني عنها النارُ الأخرى).
وعن مالك قال: «أحْرم علي بن الحسين، فلما أراد أن يلبِّي قالها فأغمي عليه، فسقط من ناقته فَهُشِم، ولقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات». وكان يسمى زين العابدين لعبادته.
رحمك الله يا ابن الحسين! كان يسمى ذا الثَفِناتِ، وكانت ركبتاه كثَفِناتِ البعير.
وعن طاوس قال: سمعت علي بن الحسين وهو ساجد يقول: (عُبيدُك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك، قال: والله ما دعوت بها في كرب قط إلا كُشف عني).

مَناقبٌ كنجومِ اللَّيلِ طاهرةٌ قَد زَانها الدِّينُ والأَخلاقُ والشِّيَمُ
كان رحمه الله شديد الحرص على التعلم؛ حتى إنه كان يجالس الموالي لأجل طلب العلم، وكان يقول: (آتي من أنتفع بمجالسته في ديني).
قال عنه الزهري: «وما رأيت أحداً أفقه منه، ولكنه كان قليل الحديث».
أما عِنايته بالفقراء والمساكين فهي لا تكاد تُوصَف.. كان إذا أتاه السائل رَحَّب به، وقال: (مرحباً بمن يحمل زادي إلى الدار الآخرة).
وكلَّمَه رجل فافترى عليه، فقال: (إن كنا كما قلتَ فنستغفرُ الله، وإن لم نكن كما قلتَ فغفر الله لك، فقام إليه الرجل فقبَّل رأسه وقال: جُعِلتُ فداك! ليس كما قلت أنا، فاغفر لي، قال: غفر الله لك، فقال الرجل: الله أعلم حيثُ يجعل رسالته).
وكان علي بن الحسين يُبَخَّل، فلما مات وجدوه يقوم بمائة أهل بيت بالمدينة، فعن محمد بن إسحاق قال: «كان أناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشُهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يُؤتَون به بالليل».
فلقد كان علي بن الحسين يحمل جِرابَ الخبز على ظهره بالليل، فيتصدق به يتمثل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (صدقةُ السر تطفئُ غضب الرب عز وجل).
رحمك الله يا زين العابدين! يتهمونك بالبخل وأنت تُخفي الصدقات وتحملها إلى البيوت ليلاً، حتى يُؤثِّر فيك جِرابُ الدقيق! لقد قَرَنْتَ التهجُّد بالصدقات.
ولما مات علي بن الحسين وغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سوادٍ في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جِراب الدقيق ليلاً على ظهره، يعطيه فقراء أهل المدينة.
ودخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل محمد يبكي، فقال: (ما شأنك؟ قال: عليَّ دين، قال: كم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، قال: فهو عليَّ).
وكان كثير الدعاء رضي الله عنه، وكان يقول في بعض أدعيته: (اللهم إني أعوذ بك أن تَحسُن في لوائحِ العيون علانيتي، وَتقْبُحَ في خفيات العيون سريرتي، اللهم كما أسأتُ وأحسنتَ إليَّ فإذا عدتُ فعُد علي).
وكان يدعو فيقول: (اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني).
وكان زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهما كثيرَ البِر بأمه، حتى قيل له: (إنك من أبرِّ الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتُها).
وكان إذا سار في المدينة على بغلته لم يقل لأحد: الطريق، ويقول: «هو مشتَركٌ ليس لي أن أُنحِّيَ عنه أحداً».
ومن أدبه رضي الله عنه مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أتاه نفر من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا قال: (أنتم المهاجرون الأولون ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) [الحشر]؟ قالوا: لا. قال: فأنتم ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9]؟ قالوا: لا. قال: أما أنتم فقد تبرأتم من أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10] اخرجوا).
ومن أدبه رحمه الله: أنه حصلت بينه وبين ابن عمه الحسن بن الحسن رحمه الله موجِدة، فما ترك الحسن قولاً إلا قاله، لكن زين العابدين جاءه ليلاً واعتذر إليه، مع أنه لم يَسُبَّ، فعاتبه الحسن وبكى حتى رُثِي لبُكائِه.
هذه نُبَذ من آداب زين العابدين، التي هي عنوان سعادته وفلاحه، فما استُجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب.. وإن من الأدب بل هو كل الأدب حب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، واحترامهم وتوقيرهم، فإن الله لم يصطف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا اصطفى معه أهل بيته وأصحابه إلا وهم لذلك أهل، وجعلهم الأنموذج الذي يقتدى بهم.. كيف وهم حملة الشريعة، والمبلغون عن رسول رب العالمين صلى الله عليه وآله وسلم! كيف والقرآن طَهَّر أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزكى أصحابه أيما تزكية! والله يعلم حيث يجعل رسالته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل لهذه الأمة رجالاً بهم يُقتَدى، محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خيرَ الخلق وأكرمَهم يداً، كما جعل لنا القدوة من بعده في أهل بيته الطاهرين، وأصحابه الراشدين، والعلماء الربانيين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
أيها الناس! إن سيرة زين العابدين وأهل البيت الكريم سيرةٌ عَطِرة، فيها العظةُ والعِبرة، كيف وهي كل الأدب والأخلاق، والرفعة والسمو، والمجد والعزة! إن من لم يعرف زين العابدين فقد خفي عليه رجل عظيم.. كيف لا يَعرِفُ رجلاً أطبقت على حسن سيرته كتب التاريخ، ودواوين أهل الإسلام.. فهو سمير الزهاد، ونبراس المتهجدين، وزفرات التالين.. قال الفرزدق:

هذا الذي تَعرفُ البطحاءُ وطأتَهُ والبيتُ يعرفُه والِحلُّ والحَرَمُ
إذا رَأته قُريشٌ قال قائلها: إلى مكَارم هذا يَنتهي الكَرمُ
هذا ابنُ فاطمةٍ إنْ كُنتَ جَاهِلَهُ بجدِّه أنبياءُ الله قَد خُتمُوا
إنْ عُدَّ أهلُ التقى كانوا أئمتَهم أو قيلَ من خيرُ أهلِ الأرض قيلَ همُ
هذا ابنُ خيرِ عبادِ الله كلِّهمُ هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ
يُنمى إلى ذروةِ العزِّ التي قَصُرتْ عن نَيلِهَا عَربُ الإسلامِ والعَجمُ
من معشرٍ حبُّهم دينٌ وبغضُهم كفرٌ وقربُهم منجَى ومُعتصمُ
وليسَ قولُك من هذا بضائِرِه العُرْب تعرفُ من أنكرتَ والعَجَمُ

قال الفرزدق هذه القصيدة يوم أن حجَّ علي بن الحسين، فما أن سمع الناس باسمه حتى فتحوا له الطريق، فقال يومها هشام بن عبد الملك: من هذا؟ فكانت القصيدة التي أعْرب بها الفرزدق عن مدى حب الناس لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

تَرى المحبين صَرْعَى في ديارِهمُ والحبُّ يقتلُ أحياناً بِلا قَوَد
إن زين العابدين رحمه الله كان عالي الهمة في عبادته الفعلية والقولية، فقد كان كثيرَ الركوع والسجود والإنفاق في سبيل الله.. كيف والعبادة على رءوس العُبَّاد أحلى من التيجان على رءوس الملوك! إذا سَئِم البطَّالون من بَطَالتِهم، فلن يسأم العُبَّاد من عبادة ربهم ومناجاة خالقهم.
رحم الله رجالاً نصبوا أبدانهم لخدمة مولاهم، وكابدوا العبادة حتى استمتعوا بها.
إن زينَ العابدين ما لُقِّب بهذا اللقب إلا وهو قد بلغ منزلةً عاليةً ورفعةً ساميةً في بساتين العبادة.
إن زينَ العابدين ضَربَ أروع الأمثلة لمن أراد الإخلاص في الصدقة، وإطعام الأيتام والفقراء والمساكين، فيا مسلم! أرأيت رجلاً يقوم بالسؤال عن الفقراء والمساكين وإيصال ما يحتاجونه إليهم؟!

زهدَ الزاهدونَ والعابدونَ إذْ لمولاهم أجَاعوا البطونا
أَسْهروا الأَعينَ القريحةَ فيهِ فمضى لَيلُهم وهُم ساهِرونا

إن زين العابدين وأهل البيت رحمهم الله لم يكتفوا بالعبادة فقط؛ بل جمعوا بجانبها الزهد، ورواية حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والفقه، وحفظ القرآن، والجهاد، والفروسية، ولو أردنا أن نذكر أخبار العُبَّاد وعبادتهم لاستغرق ذلك المجلدات.
فيا مسلمون! أين منا صوامُ النهار ورجال الليل؟ أين ابن أدهم والفضيل وعلي بن الحسين؟ ذهب الأبطال وبقي كل بطَّال.. ذهب السادة وبقي قرناء الحشاء والوِسادة.

نَزلوا بمكَّةَ في قبائِل هاشمٍ وَنزلْتُ بالبيداءِ أَبعَدَ مَنْزلِ
لقد مات علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.. مات زين العباد والزهاد.. مات من نصر الدين، وذب عن حياض المسلمين.. مات شيوخ الإسلام وأعلام أهل البيت الكرام.. مات من خدم هذا الدين، وبقينا نحن.. والسؤال هو: ماذا قدمنا نحن لله ولدينه أولاً، ولأنفسنا وللمسلمين ثانياً؟ هل اقتدينا بهم وسرنا ذلك المسير الذي سار فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من المحبة والصدق، والتفاني لأجل هذا الدين؟ قال تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) [الفتح:29].
وخلاصة الأمر، وغاية المرام: أن أمر هذا الدين لا يصلح إلا بما صلح به أمر أوله؛ من الصدق في القول والعمل، والمتابعة الصحيحة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتجرد عن الهوى، والسير في خُطا الأماجد.
عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومراقبته، واقتفاء أثر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى أهل بيته الطاهرين، والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، اللهم ارفع علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.



__________________

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 2010-09-12, 04:36 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي

الهدية رقم " 49" لكل شيعي .



أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة

علي بن أبي طالب رضي الله عنه
الحمد لله الذي رفع هذه الأمة على سائر الأمم مكاناً علياً، وجعل من أبطالها الفاروق والمقداد وخالداً وعلياً؛ فهو الشجاع البطلُ المقدام، العابد الزاهد الصوَّامُ القوَّام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وآله وسلم.
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أمـا بعــد:
فإن في أمة الإسلام رجالاً وأبطالاً لا نعرف من سيرتهم وأخبارهم إلا القليل، وسبب ذلك هو بُعدنا عن مصادرنا، وعن تاريخنا المجيد، وفي هذه الخطبة نتحدث عن رجل وُصِفَ بمعالي المحاسن والأخلاق.. رجلٌ مثل الإسلام في أبهى صوره وأرقى مُثُلِه، فكان العالم العامل العابد الفاضل المجاهد، المستبسل الذي لفت انتباه العالم بأسره.
إنه أبو تراب.. أبو الحسن.. أبو سيدي شباب أهل الجنة، ورابع الخلفاء الراشدين، وابن عم خاتم الأنبياء والمرسلين، وزوج ابنة سيد ولد آدم صلى الله عليه وآله وسلم، وحب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحامل رايته، ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وحبيب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحليف القرآن والسنة.
إنه أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه.
إن حياة أبي السبطين تتفجر عظمة وإجلالاً وإعجازاً، وعلو همته تَنْدَاحُ رحاباً ليس لها أبعاد، تتلألأ عليها بطولات وتضحيات عظائم، وأمجاد تكاد تحسبها لولا صدق التاريخ أحلاماً وأساطير.
يقول ضِرارُ بن حمزةَ الكنانيُّ في وصف علي رضي الله عنه: (كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، كان غزيرَ الدمعة، طويلَ الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس الخشِن، ومن الطعام الجشِب، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سُدولَه، وغارت نجومُه، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تملمُلَ السليم، ويبكي بكاءَ الحزين، فكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا! إليّ تعرضتِ أم إليَّ تشوفتِ؟ هيهاتَ هيهات!! غُرِّي غيري، قد أَبنْتُكِ ثلاثاً لا رجعة بعدها، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آهٍ من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق).
أما مناقبه رضي الله عنه فهي كما قال القائل:
مَناقبٌ كَنُجومِ اللَّيلِ ظَاهِرةٌ قَدْ زانَها الدِّينُ والأَخْلاقُ والشِّيَمُ
فهو الذي نام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الهجرة، وهو الذي أدَّى الأمانات عنه، وهو ممن حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. رضي الله عن أبي تراب.
شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا غزوة تبوك، فقد تخلف عنها بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتى إليه بعض الغلمان فأوغروا في صدره وقالوا له: خلفك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النساء والصبيان، فلحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال له كما أخرج ذلك البخاري ومسلم في صحيحيهما وهما أصح الكتب بعد كتاب الله: (يا رسول الله! أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبيَّ بعدي).
وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد من جمع القرآن وعرضه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد العلماء الربانيين والشجعان المشهورين، وأول خليفة من بني هاشم.
أخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر: (لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فبات الناس يَدُوكُون ليلتهم أيُّهم يُعْطَاها، فلما أصبحَ الناسُ غَدَوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو أن يُعْطَاهَا، فقال: أين ابن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عَينيه، فدعا له فَبَرِئَ حتى كأن لم يكن به وَجَع، فأعطاه الراية).
وأخرج الترمذي عن أبي سريحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه).
ومعنى الولاية: المحبة والنصرة، فمن كان محباً مناصراً للنبي عليه الصلاة والسلام فليكن محباً مناصراً لعلي رضي الله عنه.
وروى مسلم في صحيحه أن علياً رضي الله عنه قال: (والذي فلقَ الحبةَ وبرأَ النسْمةَ، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم إليَّ: أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق)، فليحذر المسلم من بغض علي رضي الله عنه؛ فإن من أبغض علياً رضي الله عنه لما فيه من الخير، ولما له من الفضائل والنصرة والمكانة في الإسلام؛ فإنه منافق بحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
هذه درر من فضائل علي رضي الله عنه وأرضاه، ولا يسعفنا الوقت لسردها كلها.
أما سيرة علي رضي الله عنه فهي من أحلى وأجمل السير.
هذا الثَّناءُ الَّذي ما صَاغَه كَلِـمٌ وهَا هـُـو المجْدُ عندَ البابِ يزدحمُ
كان رضي الله عنه يخرج كل ما كان في بيت المال لمستحقه، حتى إذا فرغ بيت المال يأمر الإمام أن تُنْضَح أرضه ويغسل بالماء، حتى إذا تم ذلك قام فصلى فوق أرضه المغسولة ركعتين، ولهذا الصنيع معنى جليل، إنه يشير بعهد جديد تسيطر فيه الآخرة على الدنيا.
لقد دُعي رضي الله عنه لينزل قصر الإمارة فولى مدبراً وهو يقول: (قصر الخبال هذا لا أسكنه أبداً).
وكان يرتدي جِلبَاباً اشتراه من السوق بثلاثة دراهم، ويركب الحمار ويقول: (دعوني أُهِنِ الدنيا).
ومن عظيم زهده في الدنيا حتى فيما هو حلالٌ له: ما روى أبو القاسم البَغَوِيُّ بسنده أن علياً اشترى بدرهم فحمله في مِلْحَفِه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين! أَحِمْلُهُ عنك؟ فقال: (أبو العيال أحق أن يَحمِلَه)، وأُتي إليه بِفَالُوْذَج فقال: (إنك لطيب، ولونك طيب، ولكن أكره أن أُعوِّدَ نفسي ما لم تعتده).
وخطب رضي الله عنه الناس فقال: (أيها الناس! والله الذي لا إله إلا هو ما رُزيْتُ من مالكم قليلاً ولا كثيراً إلا هذه، وأخرج قارورة من كُمِّ قميصِه فيها طِيْبٌ، فقال: أهداها إلي الدُّهقان، ثم أتى بيت المال فقال: خذوا، وأنشد يقول:
أَفلحَ مَنْ كانتْ لَه قَوْصَرَهْ يَأْكُلُ منها كُلَّ يَومٍ تَمرَهْ
ولله دَرُّه يقول: (أأقنع من نفسي أن يقال لي: أمير المؤمنين، ثم لا أشارك المؤمنين في مكاره الزمان، والله لو شئت لكان لي من صفو هذا الغيل، ولباب البر، وناعم هذه الثياب، ولكن هيهات أن يغلبني الهوى).
قال الإمام أحمد: «إن علياً ما زانته الخلافة، ولكن هو زانها».
وَلَمْ يَرَ إلَّا الكَدَّ راحَةَ نَفْسِهِ إذا لَاحظَ ونيلُ المُنى يُنْسِي الفتى تَعَبَ الكدِّ
الغاياتِ عادتْ فَريسةً مُقَيَّدةً منْ ناظرِ الأَسَدِ الوردِ
قال سفيان الثوري: ما بنى علي لبنة ولا قصبة على لبنة، وإن كان ليُؤتى بِحُبُوبِه من المدينة في جراب.
وقال عنه عمر بن عبد العزيز: إن علياً كان أَزْهَد الناس في الدنيا.
وهذه حادثة لعل بها تتغير نفوس أناس تعلقت قلوبهم بالدنيا، روى هارونُ ابن عَنَزَةَ عن أبيه قال: دخلت على علي بن أبي طالب بالخَوَرْنَقِ -موقع في الكوفة- وهو يَرْعُدُ تحت سِمْلِ قَطِيفَة، فقلت: (يا أمير المؤمنين! إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟ فقال: والله ما أرزؤكم من مالكم شيئاً، وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي).
فما الذي حمل أمير المؤمنين على أن يعيش عيشة الفقراء، وأن يتحمل البرد القارس، وهو قادر على أن يشتري أفخر ما يوجد في الأرض من الملابس، وأكثرها دفئاً؟ إنه الزهد، هذا هو المثال الحقيقي للزهد، حيث يرغب عن متاع الحياة الدنيا مع القدرة التامة على تحصيله.
قال تعالى: ((تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) [القصص:83].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المتفرد بكل كمال، المتفضل على من يشاء بخصائص التكريم والإفضال، مَنَحَ من شاء من عباده ما لم ينله الجَمُّ الغَفِيْرُ، كما خص أمير المؤمنين علياً من ذلك بالشيء الكثير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الكبير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنعم البشير ونعم النذير.
أما بعد:
فلقد كان عليٌّ رضي الله عنه الخليفة العادل، يمشي في الأسواق ومعه درَّةٌ له، يأمر الناس بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: (أوفوا الكيل والميزان)، ويقول: (لا تنفحوا اللحم).
ومن عدله رضي الله عنه ما أخرجه الطبري من خبر ناجية القرشي عن أبيه قال: (كنا قياماً على باب القصر، إذ خرج علينا علي، فلما رأيناه تَنَحَّيْنَا عن وجهه هيبةً له، فلما جاز صرنا خلفه، فبينما هو كذلك إذ نادى رجل: يا غوثاً بالله، فإذا رجلان يقتتلان، فَلَكَزَ صدر هذا وصدر هذا ثم قال لهما: تَنَحَّيَا، فقال أحدهما: يا أمير المؤمنين! إن هذا اشترى مني شاة وقد شرطْتُ عليه أن لا يعطيني مغموراً ولا مخدَّقاً -يعني: الدراهم المعيبة- فأعطاني درهماً مغموراً، فرددته عليه فلطمني، فقال للآخر: ما تقول؟ قال: صدق يا أمير المؤمنين! قال: فأعطه شرطه، ثم قال للَّاطم: اجلس، وقال للملطوم: اقتص، قال: أو عفوٌ يا أمير المؤمنين؟! قال: ذلك إليك، فعفا عنه، ثم قال أمير المؤمنين: خذوه، فأخذوه فَحُمِل على ظهر رجل كما يَحملُ الصبيانُ الكتاب، ثم ضربه أمير المؤمنين خمس عشرة درَّة، ثم قال: هذا نكالٌ لما انتهكت من الحُرَمْ).
أمير المؤمنين يتفقد أحوال رعيته بنفسه، ويقوم بحل المشكلات.. انظر إلى هذا التلاحم بين الأمير والمأمور!
فهذا مثل من أمثلة العدل، وشاهد من شواهد التاريخ على نقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واسمع إلى علي رضي الله عنه وأرضاه وهو يصف حال أصحاب رسول الله، قال رضي الله عنه وأرضاه: (لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً صفراً غبراً بين أعينهم أمثال رُكَبِ المعْزَى، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يُرَاوِحُون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مَادوا كما تَميد الشجر في يوم الريح، وهَملت أعينهم حتى تَبلَّ ثيابهم، والله لكأن القومَ باتوا غافلين).
أخي المسلم! ما يصف رجل قوماً بهذا الوصف إلا وهو يحن إليهم ويحبهم ويودهم، فرضي الله عن علي وعن أصحابه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها المؤمنون! إن علياً رضي الله عنه كان الناصح الأمين لهذه الأمة، ولطالما كان يوصي أصحابه، فتخرج من فمه جواهر الحكم، وتتلألأ بين ثناياه درر الوصايا، ومن هذه الحكم والوصايا الشهيرة ما رواه الحافظ أبو نُعَيْمٍ، وهي وصية من إمام صادق ومن رجل خبر الحياة خبرة طويلة.
فعن كُمَيلِ بن زياد قال: (أخذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي، فأخرجني إلى ناحية الجبان -يعني: الصحراء- فلما أصحرنا جلس ثم تنفس، ثم قال: يا كُمَيل بن زياد! القلوب أوعية فخيرها أوعاها للعلم، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم ربَّاني، ومتعلِّم على سبيل نجاة، وهَمجٌ رِعَاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة، العلم حاكم والمال محكوم عليه، وصنيعة المال تزول بزواله، ومحبة العلم دين يُدَانُ بها، العلم يُكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأُحْدُوثَة بعد مماته. مات خُزَّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة... ثم قال رضي الله عنه: أولئك هم الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً، بهم يحفظ الله الحجة حتى يؤدونها إلى نظرائهم، ويزرعونها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فاستلانوا ما اسْتَوعَرَ المترفون، وأنسوا بما استوحشَ منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة في المحل الأعلى، آه.. آه.. شوقاً إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولك).
أيها الناس! إن هذه الكلمات لا تخرج إلا من رجل مُلئ قلبه إيماناً، فهل منا من يعيها ويعقلها؟!
هل منا من يجاهد نفسه على الاقتداء بأمثال هؤلاء؟!
إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا إذا علموا شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سارعوا إلى تطبيقه في واقعهم، ولم تكن شعارات وعبارات مجردةً عن الواقع، إن من أراد أن ينصر هذا الدين عليه أولاً: أن يصدق مع نفسه ماذا يريد، ثم ثانياً: أن يغرس في أبنائه وأقربائه حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاقتداء بهم، وثالثاً: أخي المسلم! لا تبخل عن نصرة دينك ولو بالشيء القليل، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن إماطة الأذى من شعب الإيمان، كما في صحيح البخاري فانظر إلى هذا تجد أنك تؤجر في كل عمل أخلصت فيه لله.
وهذه الكلمات لهذا الرجل الذي لم نعرِّفه المعرفة التي يستحقها، قال رضي الله عنه: (القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه، والبعيد من باعدته العداوة وإن قرب نسبه، ولا شيء أقرب من يد إلى جسد، وإن اليد إذا فسدت قطعت). وقال رضي الله عنه: (إن أخوف ما أخاف اتِّبَاع الهوى، وطول الأمل.. فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرةً، ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحد منهما بَنونٌ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل) رضي الله عنك يا أبا الحسن! ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قُتل رضي الله عنه وهو يصلي في المسجد، قتل بطعنة المجرم عبد الرحمن بن ملجم وذلك سنة أربعين يوم الجمعة، ومات ليلة الأحد، وغسله ابناه وعبد الله ابن جعفر، وصلى عليه الحسن بن علي، واختلف في عمره، فقيل: ثلاث، وقيل: أربع، وقيل: خمس، وقيل: سبع وستون سنة.
مات الخليفة العادل، ولكن سيرته لم تمت.. مات أمير المؤمنين، ولكن عدله وزهده وورعه ما زال نبراساً لكل من يريد أن يحيا حياة الأبطال.. حياة المجاهدين.. حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، لقد كان في قصصهم عبرة، وما كان حديث يفترى، ولكنه صدق سيرتهم، فإلى أصحاب الهمم العالية: من منا يربي نفسه، فإن لم يستطع فأبناءه على هذه القيم والمُثُـل التي نتمناها في أحلامنا، إن هذه السيرة ليست أسطورة، بل هي حياة عاشها العظماء.
عباد الله! صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال ربنا جل وعلا: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56]، اللهم فصلِّ وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
اللهم إنا نسألك أن تُبَلِّغَنَا ما بلغه أصحاب نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



__________________

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 2010-09-12, 04:37 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي


الهدية رقم " 50" لكل شيعي .




أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة

العباس بن عبد المطلب وبعض بنيه رضي الله عنهم

الحمد لله حمدَ الذاكرين الشاكرين الأبْرار، أحمده سبحانَه على فضله المدرار،
وأشكُره على نعمه الغزار، وأتوب إليه وأستغفره وهو العزيز الغفار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الواحدُ القهار، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار، وأزواجه وأهل بيته الأطهار، صلاةً وسلاماً دائمين متعاقبين ما تعاقب الليل والنهار


.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
أما بعـــد:
أيها المسلمون! إن من أفضل القربِ رِعاية حقوقِ أهل الرُّتَب، ومن الرُّتَبِ العالية الكريمة رتبةُ أهل البيت الأصفياء، فإن أهل بيت المصطفى قد ندب الشرع الحنيف إلى ذكر ورعاية حقوقهم من وجوهٍ ليس بها خفاء.
وموضوعُ خطبتنا اليوم صحابي جليل أسلم قديماً، وكان يكتم إسلامه، وهو أبو حبر هذه الأمة، إنه العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل.
كان العباس رضي الله عنه أكبر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث سنوات، وكان يقول إذا سئل: (أيكما أكبر أنت أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيقول: هو أكبر وأنا وُلِدتُ قبله).
قال الكلبي: كان العباس شريفاً مهاباً عاقلاً جميلاً، أبيض، معتدلَ القامة.
وقال الذهبي: «كان أطولَ الرجال، وأحسنَهم صورةً وأبهاهم، وأجْهرَهُم صوتاً، مع الحلم الوافر والسؤدد».
وكان للعباس رضي الله عنه ثوبٌ لعاري بني هاشم، وجَفْنةٌ لجائعهم، ومنظرة لجاهلهم، وكان يمنع الجار ويبذل المال ويعطي في النوائب.
وكان له عشرةٌ من الأولاد، أكبرهم حبرُ هذه الأمة وترجمانها، عبد الله بن العباس، الذي لا تكاد ترى كتاباً ولا ديواناً من دواوين أهل الإسلام قاطبة إلا وهو مذكور فيها.
وقد كان للعباسِ مكانته عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن ذلك أنه كان إذا مر بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلا حتى يجاوزهما؛ إجلالاً لعم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولما استُخلفَ عمرُ وفُتحت عليه الفتوح، جاءه مال فَفَضَّل المجاهدين والأنصار، ففرض لمن شهد بدراً خمسة آلاف، ولمن لم يشهدها وله سابقة أربعة آلاف، وفرض للعباس اثني عشر ألفاً.
وكان علي رضي الله عنه يقبل يد العباس ورجله، ويقول: (يا عم! ارض عني)، رواه البخاري في الأدب المفرد، وقال سعيد بن المسيب: (العباس خير هذه الأمة).
ومن مواقف العباس رضي الله عنه:
ما رواه مسلم في صحيحه عن كثير بن العباس رضي الله عنهما قال: قال العباس: (شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حُنين، فلزمتُ أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله لم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فَروة بن نُفَاثَة الجُذَمِي، فلما التقى المسلمون والكفار، وولى المسلمون مدبرين، فَطِفَق رسول الله يركض ببغلته قِبَل الكفار، قال العباس: وأنا آخذٌ بركاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله: أَيْ عباس! نادِ أصحابَ الشجرة، فقال العباس -وكان رجلاً صيِّتاً-: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحابُ الشجرة؟ قال: فوالله لكأنَّ عَطفتَهُم حين سمعوا صوتي عَطْفَةَ البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشرَ الأنصار، يا معشر الأنصار! يا بني الخزرج، يا بني الخزرج! فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا حين حَمِيَ الوَطِيْسُ، قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حَصَيَاتٍ فرمى بِهنَّ وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا وربِّ محمد، قال: فذهبتُ أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بِحَصَياتِهِ، فما زلت أرى حدَّهم كليلاً، وأمرهم مدبراً).
تأمَّل يا عبد الله! إلى هذا التلاحم الإيماني، يوم أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم العباس بالنداء، فما هي إلا لحظات حتى اجتمع الصحابة.
هذا هو العباس.. مناصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمدافع عنه.. هذا هو عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي تنسب إليه دولة إسلامية عظيمة، هي الدولة العباسية.
ولقد أعتقَ العباسُ رضي الله عنه عند موته سبعين مملوكاً.
وورد أن عمَر عَمَد إلى مِيزَابٍ للعباس على ممر الناس فقلعه، فقال له: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي وضعه في مكانه، فأقسم عمر على العباس: لتصعدنَّ على ظهري ولتضعنَّه موضِعه.
أخي! انظر إلى هذا الأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتأمَّل كيف يتعامل مع عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في أثر من آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما نحن فيا ترى كيف تعاملنا مع آبائنا وإخواننا المسلمين؟! بل كيف تعاملنا مع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؟!
إنك تجد الرجل منا يقعد ويأكل ويمسح بالمجلات والجرائد التي فيها اسم الله جل جلاله، دون احترام ولا تقدير، ولا خوف من العلي القدير.
بسم الله الرحمن الرحيم: ((وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))[العصر1-3].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولي المتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العرش العظيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين.
أما بعد:
عباد الله! إن في سيرة الصحابة الكثير من الأدب والحكم والمواعظ، وقد يقول قائل: ما هو السبب في أن الصحابة رضوان الله عليهم لهم هذه الأخبار والآثار؟
والجواب على ذلك: أنهم حملة رسالة رسول رب العالمين.. فعلى أيديهم كان الفتح والجهاد، وقد تلقوا العلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبلغوه، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدينة العلم وهم أبوابها.
ومن هنا نالَ العباس رضي الله عنه وبنوه المرتبةَ العليا في العلم والجهاد، فرأس العلم وحبر هذه الأمة هو عبد الله بن العباس، وأمُّ هذا الحبر هي ثاني امرأة أسلمت بعد خديجة رضي الله عنها، وهي أم الفضل لبابةُ بنت الحارث الهلالية، ومن أولاده قُثَمُ بن العباس بن عبد المطلب، وكان يشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، استشهد رضي الله عنه في سمرقند، ومن أولاده مَعْبد، وكَثير، وتمام، وعبيد الله، والفضل، وبه كان يُكنى.
أما أشهرهم فهو حبر الأمة، وفقيهها، وإمام التفسير، أبو العباس عبد الله ابن العباس، وهو رديف : النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال(اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، كما في صحيح البخاري ومسلم.
أخي المسلم! هذا بيت من بيوت أهل البيت الكرام، فيهم الإمام والشهيد والزاهد والسابق إلى الإسلام، والسؤال هو: من منا كان له ذلك الفضل في تربية أهل بيته على الإيمانِ والقرآنِ والجهاد والعلم؟!
من منا دعا لنفسه ولأهل بيته بمرافقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه الكرام في الجنة؟!
عباد الله! إن الثناء والدعاء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدلائل على حب الرجل لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ))[الحشر:10]، ففي هذه الآية دلالة على أن الدعاء لأصحاب رسول الله فيه إشارة إلى طلب سلامة القلب نحوهم، ودليل ذلك قوله تعالى: ((وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا))[الحشر:10].
وأصحاب رسول الله هم قوم شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل.
عباد الله! إن الله عز وجل افترض على عباده محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسد الطريق إلى الجنة إلا من طريقه صلى الله عليه وآله وسلم، الذي شرح الله صدره، ووضع عنه وزره، وجعل الذل والصغار على من خالف أمره، وقد قام الصحابة الكرام بلوازم هذه المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأبنائهم، وقاتلوا على دينه، ورفعوا رايته، وأعزوا سنته، ونصروا شريعته، حتى وصل إلينا غضاً طرياً.
أخي المسلم! ما فارق النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدنيا حتى دانتِ الجزيرةُ للإسلام، وواصل أصحابه الكرام المسيرة بعده، يفتحون البلاد وقلوب العباد بلا إله إلا الله، وظهرت آيات الصدق والمحبة في أصحابه رضي الله عنهم، فما أحوَجَنا أن نقف على سير سلفنا الصالح، علّها أن تشحذ هممنا في التأسي برسولنا صلى الله عليه وآله وسلم والمسارعة في اتباع سنته، ولزوم شريعته.
ومحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عقد من عقود الإيمان، ولزوم سنته واتباع هديه علامة المحبة الصادقة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أنه من أعظم أسباب محبة الله عز وجل.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعلِ كلمة الدين، اللهم اكتب لنا في هذه الحياة الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والنجاة من النار.
عباد الله! أوصيكم بتقوى الله ومراقبته، ومحاسبة الأنفس، وزنة الأعمال قبل أن توزن.
وصلوا على نبينا محمد بن عبد الله صلاةً أبديةً سرمديةً ما دامت الدنيا والآخرى، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله الجليل العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.




__________________

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 2010-09-12, 04:38 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي


الهدية رقم " 51" لكل شيعي .




أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة


جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه
الحمد لله الذي زيَّن السماء بمصابيح ليهتدي بها في ظلمات البر والبحر كلُّ سالك، وأنار الأرض ببدورٍ ساطِعةٍ في سماء العلم ليهتدي بها من ظلَّ في ظلمات الجهل والمهالك.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا ندّ له ولا مشارِك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم من كلِّ مقتفٍ وناسِك.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعــد:
أيها المسلمون! إن الكلام عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له مكانة في نفوس المسلمين، فهم أقرب الناس إلى رسول الله دماً، وفضائل أهل البيت الكريم كثيرة جداً، والسؤال هو: من هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
وجواب ذلك: هم من تَحرُم عليه الصدقة من أزواجه وذريته وكل مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب، وهم بنو هاشم بن عبد مناف.
ولعل قائلاً يقول: من هم أبرزُ شخصيات أهل البيت الكريم؟
فنقول له: هم: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وجعفر، وعقيل، والحمزة، والعباس، وعبد الله بن العباس، والفضل بن العباس، وغيرهم، إلا أن هؤلاء هم أبرز الشخصيات التي كتب لهم التاريخ كتابة حافلة بجميع أنواع المحافل، وفي هذه الخطبة نكتفي بذكر شخص من تلك الشخصيات البارزة، وعلم من أعلام الصحابة.. إنه أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسفير المسلمين إلى بلاد الحبشة.
إنه جعفر بن أبي طالب، كنيته أبو عبد الله، وحَسْبُ جعفرَ رضي الله عنه أنه من تلك الشجرة التي بارك الله في فروعها وأغصانها.
وفي صحيح البخاري عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجعفر بن أبي طالب: (أشبهتَ خَلقي وخُلقي).
كان جعفرُ رضي الله عنه أكبر من أخويه علي وعقيل رضي الله عنهم أجمعين.
نشأ رضي الله عنه تحتَ رعاية عمه العباس، في ثراء ورعاية وحماية، حتى بعث الله نبيه بدين الحق، والتحق بدين مبدد جحافل الظلام، فأسلم جعفر هو وزوجته أسماء بنت عميس على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، انضم جعفر إلى ركب النور هو وزوجته منذ أول الطريق.
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر تلقاه جعفر، فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبل بين عينيه وقال: (ما أدري بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدومِ جعفر)، وفي رواية: (أنه ضمه واعتنقه). وهو حديث حسن.
قال ابن إسحاق: آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين جعفر ومعاذ ابن جبل رضي الله عنهما.
وعندما ازداد عدد المسلمين بمكة شعر كفار قريش بخطورة الوضع، فقاموا بتعذيب المسلمين وسجنهم، وأرادوا فتنتهم عن دينهم، فأشار عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يهاجروا إلى الحبشة؛ لأن فيها ملِكاً من أهل الكتاب يجير من استجار به، ويَحمي من احتمى به، ولا يُظلم عنده أحد، فكانت أول طليعة من المهاجرين أحدَ عشرَ رجلاً وأربع نسوة، وكان ذلك في السنة الخامسة من البعثة.
ثم عادوا لما سمعوا أن أذى المشركين قد خف، وأصبح بإمكانهم أن يعيشوا بأمان، وما أن وصلوا أبواب مكة حتى علموا كذب ذلك كله؛ بل إنهم ما إن عادوا حتى لقوا من قومهم الأذى الأشد والأنكى.
فعاد الركب مرة أخرى إلى الحبشة، وكان على رأسهم جعفر بن أبي طالب، وكان أميرَهم، والمتكلمَ باسمهم وباسم الإسلام، فاستقر بهم الأمر عند النجاشي، وذاقوا لأول مرة طعم الأمن، واستمتعوا بحلاوة العبادة دون أي تَعْكير أو كَدَر، قالت أم سلمة رضي الله عنها: (لما نزلنا أرض الحبشة لقينا فيها خير جوار ومأمن على ديننا، فلما علمت قريش بذلك أرسلت إلى النجاشي برجلين جَدِلَيْنِ هما: عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة، ومعهم هدايا للنجاشي، فأتيا النجاشي وقَدَّما له الهدايا، فأعجب بها، ثم كلَّماه فقالا له: أيها الملك! إنه قد أوى إلى مملكتك طائفة أشرار من غلماننا، قد جاءوا بدين لا نعرفه نحن ولا أنتم، ففارقوا ديننا، ولم يدخلوا دينكم، وقد بعثنا إليك أشراف قريش لتردهم إليهم. فنظر النجاشي إلى بطارقته فقالوا: صدقا، فإن قومهم أبصر بهم، وأعلم بما صنعوا، فَرُدَّهم إليهم، فغضب الملك من كلام بطارقته، وقال: لا والله لا أسلمهم حتى أدعوهم، وأسألهم عما نسب إليهم، فإن كانوا كما قال هذان الرجلان أسلمتهم إليهما، وإن كانوا غير ذلك حميتهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت أم سلمة: فلما اجتمعنا عند النجاشي تشاورنا على أن يتكلم عنا جعفر ابن أبي طالب ولا يتكلم أحد غيره.
فقال النجاشي: ما هذا الدين الذي أحدثتموه وفارقتم بسببه دين قومكم؟
فقال جعفر: كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسِيءُ الجوار، ويأكلُ القويُّ منا الضعيف، حتى بعث الله منا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى توحيد الله، وأن نخلع ما كنا نعبد من دون الله من حجارة وأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحُسْنِ الجوار، والكف عن المحارم، وحَقْن الدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة...
فما كان من قومنا إلا أن استعْدوا علينا، فظلمونا وقهرونا، وضيقوا علينا، فخرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك).
والقصة مشهورة ومعروفة، ولكن الشاهد فيها أن جعفراً رضي الله عنه كان متكلماً بليغاً، قوي الحجة والمنطق، دافع عن دينه الذي اعتنقه عن قناعة وإيمان صادق، واليوم نرى أبناء المسلمين يفرطون أيما تفريط في هذا الدين؛ بل إنك لا تراهم إلا وهم يهزءون بإخوانهم المسلمين، وهم بذلك لا يدرون أنهم يهزءون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه.. يهزءون بآبائهم وأجدادهم العلماء والدعاة الفاتحين والمجاهدين.
إن جعفراً رضي الله عنه ضرب لنا مثلاً عظيماً بهذه المناظرة من أقوى الأمثلة والحِكَم، منها: أن الإسلام لن يموت ولكن قد يضعف، وأن الإسلام هو في أصله عزيز بعز الله، وأن لا نجاة ولا أمان إلا بهذه العزة.
بقي جعفر رضي الله عنه هو وزوجته أسماء بنت عُمَيس عشر سنوات في الحبشة، وفي السنة السابعة من الهجرة عاد جعفر وأصحابه المهاجرون إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم عائداً من خيبر بعد أن دك حصونها وفتحها الله عليه، ففرح صلى الله عليه وآله وسلم بلقاء جعفر فرحاً شديداً، ولم تكن فرحة المسلمين عامة والفقراء منهم خاصة بعودة جعفر بأقل من فرحة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد كان جعفر شديد العطف على الضفعاء كثير البر بهم، حتى أنه كان يلقب بأبي المساكين، وأخبر عنه أبو هريرة رضي الله عنه فقال: (كان خيرُ الناس لنا - معشر المساكين - جعفرَ بن أبي طالب)، أخرجه البخاري.
وقال عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب).
هذه إشارة خاطفة إلى شيء من مكانة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فرحمه الله ورضي عنه وأرضاه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلاماً على رسولنا المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم..
أمـا بعـــــد:
عباد الله! إن فضائل أهل البيت كثيرة كما أسلفنا، وهي شَيِّقَةٌ وجميلة، وجعفر رضي الله عنه له الصدارة في هذه الشجرة المباركة.
لقد كان لجعفر رضي الله عنه من الإخوة اثنان هما: عقيلٌ وعلي رضي الله عنهما، أما علي فهو كالشمس في رابعة النهار، وكالبدر يوم اكتماله، وأما عقيلٌ فهو أكبر إخوته وآخرهم موتاً.
ونعود إلى جعفر الطيار، فهو أحد شهداء معارك التاريخ، ولم يَطُلْ مُكثُ جعفر في المدينة، ففي أوائل السنة الثامنة للهجرة جهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً لمنازلة الروم في بلاد الشام، وأمَّر على الجيش زيد بن حارثة، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن قتل زيد وأصيب فالأمير جعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر أو أصيب فالأمير عبد الله ابن رواحة، قال ابن عمر: كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية)، وقد بلغ عدد مقاتلي الروم قرابة (مائتي ألف)، وعدد جيش المسلمين (ثلاثة آلاف)، وما أن التقى الجمعان ودارت رحى المعركة حتى فاز زيد بن حارثة بالشهادة مقبلاً غير مدبر، فما أسرع أن وثب جعفر بن أبي طالب عن ظهر فرس شقراء، ثم عقرها حتى لا ينتفع بها الأعداء من بعده، وحمل الراية، وأوغل في صفوف الروم.
أيها المسلم! إنه يسابق إلى الجنة، دفعه الاشتياق إليها، فهو الذي قال شوقاً إليها في يوم مؤتة:

يَا حبَّذَا الجنةُ واقترابُها طيِّبَةٌ وبَاردٌ شرابُها كَافِرةٌ بعيْدةٌ أَنسَابها
والرومُ رومٌ قَد دَنَا عَذابُها عليَّ إنْ لاقيتُهـا ضِـرَابُهـا
إنها الجنة الجزاء الخالص الفريد.. إنها الجنة التي غرسها الرحمن بيده، فرحم الله أقواماً عرفوا من غرسها وقدَّروا قدر الغرس، ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[السجدة].
فالله أكبر كم يفيض الله على عباده من كرمه! وكم يغمرهم سبحانه من فضله! ومن هم حتى يتولى الله جل جلاله إعداد ما يدخره لهم من جزاء في عناية ورعاية وود واحتفاء!! إنه الكريم المنان، الفاتح لأبواب الجنان.
ظل جعفر رضي الله عنه يجول في صفوف الأعداء بسيفه ويصول، حتى أصابته ضربة قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، فما لبث أن أصابته أخرى قطعت شماله، فأخذ الراية بصدره وَعضُدَيه، فما لبث أن أصابته ثالثةٌ شَطَرَته شَطْرين.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة) والجزاء من جنس العمل.
استشهد فتى بني هاشم؛ ليأخذ مقعده في جنان الخلد في مقدمة شهداء أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو في الثالثة والثلاثين، ترك خلفه أبناء لا متاع لهم ولا مال، وكانت أسماء يومها تقوم بتنظيف الأولاد وتطييبهم وهي تتأهَّبُ للقاء زوجِها الغائب، فأتاهم صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (ائتيني بِبَني جعفر، فأتته بهم، فتشمَّمهم وذرفتْ عيناه بالدموع، فقالت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم، لقد استشهدوا هذا اليوم)، فأخذت تبكي وتصيح، واجتمعت نساء حولَها، عند ذلك غاضت البسمة من وجوه الصغار، أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمضى يُكَفكفُ عبراتِه ويقول: (اللهم اخلف جعفراً في ولده، اللهم اخلف جعفراً في أهله، ثم قال: لا تُغْفِلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً؛ فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم)، وهو حديث حسن.
وهكذا سنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة ماضية، وهي إعداد الطعام من قبل ذوي القربى والجيران لأهل المصيبة لمدة ثلاثة أيام؛ لانشغالهم بمصابهم، لا كما يقام اليوم في ديار الإسلام.
وأتت أسماء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت يُتم أطفالها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما صح عنه: (العَيلَةَ تخافينَ عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة).
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا لقي عبد الله بن جعفر يقول له: (السلام عليك يا ابن ذي الجناحين).
لقد مات جعفر، فوجد المسلمون فيما بقي من جسده تسعين ضربةً بين طعنة برمح وضربة بسيف.
فسلام على جعفر بن أبي طالب، فقد ملأَ الدنيا جهاداً حتى استشهد، وسلام عليه يوم أبدل بجناحين يطير بهما في جنان الخلد حيث يشاء، ورضي الله عنك يا جعفر، لقد صدقتَ ما عاهدتَ الله عليه، حتى قضيتَ نحبك.
إن سيرةَ الشهداء لا تنتهي، ولكن العبرة التي لا تنسى هي أننا نربي أبناءنا على الإيمان والجهاد والقرآن والسنة.. هذه هي سيرة جعفر الطيار.. هذه هي سيرة صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين سطَّروا لنا صفحاتٍ من التاريخ الحي، بل هي كل التاريخ، فبمثل هذه السير تحيا الأمم.
عباد الله! صلوا على النبي الزكي صلاة ما تعاقب الجديدان، اللهم فصلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم بلغنا منازل الشهداء، وأحينا حياة الشهداء، وتوفنا شهداء، اللهم إنا نسألك مرافقة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وارحم موتانا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم أصلح شباب المسلمين، واجعلهم من أنصار سنة سيد المرسلين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، وأهلك الكفرة من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.



__________________

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 2010-09-12, 04:39 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي


الهدية رقم " 52" لكل شيعي .




أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة

عبد الله بن عباس رضي الله عنهما


الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بمواد العناية، ويسَّر لهم تفصيل مجملات أنبائه بتكثير أسبابِ الهداية، وألهمهم الاعترافَ بعدم الإحاطةِ بحصر نَعمائه التي لا تُدْرَكُ لها غاية، وأعجزَهم عن استيعاب شكرِ آلائه وإن اتسعت الدراية والرواية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً منوطةً باليقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير خلقه أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فيقول تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33]، فقد طهر الله أهل البيت تطهيراً، وجملهم بالأخلاق صغيراً وكبيراً، فكانوا للسالكين إلى الله سراجاً منيراً، وقمراً مستنيراً.. فيا باغي الأخلاق هذا سمتهم.. ويا طالبَ الآدابِ لا تَغِبْ عن هديهم.. ويا قاصدَ المعرفةِ هذا علمهم.
من أجل ذلك أحببتُ أن أتحفَـكم في خطبة اليوم -بإذن الله- بشيء من سيرة سيد من ساداتهم، وحبرٍ من أحبارهم، وإمام من أئمتهم.. هو اللَّقِنُ المعلَّم، والفطن المفُهَّم.. فخر الفخار، وبدر الأحبار، والبحر الزخار، والعينُ المدرار.. مفسِّرُ التنزيل، ومبينُ التأويل.. المتفرسُ الحساس، والوضيءُ اللباس.. مكرمُ الجلَّاس، ومطعم الأُناس: عبد الله بن العباس، ابن عم رسول الجِنة والناس صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد أمسك هذا الإمام النبيل والصحابي الجليل المجد من أطرافه؛ فقد نال شرف الصحبة، وكفى بها من منزلة عَليَّة، ومكانة سَنِيَّة، لا يصل إليها أحدٌ إلى يوم الدين بعد موت سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
كما حاز منزلة القرابة؛ فهو ابن عم نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن آل بيته الأطهار.
كما ظفر بمجد العلم؛ فهو حبر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبحر علمها الزخَّار.
كما فاز بمجد التقى والورع؛ فقد كان قوَّام الليل صوَّام النهار، متضرعاً بكَّاءً من خشية الله الواحد القهار.
ولد ابن العباس قبل الهجرة بثلاث سنوات، ولما توفي ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان له ثلاثَ عشرةَ سنة فقط، ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيهم ألفاً وستمائة وستين حديثاً، أثبتها البخاري ومسلم إماما المحدثين، ومرجع العلماء المحققين، في صحيحيهما اللذين اتفقت الأمة وأجمعت الأئمة على أنهما أصح الكتبِ بعد كتاب الله.
ذلك أنه لما وضعته أمه حملته إلى ابن عمه صلى الله عليه وآله وسلم، فحنَّكهُ بِريقه، فكان أول ما دخل جوفه رِيقُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المبارك الطاهر، ودخلت معه التقوى والحكمة.. ((وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً))[البقرة:269]، ونشأ رضي الله عنه في بيوت النبوة، بين أكناف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخالته أم المؤمنين ميمونة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلازم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملازمة العين لأختها، فكان يُعِدُّ له ماء وضوئه إذا هم أن يتوضأ، ويصلي معه إذا وقف للصلاة من الليل، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يردفه خلفه إذا عزم على السفر والتنقل، حتى غدا له كظله يسير معه أنَّى سار، ويدور في فلكه كيفما دار.
وهو في كل ذلك يَحمِل بين جنبيه قلباً واعياً، وذهناً صافياً، وحافظةً دونها كل آلات التسجيل التي عرفها العصر الحديث.
دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد صح عنه رضي الله عنه قوله: (ضمَّني النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه وقال: اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب) رواه البخاري، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن عمر دعا ابن عباس رضي الله عنهما وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك يوماً فمسح رأسك، وتفل في فيك، وقال: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، رواه البخاري ومسلم.
وكان إعجابُ عمر بن الخطاب بابن عباس يزداد كلَّ يوم، حتى إنه كان يقول عنه: (ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول). وبذلك صار حبر الأمة، وبحر الأمة، وموسوعتها الحية، حتى أجمعت العلماء على أنه كان ترجمان القرآن، ونعم ما وصفه به ابن عمر رضي الله عنهما إذ قال: (ابن عباس أعلم أمة محمد بما نزل على محمد)، وقال عنه محمد ابن الحنفية وهو ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كان ابنُ عباسٍ حبرُ هذه الأمة).
كما قال عنه الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إن ابن عباسٍ كان من القرآن بمنزل).
ذلك أنه مع دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له سلك إلى العلم كل سبيل، وركب من أجله الصَّعْبَ والذَّليل، وظل ينهل من معين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما امتدت به الحياة، فلما لحق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بجوار ربه اتجه إلى البقية الباقية من علماء الصحابة، وطَفِقَ يأخذ منهم ويتلقى عنهم، ولم يمنعه نسبه الرفيع وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ من غيره، فكان يذل نفسه في طلب العلم، وفي المقابل كان يعلي قدر العلماء، فقد كان يأتي زيد بن ثابت رضي الله عنه ويتوسد رداءه عند عتبة بابه والرياح تَسفُّه بالتراب، فإذا خرج زَيدٌ وهمَّ بركوب دابته، وقف ابن عباس وأمسكَ له ركابه وأخذَ بزمامِ دابته، فيقول له زيد: (دع عنك يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! فيقول: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال له زيد: أرني يدك، فقبلها وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا)، وكان يحب الشيخين أبا بكر وعمر، ويهتم بعلومهما، حتى قال عبد الله بن عتبة: (ما رأيت أحداً أعلم بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم من ابن عباس رضي الله عنهما).
أيها المؤمنون! وقد غدا ابن عباس بفضل علمه وفقهه مستشاراً للخلافة الراشدة على الرغم من حداثة سنة، فكان إذا عرض لعمر بن الخطاب فاروق هذه الأمة رضي الله عنه أمراً وواجهته مُعضِلة -وهو الإمام المحدَّث الملهم- دعا جلّة الصحابة، ودعا معهم إمامنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، فإذا حضر رفع منزلته، وأدنى مجلسه، حتى عُوتِب مرة في تقديمه له وجعله مع الشيوخ وهو ما زال فتى، فقال: (إنه فتى الكهول، وله لسانٌ سؤول، وقلبٌ عقول).
ولما كمل لابن عباس ما طمح إليه من العلم تحول إلى معلم يعظ العامة، ويعلم الخاصة، حتى أصبح بيته جامعةً للمسلمين بكل ما تعنيه الكلمة في عصرنا، يُدَرَّس فيها كل العلوم، غير أنها تقوم كلها على أكتاف مدرِّسٍ واحد، هو حبر الأمة، وترجمان القرآن والسنة.
روى أحد أصحابه قائلاً: (لقد رأيت من ابن عباس مجلساً لو أن جميع قريش افتخرت به لكان لها مفخرة، فلقد رأيت الناس اجتمعوا في الطرق المؤدية إلى بيته حتى ضاقت بهم، وسدوها في وجوه الناس، فدخلتُ عليه وأخبرته باحتشاد الناس، فقال: ضع لي وضوءاً، فتوضأ وجلس وقال: اخرج وقل لهم: من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه فليدخل، فخرجت وقلت لهم، فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر، ثم قال لهم: أَفسِحوا الطريقَ لإخوانكم، فخرجوا، ثم قال لي: اخرج فأَدْخِل من أراد أن يسأل عن القرآن وتأويله فليدخل، فدخلوا، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم، ثم قال: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليدخل، فدخلوا، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم، ثم قال: من أراد أن يسأل عن الفرائض فليدخل، فدخلوا، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم، ثم قال: من أراد أن يسأل عن العربية فليدخل، فدخلوا، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم).
ثم رأى ابن عباس الحَبرُ تقسيم العلوم على الأيام؛ حتى لا يحدث في بابه مثل ذلك الزِّحام، فكان يجلس يوماً للفقه، وآخراً للتأويل والتفسير، وثالثاً للمغازي، ورابعاً للشعر وأيام العرب.. وخامساً وسادساً، وما جلس إليه عالم إلا خضع له، ولا سأله سائل إلا وجد عنده علماً.
ومع ذلك لم ينس ابن عباس رضي الله عنهما حين انصرف إلى الخاصة ليعلمهم ويفقههم حق العامة عليه، فكان يعقد لهم مجالس الوعظ والتذكير؛ فَتذرِفُ العيون، وتخشع القلوب لعلَّام الغيوب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله نحمده عددَ خلقهِ ورضا نفسِه وزنةَ عرشِه ومدادَ كلماتِه، ونسألُه من فضلِه ولا نعوِّل إلَّا عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.
أيها المؤمنون عباد الله!
لم يكن ابن عباس رضي الله عنهما ذا ذاكرةٍ قويةٍ خارِقةٍ فقط؛ بل كان صاحب ذكاءٍ نافذ، وفِطرة بالغة، وحجةٍ دامغة، كانت حجته إذا حاجج مثل الشمس في رابعة النهار بَهجَةً ووضوحاً وتألُّقاً. وما كان يحاور ويحاجج زهواً بعلمه، ولا إظهاراً لقوة منطِقه، وصلابة موقفه، بل كان يرى ذلك سبيلاً لإظهار الحق ومعرفة الصواب، وقد عرف ذلك ابن عمه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فوجهه إلى الخوارج لما خرجوا عليه وكفَّروه، فحاورهم حِواراً رائعاً، بيَّنَ فيه الحق، وساق الحجة بما يَبْهَرُ الألباب، فما كاد النِّقاش ينتهي حتى نهض منهم عشرون ألفاً راجعين عن خروجهم على أمير المؤمنين الإمام علي رضي الله عنه، منقادين له، مذعنين بأحقيته فيما سار إليه.
ولم يكن ما للحَبر ابن عباس من الثروة العلمية بأقل مما له من ثروة الخلق والكرم، وسخاؤه بالمال لم يكن بأقل من سخائهِ بالعلم، يقول عنه أحد أصحابه: (ما رأيت بيتاً أكثر طعاماً ولا شراباً ولا فاكهة ولا علماً من بيت ابن عباس رضي الله عنهما).
تَخلَّق ابن عباس بأخلاقِ الإسلام، وتمثَّل آدابَ علمائه الكرام، كبقية آل البيت العظام، والصحابة الكرام.. فكان طاهر القلب، نقي النفس، لا يحمل ضِغْناً لإنسان، يتمنى الخيرَ لكل مخلوقٍ، يقول رضي الله عنه عن نفسه: (إني لآتي على الآية من كتاب الله فأودُّ لو أن الناس جميعاً علموا مثل الذي أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط، فأفرح به وأدعو له، ومالي عنده قضية، وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضاً فأفرح به، وما كان لي بتلك الأرض سائمة).
ولئن قال الله تعالى: ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ))[فاطر:28]، فإن ابن عباس لمن أشد الناس خشيةً لله جل جلاله، وأكثرهم تعبداً وتضرعاً، وأغزرهم بكاءً إذا صلى أو قرأ القرآن.
فأبداً لم يكن من الذين يقولون ما لا يفعلون، وإنما صوَّاماً لنهاره، قوَّاماً لليله، مستغفراً بالأسحار، مبتهلاً إلى الرحيم الغفار.
حدث عبد الله بن أبي مليكة فقال: (صحبتُ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما من مكةَ إلى المدينة، فكنا إذا نزلنا منزلاً قام شطرَ الليل والناس نيام، ولقد رأيته ذات ليلة يقرأ: ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)) [ق:19]، فظل يُكرِرُها ويَنْشُج حتى طلعَ عليه الفجر).
وعن أبي رجاء قال: (رأيتُ ابن عباس رضي الله عنهما وأسفلَ من عينيه مثل الشِّرَاك البالي من البكاء).
ولقد عُمِّر ابن عباس رضي الله عنهما إحدى وسبعين سنة، ملأ فيها الدنيا علماً وفهماً وحكمةً وتقى، فلما أتاه اليقين صلى عليه ابنُ ابن عمه، الإمام محمد ابن الإمام علي بن أبي طالب، المعروف بمحمد بن الحنفية، مع البقيةِ الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجُلَّة التابعين، وقال فيه محمد بن الحنفية: (اليومَ مات ربانيُّ هذه الأمة).
وبينما كانوا يوارونه في التراب إذ سمعوا صوتاً يقول: ((يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي))[الفجر].
فرحم الله حبرَ الأمة عبد الله بن العباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان على نهج ابن عمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سائراً، وكان إماماً من أئمة أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين.
أيها المؤمنون! ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً))[الأحزاب]، اللهم فصلِّ وسلم وبارك على إمام الحنفاء، وسيد الأنبياء، وقدوة الأتقياء، وأصفى الأصفياء، محمد المصطفى، وآله وصحبه بدور الدجى.
اللهم إنا نستمد بك المنحة كما نستدفعُ بك المحْنَة، ونسألك العِصمَة كما نستوهِب منك الرحمة.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، ويسِّر لنا العمل كما علمتنا، وأوزعنا شكر ما آتيتنا، وانهج لنا سبيلاً يهدي إليك، وافتح بيننا وبينك باباً نَفِدُ منه عليك، لك مقاليد السموات والأرض، وأنت على كل شيء قدير.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفرة والملحدين، ودمر أعداء الدين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.



__________________

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 2010-09-12, 04:39 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي


الهدية رقم " 53" لكل شيعي .




أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة


فاطمة الزهراء رضي الله عنها


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي نشر محاسن سيدة نساء العالمين، وابنة خاتم المرسلين، وزوجة علي أمير المؤمنين، وأم سيِّدَي شباب أهل الجنة أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه المنتخبين، وعنا معهم إلى يوم الدين.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))[الحجرات:13].
أما بعــــد:
فأوصيكم بما أوصى الله به الأولين والآخرين، تقوى الله رب العالمين: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ))[النساء:131].
عباد الله! إن للنساء في الإسلام مكانةً عالية، ومنزلةً رفيعةً غالية، كيف لا وهي أم الرجل وأخته، وزوجته وبنته! وقد أكثر الخطباء وأفاض الأدباء ووسع العلماء الحديث عن الصالحين والأولياء، ولم يعطوا ذلك القدر للنساء، مع أن فيهن من بلغت في الزهد غايته، وفي الورع نهايته، وكانت في التعبد من حملة رايته، ونالت في العلم حظاً وافراً من حفظه وروايته.
من أجل ذلك سوف تكون خطبتنا اليوم -إن شاء الله- عن امرأة وأي امرأة؟! امرأة ما عرف التاريخ بعدها من يقاربها؛ فضلاً عمن يساويها منزلة ورفعة وسمواً.
جُمِعَتْ لها المحاسنُ فصُبَّت عليها صباً، فأنَّى لخطبة بل لخطب أن تأتي عليها، وقد عجز البنان عن تَعدادها كما عجز اللسان عن تردادها.
ولكني أستميحها عذراً في ذكر قطرات من بحر محاسنها، وشذرات من حلل مناقبها، أهديها إلى كل امرأة تريد القدوة الصالحة، والأسوة الناصحة، والمُثُل الناصعة..
وَأَينَ منْ كانتِ الزَّهراءُ أُسوتها ممَّن تَقفَّت خُطَى حَمَّالةِ الحَطَبِ
إنها فاطمة البضعة النبوية، الزهراء الطاهرة الساجدة، البتول: المنقطعة إلى الله، العابدة.
كانت زاهدة متقشِّفَة، تصوم نهارها وتسهر ليلها ساجدة في عبادة الله وتسبيحه وحمده وشكره، كرهت زخارف الدنيا وشهواتها، ومتعها ولذاتها، وانصرفت للعبادة والصلاة وتلاوة القرآن؛ لأنها عرفت وهي في سن مبكرة أن الآخرة خير من الأولى، ولذلك ملأت نفسها بالزهد في الدنيا والتمسك بالدين، ولعلها في ذلك كانت المثل الأعلى، والقدوة الحسنة التي تقدمها ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبنات جنسها..

هيَ بنتُ منْ؟! هيَ زوجُ منْ؟! هيَ أُمُّ منْ؟! منْ ذا يُساويْ في الوُجُودِ عُلاهَا؟!
إنها بنت سيد ولد آدم النبي المصطفى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، أكرم خلق الله على الله، وأفضل خلق الله عند الله، وأحب خلق الله إلى الله، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم!!
وأما أمها فهي السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، الصديقة المبشرة في الدنيا بقصر في الجنة من قَصَب، لا صَخَب فيه ولا نَصَب، كما في صحيحي البخاري ومسلم اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. فإذا كانت هذه هي الشجرة فكيف تتوقعون أن تكون الثمرةُ إلا الشَّهدَ المحلى، والعسلَ المصفَّى، وإلا الجوهرَ المكنون، والدرَّ المصُون.
كانت فاطمة أصغر بناته صلى الله عليه وآله وسلم -وهي الكبرى عند الله- وُلِدت قبل البعثة.
وقد كانت من أحب الناس إلى أبيها، وكيف لا تكون كذلك وقد ارتشفت من معين أخلاقه ارتشافاً، ورضعت من كرم آدابه ولم تُفطم، حتى كانت أقرب الناس إليه، وأشبههم به، ومن يشابه أبه فما ظلم!
ولذلك فقد قالت أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأحب أزواجه إليه: (ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلَّاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها وأجلسها في مجلسه، كما كانت تصنع هي به)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وأصله في صحيح البخاري ومسلم.
فأشارت بالسمت إلى ما كان يظهر على الزهراء عليها السلام من الخشوع والتواضع لله تعالى.
وبالهدي إلى ما كانت تتحلى به من السكينة والوقار، وإلى ما كانت تسلكه من المنهج الرضي والصراط السوي.
وأشارت بالدَّلِ إلى حسن خلقها ولطف حديثها رضي الله عنها.
عباد الله! لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُسِرُّ إليها من حبه لها تطييباً لخاطرها، وتسليةً لنفسها، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم إماما المحدثين، وقدوة العلماء المحققين في الصحيحين، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنده فلم تغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة عليها السلام تمشي ما تخطئُ مِشيتُها مِشيةَ أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: مرحباً بابنتي! فأقعدها عن يمينه أو عن شماله، فسارَّها بشيء فبكت، ثم سارَّها بشيء فضحكت، فقلت لها: خصَّكِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيننا بالسِّرَار فتبكين؟! فلما قام قلت لها: أخبريني بما سارَّك. فقالت: ما كنت لأُفشي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سِرَّه، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت لها: أسألك بما لي عليك من حق لما أخبرتِني. فقالت: أما الآن فنعم، فقالت: سارَّني فقال: إن جبريل عليه السلام كان يعارضُني بالقرآن في كل سنة مرةً وإنه عارضني العام مرتين، ولا أرى ذلك إلا عند اقتراب الأجل، فاتقي الله واصبري، فنعم السلف أنا لك، فبكيتُ، ثم سارني فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو قال: سيدة نساء هذه الأمة...)، فهنيئاً لها تلكم المنزلة السامية، والشرف العالي.
وعن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (حَسبُك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وآسية امرأة فرعون)، أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه.
لقد تزوجت الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسد الله وأسد رسوله الخليفة الرابع الراشد، والناسك العابد الزاهد.. زوجها الله به رضي الله عنه ليلتقي الشمس بالقمر، ليكون النتاج بنجمين ساطعين، وكوكبين دُرِّيَّين، وبدرين نيِّرين، هما سيدا شباب أهل الجنان، وهما: الحسنان، عليهما من الله الرضوان.
فكيف كان زواجها رضي الله عنها؟
لقد كان مهرها درعَ علي الحُطَميَّة. الله أكبر!!
فإلى أولياء الأمور الذين يغالون في المهور، خذوا هذا الدرس من سيدة نساء العالمين التي بلغت من النسب أشرفه وأعلاه، ومن الخلق أحسنه وأزكاه، كان مهرها درعاً حُطَميَّة، وهي التي لو جمعت كنوز الأرض لتكون لها مهراً لما بلغت مهر مثلها، ولكنه الدرس الذي ينبهنا إليه الشرع، وهو أن لا نغالي في المهور.
أهديت عليها السلام إلى الإمام علي رضي الله عنه ومعها خَميلة ومِرْفَقَةٌ من أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وقِرْبَة ومُنخُل وقَدَحٌ ورَحى وجِرابَانِ، ودخلت عليه وما لها فراش غير جلد كبش ينامان عليه بالليل، وتعلف عليه الناضح بالنهار، وكانت هي خادمة نفسها.
قمَّت رضي الله عنها البيت حتى اغبرّت، وطحنت حتى مَجِلت يداها -أي: ثخن جلدها وظهر فيها ما يشبه البثر- وأثرت الرحى في صدرها، واستعانت على خدمة البيت بالتسبيح، ولما علم زوجها علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جاءه خدم قال لفاطمة رضي الله عنها: (لو أتيت أباك فسألته خادماً؟ فأتته، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما جاء بك يا بنية؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الغد، فقال: ما كانت حاجتك؟ فسكتت، فقال علي: أنا أحدثك يا رسول الله! جَرَّت الرحى حتى أثَّرت في يدها، وحملت القِربة حتى أثرت في نَحْرها، فلما أن جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمها خادماً يقيها التعب، وما هي فيه من الشدة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصُّفَّة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم.
فرجع.. فأتاهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطيا أقدامهما تنكشف رأساهما فثارا! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: مكانكما.. ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ فقالا: بلى. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرا الله أربعاً وثلاثين، فذلك خير لكما من خادم)، كما في صحيح البخاري ومسلم، فما زالت فاطمة وعلي رضي الله عنهما يواظبان على هذه الوصية النبوية طوال حياتهما.
وقد ولدت لعلي رضي الله عنه من البنات زينب، وقد تزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأم كلثوم، وقد تزوجها عمر بن الخطاب، الفاروق، والمحدَّث الملهم رضي الله عنه، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك)، كما في صحيح البخاري ومسلم، وكان زواجه بأم كلثوم في خلافته، وأكرمها إكراماً زائداً، وأصدقها أربعين ألف درهم؛ لأجل نسبها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ولدت له زيداً ورقية.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، الخافض لأعدائه، والرافع لأوليائه، فلا إله إلا الله، نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونسأله العلم والعمل بلا إله إلا الله.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أتقى خلقِ الله وأعلمُهم بربه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن آمن به وأحبه واهتدى بهداه.
ومن معالم سيرتها رضي الله عنها: الصدق في الحديث، ولا غرو! فهي بنت الصادق المصدوق، قالت الصديقة عائشة -زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطيبة الطاهرة العفيفة-: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي ولدها)، رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقد كانت رضي الله عنها مثلاً يضرب في الشجاعة في الحق، والإقدام على الصدق، حتى وهي صغيرة، فقد خرجت يوماً مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة، فما إن رآه المشركون حتى قالوا: (أنت الذي تقول ما تهزأ به من آلهتنا، أو تسفه أحلامنا؟ فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: نعم. أنا الذي يقول ذلك. فآذوه -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم- فراحت فاطمة عليها السلام تدافع عنه وتشتم أولئك الذين آذوه). ولقد رأت رجلاً من المشركين يأخذ بِمَجْمع رِدائه، فأفقدها المنظر النطق، حتى قام أبو بكر الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار، ورفيقه في الهجرة، ووزيره المؤتمن، وخليفته الراشد من بعده، وهو يقول: (يا قوم! أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟!)، ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح البخاري، فصلى الله وسلم على نبينا محمد، ورضي الله عن ابنته الزهراء، وعن صاحبه أبي بكر على ما بذل وضحى، وناصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بماله ونفسه، حتى استحق ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم فيه: (ما أحد أعظم عندي يداً من أبي بكر، واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته).
أيها المؤمنون! لقد كتب الله الفناء على البشرية جمعاء ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ))[الزمر]، وقد آن للزهراء أن تضع عن كاهلها آلامَ الدنيا وهمومَها، ومصاعبَ الحياة وغمومها، وأن تنعم في الجنة بالقرب من أبيها وأمها، فتنهي بذلك حياة عامرة بالزهد والعبادة، والخلق والريادة، وتكون ((مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً))[النساء:69]، وذلك بعد مرض ألمَّ بها عليها السلام، وقد لازمتها فيه أسماء بنت عُمَيس رضي الله عنها زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ويقال: إن أبا بكر قد أرسل زوجته أسماء لتكون في خدمتها، وقد زارها الصدِّيق في مرضها بعد أن استأذن منها فأذنت له، ولم يكن في قلبها إلا الوفاء لأعز صديق وألصق رفيق بأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهكذا -أيها المؤمنون- طويت صحيفة امرأة من ناسكات الأصفياء، وصفيات الأتقياء، فاطمة سيدة النساء عليها السلام.. السيدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم.. أكثر أولاده بقلبه لصوقاً، وأولهم بعد وفاته به لحوقاً.. التي كانت عن الدنيا ومتعها عازفة، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة، لكنها بقيت ولم تزل في قلوبنا وقلوب كل المسلمين إلى يوم الدين رمزاً للحياء، ومثلاً للعبادة والنقاء، وأسوة للرجال والنساء.
عباد الله! ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب].
اللهم فصلِّ وسلم على محمد الرسول، وعلى الزهراء البتول، وعلى بقية الآل والصحابة العدول، ومن سار على منهجهم وبهديهم يعتقد ويقول.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





__________________

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 2010-09-12, 04:41 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي


الهدية رقم " 54" لكل شيعي .





أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة



الحسن بن علي رضي الله عنهما



الحمد لله الذي جعل لكل نبي شِرْعةً ومنهاجاً، وجعل شِرْعةَ نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتمةَ ذلك كلِّه وسراجاً وهَّاجاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، فتح الله به آذاناً صماً، وأعيناً عمياً، وقلوباً غلفاً، فطوبى لمن أمسى باتباع شريعته قرير العين، وويلٌ لمن نبذَ ما جاء به وراء ظهره.
اللهم فصلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وأكمل سلام، وآته الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود، الذي وعدته يا رب العالمين.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعـــد:
أيها المسلمون! إن في تاريخِ الإسلام رجالاً لم يُعطَوا قدرهم من التعريف بهم وبسيرتهم الحافلة بالبطولات والمواقف التاريخية، وفي هذا الموضوع نتحدث عن واحد من هؤلاء العظماء.. إنه رجل الكثير منا يعرف اسمه، قال عنه الإمام المؤرخ الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء: «هو السيدُ النبيل، الوسيمُ الجميل، العاقلُ الرزين، الجواد..»، وقال: «كان ممداحاً، خيّراً، ديّناَ، ورعاً، محتشماً، لينَ الشأن...».
رجلٌ أصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين.. أتدرونَ من هو؟
إنه أمير المؤمنين، وسيد شباب أهل الجنة، وحِبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته، وشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. إنه الحسن بن علي رضي الله عنهما، مولده رضي الله عنه على أرجح الأقوال سنة ثلاث من الهجرة النبوية، وكان له من الأولاد خمسة عشر ذكراً، وثمان بنات، وعق عنه صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين، وكان مسروراً به حين رآه يشبهه.
كان عليه الصلاة والسلام يحب الحسن رضي الله عنه، ولا يصبر على مفارقته، ومداعبته، حتى إنه ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طائفة من النهار لا يكلِّمني ولا أُكلِّمه، حتى أتى سوقَ بني قينقاع، ثم أتى بيت فاطمة فقال: (أثَمَّ لُكَع؟ أثَمَّ لُكَع؟ فَحبَستْـهُ شيئاً فظننتُ أنها تُلبسه أو تغسله، فجاء يشتد -مسرعاً- حتى عانقه وقبله، وقال: اللهم أحِبَّه وأحِبَّ من يحبُّهُ).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحُسين على ظهره، فإذا أراد الصحابة أن يمنعوهما أشار إليهما أن دعوهما، فإذا قضى الصلاة وضعهما في حِجره وقال: (من أحبني فليحب هذين).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمنا، ثم يقول: الله ارحمهما فإني أرحمهما)، رواه البخاري.
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تربية الحسن تربيةً إسلاميةً حسنة، وكان يرعاه رعايةً خاصة، ففي إحدى المرات رأى الحسن وهو يأخذ تمرةً من تمر الصدقة، فنزعها منه وقال: (إنا لا تحل لنا الصدقة)، رواه البخاري ومسلم.
تأمل كيف حَرِصَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يطعم أهل بيته إلا حلالاً! مع أنها تمرة واحدة والحسن طفل صغير، ولكنها التربية من الصغر على الورع والدين، ثم انظر حال أكثر الناس اليوم حيث لا يتورعون في مطعمهم ومأكلهم ومشربهم وملبسهم، فلا يهم الواحد منهم شأن أهل بيته، كيف أكلوا؟ ومن أين أكلوا؟ وماذا أكلوا؟
أخي المسلم! عليك أن تربي أبناءك على مكارم الأخلاق، وأن تشارك المسلمين في همومهم، فإن لم تستطع فأقل أحوالك أن تكفي إخوانك المسلمين شرك المستطير، وتصلح أولادك بما ينجيهم من النار.
وفضائل الحسن عليه السلام كثيرة، ومناقبه غزيرة وجليلة المكانة، ولو أن له واحدةً منها لكفته، فكيف وله من الفضائل والمناقب الجم الكثير! فمنها على سبيل المثال لا الحصر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا له فقال: (اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه)، صححه الترمذي وسبق بنحوه في الصحيحين.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (أن الحسن سيد شباب أهل الجنة)، كما في صحيح البخاري.
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، ومما ورد في فضائل السبطين: ما رواه ابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني).
وأخرج أحمد عن معاوية رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمصُّ لسان الحسن وشفتيه، وإنه لن يعذبَ لسانٌ أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (هما ريحانتاي من الدنيا)، أخرجه البخاري، وورد عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتمل الحسن والحسين وأمهما وأبيهما ثم قال: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33]، رواه مسلم.
هذه بعض فضائل الحسن عليه السلام، ونعمت والله من فضائل! فضائل رجل هو ابن البشير النذير النبي الأمي الداعي إلى الله بإذنه صلى الله عليه وآله وسلم.. هذا رجل من بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.. هذا من أهل بيت افترض الله مودتهم وأوجب احترامهم.. هذا هو حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحبيب أصحابه رضي الله عنهم.
فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنون للحسن رضي الله عنه محبةً وإجلالاً..
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يحب الحسن لشبهه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد لقيه مرة وهو يلعب مع صغار الصبية، فرفعه بين يديه يقبله، وأبوه ينظر إليه، ثم قال فيه وهو يرفعه:

بِأَبي شَبيهٌ بالنبيّ لَيسَ شَبيهاً بِعَليّ

وعليٌ يضحك، رضي الله عنهما وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين.
ومن حب عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحسن والحسين أنه فرض لهما مع أهل بدر خمسة آلاف.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا رأى الحسن وهو شابٌ دمعت عيناه، فإذا سُئل قال: (إذا رأيته تذكرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
ولقيه مرة فأراد أن يقبله فقال: (أرني أُقَبِّل منك حيث رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُقَبِّل، فقال الحسن بقميصه هكذا يرفعه، قال: فقبَّل سرته)، أخرجه البخاري ومسلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وصلاةً وسلاماً على نبينا محمد خير أنبيائه وأصفيائه، وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد:
فإن الحديث عن سيرة الحسن بن علي رضي الله عنه أمره ليس بيسير، ولا تكفيه مثل هذه الخطبة، ولكن ذكر بعضها فيه خير، علّ الله أن يجدد فينا العزائم والهمم.
مر الحسن رضي الله عنه على صبيان ومعهم كسرة خبز، فاسْتضافوه فنزلَ فأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم، وقال: (اليدُ لهم؛ لأنهم لا يجدون شيئاً غير ما أطعموني، ونجد نحن كثيراً منه).
فيا أخي المسلم! إن وجدت أحداً أصغر منك سناً، وأقل منك قدراً فلا تحقرْه، فقد يكون أسلم منك قلباً، وأقل منك ذنباً، وأعظم منك إلى الله قربة، حتى لو رأيت إنساناً فاسقاً وأنت يظهر عليك الصلاح فلا تستكبر عليه، واحمد الله أن نجاك مما ابتلاه به.
وكأن الحسن رضي الله عنه يريد أن يلقننا هذا الدرس، أما بالنسبة له فإنه سليم القلب والجوارح.
كان الحسن رضي الله عنه كثير الصدقة، حتى إنه سمع مرة رجلاً يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم يسدد بها دينه، فأرسلها إليه.
ومن أعظمِ مواقف الحسن رضي الله عنه التي لم يُـرَ لها نظير: تنازله عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه؛ حقناً لدماء المسلمين، فصالح الحسنُ معاوية، فابتهج المسلمون لذلك، وعدوا ذلك العام عاماً مباركاً؛ حيث انتهت الحروب، وحُقِنت دماءُ المسلمين، وعادت الأمور إلى مجاريها، حتى إنه سمي بعام الجماعة.
أيها الناس! إن المتأملَ في سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجد أن الله اصطفاهم للصحبة كاصطفاء الأنبياء والرسل للرسالة، ويجد أن الله زكاهم وأشاد بذكرهم، فمن أحبهم فما أحب إلا الخير، وما نفع إلا نفسه، ومن ذمهم فقد وصم نفسه، وبخس حظه، وأضاع نصيبه.
إنهم قوم شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وأقبلوا وقت الإدبار، وعرفوا أوقات الأسحار.. هم قوم خلصت منهم النيات، وصلحت منهم الأعمال، ومات فيهم حب الهوى، وصار مراد الله عندهم هو الشغل الشاغل، ومتابعة المعصوم هو الشأن الأهم.. خرجوا من الأموال فما شفي عليلهم، فخرجوا من الديار فبقي في القلوب لَوْعَة، فخرجوا من أنفسهم:

يَستعذِبون منايَاهم كَأَنَّـهمُ لَا يَخرجُونَ منَ الدُّنيا إذا قُتلُوا

هم قوم وقفوا مع الدليل، وساروا على الجادة، وأخذوا بالحجة.. هجروا التنطع، وتركوا التعمق، وطرحوا التكلف.. فروا من القيل والقال؛ لأن لديهم مهمةَ إصلاح العالم.. هربوا من اللهو؛ لأنهم حملوا أمانة إنقاذ العالم.
قدموا أنفسهم للسيف يوم أن تقرب الآخرون إلى السلاطين من دون الله، وسالت دموعهم من خشيته يوم أسال الآخرون الخمور.. عبدوا الله حق عبادته فذلت لهم جبابرة العالم.
قيل للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن أبا ذر يقول: الفقرُ أحبُّ إليّ من الغنى، والسُّقْمُ أحبُّ إليّ من الصحة، فقال الحسن: (رحم الله أبا ذر! أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله لم يتمنَّ شيئاً).
وخطب الحسن مرة بالكوفة، فكان مما قال: (إن الحلمَ زينة، والوقارَ مروءة، والعجلةَ سفه، والسفهَ ضعف، ومجالسةَ أهل الدناءة شين، ومخالطةَ الفساق ريبة).
وكان علي رضي الله عنه يكرم الحسن ويعطيه ويجله، فقال له يوماً: (ألا تخطب حتى أسمعك؟ فقال: إني أستحي أن أخطب وأنا أراك، فذهب علي رضي الله عنه فجلس حيث لا يراه الحسن، ثم قام الحسن في الناس خطيباً، وعليٌ يسمع، فأدى خطبة بليغة فصيحة، فلما انصرف كان علي يقول: ((ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [آل عمران:34]).
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا، ويرى هذا من النعيم عليه، وكانا إذا طافا بالبيت تزاحم الناس عليهما للسلام عليهما، رضي الله عنهما وأرضاهما.
وكان ابن الزبير يقول: (والله ما قامتِ النساء عن مثلِ الحسن بن علي).
وقد كان صاحب دينٍ عظيم متين، كان إذا صلى الغداةَ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس، ثم يقوم فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهن، وربما أَتْحفْنَه، ثم ينصرف إلى منزله.
وحَكَى ابن عساكر في تاريخه أن الحسن قاسم الله ماله ثلاث مرات، وحج خمساً وعشرين مرةً ماشياً، وإن النَّجائبَ لتقاد بين يديه.
وكان رضي الله عنه لا ينام حتى يقرأَ كل ليلة شيئاً من القرآن.
وذُكِر أن الحسن رضي الله عنه رأى غلاماً أسود يأكل من رغيف لُقمةً، ويُطعِم كلباً هناك لقمة، فقال له: (ما حملك على هذا؟ فقال: إني أستحي أن آكل ولا أطعمه، فقال له الحسن: لا تبرح مكانك حتى آتيك، فذهب إلى سيده فاشتراه واشترى الحائط الذي هو فيه، فأعتقه وملَّكه الحائط، فقال الغلام: يا مولاي! قد وَهبْتُ الحائط للذي وهبتني له)، أي لله تعالى.
رضي الله عنك.. لأنت قدوة القدوات، وسيد السادات، فأين اليوم من يعطف أو يرحم فقراء المسلمين؟
وجاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به فوجده معتكفاً فاعتذر إليه، فذهب إلى الحسن فاستعان به فقضى حاجته، وقال: (لقضاء حاجة أخٍ لي في الله أحبٌ إلي من اعتكاف شهر).
وكان الحسن رضي الله عنه لا يدعو أحداً إلى طعامه، يقول: (هو أهونُ من أن يُدعَى إليه)، ولم يسمع منه فُحْشٌ، وكان مكتوباً على خاتم الحسن بن علي:

قَدِّمْ لنفسِكَ ما استطعتَ مِن التُّقى إنَّ المنونَ لنَازِلٌ بك يَا فَتَى


أصْبَحت ذا فرحٍ كأنَّك لا تَرى أحبابَ قلبك في المقابِر والبِلى


ولما احَتُضِر الحسن رضي الله عنه قال: أَخرِجوني إلى الصَّحْن أنظرْ في ملكوت السموات، فأخرجوا فراشه، فرفع رأسه فنظر فقال: (اللهم إني احتسبت نفسي عندك، فإنها أعزُّ الأنفس عليَّ).
وقال أبو نعيم: لما اشتد بالحسن الوجع جَزِعَ، فدخل عليه رجل فقال له: (يا أبا محمد! ما هذا الجزع؟! ما هو إلا أن تفارق رُوحُكَ جَسَدَك فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جدك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخديجة، وأعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك وخالاتك)، فسري عنه. وقيل: إن القائل لذلك هو أخوه الحسين رضي الله عنهما، فقال الحسن: (يا أخي! إني أدخل في أمر من أمور الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقاً من خلق الله لم أر مثله)، فبكى الحسين رضي الله عنهما.
مات حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودفن بالبقيع، واجتُمع لجنازته حتى ضاق البقيع من الزحام.
رضي الله عنك يا أبا محمد! رضي الله عنك يا سيدَ شباب أهل الجنة! رضي الله عنك يا ريحانةَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! رضي الله عنك يا حبيبَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!
وكانت مدة خلافته ستة أشهر، وكان آخر الخلفاء الراشدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة)، وتوفي سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين.
قال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ)) [يوسف:111].
وقال تعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)) [الأنعام:90].
أيها المسلمون! اعلموا أنه لا نجاة إلا بفقه سيرة السلف الصالح وتطبيقها في الواقع العملي، واعلموا أن الحكايات عن سلفنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جند من جنود الله، يثبت الله بها قلوب أوليائه، فهي خير وسيلة لإشعال العزائم، وإثارة الروح، وقدح المواهب، وإذكاء الهمم، وتقويم الأخلاق، والتسامي إلى معالي الأمور، والترفع عن سفاسفها.. هذه بحار السلف ذكرت منها نقطة فأرعها سمعك، وإن كانت غريبة في عالمنا، وأي شيء عندهم لا يكون اليوم غريباً؟! ولسان حالهم:

تركْنا البِحارَ الزاخراتِ وراءَنا فمِنْ أينَ يدري النَّاسُ أنَّا توجَّهنا

عباد الله! صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، وأصحاب نبينا محمد، وأزواج نبينا محمد، وعلى أمة نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم إنا نشهدك أننا نحبك، ونحب رسولك، وأهل بيت رسولك، اللهم إنا نسألك مرافقة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، ووفق المجاهدين لما تحبه وترضاه يا رب العالمين.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


__________________

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 2010-09-12, 04:41 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي


الهدية رقم " 55" لكل شيعي .





أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة

الحسين بن علي ومحمد بن علي رضي الله عنهما



الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، واصطفى من ينابيع جودهِ محمداً أكملَ الخلقِ روحاً وعقلاً، وأقومهم بدناً ورسماً، وأعلاهم قدراً وذكراً، وأرفعهم فضلاً ونبلاً، وأشرفهم مجداً وعِزاً، فصلواتُ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. أما بعد:
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أيها المسلمون! هذه صفحات من تاريخ المسلمين تصور ملامح فترة زمنية، وما جرى فيها من الأحداث والوقائع، نأخذ منها العبر والدروس؛ لنستفيد من ماضينا ما ينفعنا في حاضرنا.
وخطبتنا اليوم محزنة أعظمَ ما يكون الحزن، وهي سيرةٌ عظيمة أشدَّ ما تكون العظمة.. أما كونها سيرة عظيمة فلأنها عن صحابي كبير من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. وكيف لا يكون كبيراً ويكون الحديث عنه عظيماً وجده قدوة الخلق، وصفوة البشر، وإمام المجاهدين، ورسول رب العالمين، محمد صلى الله عليه وآله وسلم! وأبوه رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين.. شهيد الإسلام، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهو شهيد ابن شهيد، وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ومن هنا تنبع عظمة سيرة هذا الرجل.
أما كون خبره محزناً أعظم ما يكون الحزن فلأن قتله كان ظلماً وعدواناً.
فمن هو شهيد الإسلام هذا؟ وما هي مناقبه وفضائله؟ وكيف استشهد؟
ذلكم هو الإمام الشريف الكامل، سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته من الدنيا، وحبيبه، أبو عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي رضي الله عنهما.
قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الحسنَ والحسينَ هما ريحانتاي من الدنيا..).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حسينٌ مني وأنا منه، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط).
وفي الحسين وأخيه الحسن رضي الله عنهما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: (هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يُحبُّهما).
قال ابن كثير رحمه الله: «عاصر الحسين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه إلى أن تُوفي وهو عنه راض، وكان الصديق يكرمه ويعظمه، وكذلك عمر وعثمان، ولم يزل في طاعة أبيه حتى قتل، فلما استقر الملك لمعاوية كان الحسن يتردد إليه مع أخيه الحسين، فيكرمهما معاوية إكراماً زائداً».
أخرج الخطيب في تاريخه عن عبد بن حُنين، عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: (صعدت المنبر إلى عمر فقلت: انزل عن منبر أبي -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم- واذهب إلى منبر أبيك، فقال: إن أبي لم يكن له منبر، فأقعدني معه، فلما نزل قال: أي بني! من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد، قال: أي بني! وهل أنبت على رءوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم، ووضع يده على رأسه وقال: أي بني! لو جعلت تأتينا وتغشانا)، قال الذهبي: إسناده صحيح.
وعن عدي بن ثابت عن البراء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبصر حسناً وحسيناً فقال: (اللهم إني أحبهما فأحبهما)، رواه البخاري في صحيحه وهو أصح كتاب بعد القرآن الكريم.
وعن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطبنا، فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله: ((إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)) [التغابن:15]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما).
وعن هانِئ بنِ هانئ، عن علي قال: (الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسينُ أشبه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان أسفلَ من ذلك).
هذه بعض فضائل الحسين بن علي رضي الله عنه، وهي تدل على مكانته عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسين رضي الله عنه في السادسة من عمره.
وكان رضي الله عنه مُجابَ الدعوة، ومن ذلك: أن رجلاً من بني تميم يقال له عبد الله بن حَوزة، جاء حتى وقف أمام الحسين، فقال: يا حسين! يا حسين! فقال له الحسين: ما تشاء؟ قال: أبشر بالنار، فقال له الحسين: كلا! إني أقدم على رب رحيم، وشفيع مطاع، من هذا؟ فقال له أصحابه: هذا ابن حوزة، قال: رب حُزه إلى النار، فاضطرب به الفرس في جدول فوقع فيه، وتعلقت رجله بالركاب، ووقع رأسه بالأرض، فنفر الفرس، فأخذ يمر به فيضرب برأسه كل حجر وشجر حتى مات.
ومنها: أن ابن الأزدي كان يمنع الحسين رضي الله عنه الماء، ويقول: يا حسين! ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً، فقال له الحسين: (اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً). قال حميد بن مسلم: فعدته في مرضه، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى يبغر، ثم يعود فيشرب حتى يبغر، فما يروى، فما زال ذلك دأبه حتى مات.
هذه بعض كراماته رضي الله عنه، وما تكون الدعوة مجابة للرجل إلا وهو صاحب دين متين، ولا تجاب الدعوة إلا لمن راقب الله وخافه، وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه.. لا تكون الدعوة مجابةً إلا لمن كان مطعمُه حلالاً، ومشربُه حلالاً، وملبسُه حلالاً، والحسين كان من أرفع الناسِ قدراً، وأعظمهم منزلة.. كان عابداً خاشعاً، حتى رُوي أنه حج خمساً وعشرين مرة، ولهذا نال ما نال من الفضائل.
وكان رضي الله عنه خطيباً بليغاً، خطب مرة فقال: (اعلموا أن المعروف يُكْسِب حمداً، ويُعْقِبُ أجراً، فلو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه رجلاً جميلاً يسر الناظرين، ولو رأيتم اللؤم رجلاً لرأيتموه رجلاً قبيح المنظر تَنْفُرُ منه القلوب، وتَغضُّ دونه الأبصار).
وكان يدعو فيقول: (إلهي نعَّمتني فلم تجدني شاكراً، وابتليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنتَ سَلَبْت النعمة لترك الشكر، ولا أدَمْتَ الشدة لترك الصبر، إلهي ما يكون عن الكريم إلا الكرم).
ومن أقواله المأثورة رضي الله عنه: (إن الناس عبيد الأموال، والدين لَغْوٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درَّت به معايشهم، فإذا مُحِّصُوا بالابتلاء قلّ الدَّيانون)، وقال: (إن خير المال ما وقى العرض).
ونختم بهذه الكلمات النيرات لمن لهم عقول يعقلون بها، قال رضي الله عنه وأرضاه: (لا تَتَكَلَّفْ ما لا تُطِيق، ولا تَتَعَّرض لما لا تُدرِك، ولا تُعِدْ بما لا تقدر عليه، ولا تُنْفِق إلا قدر ما تستعيد، ولا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت، ولا تفرح بما نلت من طاعة الله، ولا تتناول إلا ما رأيت نفسك له أهلاً).

سِبْطَ النبيِّ جزاك اللهُ صالحةً عنَّا وجُنِّبتَ خُسرانَ الموازينِ
منْ لليتامى ومنْ للسائلينَ ومنْ يُغني ويَأويْ إليه كُلُّ مسكينِ
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي رفع لأهل الشهادة أعلى الدرجات، وأجرى على أيديهم الكرامات، فكانوا الباقياتِ الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تُنجيني عند الممات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. وبعد:
أيها الناس! إن قتل العلماء والصالحين والأولياء لهو الظلم والعدوان بعينه، وفي هذه اللحظات السريعة نعرج على واحدة من أعظم جرائم الظلم والعدوان.. إنه مقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. إنه مقتل أبي عبد الله الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهو مما يلفت النظر في سيرته رضي الله عنه وأرضاه.. فكيف كانت حادثة استشهاده رضي الله عنه؟
أخرج الإمام أحمد بن حنبل بإسناد رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي، عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأحدهما: (لقد دخل عليَّ البيت ملك لم يدخل عليَّ قبلها، قال: إن ابنك هذا حسيناً مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء).
وقد وقع الأمر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقتل الحسين بالعراق سنة إحدى وستين من الهجرة.. تآمر عليه الملأ، ولم يستحيوا من الله تعالى، ولا من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

مَسَحَ النَّبيُّ جبينَهُ أبواه مِن عَلْيا قُريشٍ فَلَهُ بريقٌ في الخُدودْ جَدُّه خَيرُ الجُدودْ
إن قاتلي الحسين رضي الله عنه الذين فتكوا به وغدروا ظلماً وعدواناً، قتلوه بعد أن حاصروه، ثم لما رأى الحسين تخلف أهل الكوفة عما دعوه إليه من مناصرته والوقوف بجانب دعوته، طلب ممن حاصروه أن يدعوه ليرجع، أو يلحق ببعض الثغور، أو يلحق بابن عمه يزيد، فمنعوه من ذلك، وأبوا إلا أن يأسروه، فقاتلوه فقاتلهم، فقتلوه وطائفة ممن معه من أهل البيت الكرام.
ولئن كان قتل الحسين رضي الله عنه شراً عظيماً وجرماً وكبيراً؛ فإنه بالنسبة إليه خيرٌ وإكرام، فقد كتب الله له الشهادة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «لما قتل الحسين يوم عاشوراء قتلته الطائفة الباغية الظالمة، وأكرم الله الحسين بالشهادة كما أكرم بها من أكرمَ من أهل بيته، أكرم بها حمزة وجعفر وأباه علياً، وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته وأعلى درجته»، وكما أكرمه الله تعالى بالشهادة فقد أهان من قتله أو أعان على قتله لعنهم الله.
إن في مقتل الحسين رضي الله عنه مواعظ وعبر، فمن هذه العبر:
الصبر عند وقوع البلاء، لا شق الجيوب ولطم الخدود، وإقامة المآتم، كما يفعله بعض الجهلة اليوم، وأهل الغي والضلال، من اتخاذ يوم عاشوراء يوماً للأسى والحزن، والندب والنياحة على الحسين، وهذا شيء لم يفعله أهل بيته بعده، ولو كان هذا الفعل صحيحاً لكان جائزاً في غيره من كبار الصحابة، وأولهم أبوه فقد قتل وهو يصلي، وعثمان قتل محصوراً في داره، وذبح من الوريد إلى الوريد، وعمر قتل قائماً يصلي في المحراب؛ بل إنه لم يشرع أن يتخذ الناس يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم -وهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة- مأتماً كما يفعله بعض الناس في يوم مقتل الحسين رضي الله عنه.
وقد وقف على الجنب الآخر قوم من المتعصبين على أهل البيت؛ فقابلوا الفساد بالفساد، والكذبَ بالكذب، والشرَّ بالشر، والبدعةَ بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء، فصاروا يتخذون يوم عاشوراء موسماً كموسم الأعياد، ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم عاشوراء شيئاً؛ لا الفرح والسرور، ولا الأسى والحزن.
ومن العبر كذلك من سيرة الحسين: أن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وسبب نزول العذاب في الدنيا، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أما ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله -يعني الحسين- فأكثرها صحيح، فإنه قل من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة أو عاهة، فلم يخرج أحد منهم من الدنيا حتى أصيب بمرض».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً».
هذه سيرة رجل من أهل البيت، الذين قال الله فيهم: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33].
رحم الله الحسين ورضي عنه وعن أهل بيته الكرام، وأصحاب رسوله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد مات الشهيد في يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين، ولم يعقِّب أحدٌ من أولاده سوى زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله، وكان للحسين إخوة كثر يصلون إلى العشرين، إلا أن أشهرهم الحسن ومحمد بن علي بن أبي طالب الملقب بابن الحنفية، فهؤلاء مشاهير أبناء علي، فأما الحسن فهو الذي لا يجهله أحد، وأما محمد بن الحنفية فهو السيد الإمام أبو القاسم وأبو عبد الله محمد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين.
قال محمد بن علي عن أبيه: (كان رخصةً لعلي رضي الله عنه، قال: يا رسول الله! إن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك، وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم).
وقد روى عن أبيه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان رحمه الله زاهداً ورعاً، خفيف اللسان، وكان حكيماً كأبيه، قال رحمه الله: (من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر)، وعنه: (إن الله جعل ثمناً لأنفسكم فلا تبيعوها بغيره).
ولقد جمع الله عز وجل لأهل البيت شرفَ القرابة، وشرفَ الصُّحبة، فهنيئاً لهم.
أخي المسلم! إن شرف الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تابعٌ لشرفِ الإيمان، فمن لم يوفق للإيمان لم ينفعْه شرفُه ولا نسبه، قال الله تعالى: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))[الحجرات:13]، فمن شرفه الله بهذا النسب فلا يتكل عليه، وليحمد الله على هذا الشرف، وليسارع في الخيرات، ومن لم يشرفه الله بهذا النسب فليسأل الله أن يوفقه لأن يكون من أصحاب الدرجات العلى في دار الخلد، وأن يوفقه للعمل الصالح، فالعمل الصالح هو الميزان الرباني، وليحبهم ويحترمهم، فالمرء مع من أحب.
رحم الله ساداتِ أهل البيت الكرام، ورضي عنهم، ورضي الله عن أمهات المؤمنين، وأصحاب خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم صلِّ على محمد وآل بيته وأزواجه وذريته، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمد وآل بيته وأزوجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم إنا نشهدك أننا نحب نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وأصحابه الكرام، اللهم فاجمعنا بهم في دار كرامتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم نوِّر على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم، اللهم تب على التائبين، واغفر ذنوب المذنبين، واشف مرضانا ومرض المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لجميع المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المسيح الدجال، وفتنة المحيا والممات.
عباد الله! اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


__________________

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 2010-09-12, 04:43 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي



الهدية رقم " 56" لكل شيعي .





أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة

حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه










الحمد لله الذي أعز دينه فولَّى الكفرُ وغُلب، ونصر المسلمين بأمثال حمزةَ بنِ عبد المطلب، فاندحر بذلك الأعداء، وأكرم الله حمزة بالشهادة فكان سيد الشهداء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن مما يُحزن أن بعض المسلمين اليوم يعرفون عن أبطال النصارى أكثر مما يعرفونه عن شهدائهم، الذين شادوا بدمائهم الأمة الإسلامية، ورفعوا على أجسادهم قوائمها، ولتصحيح هذا الخلل، وإبطال هذا الدغل؛ نعيش هذه الخطبة مع سيد الشهداء، وأسد الله تعالى وأسد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.. الإمام البطل الضِرْغَام، عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخيه من الرضاعة حمزة بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه.
هذا الرجل الشجاع يجيد فن قطع رءوس الوثنية، إذا ضرب بالسيف هزه هزاً، وأحرز به مجداً وعزّاً.. حضر بدراً، وقُتل غدراً.
اسمع كيف أسلم هذا الجبل..
قال محمد بن كعب القُرَظِي: قال أبو جهل في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبلغ ذلك حمزة، فدخل مغضباً، فضرب رأس أبي جهل بالقوس ضربة أوجعته، وأسلم حمزة، ففرح به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون، وكان ذلك في السنة السادسة من البعثة، بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم.
أخي المسلم! إن هذا القرآن ينزل على الكائنات فتخشع وتسجد، ولقد سجد حمزة وآمن وصاح: أشهد أنك صادق شهادة الصدق، فأظهر يا ابن أخي دينك، فوالله ما أحب أن لي ما أظلته السماء وأنا على ديني الأول.
بِسيفِكَ يعلو الحقُّ والله أكبرُ ويُـذبَحُ عِجْلُ البَغيِ والزُّور يُنحرُ
إن من أهم الصفات وأجل الخصال التي تبرز صدق الصادقين من كذب الكاذبين، وتكشف ثبات المخلصين وتميزها من المنافقين، ومعسول كلام المخادعين والمرائين.. من أهم تلك الصفات وأجلها: تنفيذ الأوامر الربانية، بالانطلاق في ساحات الجهاد، وميادين النزال، عندما يُبتلى المؤمنون ويزلزلون زلزالاً شديداً، وتبلغ قلوبهم الحناجر.
وهذا التطبيق العملي بنصرة دين الله تعالى، وبذل النفس رخيصةً في سبيله، هي الصفة التي كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي سمة الصحابي الجليل، والمجاهد الكبير، أبي عمار حمزة أسد الله تعالى وأسد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنه وأرضاه.
أما أهم حدث في تاريخ هذا الجبل الكبير، والمقاتل الصنديد، فهي معركة أحد، التي وقعت أحداثها في السنة الثالثة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
حيث خرجت قريش بحدِّها وحديدها، وجَدها وأحابيشها، ومن تابعها من بني كِنانة وأهل تهامة، وخرجت معهم عدد من النساء تحرض على القتال، وتحذر من الفِرار.
فخرج المسلمون إلى جهاد الكافرين يرجون إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، ويتقدم حمزة شهيد الإسلام وبطله تَقَدُّمَ الأبطال، ويسل سيفه مدافعاً عن دين الله جل وعلا.. يحلف بالله الذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليصمدنّ أمام الكافرين، وفعل رضي الله عنه ما يقول، فقاتل قتال المخلصين المجاهدين.
كان رضي الله عنه ورحمه يهُدّ الناس بسيفه مثل الجملِ الأَوْرَق، وفي أثناء المعركة مر به أرطأةُ بن شُرَحْبيل حامل لواء الكفر فقتله، ومر به سِباع بن عبدِ العزَّى الغَبَشاني فقتله.
وهكذا صدق حمزة مع ربه، فصدَّقه وأكرمه بالشهادة في سبيله، وتحت راية دينه، فأَنْعِم بها من مكرمة! وأَكْرِمْ بها من منزلة! خاصة إذا علمنا عظم البلاء الذي حل به بعد قتله، عندما التُمِس ببطن الوادي قد بُقر بطنُه، وقطع كبده، ومُثِّل به، وجُدِع أنفه وأذناه.
فحزن عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حزناً عميقاً، وزاد حزنه حين رأى ما مثل به المشركون، حتى إنه حلف صلى الله عليه وآله وسلم لئن ظفر بهم ليمثلن بثلاثين، ثم أمره الله بالصبر فامتثل أمره وكفر عن يمينه.
وهكذا مضى سيد الشهداء حمزة الشهيد إلى ربه راضياً مرضياً بإذن الله، وسار إلى الدار الآخرة، بعدما سطر بدمه الطاهر تاريخاً حافلاً بالتضحيات، مليئاً بالبطولات، وليكفه شرفاً وفخراً ما أخرجه الإمام أحمد في المسند بسند قوي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعاً: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).
وكذا ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حمزة وقد جُدِّع ومُثِّلَ به، فقال: (لولا جزع النساء لتركته حتى يحشره الله من حواصل الطير وبطون السباع).
وكُفِّن رضي الله عنه في نمرة، إذا خُمِّر رأسُه بدت رجلاه، وإذا خُمرِّت رجلاه بدا رأسه، وقام دعاة الإسلام يرثونه ويذكرون المصيبة التي أصابت المسلمين بفقدهم هذا المجاهد الباسل، والبطل المِغوار، ومن أولئك ابن رواحةَ حيثُ يقول:
بَكَتْ عَيني وحُقَّ لَها بُكاها عَلَى وَمَا يُغنِي البُكَاءُ ولا العَويلُ هُناك
أَسَدِ الإلهِ غَداةَ قَالوا عَليكَ سلامُ ربِّك في جِنانٍ وقدْ أُصيبَ بِه الرسولُ مُخالطُها نَعيمٌ لا يَزولُ
وَرَثَتْهُ أخته صفية قائلة:
دَعاه إلهُ الحقِّ ذو العَرشِ دَعوةً إلى جنَّةٍ يَحيَا بها وسُرورِ لِحمزةَ
فذلكَ ما كُنَّا نُرجِّي ونرتَجي يومَ الحشرِ خَيرُ مصيرِ
هذا هو حمزة بن عبد المطلب، الذي حطم جماجم صناديد قريش، فهو طراز آخر، وقصة أخرى، وشيء ثانٍ.. إذا تكلم فهي الكلمة الثائرة، وإذا ضرب فهي الضربة القاتلة القاضية، هذا من جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وباع نفسه لله تعالى، حتى قتل شهيداً، ثم لا يجد المسلمون عند موته غيرَ ثوبٍ قصير لا يكفي كفناً له، فرضي الله عنه وأرضاه، وجعل أعالي الفردوسِ مثواه، وجمعنا به في دار كرامته، ومستقرِّ رحمته.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله! واعلموا -رحمكم الله- أن الجنةَ غاليةٌ نفيسة، حريٌّ بالمسلم أن يسعى لها سعياً حثيثاً، وأن يقدم الغالي والنفيس في سبيل الحصول عليها، وتلك هي الأمنيةُ العظمى، والمطلب الغالي، الذي من فاته فقد حُرِمَ الخيرَ كله، ومن فاز به فنعمَ الفوز، ونعم الجوارُ جوارَ ربِّ العالمين سبحانه وتعالى.
عباد الله! هذه سيرةٌ من سير سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم، سيرةُ بطلٍ مجاهد، ولنا مع سيرة هذا الصحابي المجاهد وقفاتٌ وعظات:
أولها: أن المؤمن لابد أن يظهر محبته للدين والشريعة؛ بالدفاع عنها، وبذلِ نفسهِ رخيصةً في سبيل الله تعالى، ونصرة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعا داعي الجهاد، واستُنفر المسلمون، كما فعل حمزة، وكما فعل أبو دُجَانة يوم خرج للجهاد في غزوة أحد، وأخرج معه عصابةَ الموت، ومثل الشهيد أنسِ بن النَّضْر رضي الله عنه الذي كان يقول: (إني لأجد ريح الجنة دون أحد)، فقاتل حتى قتل.. تلك هي حالُ الصادقين المخلصين، أما المنافقون فدجالون وكذابون، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.
وثاني هذه الدروس والعبر: بيان أهمية الصبر في الإسلام، وأن شأنه عظيم، وهذا نعلمه من موقف صفيةَ أخت حمزة، فإنها لما علمت بمقتل حمزة لم تَجزعْ ولم تَسخطْ، وإنما قالت: (لَأحتسبنَّ وَلأصبرنَّ إن شاء الله).
وهذا ما يجب أن يتصف به المسلم عند المصائب والأزمات التي تنزل به وبأهله.
ثالث هذه العبر: أن نصدِّق تصديقاً جازماً أن ما قاله الأنبياء حق، وأن رؤياهم حق، وأنها واقعةٌ كما وقع لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك أخرج الإمام البخاري في صحيحه في كتاب تعبير الرؤيا: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح).
وأخيراً: نذكر في بيان حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعضهم لبعض، ما أورده الذهبي في سير أَعلام النبلاء في ذكر سيرة حمزةَ رضي الله عنه، قال: عن يونس بن بُكَير، عن هشام بن عُروة، عن أبيه قال: (جاءت صفيةُ يوم أحد ومعها ثوبان لحمزة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كره أن ترى حمزةَ على حاله، فبعث إليها الزبير يجنبها، وأخذ الثوبين، وكان إلى جنب حمزة قتيلٌ من الأنصار، فكرهوا أن يتخيروا لحمزةَ أحد الثوبين، فقال الزبير: اسهموا بينهما، فأيهما صار له أحد الثوبين فهو له، فأسهموا بينهما، فكفِّن حمزةُ في ثوب والأنصاري في ثوب).
أخي المسلم! علك تنظر إلى هذه الرحمة والرأفة، التي هي أعظم صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فاللهم يا رحمن يا رحيم، ارزقنا التخلق بأخلاق السابقين المؤمنين، وأفرح قلوبنا بالشهادة في سبيلك، تحت راية الإسلام وشريعته صادقين مخلصين، مقبلين غير مدبرين.
أيها المسلمون! صلوا وسلموا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في قوله عز من قائل: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى عليَّ صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشراً)، رواه مسلم.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله، صلاةً وسلاماً دائمين إلى يوم الدين، وارض اللهم عن أصحاب نبيك أجمعين، وآل بيته يا رب العالمين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأهلك الكفرة الملحدين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحانَ ربِّك ربِّ العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.



__________________

رد مع اقتباس
  #71  
قديم 2010-09-12, 04:43 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي


الهدية رقم " 57" لكل شيعي .





أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة




الإمام الباقر وابنه جعفر الصادق رضي الله عنهما

الحمد لله الذي جعل النظر في أخبار من غَبَرَ من أعظم العِبر، والصلاةُ والسلامُ على صفوةِ الصفوةِ مِن البَشر، وعلى آله الأطهار كما صح بذلك الخبر، وعلى أصحابه الذين أرغم الله بفضائلهم وفواضلهم أنوف من كفر.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعــــد:
فيقول الله تعالى: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)) [يوسف:111].
أيها المسلمون! ما قرأتُ ولا سمعتُ بسيرة العِترة النبوية، من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير البرية، إلا استروحْتُ لها شَذاً وعِطراً، ونَزَاهَةً عن كل قولٍ مهين، وعن كل فعل مشين.. كيف لا وقد طهرهم الله تطهيراً!
قال تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33].
ومن شَجرة آل البيت الباسِقة الأغصان، الوارِفَة الظِلال، نُسَلِّط الضوء في هذه الخطبة -إن شاء الله- على غُصنين من أغصانها، شَذا عِطرهما يفوح، ونور عِلمهما يغدو ويروح.. هما: أبو عبد الله جعفر الصادق، وأبوه أبو جعفر محمد الباقر، ابن شامةِ الزاهدين زينِ العابدين علي بن سبطِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته، وأشبه الناس به، سيدِ شبابِ أهل الجنة، أبي عبد الله الحسينِ بنِ أمير المؤمنين، الإمام المبجل، والخليفة الرابع المعظَّم، علي بن أبي طالب، وابنِ الزهراء البتول بنت النبي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

نَسبٌ كأنَّ عليهِ من بدرِ الدُّجىَ نُوراً ومِن فلقِ الصَّباح ضِياءَ
فدونكم هذه الشذرات الفوَّاحة، فأرْعُوني قلوبكم قبل أسماعكم؛ لأنكم أمام إمامين جليلين، ليس لهم مكان من القلب إلا في سُويدائه، ولا من الفؤاد إلا في أحشائِه، كسائر أهل البيت الفُحُول، والصحابة العدول.
أما الأول: فهو الإمام الباقر، من كبار علماء التابعين، كان إماماً مجتهداً، تالياً لكتاب الله، كبير الشأن، جليل القدر، عظيم المنزلة، اتفق الحفاظ على الاحتجاج به، وعده المحدثون من فقهاء التابعين العظام، وأئمتهم الكرام.
وقد بلغ من العلم درجةً عاليةً سامية، حتى إن كثيراً من العلماء كانوا يرون في أنفسهم فضلاً وتحصيلاً، فإذا جلسوا إليه أحسُّوا أنهم عِيالٌ عليه، وتلاميذٌ بين يديه، ولذلك لُقِّب بالباقر: من بَقَر العلم أي شَقَّه، واستخرج خفاياه، وقد كان إلى جانب علمه من العاملين بعلمهم؛ فكان عفَّ اللسان، طاهرَ الجنان، وقد سأله مرة سالم بن أبي حفصة -وكان معه ابنه جعفر الصادق- عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: «يا سالم! أحْبِبْهما وابْرأ إلى الله من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى».
وروى إسحاقٌ الأزرق، عن بسَّام الصَيرفي قال: سألت أبا جعفر محمداً الباقر عن أبي بكر وعمر، فقال: «والله إني لأتولاهما وأستغفرُ لهما، وما أدركتُ أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما». وهذا قول ساطِع، يكشف عن إيمان عميق لهذا الإمام العالم العامل.
كما كان رضي الله عنه زاهداً عابداً كسائر أهل البيت والصحابة الكرام من الرَّعيلِ الأول، الذين كانت العبادة والزهد أهم السِّمات وأبرز الصفات التي تظهر فيهم بجلاء، وتبدو للناظرين في سيرتهم، فقد كان وِرْدُ الإمام الباقر رضي الله عنه في الليل والنهار مائةً وخمسين ركعة.. لم يركن إلى نسبه، ولا خَلَدَ إلى حَسبِه، بل شمَّر واجتهد، وتعبَّد وزهِد.
وكان يقول: «هل الدنيا إلا مركبٌ ركبتُه، وثوبٌ لبسته».
وقال يوماً لجلسائه: «أجْمعَ بنو فاطمة أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون القول».
وقد تزوج من ذرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، تزوج بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وقال وهو يعاني سكرات الموت رحمه الله: «اللهم إني أتولى أبا بكر وعمر، اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم».
وسئل مرَّةً عن حِلية السيف من الذهب، فقال: «نعم. كان الصديق رضي الله عنه يحلي سيفه، فقال السائل: أتقول الصديق؟! قال: نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق، من لم يقل الصديق فلا صدَّق الله له قولاً في الدنيا ولا في الآخرة».
أيها المؤمنون عباد الله!
ولقد كان الإمام أبو جعفر الباقر رضي الله عنه في غاية التواضع، مع علو شأنه، ورفعة مكانه، وكان يحتقِر المتكبرين، ويقول: «ما دخل قلب امرئٍ شيءٌ من الكبر إلا نَقص عَقْلُه مقدار ذلك».
كما كان الإمام الباقر -رفع الله درجته، وأعلى مكانته- آيةً في الصبر، وقدوةً في الرضى بما قدره الله وقضى. فلقد مرض ولد له يوماً، فجزع عليه وهو مريض، فلما توفي الابن كفَّ عن الجزع وصبر، فلما سئل عن ذلك قال: «كنت في مرضه أدعو الله له، فلما توفي لم أخالفِ الله فيما أَحَبَّ، فصبرت ورضيت».
تلكم بعض المكارم النبوية، والأخلاق المصْطَفَوِيَّة، والشمائل المحُمدِية، التي ورثها الإمام الباقر عن جده المصطفى النبي المرتضى صلى الله عليه وآله وسلم.
وما زال بها متحلياً، وإليها داعياً، حتى وَدَّع الدنيا، ولكن بعد أن صَبَغ بهذه الصفات الحميدة ابنه الإمام جعفر الصادق، فقد كان كأبيه بسنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم متأسياً، وبسيرة الصحابة الكرام مهتدياً، وبأخلاق آل البيت العظام متحلياً.
أيها المؤمنون! لقد ولد الإمام الصادق سنةَ ثمانين، ورأى بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
كان من أجل علماء المدينة، وقد بلغ من العلم ذروته، ومن الفهم أعلى شأوته؛ ولذلك حدث عنه الأئمة النجباء، ووثقه فحول العلماء.
وسئل أبو حنيفة رضي الله عنه وهو الفقيه المشهور، الذي قيل فيه: الناس في الفقه عِيالٌ على أبي حنيفة. سئل: من أفقه من رأيتَ؟ فقال: «ما رأيتُ أحداً أفقهَ من جعفر بن محمد، هيَّأْتُ له أربعين مسألةً من الصِّعَابِ، ثم أتيت أبا جعفرٍ وجعفرٌ جالسٌ عن يمينه، فلما أبصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلمت وأذن لي فجلستُ، ثم الْتَفَتَ إلى جعفر فقال: يا أبا عبد الله! أتعرف هذا؟ قال: نعم، هذا أبو حنيفة، ثم قال: يا أبا حنيفة! هاتِ من مسائلك نسأل أبا عبد الله، فابتدأت أسأله، فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا. فربما تابعنا، وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخْرِم منها مسألة، ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟!».
يا له من وسامٍ عالٍ كبير، من فقيهٍ متبحرٍ نحرير!
وقد كان الإمام جعفر الصادق عليه هيبةُ العلماء، وسِمةُ سُلالة الأنبياء، حتى هابه إمام الفقهاء، أعني أبا حنيفة النعمان.
وقال عمرو بن أبي المقدام: «كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد عَلِمت أنه من سُلالة النبيين».
وقد كان الإمام الصادق يغضَب من الرافضة، ويَمْقُتُهم إذا علم أنهم يتعرضون لجدِّه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقد كانت أم الصادق هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان الإمام الصادق يقول: «ولدني أبو بكر الصديق مرتين»، فجدُّه لأبيه علي بن أبي طالب، وجده لأمه أبو بكر الصديق رضي الله عنهما، وهو نسب لم يجتمع لأحد غيره. وقد كان يحب جده أبا بكر، ولما قال له زُهير بن معاوية: إن لي جاراً يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر، قال الإمام الصادق: «برئ الله من جارك، والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر، ولقد اشتكيتُ شِكايةً فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم».
ألا فَشَاهت وجوهُ الرافضة الذين يفترون الكذب عليه، وينسبون الإفك إليه! وما كان له إلا أن يمتثل قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) [الحشر:10].
بل إنه قال لسالم بن أبي حفصة: «يا سالم! أيسُبُ الرجل جدَّه؟! أبو بكر جدِّي، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما»، وقال: «برئ الله ممن تبرَّأ من أبي بكر عمر رضي الله عنهما». قال الذهبي: «وهذا القول متواتر عن جعفر الصادق، وأشهد بالله إنه لبارٌّ في قوله، غَير منافقٍ لأحد، فقبَّح الله الرافضة!».
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله مُجزِلِ العطاءِ لمن أطاعه ورجاه، شديدِ العقابِ لمن تمرد عن طاعته واتبع شيطانَه وهواه، نحمده على عظيم كرمه وجزيلِ عطاه، ونشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وسلم. وبعد:
فمع ما كان عليه الإمام جعفر الصادق من العلمِ الغزير، والفقه الكثير، والفَهمِ الكبير؛ إلا أنه كان في غاية التواضع، ممتثلاً قوله تعالى: ((وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)) [الإسراء]، وهذه عادة العلماء، وسجية النجباء، ووصية الأنبياء والحكماء.

مَلْأَى السنابلِ تَنْحنِي بتواضُعٍ والفارغَاتُ رُءوسُهنَّ شَوَامخُ
عن أيوبَ قال: سمعت جعفراً يقول: «إنَّا والله لا نعلم كل ما يسألوننا عنه، ولَغَيْرُنا أعلمُ منا». ولذلك ارتفعَ قدرُه، وعَظُمَ أمرُه، وانتشر في الأرض خبرُه، وكما قال جده صلى الله عليه وآله وسلم: (ما تواضعَ أحدٌ لله إلا رفعه).
وقد كان رضي الله عنه كريمَ البذل، سخيَّ العطاء، كثيرَ الإنفاق، واسعَ الجود، روى يحيى بن أبي بُكَيْر، عن هيَّاجِ بن بِسطام، قال: «كان جعفر بن محمد يُطْعِمُ حتى لا يَبْقَى لِعياله شيء».

وَلَو لَم يجدْ من مالِهِ غيرَ نفسِه لَجادَ بها فليتَّقِ اللهَ سائِلُه
((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)) [الإنسان].
عباد الله! وما كان للزهد والتقشف أن يخطئ سليل الزهاد، وحفيد العباد، قال سفيان الثوري: «دخلت على جعفر بن محمد وعليه جُبَّةُ خَزٍ، وكساء خَزٍ أَيْدَجَانيٌ، فجعلت أنظر إليه متعجباً، فقال: مالك يا ثوري؟ قلت: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! ليس هذا من لباسك، ولا لباس آبائك، فقال: كان ذلك زماناً مقتراً، وكانوا يعملون على قدر إقتاره، وهذا زمان قد أسبل كل شيء فيه، ثم حَسر عن جُبَّتِه فإذا فيها جُبَّة صوفٍ بيضاء يَقْصُر الذيلُ عن الذيلِ، فقال: لبسنا هذا لله، وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه».
ومن كلامه رضي الله عنه: «إذا بلغك عن أخيك ما يسوؤك فلا تغتم، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبةً عُجِّلت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنةً لم تعملها».
وحقاً! لقد كان صافيَ النفس، واسعَ الأفق، مُرهفَ الحس، مُتوقدَ الذِّهن، كبيرَ القلب.. يَلتمس في غضبه الأعذار للآخرين.. حادَّ البصيرة، ضاحكَ السن، مُضيءَ القسمات، عَذْبَ الحديث، سبَّاقاً إلى الخير، براً طاهراً، وكان صادقَ الوعدِ تقياً.
ومن وصيته رضي الله عنه لابنه موسى: «يا بُني! اقبل وصيتي، واحفظ مقالتي، فإنك إن حفظتَها تعشْ سعيداً، وتَمتْ حميداً. يا بُني! من رضيَ بما قُسم له استغنى، ومن مدَّ عينه إلى ما في يد غيره مات فقيراً، ومن لم يرضَ بما قسمه الله له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلةَ نفسه استعظم زلةَ غيره، ومن استصغر زلةَ غيره استعظم زلةَ نفسه. يا بُني! من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن سلَّ سيف البغي قُتل به، ومن احتفرَ لأخيه بئراً سقط فيها، ومن داخل السفهاء حُقِّر، ومن خالط العلماء وُقِّر، ومن دخل مداخل السوء اتُّهم. يا بُني! إياك أن تُزْرِي بالرجال فَيُزْرى بك، وإياك والدخولَ فيما لا يعنيك فتذلَّ لذلك. يا بني! قل الحق لك أو عليك تُستشأن من بين أقرانك. يا بني! كن لكتاب الله تالياً، وللإسلام فاشياً، وبالمعروف آمراً، وعن المنكر ناهياً، ولمن قطعك واصلاً، ولمن سكت عنك مبتدئاً، ولمن سألك معطياً، وإياك والنميمة! فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال، وإياك والتعرضَ لعيوب الناس! فمنزلة التعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف. يا بني! إذا طلبتَ الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادن، وللمعادنِ أصولاً، وللأصولِ فروعاً، وللفروعِ ثمراً، ولا يطيب ثمر إلا بأصول، ولا أصلٌ ثابت إلا بمعدن طيب. با بني! إن زرت فزر الأخيار، ولا تزر الفجار، فإنهم صخرة لا يتفجَّر ماؤها، وشجرة لا يخضرُّ ورقها، وأرض لا يظهر عشبها. قال علي بن موسى: فما ترك هذه الوصية إلى أن توفي».
فدونَكم هذه الوصيةَ الجامعةَ لأصول الفضائل، القاطعةَ لجذورِ الرذائل، من إمامٍ خبير، وعالمٍ نحرير، وزاهدٍ عابدٍ كبير.
وكان رحمه الله قويَّ الصلةِ بالله، عظيمَ الثقة بمولاه، دائمَ الدعاء والمناجاة، ومن دعائه الذي يحلو لنا أن نختم به خطبتنا قولُه: «اللهمَّ احْرُسني بعينك التي لا تنام، واكنُفْني بركنك الذي لا يُرام، واحفظْني بقدرتِك عليّ، ولا تُهلكني وأنت رجائي، ربِّ كم من نعمة أنعمتَ بها عليّ قَلَّ لك عندها شكري! وكم من بليةٍ ابتليتني بها قَلَّ لك عندها صبري! فيا من قَلَّ عند نعمته شُكري فلم يحرِمني! ويا من قَلَّ عند بليته صبري فلم يَخذُلني! ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني! ويا ذا النعمِ التي لا تُحصى أبداً! ويا ذا المعروفِ الذي لا ينقطع أبداً! أَعِنِّي على ديني بدنيا، وعلى آخرتي بتقوى، واحفظني فيما غبتُ عنه، ولا تكِلني إلى نفسي فيما خطرت.
يا من لا تضرُّه الذنوب! ولا تُنقِصُه المغفرة! اغفر لي ما لا يضرك، وأَعطِني ما لا يُنقِصُك، يا وهاب! أسألك فرجاً قريباً، وصبراً جميلاً، والعافيةَ من جميع البلايا، وشكرَ العافية».. آمين اللهم آمين.
هذه نفحاتٌ من شَذا عِطرِ هذا الإمامِ الناطق، ذي الزمامِ السابق، أبي عبد الله جعفرِ الصادق، الذي أقبل على العبادةِ والخضوع، وآثر العزلةَ والخشوع، ونهى عن الرئاسة والجموع، فرحمه الله ورضيَ عنه وعن أبيه الباقر، وسائر آل البيتِ الكرام، والصحابةِ العظام، ومن سار على نهجهم من كل عامِّيٍ وإمام.
عباد الله! قال الله تعالى ولم يزل قائلاً حكيماً: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب].
اللهم فصلِّ وسلم وزد وبارك وتحنن وترحم على إمام الحنفاء، وسيد الأنبياء، وقدوة الأتقياء، وأصفى الأصفياء، محمد المصطفى، وآله وصحبه بدور الدجى.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها.
اللهم يسر أمورنا، واشرح صدورنا، ونور قلوبنا وعقولنا، وعاف أبداننا، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، واستر عيوبنا، وحسن أخلاقنا، وطهر قلوبنا.
اللهم انصرِ الإسلام وأعز المسلمين، واخذُلِ الكفرة والمشركين، بقوتك يا قوي يا متين.
والحمد لله رب العالمين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.




__________________

رد مع اقتباس
  #72  
قديم 2010-09-12, 04:44 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي

الهدية رقم " 58" لكل شيعي .



أقوال السلف الصالح وعلماء أهل السنة في آل البيت



تواتر النقل عن أئمة السلف وأهل العلم جيلاً بعد جيل، على اختلاف أزمانهم وبلدانهم بوجوب محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإكرامهم والعناية بهم، وحفظ وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم، ونصّوا على ذلك في أصولهم المعتمدة، ولعلّ كثرة المصنفات التي ألفها أهل السنة في فضائلهم ومناقبهم أكبر دليل على ذلك.
وإليك طائفة من أقوالهم في ذلك:
قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه :
روى الشيخان في صحيحيهما عنه رضي الله عنه أنه قال: ( والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحبُ إليّ أن أصل من قرابتي).
قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
روى ابن سعد في الطبقات 4/22 عن عمر بن الخطاب أنه قال للعباس رضي الله عنهما: ( والله ! لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب -يعني والده - لو أسلم، لأنّ إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إسلام الخطاب ).
قول زيد بن ثابت رضي الله عنه :
عن الشعبي قال: ( صلى زيد بن ثابت رضي الله عنه على جنازة، ثم قُرّبت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما فأخذ بركابه، فقال زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: هكذا نفعل بالعلماء والكبراء.
قال ابن عبد البر: ( وزاد بعضهم في هذا الحديث: أنّ زيد بن ثابت كافأ ابن عباس على أخذه بركابه أن قبّل يده وقال: (هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم )، قال: وهذه الزيادة من أهل العلم من ينكرها.
قول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه :
أورد الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: أنّ الحسن بن علي دخل عليه في مجلسه، فقال له معاوية: مرحباً وأهلاً بابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر له بثلاثمائة ألف.
وأورد أيضاً أنّ الحسن والحسين رضي الله عنهما وفدا على معاوية رضي الله عنه فأجازهما بمائتي ألف، وقال لهما: ما أجاز بهما أحدٌ قبلي، فقال الحسين: ولم تعط أحداً أفضل منا.
قول ابن عباس رضي الله عنهما :
قال رزين بن عبيد: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فأتى زين العابدين علي بن الحسين، فقال له ابن عباس: (مرحباً بالحبيب ابن الحبيب).
أقوال علماء أهل السنة
- قول أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي:
قال رحمه الله في عقيدته المشهورة (العقيدة الطحاوية): ( ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا نُفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونُبغض من يُبغضهم، وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير).
وقال أيضاً: ( ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدّسين من كل رجس، فقد برئ من النفاق).
- قول الإمام الحسن بن علي البربهاري :
قال في (شرح السنة): (واعرف لبني هاشم فضلهم، لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتعرف فضل قريش والعرب، وجميع الأفخاذ، فاعرف قدرهم وحقوقهم في الإسلام، ومولى القوم منهم، وتعرف لسائر الناس حقهم في الإسلام، واعرف فضل الأنصار ووصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم، وآل الرسول فلا تنساهم، واعرف فضلهم وكراماتهم).
- قول أبي بكر محمد بن الحسين الآجري:
قال في كتاب (الشريعة): (واجبٌ على كل مؤمن ومؤمنة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بنو هاشم: علي بن أبي طالب وولده وذريته، وفاطمة وولدها وذريتها، والحسن والحسين وأولادهما وذريتهما، وجعفر الطيار وولده وذريته، وحمزة وولده، والعباس وولده وذريته رضي الله عنهم، هؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واجب على المسلمين محبتهم وإكرامهم واحتمالهم وحسن مداراتهم والصبر عليهم والدعاء لهم).
- قول الإمام عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني:
قال رحمه الله في النونية:
(واحفظ لأهل البيت واجب حقهم واعرف علياً أيما عرفان
لا تنتقصه ولا تزد في قدره فعليه تصلى النار طائفتان
إحداهما لا ترتضيه خليفة وتنصه الأخرى إلهاً ثاني)
- قول الموفق ابن قدامة المقدسي :
قال في لمعة الاعتقاد: (ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرءات من كل سوء، أفضلهم خديجة بنت خويلد، وعائشة الصدّيقة بنت الصدّيق التي برأها الله في كتابه، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فهو كافر بالله العظيم).
- أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية :
قال في العقيدة الواسطية: ( ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال يوم غدير خم: أُذكّركم الله في أهل بيتي، وقال للعباس عمه وقد اشتكى إليه أنّ بعض قريش يجفو بني هاشم فقال: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) وقال: (إنّ الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).
وقال رحمه الله : ( ولا ريب أنّ لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم حقاً على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش، كما أنّ قريشاً يستحقون المحبة والموالاة ما لا يستحقه غير قريش من القبائل).
- قول الحافظ ابن كثير :
قال في التفسير: ( ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وُجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً، ولا سيما إذا كانوا متّبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعلي وأهل ذريته رضي الله عنهم أجمعين).
- قول محمد بن إبراهيم الوزير اليماني :
(وقد دلت النصوص الجمة المتواترة على وجوب محبتهم وموالاتهم، وأن يكون معهم، ففي الصحيح: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)، وفيه (المرء مع من أحب)، ومما يخص أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول الله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}، فيجب لذلك حبهم وتعظيمهم وتوقيرهم واحترامهم والاعتراف بمناقبهم، فإنهم أهل آيات المباهلة والمودة والتطهير، وأهل المناقب الجمّة والفضل الشهير ).
- قول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي:
قال في كتابه التنبيهات اللطيفة ( فمحبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجبة من وجوه، منها:
أولاً: لإسلامهم وفضلهم وسوابقهم.
ومنها: لما يتميّزوا به من قرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتصالهم بنسبه.
ومنها: لما حثّ عليه ورغّب فيه).
- قول الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي :
قال رحمه الله في (سلم الوصول):
(وأهل بيت المصطفى الأطهار وتابعيه السادة الأخيار
فكلهم في مُحكم القرآن أثنى عليهم خالق الأكوان).
- قول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
قال في شرح العقيدة الواسطية: (ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحبونهم للإيمان، وللقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكرهونهم أبداً).
من أقوال عُلماء السُنة في فضل آل البيت-عليهم السلام..
1-من نونية أبي محمد عبد الله بن محمد السلفي-رحمه الله-:
حبُ الصحابة والقرابةِ سُنَّةٌ .... ألقى بها ربي إذا أحياني
يقول ناقل هذا البيت السلفي:
وهذا بخلاف النواصب-هداهم الله للحق-الذين نصبوا آل البيت عليهم السلام العداء..
أو الرافضة-هداهم الله للحق-الذين نصبوا الصحابة رضوان الله عليهم العداء.
أهل السنة يعتقدون كما بُين بأن حب آل البيت والصحابة فرض،لا يستقيم إسلام أحد إلا بحبهم،ورفض من رفضهم من الناصبة والرافضة ومن حام حولهم..
وهذا قول السنة بخلاف إدعاءات الرافضة..
2- يُعلقُ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله على هذا الكلام بكلام طويل ختمه بقوله في التعليقات على العقيدة الواسطية:
"والذين ضلوا في أهل البيت طائفتان:
الأولى:الروافض حيث غلو فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم حتى ادعى بعضهم أن علياً إله.
الثانية:النواصب وهم الخوارج الذين نصبوا العداوة لآل البيت وآذوهم بالقول والفعل.
3- قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:
يا أهل بيت رسول الله حُبكم ..... فرضٌ من الله في القرآنِ أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم ..... من لم يصل عليكم لا صلاة له
4- يقول شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله تعالى في عقيدته الواسطية تحت باب "مكانة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة والجماعة":
"ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولَّونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: ((أذكّركُم الله في أهل بيتي)) وقال أيضاً للعباس عمه،وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال: ((والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي)) وقال: ((إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)) ".
5- يقول الشيخ صالح الفوزان-حفظه الله- في شرحه لكلام شيخ الإسلام السابق:
"بين الشيخ رحمه الله في هذا مكانة أهل البيت عند أهل السنة والجماعة وأنهم يُحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأهل البيت هم آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين حُرِّمتْ عليهم الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس وبنو الحارث بن عبدالمطلب وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته من أهل بيته كما قال تعالى: {إنما يُريد الله ليُذهِبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيت}.
فأهل السنة يحبونهم ويحترمونهم ويكرمونهم؛لأن ذلك من احترام النبي صلى الله عليه وسلم وإكرامه ولأن الله ورسوله أمر بذلك،قال تعالى: {قل لا أسألُكم عليه أجراً إلا المودَّة في القُرْبى}،وجاءت نصوص من السنة بذلك،منها ما ذكر الشيخ.
وذلك إذا كانوا متبعين للسنة مستقيمين على المِلّة،كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه،وعليٍّ وبنيه.أما من خالف السنة ولم يَستقِم على الدين فإنه لا تجوز محبته ولو كان من أهل البيت..........إلخ"
6- قال العلامة الفقيه عبدالرحمن بن ناصر السعدي-قدس الله روحه-:
"فمحبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجبة من وجوه:
منها أولاً:لإسلامهم وفضلهم وسوابقهم.
ومنها لما يتميزوا به من قرب النبي صلى الله عليه وسلم واتصالهم بنسبه.
ومنها لما حث عليه ورغب فيه.
ولما في ذلك من علامة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم..."
7- يقول الشيخ صالح الفوزان-حفظه الله- في وسطية أهلي السنة في آل البيت والصحابة بين الرافضة والنواصب:
"موقف أهل السنة والجماعة من الصحابة وأهل البيت،وأنه موقف الاعتدال والوسط بين الإفراط والتفريط والغلو والجفاء.
يتولون جميع المؤمنين لا سيما السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،والذين اتبعوهم بإحسان.
ويتولون أهل البيت،ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومنزلتهم،ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم.
ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يسبّون الصحابة ويطعنون فيهم،ويغلون في حق علي بن أبي طالب وأهل البيت.
ومن طريقة النواصب الذين ينصبون العداوة لأهل البيت ويكفرونهم ويطعنون فيهم".
8- قال العلامة السعدي-رحمه الله-:
"وأول من سمى الروافض بهذا اللقب زيد بن علي الذي خرج في أوائل دولة بني العباس وبايعه كثير من الشيعة،ولما ناظروه في أبي بكر وعمر وطلبوا منه أن يتبرأ منهما فأبى رحمه الله تفرقوا عنه،فقال:رفضتموني،فمن يومئذ قيل لهم: "الرافضة" وكانوا فرقاً كثيرة،منهم الغالية ومنهم من هم دون ذلك،وفرقهم معروفة.
وأما النواصب فهم الذين نصبوا العداوة والأذية لأهل بيت النبي صلى لله عليه وسلم وكان لهم وجود في صدر هذه الأمة لأسباب وأمور سياسية معروفة،ومن زمن طويل ليس هم وجود والحمد لله".
قلتُ:
ولا أعلم هل اختفوا النواصب-وإن كانوا قد خفت بريقهم سنين عديده- أم مازال لهم بقايا في عُمان وغيرها،ولو وثق صلة الخوارج بالنواصب لكان هذا أجدى والله أعلم.
هذه الكُتب بعض ما وقفت عليه وأذكُرُهُ الآن؛وإلى فإن كُتبَ أهلِ السُنةِ في هذا البابِ كثيرة،وأُخبرتُ بأن هُناك رسالة لدرجة الدكتوراه في الجامعة الإسلامية مخطُوطةٌ سهل الله نشرها كانت عن حق أهل البيت وذكر كثيراً من المصادر لأهل السُنةِ في هذا الموضوع الهام.
كما أن كُتبَ العقيدةِ ولابد تطرقت لحقوق أهل البيت.
وما يميز أهل السنة في هذا الباب وسطيتهم بين الرافضة والناصبة،فالرافضة غلو في حق أهل البيت إلى أن حدا ببعهم تنزيل بعض صفات الله عز وجل وصرف بعض حقوقه لآل البيت عليهم السلام... وبين الناصبية أو الناصبة الذين ناصبوا آل البيت العداء وأشهر الناصبة عدو آل البيت وعدو أهل السُنة الذي قتل علماء السنة الحجاج بن يوسف الثقفي عليه من الله ما يستحق.
وبعد عرض بعض الكُتب والأبواب سأقف بك أخي الحبيب مع أحدها، وهو هام جداً، لقاضي القطيف شيخنا السيد صالح بن عبد الله الدرويش نفع الله به."
قال أحد أعلام السُنة القاضي عياض-رحمه الله-: "سب آل بيته وأزواجه وأصحابه وتنقصهم حرام ملعون فاعله".
أفرد الإمام البخاري-رحمه الله-في صحيحه الكتاب الثاني والستون أبواباً لذكر فضائل ومناقب آل البيت،منها على سبيل المثال.
"باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبا الحسن رضي الله عنه"
"باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه".
"باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
باب منقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم".
"باب فضل عائشة رضي الله عنها".
هذا غيض من فيض في صحيح الإمام البخاري-رحمه الله-.
أما الإمام مسلم-رحمه الله- فقد أفرد في كتابه الصحيح في الجزء الخامس والعشرين منه في كتابه الرابع والأربعين أبواباً منها:
"فضائل الحسن والحُسين رضي الله عنهما".
"فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم".
"فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام".
"من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه".
"فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنه".
"فضائل عائشة رضي الله عنها" .
هذا غيض من فيض في ذِكرِ مناقب آل بيت النبي عليه السلام.
ومعلوم أن الكتابين السابقين هُما العُمدة عندنا مع القرآن في عقيدتنا ..
أما الإمام البزار-رحمه الله فقد ألف جُزءً مستقلاً سماه "فضائل أهل البيت".
وقد أفرد الإمام الترمذي-رحمه الله أبواباً في جامعِهِ في المناقب،أبواباً عديدة في ذِكرِ فضائل آل البيت عليهم السلام،منها:
"باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه،ولهُ كُنيَتان أبو تراب وأبو الحسن".
"باب قول الأنصار:كُنا نعرف المُنافقين ببغضهم علي بن أبي طالب".
وغيرها من الأبواب الكثيرة في ذِكرِ فضائل علي عليه السلام.
"باب مناقب أبي الفضل عُمُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو العباس بن عبدالمُطلب رضي الله عنه".
"باب مناقب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه".
"باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما".
"باب ((إن إبني هذا سيد)) " أي الحسن عليه السلام.
وأبواب عديدة في ذِكرِ فضائل سبطي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحُسين عليهما السلام.
"باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم".
باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها".
"باب فضل عائشة رضي الله عنها".
"باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم".
وغيرها من الأبواب..


عَقَدَ شيخ الإسلام الإمام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية-رحمه الله- في عقيدتِهِ الواسِطيةُ باباً سماهُ:

"مكانة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند أهلِ السُنةِ والجماعة".
وألف شيخ الإسلام الإمام أحمد بن تيمية -رحمه الله- كتاباً مُفرداً سمه:
"حقوق آل البيت بين السُنةِ والبدعة"
هذا ما أذكُرهُ الآن من أبوابٍ مُستقلة ألفها عُلماء السلف وإلى هي كثيرة جداً،منها ما ذُكر....
أما من عُلمائنا المُعاصرين فقد أُلف العديد من الكُتب في هذا،ما أُخبرتُ بهِ من مخطوطات لنيلِ الدرجات العالية في السلم التعليمي التي يسمونها شهادة الدكتوراه و الماجستير..
وممن وقفت من عُلمائنا المعاصرين في هذاالكثير،منه هذه الكُتب لعالمين جليلين،والكتاب هي:
كتابٌ ألفه سماحة العلامة المُدرسُ بالحرمِ المدني الشيخ عبدالمُحسن العباد-نفع الله بعلمه الإسلام والمُسليمن سماه:
"آل البيت عند الصحابة"
وألف كذلك سماحة العلامة الشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد كتاباً سماه: "فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السُنة والجماعة"
وألف قاضي القطيف سماحة السيد الشيخ صالح بن عبدالله الدرويش-نفع الله بعلمه الإسلام والمسلمين- كتاباً سماه:
"رُحماء بينهم ....التراحم بين آل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبقيةُ الصحابة رضي الله عنهم أجمعين".
وهذه كذلك من مؤلفات علماء السنة في أهل البيت عليهم السلام وفضلهم وحقوقهم:
- لقد عقد الإمام أبي بكر أحمد بن الحُسين بن علي بن موسى البيهقي-رحمه الله-في كتابه "الإعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد" باب (القول في أهل بيت رسول الله لى الله عليه وسلم وآله وأزواجه).
- وألف الإمام البيهقي كذلك كتااً أسمه "الفضائل" عقدَ فصولاً فيه في فضائل أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم.
- وألف الشيخ د.إبراهيم بن عامر الرحيلي-حفظه الله- المدرس بالحرم النبوي كتاباً في الدفاع عن الصحب وآل،اسمه (الانتصار للصحب والآل من ضلالات السماوي الضال).
- وعقد العلامة صالح بن فوزان الفوزان-حفظه الله-عضو هيئة كبار العلماء باباً في كتابه"التوحيد" (فضل أهل البيت وما يجب لهم من غير جفاء ولا غلو).
- وألف أسد السنة الشيخ عثمان الخميس-أيده الله- مؤلفاً سماه (آل البيت).
- وعقد إمام من أئمة أهل الحديث في هذا العصر العلامة مقبل بن هادي الوادعي السلفي في كتابه"تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب" فصلاً تحت مسمى (فضائل آل بيت النبوة).
وغيره من الكتب كثير وحسبنا الإشارة إلى اهتمام علماء المسلمين في باب آل البيت والصحابة على ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
للسخاوي رسالة قيمة في فضل أهل البيت..رضي الله عنهم أجمعين .
انتظروووونا في الهدية القادمة .


__________________

رد مع اقتباس
  #73  
قديم 2010-09-12, 04:52 PM
ناصر الأسلام ناصر الأسلام غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-02
المكان: السعوديه
المشاركات: 407
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو جهاد الأنصاري مشاهدة المشاركة
سددك الله ، نتابع باهتمام شديد ، أرجو من الإشراف تثبيت الموضوع.
بارك الله فيك ورفع الله قدرك
وأسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصه الوجه الكريم
__________________

رد مع اقتباس
  #74  
قديم 2010-09-12, 06:17 PM
أبو جهاد الأنصاري أبو جهاد الأنصاري غير متواجد حالياً
أنصارى مختص بعلوم السنة النبوية
 
تاريخ التسجيل: 2007-07-22
المكان: الإسلام وطنى والسنة سبيلى
المشاركات: 8,399
افتراضي

أقترح أن يتم رفع جميع ملفات الصور المصاحبة للموضوع على سيرفر المنتدى نفسه وتعديل مساراتها فى جميع المشاركات حتى لا نفقدها فى أى وقت.
__________________
قـلــت :
[LIST][*]
من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )).
[*]
ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )).
[*]
ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )).
[*]
ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ).
[/LIST]
رد مع اقتباس
  #76  
قديم 2010-10-02, 09:14 PM
الحق ان ننظر الدليل الحق ان ننظر الدليل غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-10-02
المشاركات: 9
افتراضي مخالفة ابناء الجماعه للسنه الشريفة

المنتدى غير مسؤول عن هذه السخريه ودس الكذب باحاديث مدلسه وكاذبه ومنسوبه من قبل الروافض الى احاديث اهل السنه والجماعه و انها تعبر عن شخصية صاحب الرد لانه سخصيته مسخره
رد مع اقتباس
  #77  
قديم 2010-10-02, 09:43 PM
درة مكنونة درة مكنونة غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-09-25
المكان: فـٍـٍـٍـي اي مكان يتواجد فيه الصمت...
المشاركات: 2,091
افتراضي

بااااارك الله في جهوود اااسود السنه

باذن الله لن نقف عند حد

اسأل الله الهدايه لعامه الشيعه المغرر بهم...
__________________
قال رب العزة والجلال:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }..





قال ابن عباس رضي الله عنهما:
(لا تمار حليماً ولا سفيهاً فإن الحليمَ يقليك والسفيهَ يؤذيك, واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به,وَأعْفِهِ مماتحب أن يعفيك منه,وعامل أخاك بما تحب أن يعاملك به....
قال تعالى (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)
رد مع اقتباس
  #78  
قديم 2010-10-03, 03:40 PM
الحق ان ننظر الدليل الحق ان ننظر الدليل غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-10-02
المشاركات: 9
افتراضي تثقسيف ابناء من هم عن الله مبعدون وعن القرآن غافلون

المنتدى غير مسؤول عن هذه السخريه لانها تعبر عن شخصية صاحب الرد لانه سخصيته مسخره


رد مع اقتباس
  #79  
قديم 2010-10-03, 03:43 PM
الحق ان ننظر الدليل الحق ان ننظر الدليل غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-10-02
المشاركات: 9
افتراضي

المنتدى غير مسؤول عن هذه السخريه لانها تعبر عن شخصية صاحب الرد لانه سخصيته مسخره
رد مع اقتباس
  #80  
قديم 2010-10-22, 03:41 PM
افلا يتدبرون القول افلا يتدبرون القول غير متواجد حالياً
عضو جديد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-10-13
المشاركات: 34
افتراضي

اتعلم يا هذا فقد تبين هنا من مسحك ورفعك للادلة التي تذعن لها النفوس السليمة عند قراءة ما عرض وهذا مما لا شك فيه لكونك مسحتها وكفى به دليلا على ذلك ؟؟!! كم هو رعبك وكم انت متخوف من كشف الحق للمسلمين وكم انتم ضعفاء في الهروب من كلمات الشيعه الحقة ومن حقيقة معتقداتهم السليمة فمحاولة اظهارها للمسلمين ومحاولة مسحها من قبلكم دليل واضح جدا على انكم هنا لغاية تزييف الحقائق واعطاء انطباع باطل للشيعه للناس لا ان تبينوا الحق لاهلة ؟!! فما هو سبب مسحك لادلة وكلمات اظهرها انسان يبين بها حقيقة معتقد انتم له منكرون فيثبته لكم ولكي يراه غيركم ؟؟!! سبحان الله

والا فما هو عذر من يتخوف ويرعب فقط من اظهار كلمات الحق فيمسحها هربا وعجزا بادلة لا تمتد لكل عاقل بصلة

والحمد لله

آخر تعديل بواسطة افلا يتدبرون القول ، 2010-10-22 الساعة 03:48 PM سبب آخر: تعديل الاخطاء اللغوية
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 link 
*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 يلا شوت 
 شركة تنظيف بالطائف   سحب مجاري   فني صحي   افضل شركة نقل اثاث بجدة   شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   نقل عفش الكويت   pdf help   كورة لايف   koora live   شركة تنظيف في دبي   شركة تنظيف في رأس الخيمة   شركة تنظيف في دبي 24 ساعة   كحل الاثمد   متاجر السعودية   مأذون شرعي   كحل الاثمد الاصلي   تمور المدينة   شركة عزل خزانات بجدة   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج 
شركة صيانة افران بالرياض  كود خصم   سطحة هيدروليك   سطحة بين المدن   سطحة غرب الرياض   سطحة شمال الرياض 
 yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   بث مباشر مباريات اليوم   Kora live   yalla shoot   ربح المال من الانترنت 
 translation office near me   كورة سيتي kooracity   مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر   شركة تنظيف منازل بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض 
 برنامج ادارة مطاعم فى السعودية   افضل برنامج كاشير سحابي   الفاتورة الإلكترونية فى السعودية   المنيو الالكترونى للمطاعم والكافيهات   افضل برنامج كاشير فى السعودية 
 شركة تنظيف مكيفات بجدة   عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   يلا شوت   يلا شوت   الحلوى العمانية 
 يلا لايف   يلا شوت 
 Yalla shoot   شركة حور كلين للتنظيف 
 تركيب ساندوتش بانل   تركيب مظلات حدائق 
 موقع الشعاع   بيت المعلومات   موقع فكرة   موقع شامل العرب   صقور الخليج   إنتظر 
 شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض   دكتور مخ وأعصاب 
 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة كشف تسربات المياه بالدمام   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
دليل السياح | تقنية تك | بروفيشنال برامج | موقع . كوم | شو ون شو | أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي | المشرق كلين | الضمان | Technology News | خدمات منزلية بالسعودية | فور رياض | الحياة لك | كوبون ملكي | اعرف دوت كوم | طبيبك | شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd