الاستواء : بين الجلوس و العلو ( 2)

[ايوب نصر]

كتب المقالة الاولى(1) قبل سنتين ، و بينت فيها ما كتب الله لي ان ابين ، و لم اكن اعرف ساعتها ، و انا اخط تلك المقالة حول هذه المسألة العقدية ، ان النقاش فيها سيطول ، و ان هناك من ينتمي للسلفية و يدافع عن منهجها في اتباع الدليل ، و الذهاب معه حيث ذهب و دوران معه حيث دار ، سينشئ مقالات ينتصر فيها لتفسر الاستواء بالجلوس القعود ، و يضرب لذلك الامثال ، و يعتبر ان " مسألة تفسير الاستواء بالجلوس مسألة اجتهادية مثل مسألة تكفير تارك الصلاة." .

و هذا من الضلال اوضح من ان يبين ، فاذا كان القول في الصفات يعتبر من المسائل الاجتهادية التي يسع فيها الخلاف ، فان كل مسائل الدين تقبل الاختلاف ، فمادم وسعنا الاختلاف في اعلى و اسمى ما يكون في الدين ، و هي صفات صاحب هذا الدين ، فانه يسعنا الخلاف فيما هو دونه .


و قد يقول قائل ، ان هناك اثر عن اسماء بنت عميس في المسالة ، و كذلك هناك اثر عن مجاهد ، نقول : ان القول في الصفات من الامور التوقيفية ، و لا يصح عدول فيها عن قول الله _ تبار و تعالى _ و قول رسوله _ صل الله عليه و سلم _ الى قول فلان و فلان ، مهما علا قدره و ارتفعت منزلته ، الا ان يسند قوله و يرفعه الى صاحب الشريعة .
و ساخصص ان شاء الله مقالة منفردة من هذه المقالات لمناقشة اثر اسماء و مجاهد _ رضي الله عنهما _ .

فقياس جواز الاختلاف في مسالة الاستواء على الاختلاف في مسالة تكفير تارك الصلاة ، قياس خاطئ ، لانه كما اسلفنا مسالة الاستواء ، و باقي مسائل الصفات ، هي مسأله غيبية توقيفية لا يسع فيها الاجتهاد ، و لو وسعنا الاختلاف فيها لوسعنا الاختلاف في جميع المسائل .

ثم ان تفسير الاستواء بالجلوس ، و ان قيل نفسره بذلك من غير تشبيه و لا تكييف ، فانه لازم هذا القول يقتضي ان الله غير بائن من خلقه ، و قيل ان : "هذا لا يلزم لغة ولا عقلا ولا شرعا ،فقد يجلس الشخص فوق السيارة على مقعد فوق سقفها ومع ذلك يقال جلس فوق السيارة أو على السيارة وهو منفصل عنها بفاصل " ، و كنت قد رايت الا اعرض لهذا المثل ، و ان اذهب للمطالبة بدليل نقلي على صحة تفسير الاستواء بالجلوس ، و لكن غيرت رايي لانه يتصل بمسألة مهمة و هي الحد
و اقول : المثال خاطئ و اذا اردتم ان يكون صحيحا فيجب ان تسوقوا المثال من غير ذكر للمقعد الذي فوق السيارة ، فيكون الشخص فوق السيارة و بائن عنها من غير ان يجلس على شيء متصل بها ، ثم تقولون عنه انه يجلس فوق السيارة ،فاذا صح ان تقولوا ذلك و صح معه وصفه بانه جالس على السيارة صح معه حينئذ المثال ، و الا فيلزمكم ان تنفوا الحد ، و اهل السنة متفقون على ان لله حدا ، فاذا نفيتم الحد وجب ان تثبتوا وجود شيء بين الله و عرشه او ان تقولوا ان الله غير بائن من عرشه .
و انت ترى يا صاحبي ان القول بالجلوس قول فاسد ، اذا قام من جهة سقط من اخرى ، و يكفي هذا دليلا على فساده .


**********
(1) https://www.ansarsunna.com/vb/showthread.php?t=88675

كتب : السبت 9 رجب 1440 (16/03/2019)