أنصار السنة  
جديد المواضيع



للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 Online quran classes for kids 
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك


العودة   أنصار السنة > الفرق الإسلامية > الشيعة والروافض

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
  #61  
قديم 2014-10-06, 03:47 PM
حسينية وروحي عراقية حسينية وروحي عراقية غير متواجد حالياً
عضو شيعى
 
تاريخ التسجيل: 2014-10-03
المشاركات: 63
افتراضي

اي اکيد صحيح انه ابو بکر رضي الله عنه من المهاجرين الاوليين وماکو اي شي غلط بهذا ...وبلمناسبةاني انتمي لعشائر الصحابةللرسول .ص. لاني من الخزرج اي الانصار..وماکو اي شيعي عنده اعتراض علي الصحابةوالمهاجرين
  #62  
قديم 2014-10-06, 04:03 PM
ابن الصديقة عائشة ابن الصديقة عائشة غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-09-26
المكان: بلاد الله
المشاركات: 5,182
افتراضي

اي اکيد صحيح انه ابو بکر رضي الله عنه من المهاجرين الاوليين وماکو اي شي غلط بهذا ...وبلمناسبةاني انتمي لعشائر الصحابةللرسول .ص. لاني من الخزرج اي الانصار..وماکو اي شيعي عنده اعتراض علي الصحابةوالمهاجرين

بارك ألله فيك على هذا الكلام المنطقي والبعيد عن الغل والحقد والتدليس وهذا طرحك ومن أخت شيعية ومتجردة من الحقن الطائفي والتفرقة بين الصحابة رضي ألله عنهم أجمعين يدمغ ادعاء الكذبة والمدلسين من الوضاعين والمجادلين

أما عن انتمائك الى عشيرة الخزرج أقول لك وبلا مجاملة والنعم منكم ومن أصلكم الطيب والمشهود له عبر التاريخ بنصرة محمد صلى ألله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين رضي ألله عنهم أجمعين

وما رأيك بمن يشكك بإيمان أبي بكر الصديق رضي ألله عنه وأرضاه
  #63  
قديم 2014-10-06, 07:17 PM
حسينية وروحي عراقية حسينية وروحي عراقية غير متواجد حالياً
عضو شيعى
 
تاريخ التسجيل: 2014-10-03
المشاركات: 63
افتراضي

اشکرک اخوية تسلم
هذا من طيب اصلک
..لا اني ما اقبل علي اي احد يتکلم عن ابوبکر رضي الله عنه لانه کان من اصحاب الرسول وصديق عزيز للرسول .ص.واي احد يتکلم عليه يعتبر حاقد....تحياتي
  #64  
قديم 2014-10-07, 03:23 AM
أم معاوية أم معاوية غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-11-21
المكان: في ارض الإسلام والسلام
المشاركات: 2,003
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسينية وروحي عراقية مشاهدة المشاركة
اشکرک اخوية تسلم
هذا من طيب اصلک
..لا اني ما اقبل علي اي احد يتکلم عن ابوبکر رضي الله عنه لانه کان من اصحاب الرسول وصديق عزيز للرسول .ص.واي احد يتکلم عليه يعتبر حاقد....تحياتي
كلام جميل جدا وقد اعجبني كثيرا بالاخص بانه خرج من شخص ينتمي للتشيع بعد ان جزمنا بان لاخير فيهم
استطعتي ان تبدلي قليلاً من نظرتنا لكم .
ارجوا ان يكون هذا الكلام نابغ عن يقين وارجوا ان يكون ايضا بداية للبحث في باقي معتقدك وهل هو ماعليه ال البيت والنبي حقيقتا ام وهم في وهم.
__________________
علم العليم وعقل العاقل اختـلفا *** أي الذي منهما قد أحـرز الشرفا
فالعلم قال أنا أحـــرزت غايته *** والعـقل قال أنا الرحمن بي عرفا
فأفصح العلم إفصـاحاً وقال لـه *** بــأينـا الله في فـرقانه اتصـفا
فبـان للعقــل أن العـلم سيده *** وقبل العقـل رأس العلم وانصرفا
  #65  
قديم 2014-10-07, 03:48 AM
محمد1994 محمد1994 غير متواجد حالياً
عضو مطرود من المنتدى
 
تاريخ التسجيل: 2014-10-06
المشاركات: 137
افتراضي

ومن قال لكم ان هذه الاية تمدح ابا بكر بس بالعكس هي تذمه !! فقال الله تعالى :فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها , اي ان الرسول هو الشخص الذي انزلت عليه السكينة وليس ابو بكر مع ان السكينة تنزل على المؤمنين حسب قوله تعالى : انزل الله سكينته عليه وعلى المؤمنين
  #66  
قديم 2014-10-07, 04:01 AM
حجازيه حجازيه غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2014-04-03
المكان: مـكـة الـمـكـرمـة
المشاركات: 1,808
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد1994 مشاهدة المشاركة
ومن قال لكم ان هذه الاية تمدح ابا بكر بس بالعكس هي تذمه !! فقال الله تعالى :فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها , اي ان الرسول هو الشخص الذي انزلت عليه السكينة وليس ابو بكر مع ان السكينة تنزل على المؤمنين حسب قوله تعالى : انزل الله سكينته عليه وعلى المؤمنين
أنت لك موضوع مستقل فإبقى فيه ..
  #67  
قديم 2014-10-07, 05:05 PM
هيثم القطان هيثم القطان غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-06-09
المشاركات: 1,927
افتراضي

يرررررفع للعضو محمد 1994

هل تريد إكمال الحوار في شأن آية الغار أم لا؟؟
  #68  
قديم 2014-10-07, 05:17 PM
هيثم القطان هيثم القطان غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-06-09
المشاركات: 1,927
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد1994 مشاهدة المشاركة
ومن قال لكم ان هذه الاية تمدح ابا بكر بس بالعكس هي تذمه !! فقال الله تعالى :فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها , اي ان الرسول هو الشخص الذي انزلت عليه السكينة وليس ابو بكر مع ان السكينة تنزل على المؤمنين حسب قوله تعالى : انزل الله سكينته عليه وعلى المؤمنين
قلنا سابقاً واكرر .. نزول السكينة لا تعني شيء .. فالله ينزلها على من يشاء حتى على العصات .

الآية تمدحل أبوبكر .. ويكفي أن الرافضة مرهقين منها أيما إرهاق .. وسعون جاهدين أن يحيدوها عن معناها .

وقلت أن حت لو لم يذكر الله تعالى أن السكينة لم تنزل على أبي بكر رضي الله عنه .. فهذا لا يعني أن السكينة لم تنزل عليه ..

وأنا أستدللت بأدلة ولم أرى رد منك .

فهل تريد إكمال الحوار أم لا ..

أولاً نحن نرى أن الآية دليل تقوى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه .. لقول الله تعالى ( إذ قال لصاحبه ) .. ورسول الله يوصي بمصاحبة الأخيار .. إذ قال لأبي ذر ( لا تصاحب إلا مؤمن ) وبتالي تكونمصابة الرسول لأبي بكر ومصاحبة أبي بكر لرسول الله فضيلة .

ثالنياً .. قال الله تعالى ( إن الله معنا ) ويدلذلك على تقولى أبي بكر الصديق وصبره حيث قال الله تعالى ( إن الله مع الذين التقو والذين هم محسنون ) ...وقال الله تعالى ( والله مع الصابرين ) .. فالمعي الإلهية الخاصة لأبي بكر رضي الله عنه لم تثبت لاحد إلا لصديق رضي الله عنه .

ثالثاً .. أن الله أستعمل أبو بكر رضي الله عنه لنصرة نبيه .. فكان عوناً له في الهجرة وفي الغار .. لقوله تعالى ( ثاني إثنين إذ هما في الغار ) .

رابعاً ..نزول السكينة على النبي لطمأنة أبي بكر .. فالله لم يكن لينزل السكينة لولا حزن أبي بكر الصديق رضي الله عنه . فانزلها على النبي ليكون له عونا ..

يعني مثل ما أن الأم إذا جاء لأولادها خطر ما .. فقالت الأم لأبنائها لا تخافو فأنا معكم .. هذا لا يعني أن الأم لست خائفة ... ولكن في هذا الموطن فإن الأم تحتاج إلى الشجاعة لتحمي أبنائها ..

كذلك آية الغار .. الله أنزل السكينة على النبي حتى يطمأن أبوبكر الصديق رضي الله عنه .. فإذا أطمأن القائد أطمأنت الرعية .. فإذا أطمأن النبي أطمأن أبوبكر رضي الله عنه .
  #69  
قديم 2014-10-07, 06:07 PM
هيثم القطان هيثم القطان غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-06-09
المشاركات: 1,927
افتراضي

يرررررفع مرة أخرى لمحمد 1994 .
  #70  
قديم 2014-10-09, 02:18 PM
ابن الصديقة عائشة ابن الصديقة عائشة غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-09-26
المكان: بلاد الله
المشاركات: 5,182
افتراضي

ومن قال لكم ان هذه الاية تمدح ابا بكر بس بالعكس هي تذمه !! فقال الله تعالى :فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها , اي ان الرسول هو الشخص الذي انزلت عليه السكينة وليس ابو بكر مع ان السكينة تنزل على المؤمنين حسب قوله تعالى : انزل الله سكينته عليه وعلى المؤمنين


إن [gdwl]الكذب يهدي إلى الفجور، [/gdwl]وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب [gdwl]عند الله كذاباً.[/gdwl]


وفي صحيح مسلم: آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: [gdwl]إذا حدث كذب،[/gdwl] وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.
وقد روى مالك حديثا مرسلا عن صفوان بن سليم أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا؟ فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلا؟ فقال نعم، فقيل له [gdwl]أيكون المؤمن كذابا؟ فقال لا.[/gdwl]


الكذاب الرافضي الجوشني صاحب ال100 معرف وال1000كذبة

بعد أن هررررررربت من تكملة الحوار بفريتك هذه وافلاسك لأني القمتك حجرا فإدعيت وتتحججت مرعوبا مولولا وتكذب بأن الموضوع مغلق ولا يمكنك الدخول فيه ؟
شفت أيها الكذاب ؟
ولكن بعد أن دخلت الاخت الفاضلة الشيعية المعتدلة ممن يخافون ألله ولا يملكون صفة الكذب والنفاق والغلوا والكره والضغينة بنت دجلة والفرات بارك ألله فيها وكثر من أمثالها ارتعدت أوصالك وأتيت مهرولا لتضع فريتك في الطعن بإيمان أبي بكر الصديق رضي ألله عنه

فكيف سنصدق بواحد كذاااااااب ومراوغ مثلك ؟؟؟؟؟؟؟



(وسأترك الاجابة لاختنا الفاضلة بنت دجلة والفرات لترد عليك )



  #71  
قديم 2014-10-09, 03:50 PM
ابن الصديقة عائشة ابن الصديقة عائشة غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-09-26
المكان: بلاد الله
المشاركات: 5,182
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
يدخل علينا رافضي نكرة هنا ليطعن بمن ؟
في إيمان أبي بكر الصديق صاحب الغار والمغوار أبي بكر الصديق رضي ألله عنه
وهذا الرافضي الجوشني المهزوز والمرتعد من أبي بكر وهو يحمل كل الحقد والبغض له من خلال ما تعلمه من الحسينيات والتي هي أصلا معدة للطم (وشرب الشيشة ) وجمع الاموال من السذج بالاضافة الى الطعن والتشويه للاسلام بدأ من ذات ألله تعالى وكتابه وملائكته ورسله الى صحابة وزوجات الرسول صلى ألله عليه وسلم
فتعسا لهم ولهذا الدين المبتدع وتلك العقيدة الشاذة

فلنرى من هو أبو بكر الصديق رضي ألله عنه وارضاه


بحث عن سيدنا أبو بكر الصديق


أبو بكر الصّدّيق
واسمه عبد الله بن أبي قحافة التيمي القرشي، أول الخلفاء الراشدين وأحد أوائل الصحابة الذين أسلموا من أهل قريش ورافقوا النبي محمد بن عبد الله منذ بدء الإسلام، وهو صديقه ورفيقه في الهجرة إلى المدينة المنورة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة عند أهل السنة والجماعة، أسلم على يده الكثير من الصحابة. وهو والد أم المؤمنين عائشة زوجة الرسول. ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر الموافقة لسنة 50 ق.هـ وسنة 573م. كان سيدًا من سادة قريش وغنيًا من كبار أغنيائهم، وكان ممن رفضوا عبادة الأصنام في الجاهلية. يُعرف في التراث السني بـ "أبي بكر الصّدّيق" لأنه صدّق النبي محمد في قصّة الإسراء والمعراج، وقيل لأنه كان يصدّق النبي في كل خبر يأتيه. بُويع بالخلافة يوم الثلاثاء 2 ربيع الأول سنة 11 هـ، واستمرت خلافته قرابة سنتين وأربعة أشهر. توفي في يوم الإثنين 22 جمادى الأولى سنة 13 هـ الموافق 23 أغسطس 634م[1].
حياته قبل الإسلام
ولد أبو بكر في مكة المكرمة بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر.[2] ونشأ فيها في حضن أبوين لهما الكرامة والعزّ في قومهما مما جعل أبا بكر ينشأ كريم النفس، عزيز المكانة في قومه.[3] وكانت إقامته في مكة لا يخرج منها إلا لتجارة، إذ كان في الجاهلية رجلاً تاجرًا، ودخل بصرى من أرض الشام للتجارة وارتحل بين البلدان وكان رأس ماله 40 ألف درهم، وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عُرف به في الجاهلية.[4] كما كان من رؤساء قريش في الجاهلية وأهل مشاورتهم ومحببًا فيهم، أخرج ابن عساكر عن معروف بن خربوذ (مولى عثمان) قال: «إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أحد عشر من قريش اتصل بهم شرف الجاهلية والإسلام فكان إليه أمر الديّات والغرم».[5] وكان أعلم قريش بأنساب القبائل وأخبارها وسياستها، وبما كان فيها من خير وشر، فكانت العرب تلقبه بـ "عالم قريش".[6] كان رجلاً تاجرًا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته،[7] وقد قال له ابن الدغنه حين لقيه مهاجرًا: «والله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف وتكسب المعدوم».[8] كان أبو بكر يعيش في حي حيث يسكن التجّار؛ وكان يعيش فيه النبي، ومن هنا بدأت صداقتهما حيث كانا متقاربين في السنّ والأفكار والكثير من الصّفات والطّباع.[9] [10].
كان أبو بكر ممن حرّموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية، فلم يشربها،[6] وقد أجاب من سأله هل شربت الخمر في الجاهلية؟ بقوله: «أعوذ بالله»، فقيل: «ولم؟» قال: «كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيّعًا لعرضه ومروءته».[5] ولم يسجد أبو بكر لصنم قط، قال أبو بكر في مجمع من الصحابة: «ما سجدت لصنم قط، وذلك أنّي لما ناهزت الحلم، أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: هذه آلهتك الشّمُ العوالي، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني فلم يُجبني فقلت: إني عار فأكسني، فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخرَّ لوجهه».[4]
صفاته
كان أبو بكر أبيض البشرة نحيف الجسم خفيف العارضين (صفحتا الوجه) في ظهره انحناء لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، معروق الوجه (لحم وجهه قليل)، غائر العينين نأتئ الجبهه، عاري الأشاجع (أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف).[11]
اسمه ولقبه وكنيته
اتفق جمهور أهل النسب وجزم به البخاري وغيره من المحدّثين على أن اسمه الأصلي هو "عبد الله" سمّاه به النبي محمد لما أسلم، وكان اسمه قبل ذلك "عبد الكعبة"،[12] وقال أكثر المحدّثين أن "عبد الله" هو اسمه سماه به أهله.[13] ويرى كثيرٌ من المحدّثين أن اسمه كان "عتيق"، سمّاه به النبي محمد،[14] وقيل بل سمّاه بذلك أبوه، وقيل بل أمّه. بينما رجّح النووي والسيوطي وابن عساكر أن "عتيقًا" لقبٌ له وليس اسمًا.[4] واختلفوا لم سمي "عتيقًا" فقيل: سُمي بذلك لعتاقة وجهه وجماله (والعتق: الجمال)، وقيل أنّ أمه كانت لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت «اللهم هذا عتيقك من الموت فهبه لي»، وقيل إنما سُمي عتيقًا لأنه لم يكن في نسبه شيء يُعاب به، وقيل كان له أخوان عتق وعتيق فسمي باسم أحدهما، وقيل غير ذلك.[13]
وأما لقب "الصّدّيق" فقيل أنه كان يُلقب به في الجاهلية لِما عرف منه من الصدق، إذ كان وجيهًا رئيسًا من رؤساء قريش وإليه كانت الديات في الجاهلية، وكان إذا حمل شيءًا قالت فيه قريش: «صدّقوه وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه أبو بكر»، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه.[4] وفي الإسلام سُمي "الصّدّيق" لمبادرته إلى تصديق النبي محمد في كل ما جاء به،[12] وأول ما اشتهر به لتصديقه له في خبر الإسراء والمعراج،[معلومة 2] عندما كذبت قريش ذلك الخبر وجاءوا إلى أبي بكر قائلين: «هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس»، فقال «لئن كان قال ذلك لقد صدق».[15] ويُروى عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول ويحلف بالله «أنّ الله أنزل اسم أبي بكر من السماء "الصديق"».[16] قال فيه أبو محجن الثقفي:[12]
وسميت صدِّيقًا وكل مهاجر سواك يسمّى باسمه غير منكر
سبقت إلى الإسلام والله شاهد وكنتَ جليسًا بالعريش المشهر
وبالغار إذ سُمّيت بالغار صاحبًا وكنت رفيقا للنبي المطهّر
وكذلك لُقب أبو بكر "بالأوّاه" وهو لقب يدل على الخوف والوجل والخشية من الله، فعن إبراهيم النخعي أنه قال: «كان أبو بكر يُسمى بالأوّاه لرأفته ورحمته».[17] وكانت كنيته "أبو بكر" وهي من البكر وهو الفتى من الإبل.[4] وبعد وفاة النبي محمد صار يُسمّى بـ "خليفة رسول الله ‪" لتوليه الخلافة بعده.
نسبه
هو: عبد الله بن أبي قحافة واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .[18] ويلتقي في نسبه مع النبي محمد بن عبد الله عند مرة بن كعب. أسلم يوم فتح مكة في السنة 8 هـ، وكان بصره مكفوفًا، إذ أتى به أبو بكر إلى النبي محمد فأسلم بين يديه. ولم يزل أبو قحافة في مكة لم يهاجر، حتى توفي بعد وفاة ابنه أبي بكر بستة أشهر وأيام في شهر محرم سنة 14 هـ وهو ابن 97 سنة.[19]
أمّه: أم الخير واسمها سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، وهي ابنة عم أبي قحافة.[18] أسلمت قديمًا في دار الأرقم بن أبي الأرقم عندما طلب من النبي محمد أن يدعوا لها الله أن تسلم قائلاً :«يا رسول الله، هذه أمّي برّة بوالديها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها، عسى أن يستنقذها بك من النار» فدعا لها فأسلمت. توفيت قبل أبي قحافة وبعد ابنها أبي بكر، وورثته.[20]
زوجاته
ذرية أبي بكر الصديق وزوجاته
قتيلة بنت عبد العزى العامرية القرشية: وقد اختلف في إسلامها، وهي والدة عبد الله وأسماء. كان أبو بكر قد طلقها في الجاهلية، فيها نزل من القرآن آية: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[21] بعد أن رفضت ابنتها أسماء من أن تدخلها بيتها في المدينة المنورة.[22]
أم رومان بنت عامر الفراسية الكنانية: وهي من بني الحارث بن غنم من قبيلة بني كنانة بن خزيمة، مات عنها زوجها الحارث بن سخبرة في مكة، فتزوجها أبو بكر، وأسلمت قديمًا، وهاجرت إلى المدينة المنورة وهي والدة عبد الرحمن وعائشة. توفيت في المدينة المنورة في ذي الحجة سنة 6 هـ.[23]
أسماء بنت عُمَيس الشهرانية الخثعمية: أسلمت قديمًا قبل دخول دار الأرقم بن أبي الأرقم، وهاجر بها زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة، فولدت له هناك: عبد الله، ومحمدًا، وعونٍا. وهاجرت معه إلى المدينة المنورة سنة 7 هـ، فلما استشهد زوجها جعفر يوم مؤتة سنة 8 هـ وبعد وفاة أم رومان بنت عامر الكنانية، تزوج أبو بكر من أسماء بنت عميس، فولدت له: محمدًا وقت الإحرام فحجت حجة الوداع، ثم توفي أبو بكر، فغسّلته. ثم تزوج بها علي بن أبي طالب.[24]
حبيبة بنت خارجة الخزرجية الأنصارية: أسلمت وولدت لأبي بكر أم كلثوم بعد وفاته. تزوجها من بعده "خبيب بن أساف بن عتبة بن عمر".[25]
إسلام أبى بكر الصدّيق:
كان أبو بكر من رؤساء قريش، وعقلائها، وكان قد سمع من ورقة بن نوفل وغيره من أصحاب العلم بالكتب السابقة، أن نبيـًا سوف يبعث في جزيرة العرب، وتأكد ذلك لديه في إحدى رحلاته إلى اليمن؛ حيث لقي هنالك شيخـًا عالمـًا من الأزد، فحدثه ذلك الشيخ عن النبي المنتظر، وعن علاماته، فلما عاد إلى مكة أسرع إليه سادة قريش: عقبة بن أبى معيط، وعتبة، وشيبة، وأبو جهل، وأبو البخترى بن هشام، فلما رآهم قال لهم: هل نابتكم نائبة؟ قالوا: يا أبا بكر قد عظم الخطب، يتيم أبى طالب يزعم أنه نبي مرسل، ولولا أنت ما انتظرنا به فإذا قد جئت فأنت الغاية والكفاية، فذهب إليه أبو بكر، وسأله عن خبره؛ فحكى له النبي*صلى الله عليه وسلم* ما حدث، ودعاه إلى الإسلام؛ فأسلم مباشرة، وعاد وهو يقول: "[gdwl] لقد انصرفت وما بين لابَّتَيها أشد سرورًا من رسول الله *صلى الله عليه وسلم* بإسلامي"، وكان أبو بكر أول من أسلم من الرجال.[/gdwl]
هجرة أبى بكر الصدّيق:
لما أذن الله (عز وجل) لنبيه بالهجرة إلى المدينة، أمر النبي(صلى الله عليه وسلم) أصحابه أن يهاجروا، وجعل أبو بكر يستأذن في الهجرة، والنبي(صلى الله عليه وسلم) يمهله، ويقول له: [gdwl](لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبًا)[/gdwl]، حتى نزل جبريل على النبي، وأخبره أن قريشًا قد خططت لقتله، وأمره ألا يبيت ليلته بمكة، وأن يخرج منها مهاجرًا، فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وفتيان قريش، وفرسانها محيطون ببيته، ينتظرون خروجه ليقتلوه، ولكن الله أخذ أبصارهم فلم يروه، وتناول النبي (صلى الله عليه وسلم) حفنة من التراب، فنثرها على رؤسهم، وهم لا يشعرون، وذهب (صلى الله عليه وسلم) إلى بيت أبى بكر [gdwl]{وكان نائمًا فأيقظه}،[/gdwl] وأخبره أن الله قد أذن له في الهجرة، تقول عائشة: لقد رأيت أبابكر عندها [gdwl]يبكى من الفرح[/gdwl]، ثم خرجا فاختفيا في غار ثور، واجتهد المشركون في طلبهما حتى شارفوا الغار، وقال أبو بكر: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): (فما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!)، وأقاما في الغار ثلاثة أيام، ثم انطلقا، وكان أبو بكر أعرف بالطريق، وكان الناس يلقونهما، فيسألون أبا بكر عن رفيقه فيقول: أنه رجل يهدينى الطريق، وبينما هما في طريقهما إذ أدركه سراقة بن مالك (وكان قد طمع في النياق المائة التي رصدتها قريش لمن يأتيها بمحمد)، ولما اقترب سراقة رآه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا، ودنا سراقة حتى ما كان بينه وبينهما إلا مقدار رمح أو رمحين، فكرر أبو بكر مقولته على النبي (صلى الله عليه وسلم)، وبكى فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : لِمَ تبكي؟ فقال أبو بكر:[gdwl] يا رسول الله، والله ما أبكي على نفسي، ولكنى أبكى عليك، فدعا النبي (صلى الله عليه وسلم) [/gdwl]وقال: (اللهم اكفناه بما شئت)، فساخت قوائم الفرس، ووقع سراقة وقال: يا محمد إن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فو الله لأعمّينَّ على مَن ورائي، فأجابه النبي(صلى الله عليه وسلم) إلى طلبه، ودعاه إلى الإسلام، ووعده إن أسلم بسوارى كسرى، وإستمرا في طريقهما، حتى بلغا المدينة، واستقبل الصحابة {مهاجرون وأنصار} رسول الله وصاحبه بسرورٍ وفرحٍ عظيمين، وانطلق الغلمان، والجواري ينشدون الإنشودة الشهيرة: طلع البدر علينـا من ثنيات الوداع
اضطهاد أبى بكر الصدّيق:
كان أبو بكر ذا مكانة ومنعة في قريش؛ فلم ينله من أذاهم ما نال المستضعفين، ولكن ذلك لم يمنع أبا بكر من أن يأخذ حظه وقسطه من الأذى، فقد دخل النبي(صلى الله عليه وسلم) الكعبة، واجتمع المشركون عليه، وسألوه عن آلهتهم {وهو لا يكذب} فأخبرهم؛ فاجتمعوا عليه يضربونه، وجاء الصريخ أبا بكر يقول له: [gdwl]أدرك صاحبك[/gdwl]، فأسرع أبو بكر إليه، وجعل يخلصه من أيديهم، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله"، فتركوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وجعلوا يضربونه حتى حمل أبو بكر أهل بيته، وقد غابت ملامحه من شدة الأذى.
جهاد أبى بكر الصدّيق:
كان أبو بكر رفيق النبي (صلي الله عليه وسلم) في جهاده كله، [gdwl]فشهد معه بدرًا،[/gdwl] وأشار على النبي (صلي الله عليه وسلم) أن يبنى له المسلمون عريشًا يراقب من خلاله المعركة، ويوجه الجنود، وقد استبقى النبي (صلي الله عليه وسلم) أبا بكر معه في هذا العريش، وكان النبي يرفع يديه إلى السماء ويدعو ربه قائلا: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد)، فيقول له أبو بكر: يا رسول الله بعّض مناشدتك ربك، فإن الله موفيك ما وعدك من نصره، [gdwl]وشهد أبو بكر أُحدًا[/gdwl]،[gdwl] وكان ممن ثبتوا مع النبي (صلي الله عليه وسلم) حين انكشف المسلمون،[/gdwl] [gdwl]وشهد الخندق، [/gdwl][gdwl]والحديبية،[/gdwl] والمشاهد كلها، لم يتخلف عن النبي في موقعة واحدة، ودفع إليه النبي (صلي الله عليه وسلم) [gdwl]رايته العظمى يوم تبوك، وكان أبو بكر ممن ثبتوا يوم حنين حينما هزم المسلمون في بدء المعركة[/gdwl]
رواية أبى بكر الصدّيق:
كان أبو بكر أكثر الصحابة ملازمة للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأسمعهم لأحاديثه، وقد روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أحاديث كثيرة، وروى عن أبى بكر كثير من الصحابة منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وزيد بن ثابت{رضى الله عنهم جميعًا}، ومما رواه على قال حدثني أبو بكر( وصدق أبو بكر) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (ما من عبد يذنب ذنبًا فيتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يصلى ركعتين فيستغفر، الله إلا غفر له).
أعمال أبى بكر الصدّيق ومواقفه:
لأبى بكر الصدّيق (رضى الله عنه) مواقف وأعمال عظيمة في نصرة الإسلام منها:
[gdwl]انفاقه كثيرًا من أمواله في سبيل الله،[/gdwl] ولذا قال النبي(صلى الله عليه وسلم): [gdwl](ما نفعنى مال قط مثلما نفعنى مال أبى بكر)،[/gdwl] فبكى أبو بكر وقال : " وهل أنا ومالى إلا لك يا رسول الله " (رواه أحمد والترمذى وابن ماجة). وقد أ[gdwl]عتق أبو بكر من ماله الخاص سبعة من العبيد أسلموا[/gdwl]، وكانوا يعذبون بسبب إسلامهم منهم : بلال بن رباح، وعامر بن فهيرة.
عندما مرض النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لمن حوله: [gdwl](مروا أبا بكر فليصل بالناس)[/gdwl]، فقالت عائشة: يا رسول الله لو أمرت غيره، فقال: (لا ينبغى لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره)، [gdwl]وقال علي بن أبى طالب: قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر، فصلى بالناس، وإني لشاهد غير غائب، وإني لصحيح غير مريض، ولو شاء أن يقدمنى لقدمنى، فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا.[/gdwl]
عندما قبض النبي (صلى الله عليه وسلم) فتن الناس حتى أن عمر بن الخطاب قال: إن رسول الله لم يمت، ولا يتكلم أحد بهذا إلا ضربته بسيفي هذا، فدخل أبو بكر، وسمع مقالة عمر، فوقف وقال قولته الشهيرة: أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد ماتومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت .
بعد مبايعة أبى بكر بالخلافة، أصر على إنفاذ جيش أسامة، الذي كان النبي(صلى الله عليه وسلم) قد جهزه، وولى عليه أسامة بن زيد، وكان فريق من الصحابة منهم عمر، قد ذهبوا لأبى بكر، وقالوا له: إن العرب قد انتفضت عليك، فلا تفرق المسلمين عنك، فقال: والذى نفسي بيده لو علمت أن السباع تأكلني بهذه القرية لأنفذت هذا البعث الذي أمر الرسول بإنفاذه، ولا أحلّ لواءًا عقده رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيده، واتخذ الجيش سبيله إلى الشام تحت إمرة أسامة.
واجه أبو بكر في بدء خلافتة محنة كبرى، تمثلت في [gdwl]ردة كثير من قبائل العرب عن الإسلام[/gdwl] بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وسلم)، ومنعت بعض القبائل زكاة أموالها، وأمام هذه الردة، جهز أبو بكر الجيش، وقرر حرب المرتدين جميعًا، واعتزم أن يخرج بنفسه على قيادة الجيش، غير أن علىّ بن أبى طالب لقيه، وقد تجهز للخروج، فقال له: إلى أين يا خليفة رسول الله؟ ضم سيفك، [gdwl]ولا تفجعنا بنفسك، فو الله لئن أصبنا بك ما يكون للإسلام بعدك نظام أبدًا، فرجع أبو بكر،[/gdwl] وولى خالدًا على الجيش، وسار خالد فقضى على ردة طليحة الأسدىّ ومن معه من بنى أسد وفزارة، ثم توجه إلى اليمامة لحرب مسيلمة بن خسر ومن معه من بنى حنيفة، وكان يوم اليمامة يومًا خالدًا، كتب الله فيه النصر لدينه، وقتل مسيلمة، وتفرق جنوده ومضى المسلمون يخمدون نار الفتنة والردة حتى أطفأها الله، ثم استمر جيش خالد في زحفه حتى حقق نصرًا عظيمًا على الروم في معركة اليرموك.
لما أحس أبو بكر بقرب أجله، شاور بعض كبار الصحابة سرًا في أن يولى عمر بن الخطاب الخلافة من بعده فرحبوا جميعًا، غير أن بعضهم اعترض على غلظة عمر، فقال أبو بكر: " نعم الوالي عمر، أما إنه لا يقوى عليهم غيره، وما هو بخير له أن يلي أمر أمة محمد، إن عمر رأى لينـًا فاشتد، ولو كان واليًا للان لأهل اللين على أهل الريب "، ثم أمر أبو بكر عثمان فكتب كتابًا باستخلاف عمر.
أقوال أبى بكر الصدّيق:
كان أبو بكر إذا مدحه أحد قال: [gdwl]" اللهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون "[/gdwl].
لما بايعه الناس خليفة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، خطب فيهم، فقال: " أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، [gdwl]فإن أحسنت فأعينوني، وإن أخطأت فقوموني[/gdwl]، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، ألا إن الضعيف فيكم هو القوى عندنا حتى نأخذ له بحقه، والقوى فيكم ضعيف عندنا حتى نأخذ الحق منه طائعًا أو كارهًا، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم ".
عندما امتنع بعض المسلمين عن أداء الزكاة، قرر أبو بكر قتالهم، فذهب عمر إليه وقال له: " كيف تقاتلهم، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإن قالوا ذلك عصموا منى دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)، فقال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة من حق الله، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لقاتلتهم على منعه، قال عمر: " فلما رأيت أن الله شرح صدر أبى بكر للقتال، عرفت أن الحق معه".
من مواعظ الصدّيق:
إن العبد إذا دخله العجب بشيء من زينة الدنيا مقته الله تعالى حتى يفارق تلك الزينة.
يا معشر المسلمين استيحوا من الله، فو الذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنعًا حياءً من الله.
أكيس الكيس التقوى، وأحمق الحمق الفجور، وأصدق الصدق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة.
وكان يأخذ بطرف لسانه ويقول: " هذا الذي أوردني الموارد ".
أعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم، لا تفنى عجائبه، فصدقوا قوله، وانصحوا كتابته، واستضيئوا منه ليوم الظلمة.
قبل موته دعا عمر بن الخطاب وقال له: " إني مستخلفك على أصحاب رسول الله.... يا عمر: إن لله حقـًا في الليل لا يقبله في النهار، وحقـًا في النهار لا يقبله في الليل، وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق وثقله عليه، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق غدًا أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينهم يوم القيامة باتباعهم الباطل، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفـًا، يا عمر إنما نزلت آية الرخاء مع آية الشدة، وآية الشدة مع آية الرخاء ليكون المؤمن راغبًا راهبًا، فلا ترغب رغبة فتتمنى على الله ما ليس لك، ولا ترهب رهبة تلقى فيها ما بيديك، يا عمر إنما ذكر الله أهل النار بأسوأ أعمالهم ورد عليهم ما كان من حسن فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجوا ألا أكون من هؤلاء، وإنما ذكر الله أهل الجنة بأحسن أعمالهم لأنه تجاوز لهم ما كان من سيء فإذا ذكرتهم قلت: أي عمل من أعمالهم أعمل؟ فإن حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحب إليك من الموت، وهو نازل بك، وإن ضيعت وصيتي فلا يكن غائب أكره إليك من الموت، ولست تعجزه ".
وفاة أبى بكر الصدّيق:
توفي أبو بكر (رضى الله عنه) في شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، قيل : يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الآخرة، وقيل : مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة، وصلى عليه عمر بن الخطاب، وكان أبو بكر قد ولد بعد النبي(صلى الله عليه وسلم) بسنتين وأشهر، ومات بعده بسنتين وأشهر مستوفيًاُ [gdwl]ثلاثة وستين عاما، وهو نفس العمر الذي مات عنه النبي(صلى الله عليه وسلم)،[/gdwl] واستمرت خلافة أبى بكر سنتين وثلاثة أشهر وأيامًا. قال عمر في حقه: رحمة الله على أبى بكر، لقد أتعب من بعده تعبًا شديدًا.
أبو بكر الصدّيق:
هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشى التميمي، كنيته: أبو بكر، ولقبه الصدّيق، وكنية أبيه أبو قحافة، وأمه هي: أم الخير سلمى بنت صخر بن كعب بن سعد التميمية بنت عم أبى قحافة، وكان أبو بكر يسمى أيضًا: عتيقًا، وقيل إن سبب هذه التسمية أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال له:[gdwl] (أنت عتيق من النار)،[/gdwl] وقيل : إنه سمى كذلك لحسن وجهه وجماله،[gdwl] ولقب بالصدّيق لتصديقه بكل ما جاء به النبي(صلى الله عليه وسلم) وخاصة تصديقه لحديث الإسراء [/gdwl]وقد أنكرته قريش كلها، وأبو بكر الصدّيق أفضل الأمة مكانة ومنزلة بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهو أول من أسلم من الرجال، وهو رفيق الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هجرته، وخليفته على المسلمين، يقول حسان بن ثابت في حقه:
إذا تذكرتَ شَجْوًا من أخي ثقــةٍ
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعــــلا
خيرَ البريَّةِ أتقاها وأعدَلـــَهـا
بعد النبي وأوفاها بما حمــــلا
الثانيَ التاليَ المحمودَ مشهـــدُهُ
وأول الناسِ منهم صدَّق الرُسُـلا
[gdwl]وقد رثاه على بن أبى طالب يوم موته بكلام طويل منه: [/gdwl]" رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنيسه ومكان راحته، وموضع سره ومشاورته، وكنت أول القوم إسلامًا، وأخلصهم إيمانـًا، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب وأفضلهم سوابق، وأشرفهم منزلة، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله هديًا وسمتـًا... سماك الله في تنزيله صديقـًا فقال: (والذي جاء بالصدق وصدق به) فالذي جاء بالصدق محمد (صلى الله عليه وسلم) والذي صدق به أبو بكر، واسيته حين بخل الناس، وقمت معه على المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشدة أكرم صحبة، وخلفته في دينه أحسن الخلافة، وقمت بالأمر كما لم يقم به خليفة نبي...".
ثبات أبي بكر على فتنة الطاعة والعبادة
أبو بكر والعبادة وقد يظن ظان أن هذا الأمر بسيط، وهين إلى جوار غيره من الفتن التي تعرضنا لذكرها آنفًا، فتن المال، والرئاسة، والأولاد، والإيذاء، وضياع النفس، وترك الديار، وغلبة أهل الباطل، قد يظن ظان أن من ثبت في هذه الأمور الشديدة سيثبت حتمًا في أمر الطاعة، والعبادة، فهي أمور في يد كل مسلم، يستطيع أن يصلي ويصوم ويزكي، بديهيات عند كثير من الناس، لكن هذه لمن أعظم الفتن، قد يسهل على الإنسان أن يفعل شيئًا عظيمًا مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث في حياته، [gdwl]لكن أن يداوم على أفعال العبادة كل يوم كل يوم، بلا كلل ولا ملل ولا كسل، فإن هذا يحتاج إلى قلب عظيم، وإيمان كبير،[/gdwl] وعقل متيقظ ومنتبه، لا يقوى على ذلك إلا القليل من الرجال، وقد كان الصديق رضي الله عنه سيد هذا القليل بعد الأنبياء، أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابَ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَانِ".
فبعض الناس يكون مكثر في الصلاة، فيدخل من باب الصلاة، وهكذا.
[gdwl]
قال أبو بكر رضي الله عنه: مـا على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ، وَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".
[/gdwl]
ذلك أن الصديق رضي الله عنه كان مكثرًا، وبصفة مستديمة من كل أعمال الخير، ومر بنا من قبل كيف أنه أصبح صائمًا ومتبعًا لجنازة وعائدًا لمريض ومتصدقًا على مسكين؟ هكذا حياته كلها لا قعود، ولا فتور، كان رضي الله عنه يتحرج جدًا من فوات فضيلة أو نافلة، روى أحمد، وأبو داود، والحاكم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:
"مَتَى تُوتِرُ؟" قال: أول الليل بعد العتمة. أي: بعد صلاة العشاء، قال: "فَأَنْتَ يَا عُمَرُ؟" قال:آخر الليل. قال: "أَمَا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَأَخَذْتَ بِالثِّقَةِ". أي: بالحزم، والحيطة مخافة أن يفوت الوتر. "وَأَمَا أَنْتَ يَا عُمَرُ فَأَخَذْتَ بِالْقُوَّةِ". أي: بالعزيمة على الاستيقاظ قبل طلوع الفجر؛ لصلاة قيام الليل، ثم الوتر. فالصديق رضي الله عنه لا يتخيل أن يفوته الوتر، ماذا يحدث لو استيقظ على صلاة الفجر دون أن يصلي الوتر؟
في حقه تكون كارثة، لذلك يأخذ نفسه بالحزم يصليه أول الليل، ثم إذا شاء الله له أن يستيقظ، ويصلي قيام الليل صلى، ولا يعيد الوتر، بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأخذ بالعزيمة، فهو يعلم علم اليقين أنه سيستيقظ الفجر ليصلي، منهجان مختلفان، ولكنهما من أروع مناهج الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ومع حرصه، وطاعته، ومثابرته، وثباته على أمر الدين كان شديد التواضع، لا ينظر إلى عمله، بل كان دائم الاستقلال له، كان يقول: والله، لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد.
وروى الحاكم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: دخل أبو بكر الصديق حائطًا (حديقة) وإذا بطائر في ظل شجرة، فتنفس أبو بكر الصعداء، ثم قال: طوبى لك يا طير، تأكل من الشجر، وتستظل بالشجر، وتصير إلى غير حساب، يا ليت أبا بكر مثلك.
وكان يقول إذا مُدح: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
رضي الله عن الصديق، وعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين.
ثبات أبي بكر أمام فتنة الموت
والموت فتنة عظيمة، والفراق ألمه شديد، وكم من البشر يسقطون في هذه الفتنة، إلا أن الصديق رضي الله عنه، كان كما عودنا رابط الجأش، مطمئن القلب، ثابت القدم أمام كل العوارض التي مرت به في حياته:
- مر بنا موقفه من وفاة ابنه عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما شهيدًا، وكيف تلقى الأمر بصبر عظيم، وبرضا واسع.
- وماتت أيضًا زوجته الحبيبة القريبة إلى قلبه أم رومان رضي الله عنها، والدة السيدة عائشة رضي الله عنها، وعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، ماتت في السنة السادسة من الهجرة في المدينة، بعد رحلة طويلة مع الصديق في طريق الإيمان، أسلمت قديمًا وعاصرت كل مواقف الشدة والتعب، والإنفاق، والإجهاد، والهجرة، والنصرة، والجهاد، والنزال، كانت خير المعين لزوجها الصديق رضي الله عنه، ثم ماتت، وفارقت، وفراق الأحبة أليم، لكن صبر الصديق رضي الله عنه وأرضاه صبرًا جميلًا، وحمد واسترجع.
- ومات كثير من أصحابه وأحبابه ومقربيه، مات حمزة بن عبد المطلب، ومات مصعب بن عمير، ومات أسعد بن زرارة، ومات سعد بن معاذ، ومات جعفر بن أبي طالب، ومات زيد بن حارثة، وغيرهم كثير رضي الله عنهم أجمعين، ماتوا وسبقوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض فانتظر الصديق رضي الله عنه صابرًا غير مبدل: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:23] .
- وجاءت فتنة كبيرة، فتنة موته هو شخصيًا رضي الله عنه وأرضاه، ونام على فراش لا بد من النوم عليه، نام على فراش الموت، فماذا فعل وهو في لحظاته الأخيرة؟
ماذا فعل وهو يعلم أنه سيغادر الدنيا وما فيها؟
ماذا فعل وهو سيترك الأهل والأحباب والأصحاب؟
هل جزع أو اهتز؟
حاشا لله، إنه الصديق رضي الله عنها وأرضاه، ها هو على فراش الموت يوصي عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ثبات، وثقة، واطمئنان: اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملًا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملًا بالليل لا يقبله بالنهار.
يحذره من التسويف، وتأجيل الأعمال الصالحة، ويحفزه على السبق الذي كان سمتًا دائمًا للصديق في حياته.
وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة، باتباعهم الحق في دار الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غدًا أن يكون ثقيلًا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة، باتباعهم الباطل في دار الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدًا أن يكون خفيفًا، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلتَ: إني أخاف ألا ألحق بهم.
وإن الله تعالى ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم، ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلتَ: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء.
ليكون العبد راغبًا راهبًا لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمة الله، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت ولست تعجزه.
انظر إلى صدق الوصية، وحرص الصديق أن يصل إلى بكل المعاني التي كانت في قلبه إلى عمر بن الخطاب الخليفة الذي سيتبعه في خلافة هذه الأمة
ثم انظر إلى هذا الموقف العجيب، وهو ما يزال على فراش الموت، استقبل المثنى بن حارثة رضي الله عنه قائد جيوش المسلمين آنذاك في العراق، وكان قد جاءه يطلب المدد لحرب الفرس، فإذا بالصديق الثابت رضي الله عنه لا تلهيه مصيبة موته، ولا تصده آلام المرض، وإذا بعقله ما زال واعيًا متنبهًا، وإذا بقلبه ما زال مؤمنًا نقيًا، وإذا بعزيمته، وبأسه وشجاعته كأحسن ما تكون، أسرع يطلب عمر بن الخطاب الخليفة الجديد، يأمره وينصحه ويعلمه، قال:
اسمع يا عمر ما أقول لك، ثم اعمل به، إني لأرجو أن أموت من يومي هذا، فإن أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى، ولا تشغلنكم مصيبة، وإن عظمت عن أمر دينكم، ووصية ربكم، وقد رأيتني مُتَوَفّى رسول الله وما صنعت، ولم يُصَب الخلق بمثله، وإن فتح الله على أمراء الشام، فاردد أصحاب خالد إلى العراق (سيدنا خالد بن الوليد كان قد انتقل بجيشه من العراق إلى الشام)، فإنهم أهله وولاة أمره وحده، وهم أهل الضراوة بهم والجراءة عليهم.
أرأيت عبد الله كيف يكون الصديق رضي الله عنه وهو في هذه اللحظات الأخيرة؟
لم ينس الجهاد، ولم يشغل عن استنفار المسلمين، أرأيت كيف أنه وحتى اللحظة الأخيرة في حياته ما زال يعلم ويربي ويوجه وينصح؟
هذا هو الصديق الذي عرفناه.
ودخلت عليه ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهو في آخر اللحظات، ونفسه تحشرج في صدره، فآلمها ذلك، فتمثلت هذا البيت من الشعر:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
أي لا يغني المال عن الإنسان إذا جاء لحظة الوفاة، فخشي الصديق رضي الله عنه أن تكون قالت ما قالت ضجرًا، أو اعتراضًا، فتقول عائشة رضي الله عنها، فنظر إلى كالغضبان، ثم قال في لطف:
ليس كذلك يا أم المؤمنين، ولكن قول الله أصدق: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].
هكذا ما زال يربي ويعلم، [gdwl]ثم جاءوا لهم بأثواب جديدة كي يكفن فيها فردها، وأمر أن يكفن في أثواب قديمة له بعد أن تعطر بالزعفران،[/gdwl] وقال:
إن الحي أحوج إلى الجديد ليصون به نفسه، إنما يصير الميت إلى الصديد وإلى البلى.
هكذا بهذا الثبات العظيم، وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وأن يدفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر ما تكلم به الصديق في هذه الدنيا قول الله تعالى: [gdwl]{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101] .[/gdwl]
غير أنه مع كل ما سبق من فتن عرضت للصديق في حياته إلى لحظة موته، فإن كل هذه الفتن تهون، وتضعف، وتتضاءل أمام الفتنة العظمى، والبلية الكبرى، والمصيبة القصوى التي لحقت به وبالمسلمين، لما مات ثمرة فؤاد الصديق، وخير البشر، وسيد الأنبياء والمرسلين، وحبيب الله، لما مات النور المبين الذي أضاء الأرض بنبوته، وعلمه، وخلقه، ورحمته، لما مات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
أعظم فتنة مرت بالصديق رضي الله عنه، وأعظم فتنة مرت بالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وكان من فضل الله على الصديق رضي الله عنه أنه مَنّ عليه بثبات يوازي المصيبة، وبوضوح رؤية يقابل الفتنة، وبنفاذ بصيرة يكشف البلوى، وينير الطريق للصديق ولمن معه من المسلمين.
وفي موضوع ثبات الصديق رضي الله عنه يقول [gdwl]علي بن أبي طالب رضي الله عنه[/gdwl] عن الصديق رضي الله عنه جملة قصيرة لكن عظيمة المعاني قال:[gdwl]
كان الصديق رضي الله عنه كالجبل، لا تحركه القواصف، ولا تُزيله العواصف.
ثبات أبي بكر الصديق أمام فتنة الرئاسة والمنصب
[/gdwl]
فتنة الرئاسة فتنة عظيمة، وابتلاء كبير، وكثير من الناس يعيش حياة التواضع، فإذا صعد على منبر الحكم تغير، وتبدل، وتكبر، فتنة عظيمة، وانظر إلى الحسن البصري يقول في كلمة عظيمة له: وآخر ما يُنزع من قلوب الصالحين، حب الرئاسة.
أما الصديق رضي الله عنه، فإنه قد نزع منه حب الرئاسة منذ البداية، كان يعيش قدرًا معينًا من التواضع قبل الخلافة، وهذا القدر تضاعف أضعافًا مضاعفة بعد الخلافة، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا:
إن أعظم خلفاء الأرض تواضعًا بعد الأنبياء كان الصديق رضي الله عنه. والله لقد فعل أشياء يحار العقل كيف لبشر أن يتواضع إلى هذه الدرجة؟ ولولا اليقين في بشريته لكانت شبيهة بأفعال الملائكة، هو قد سمع من حديث حبيبه صلى الله عليه وسلم الحديث الذي رواه مسلم عن أبي يعلى معقل بن يسار رضي الله عنه: "مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ".
والصديق جهد للمسلمين ونصح للمسلمين كأفضل ما يكون الجهد والنصح، ولذا فهو ليس فقط يدخل الجنة معهم، بل يسبقهم إليها، كيف يتكبر الصديق، وهو الذي كان حريصًا طيلة حياته على نفي كل مظاهر الكبر، والخيلاء من شخصيته، وكان يتحرى ذلك حتى في ظاهره، يروي البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وقعت الكلمات في قلب أبي بكر، وتحركت النفس المتواضعة تطمئن على تواضعها، أسرع الصديق رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إن إزاري يسترخي إلا أن تعاهده.
أشعر أنه قالها، وهو يرتجف، ويخشى من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثلج صدره وطمأنه، ووضح له متى يكون استرخاء الإزار منهيًا عنه، قال: "إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ".
شهادة من سيد الخلق، وممن لا ينطق عن الهوى، إن الصديق لا يفعل ذلك خيلاء، وكان من الممكن أن يقول له إنك لست متعمدًا للإسبال، لكنه يخرج من كل هذا إلى الحقيقة المجردة، تواضع الصديق رضي الله عنه.
وإلى مواقف من حياة الصديق كخليفة ورئيس وحاكم.
ذكرنا بعض المواقف له في السابق، ذكرنا موقفه مع أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قبل ذلك وهو يودعه إلى حرب الروم في الشمال، والآن نذكر بعض مواقفه الأخرى:
- موقف عجيب من مواقف الخليفة الرئيس أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كان الصديق رضي الله عنه يقيم بالسنح على مقربة من المدينة، [gdwl]فتعود أن يحلب للضعفاء أغنامهم كرمًا منه[/gdwl]، وذلك أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هو الوزير الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع جارية تقول بعد مبايعته بالخلافة: [gdwl]اليوم لا تحلب لنا منائح دارنا. فسمعها الصديق رضي الله عنه فقال: بلى، لعمري لأحلبنها لكم. فكان يحلبها، وربما سأل صاحبتها: يا جارية أتجدين أن أرغي لك أو أصرح؟. أي: يجعل اللبن برغوة، أم بدون رغوة، فربما قالت: أرغ. وربما قالت: صرّح. فأي ذلك قالته فعل.[/gdwl]
- موقف آخر أغرب، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعهد عجوزًا كبيرة عمياء في بعض حواش المدينة من الليل، فيسقي لها، ويقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح لها ما أرادت، فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها، فرصده عمر، فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة فقال عمر: أنت هو لعمري.
وكان من الممكن أن يكلف رجلا للقيام بذلك، ولكنه الصديق، يشعر بالمسئولية تجاه كل فرد من أفراد الأمة، كما أنه رضي الله عنه قد آثر أن يخدمها بنفسه، يربي نفسه على التواضع لله عز وجل، ويربي نفسه على ألا يتكبر حتى على العجوز الكبيرة العمياء.
- أخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قام يوم الجمعة فقال:
إذا كان بالغداة فاحضروا صدقات الإبل نقسم، ولا يدخل علينا أحد إلا بإذن.
صدقات الإبل كانت قد جاءت كثيرة إلى أبي بكر الصديق، فوضعوها في مكان، وسيدخل في اليوم التالي أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، ليقسما هذه الصدقات، فسيدنا أبو بكر يحذر الناس، فقالت امرأة لزوجها: خذ هذا الحظام لعل الله يرزقنا جملًا.
فأتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر قد دخلا إلى الإبل، فدخل معهما، هنا الرجل ارتكب مخالفة واضحة لخليفة البلاد، ودخل عليه بغير إذن، مع كونه نبه على ذلك، فالتفت إليه أبو بكر فقال: ما أدخلك علينا؟ ثم أخذ منه الحظام، فضربه، فلما فرغ أبو بكر من قسمة الإبل دعا الرجل، فأعطاه الحظام، وقال: استقد. أي: اقتص مني، كما ضربتك اضربني، سبحان الله، فقال عمر رضي الله عنه: والله لا يستقيد، لا تجعلها سنة.
يعني كلما أخطأ خليفة في حق واحد من الرعية، قام المظلوم بضرب الأمير فتضيع هيبته، فقال الصديق رضي الله عنه: فمن لي من الله يوم القيامة؟ فقال عمر: أَرْضِهِ. فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلة، ورحلها وقطيفة (أي كساء)، وخمسة دنانير، فأرضاه بها.
هذا خليفة البلاد، وقد ضرب أحد رعاياه ضربة واحدة فقط، ولكنه يريد أن يُضْرب مكان هذا السوط الذي ضرب، حتى يقف أمام الله عز وجل يوم القيامة خالصًا، ليس لأحد عنده شيء.
- بل اقرأ وصيته إلى جيوشه، وهي تخرج لحرب الروم، في بعث أسامة بن زيد، ثم بعد ذلك إلى فتح فارس، ثم إلى فتح الروم، كان يوصيها بوصايا عجيبة، وكأنه يوصي بأصدقاء، وليس بأعداء، كان يوصيهم بالرحمة حتى في حربهم كان مما قال لهم:
لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تُمثّلوا، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرًا، إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم، وما فرغوا أنفسهم له.
وتأمل معي يا أخي، أيوصي بأحباب أم يوصي بأعداء؟!
والله ما عرف التاريخ مثل حضارة الإسلام، ورقي الإسلام، ونور الإسلام، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، أين هذا من حروب الشرق والغرب؟
أين هذا من حروب غير المسلمين؟
فالمسلمون قد علّموا غيرهم الرحمة في كل شيء حتى في الحرب.
ثبات أبي بكر أمام فتنة الأولاد
فالمرء قد يقبل أن يضحي تضحيات كثيرة، إذا كان الأمر يخصه هو شخصيًا، ولكن إذا ارتبط الأمر بأولاده، فإنه قد يتردد كثيرًا، فغالبًا ما يحب الرجل أولاده أكثر من نفسه، كما أن ضعف الأولاد، ورقتهم، واعتمادهم على الأبوين، يعطي مسوغات قد يظنها الرجل شرعية للتخلف عن الجهاد بالنفس والمال، واقرأ قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14] .
روى الترمذي، وقال: حسن صحيح. أن رجلًا سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم، وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، رأوا الناس قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوهم (أي يعاقبوا أولادهم)، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14] .
الآية التالية مباشرة لهذه الآية في سورة التغابن تقول: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:15].
هكذا بهذا التصريح، التقرير الواضح: إنما أموالكم وأولادكم فتنة.
أين أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه من هذه الآيات؟
القضية كانت في منتهى الوضوح في نظر الصديق رضي الله عنه، وأوراقه كانت مرتبة تمامًا، الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة على كل شيء، والصديق مع رقة قلبه، وعاطفته الجياشة، ومع تمام رأفته مع أولاده، كان لا يقدم أحدًا منهم، مهما تغيرت الظروف على دعوته، وجهاده، وما فتن بهم لحظة.
-[gdwl] أعلن الدعوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة،[/gdwl] ودافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كاد أن يقتل، ولم يفكر أنه إذا مات سوف يخلف وراءه صغارًا ضعافًا، محتاجين في وسط الكفار المتربصين، كان يجاهد، ويعلم أنه إذا أراد الحماية للذرية الضعيفة أن يتقي الله عز وجل، وأن ينطلق بكلمة الدعوة، وكلمة الحق أيًا كانت العوائق {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء:9] .
- لما هاجر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان[gdwl] يبكي من الفرح[/gdwl]، لأنه سيصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مليء بالمخاطر، مخلفًا وراءه ذرية في غاية الضعف، ويعلم أن قريشًا ستهجم على بيته لا محالة، وقد حدث، وضرب أبو جهل لعنه الله أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما، فسال الدم منها، ما رأى الصديق كل ذلك، كل ما رآه هو نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطريق الله عز وجل، ليس هذا فقط ولكنه حمل معه كل أمواله، كل ما تبقى بعد الإنفاق العظيم، خمسة آلاف درهم حملها جميعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا ترك لأهله؟
ترك لهم الله ورسوله، يقين عجيب، وثبات يقرب من ثبات الأنبياء، أبو قحافة والد الصديق رضي الله عنه كان طاعنًا في السن وقت الهجرة، وكان قد ذهب بصره، دخل على أولاد الصديق، وهو على وَجَل من أن الصديق قد أخذ كل ماله، وترك أولاده هكذا، لكن الابنة الواعية الواثقة المطمئنة بنت الصديق أسماء رضي الله عنها، وعن أبيها، وضعت يد الشيخ على كيس مملوء بالأحجار توهمه أنه مال، فسكن الشيخ لذلك، الشيخ الكبير لن يفهم هذه التضحيات، ولن يفهمها أحد إلا من كان على يقين يقارب يقين الصديق رضي الله عنه.
- الصديق يوظف أولاده في عملية خطيرة، عملية التمويه على الهجرة، عملية قد تودي بحياتهم في وقت اشتاط الغضب بقريش، حتى أذهب عقلها، عبد الله بن الصديق كان يتحسس الأخبار في مكة نهارًا، ثم يذهب ليلًا إلى غار ثور يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأباه بما يحدث في مكة، ويظل حارسًا على باب الغار حتى النهار، ثم يعود أدراجه إلى مكة، السيدة أسماء كانت حاملًا في الشهور الأخيرة من حملها، ومع ذلك، فكان عليها أن تحمل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق في غار ثور سالكة طريقًا وعرًا، وصاعدة جبلًا صعبًا، وذلك حتى إذا رآها أحد لا يتخيل أن المرآة الحامل تحمل زادًا إلى الرسول وصاحبه، مهمة خطيرة، وحياتها في خطر، لكن ما أهون الحياة إن كان الله هو المطلب، وإن كانت الجنة هي السلعة المشتراة.
- ومر بنا كيف تبرع بكل ماله في تبوك، وما ترك شيئًا لأولاده رضي الله عنه، وأرضاه، فلما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماذا أبقى لأهله؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله.
- ثم ها هو الصديق يقدم فلذة كبده عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما، ها هو يقدمه شهيدًا في سبيل الله، علمه حب الجهاد، وحب الموت في سبيل الله، فأصيب في الطائف بسهم، ولم يمت في ساعتها، بل بقى أيامًا وشهورًا، ويقال: إنه خرج بعد ذلك إلى اليمامة في حروب المرتدين، واستشهد هناك. الثابت أنه استشهد في خلافة الصديق رضي الله عنه، وكأن الله أراد أن ينوع عليه الابتلاءات حتى يُنقى تمامًا من أي خطيئة، بل إنه قال كلمة عجيبة لما رأى قاتل ابنه عبد الله وكان قد أسلم بعد أن قتله قال: الحمد لله الذي أكرمه بيديك (يعني أكرمه الشهادة) ولم يُهْلِكّ بيده (أي الموت كافرًا) فإنه أوسع لكما.
سعيد لأن ابنه قد مات شهيدًا في سبيل الله، وأيضًا لأن هذا الرجل لم يقتل على يد عبد الله، فكانت أمامه فرصة للإسلام، أي رجل هذا؟!
- لكن إن كان لنا أن نفهم كل هذه التضحيات، فإن له موقفًا مع ولد من أولاده يتجاوز كل حدود التضحيات المعروفة، والمألوفة لدى عامة البشر، الصديق رضي الله عنه في غزوة بدر يكون في فريق، فريق المؤمنين، وابنه البكر عبد الرحمن بن أبي بكر في الفريق الآخر، فريق المشركين، ولم يكن قد أسلم بعد، وإذا بالصديق رضي الله عنه يبحث عن فلذة كبده، وثمرة فؤاده؛ ليقتله، نعم ليقتله!
وقف كفر الابن حاجزًا بين الحب الفطري له، وبين حب الله عز وجل، فقدم الصديق حب الله عز وجل دون تردد، ولا تفكير، وضوح الرؤية، نعم وضوح الرؤية إلى هذه الدرجة، لكن بفضل الله لم يوفق الصديق في أن يجد ابنه؛ لأن الله مَنّ عليه بعد ذلك بالإسلام، أسلم يوم الحديبية، ولما أسلم قال لأبيه:
لقد أهدفت لي يوم بدر، فملت عنك، ولم أقتلك.
أي رأيتك هدفًا سهلًا في بدر، وكان عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه من أمهر الرماة في فريق المشركين، فقال أبو بكر في ثبات وثقة:
ولكنك لو أهدفت إليّ، لم أمل عنك.
وسبحان الله، وكأن الله أراد أن يشبه أبا بكر بإبراهيم عليه الصلاة والسلام أكثر وأكثر، فقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم مثلًا للصديق بعد تخيير الحكم في أسارى بدر، أراد الله أن يشبه أبا بكر بالخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الذي ابتلي البلاء المبين بذبح ابنه، فيبتلي الصديق كذلك بالبحث عن ابنه ليذبحه بيده، أيّ مثل رائع ضربه الصديق لهذه الأمة؟!
كيف تغلّب على هذا المعوق الخطير الذي كثيرًا ما خلف أناسًا عن السير في طريق الدعوة، وعن السير في طريق الجهاد؟ {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح:11].
لكن هذا لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة لاتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسبق إلى الخيرات، والشعور بأهمية الدعوة، واستحقار أمر الدنيا، وتعظيم الآخرة، كان كل ذلك وراء هذا اللون العجيب من الثبات.
المراجع
1- موقع أهل القرآن: أبو بكر الصديق
2- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج4، ص169، دار الجيل.
3- تاريخ الدعوة إلى الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين، ص30.
4- أ ب ت ث ج أبو بكر الصديق، علي الطنطاوي، ص43-50، دار المنارة، ط1986.
5- أ ب تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج1، ص34، مطبعة السعادة، ط1952.
6- أ ب الأعلام، خير الدين الزركلي، ج4، ص102.
7- السيرة النبوية، ابن هشام، ج2، ص89، دار الجيل.
8- البداية والنهاية، ابن كثير، ج3، باب:عزم الصديق على الهجرة إلى الحبشة


هذا هو ابو بكر الصديق رضي ألله عنه لمن لا يعرفه جيدا
وكذلك للكفرة الفجرة أهل الفتن والحقد والكذب والتدليس والافتراء والضلالة







  #72  
قديم 2014-10-09, 07:19 PM
ابن الصديقة عائشة ابن الصديقة عائشة غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-09-26
المكان: بلاد الله
المشاركات: 5,182
افتراضي

علاقة علي بن أبي طالب بأبي بكر الصديق رضي الله عنهما

وردت أخبار كثيرة في شأن تأخّر علي عن مبايعة الصديق، وكذا تأخّر الزبير بن العوام، وجُلّ هذه الأخبار ليست بصحيحة، وقد جاءت روايات صحيحة السند تفيد بأن عليًا والزبير رضي الله عنهما بايعا الصديق في أول الأمر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار.. فذكر بيعة السقيفة، ثم قال: ثم انطلقوا، فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليًا، فسأل عنه، فقام أناس من الأنصار، فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين؟! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعه، ثم لم يرى الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟! فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعاه".



أولاً: مبايعة علي لأبي بكر بالخلافة رضي الله عنهما:

وردت أخبار كثيرة في شأن تأخّر علي عن مبايعة الصديق، وكذا تأخّر الزبير بن العوام، وجُلّ هذه الأخبار ليست بصحيحة، وقد جاءت روايات صحيحة السند تفيد بأن عليًا والزبير رضي الله عنهما بايعا الصديق في أول الأمر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار.. فذكر بيعة السقيفة، ثم قال: ثم انطلقوا، فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليًا، فسأل عنه، فقام أناس من الأنصار، فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين؟! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعه، ثم لم يرى الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟! فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعاه".

ومما يدل على أهمية حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الصحيح أن الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الجامع الصحيح -الذي هو أصح الكتب الحديثية بعد صحيح البخاري - ذهب إلى شيخه الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب صحيح ابن خزيمة- فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة: "هذا الحديث يساوي بدنة"، فقال ابن خزيمة: "هذا الحديث لا يساوي بدنة فقط، إنه يساوي بدرة مال"، وعلق على هذا الحديث ابن كثير رحمه الله فقال: "هذا إسناد صحيح محفوظ، وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب، إما في أول يوم، أو في الثاني من الوفاة، وهذان حق، فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلفه"، وفي رواية حبيب بن أبي ثابت، حيث قال: "كان علي بن أبي طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج عليّ إلى المسجد في قميص له، ما عليه إزار ولا رداء، وهو متعجِّل، كراهة أن يبطئ عن البيعة ، فبايع أبا بكر، ثم جلس، وبعث إلى ردائه فجاؤوه به، فلبسه فوق قميصه".

وقد سأل عمرو بن حريث سيعد بن زيد رضي الله عنه فقال له: "متى بويع أبو بكر"؟ قال سعيد: "يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة".

قال: "هل خالف أحد أبا بكر"؟ قال سعيد: "لا، لم يخالف إلاّ مرتد، أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه".

قال: "هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته"؟

قال سعيد: "لا، لقد تتابع المهاجرون على بيعته"، وكان مما قال علي رضي الله عنه لابن الكواء وقيس بن عباد حينما قدم البصرة وسألاه عن مسيره قال: "لو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما ولو لم أجد إلاّ بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلاً ولم يمت فجأة، مكث في مرضه أيامًا وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: «أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس»، فلما قبض الله نبيه ونظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله، وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي أعظم الأمور وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلاً، ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي".

وكان مما قال في خطبته على منبر الكوفة في ثنائه على أبي بكر وعمر: "فأعطى المسلمون البيعة طائعين، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا"، وجاءت روايات أشارت إلى مبايعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما في أول الأمر وإن لم تصرح بذلك، فعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: "إن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر إليهم وقال: والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة قط، ولا كنتُ فيها راغبًا، ولا سألتها الله عز وجل في سرٍّ ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة ، وما لي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمرًا عظيمًا ما لي به من طاقة ولا بدّ إلاّ بتقوية الله عز وجل، ولودِدْتُ أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم".

قال علي رضي الله عنه والزبير: "ما غضبنا إلاّ لأنا قد أخرنا عن المشاورة، وأنَّا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه، وكبره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي".

وعن قيس العبدي قال: "شهدت خطبة علي يوم البصرة قال: فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما عالج من الناس، ثم قبضه الله عز وجل إليه، ثم رأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه فبايعوا وعاهدوا وسلموا، وبايعت وعاهدت وسلمت، ورضوا ورضيت، وفعل من الخير وجاهد حتى قبضه الله عز وجل، رحمة الله عليه".

إن عليًا رضي الله عنه لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عنه في جماعة من الجماعات، وكان يشاركه في المشورة، وفي تدبير أمور المسلمين.

ويرى ابن كثير ومجموعة من أهل العلم أن عليًا جدّد بيعته بعد ستة أشهر من البيعة الأولى، أي بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، وجاءت في هذه البيعة روايات صحيحة. ولكن لما وقعت البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليًا لم يبايع قبلها، فنفى ذلك والمثبت مقدم على النافي.

وهناك كتاب اسمه "الإمام علي جدل الحقيقة والمسلمين الوصية والشورى" لمحمود محمد العلي، زعم صاحبه بأنه يبحث وينشد الحقيقة، ولكن صاحبه لم يتخلص من المنهج الشيعي الرافضي في الطرح ووضع السمّ في العسل، ولذلك وجب التنبيه، وقد تعرض لبيعة علي رضي الله عنه، وزعم بأن أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة قائمة على الوصية.

ثانيًا: علي رضي الله عنه ومساندته لأبي بكر في حروب الردة:

كان علي رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه عيبة نصح له، مرجحًا لما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين على أي شيء آخر، ومن الدلائل الساطعة على إخلاصه لأبي بكر ونصحه للإسلام والمسلمين، وحرصه على الاحتفاظ ببقاء الخلافة واجتماع شمل المسلمين ما جاء من موقفه من توجه أبى بكر رضي الله عنه بنفسه إلى ذي القصة، وعزمه على محاربة المرتدين، وقيادته للتحركات العسكرية ضدهم بنفسه، وما كان في ذلك من مخاطرة وخطر على الوجود الإسلامي، فعن ابن عمر رضي الله عنه يقول: "أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "لُمّ سيفك ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة"، فو الله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدًا"، فرجع.

فلو كان علي رضي الله عنه -أعاذه الله من ذلك- لم ينشرح صدره لأبي بكر وقد بايعه على رغم من نفسه، فقد كانت هذه فرصة ذهبية ينتهزها علي، فيترك أبا بكر وشأنه، لعله يحدث به حدث فيستريح منه ويصفو الجو له، وإذا كان فوق ذلك -حاشاه الله- من كراهته له، وحرصه على التخلص منه، أغرى به أحدًا يغتاله، كما يفعل الرجال السياسيون بمنافسيهم وأعدائهم، وقد كان رأي علي رضي الله عنه مقاتلة المرتدين، وقال لأبي بكر لما قال لعلي: "ما تقول يا أبا الحسن"؟ قال: "أقول: إنك إن تركت شيئًا مما كان أخذه منهم رسول الله، فأنت على خلاف سنة الرسول"، فقال: "أما لئن قلت ذاك لأقاتلنهم وإن منعوني عقالاً".

ثالثًا: تقديم علي رضي الله عنه لأبي بكر:

تواترت الأخبار عن علي رضي الله عنه في تفضيله وتقديمه لأبي بكر رضي الله عنه فمن ذلك:

1- عن محمد بن الحنفية قال: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلاّ رجل من المسلمين".

2- عن علي رضي الله عنه قال: "ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر. ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبي بكر: عمر".

3- عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: "قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم".

4- وقال علي رضي الله عنه: "لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلاّ جلدته حد المفتري".

5- قول علي لأبي سفيان رضي الله عنهما: "إنا وجدنا أبا بكر لها أهلاً".

وهناك آثار يُستأنس بها في إيضاح العلاقة الطيبة بين علي وأبي بكر رضي الله عنهما، منها:

(أ) عن عقبة بن الحارث قال: "خرجت مع أبى بكر الصديق من صلاة العصر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليال وعلي يمشي إلى جنبه، فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان، فاحتمله على رقبته وهو يقول:

بأبي يشبهُ النبي *** ليس شبيهًا بعلي

قال: وعلي يضحك".

(ب) وعن علي رضي الله عنه قال: "من فارق الجماعة شبرًا، فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه"، فهل كان علي يفعل ذلك؟ كان رضي الله عنه يكره الاختلاف ويحرص على الجماعة. قال القرطبي: "من تأمّل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الاتفاق عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانًا، لكن الديانة ترد بذلك والله الموفق".

وأما ما قيل من تخلّف الزبير بن العوام عن البيعة لأبي بكر، فإنه لم يرد من طريق صحيح، بل ورد ما ينفي هذا القول، ويثبت مبايعته في أول الأمر، وذلك في أثر أبي سعيد الصحيح وغيره من الآثار.

(ج) قال ابن تيمية : "وقد تواترت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: خير الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، وقد رُوي هذا عنه من طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا، وعنه أنه يقول: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلاّ جلدته حد المفتري.

وقال أيضًا: ولم يقل قط أني أحق بهذا أي الخلافة من أبي بكر، ولا قاله أحد بعينه إن فلانًا أحق بهذا الأمر من أبي بكر، وإنما قال من فيه أثر لجاهلية عربية أو فارسية إن بيت الرسول أحق بالولاية؛ لأن العرب في جاهليتها كانت تقدم أهل الرؤساء، وكذلك الفرس يقدمون أهل بيت الملك، فنقل عمن نقل عنه كلام يشير به إلى هذا".

(د) تسمية أبي بكر بالصديق وشهادة علي له بالسبَّاق والشجاعة: عن يحيى بن حكيم بن سعد قال: "سمعت عليًا رضي الله عنه يحلف: لله أنزل اسم أبي بكر من السماء، الصديق".

وعن صلة بن زفر العبسي قال: "كان أبو بكر إذا ذُكر عند علي قال: السبَّاق تذكرون، والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلاّ سبقنا إليه أبو بكر"، وعن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال: "خطبنا علي فقال: أيها الناس، من أشجع الناس؟ قلنا: أنت يا أمير المؤمنين. قال ذاك أبو بكر الصديق ، إنه لما كان في يوم بدر وضعنا لرسول الله العريش فقلنا: من يقم عنده لا يدنو إليه أحد من المشركين؟ فما قام عليه إلاّ أبو بكر، وإنه كان شاهرًا السيف على رأسه كلما دنا إليه أحد هوى إليه أبو بكر بالسيف، ولقد رأيت رسول الله وأخذته قريش عند الكعبة فجعلوا يتعتعونه ويترترونه، ويقول: أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، فو الله ما دنا إليه إلاّ أبو بكر ولأبي بكر يومئذ ضفيرتان، فأقبل يجأ هذا، ويدفع هذا، ويقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم.. وقُطعت إحدى ضفيرتي أبي بكر، فقال علي لأصحابه: ناشدتكم الله أي الرجلين خير: مؤمن آل فرعون أم أبو بكر؟ فأمسك القوم، فقال علي: والله ليوم من أبي بكر خير من مؤمن آل فرعون، ذلك رجل كتم إيمانه فأثنى الله عليه، وهذا أبو بكر بذل نفسه ودمه لله".

رابعًا: اقتداء علي بالصديق في الصلوات وقبول الهدايا منه:

إن عليًا رضي الله عنه كان راضيًا بخلافة الصديق، ومشاركًا له في معاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا رافعًا إليه الشكاوي، مصليًا خلفه، محبًا له، مبغضًا من بغضه، وشهد بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بهديهم، وسلك مسلكهم، ونهج منهجهم، فهذا اليعقوبي الشيعي الغالي في تاريخه يذكر أيام خلافة الصديق فيقول: "وأراد أبو بكر أن يغزو الروم فشاور جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا وأخروا فاستشار علي بن أبي طالب فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير، فقام أبو بكر في الناس خطيبًا، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم، وفي رواية: سأل الصديق عليًا كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي صلى الله عليه وسلم حيث سمعته يبشر بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن، سرّك الله".

ويقول اليعقوبي أيضًا: "وكان ممن يُؤخذ عنهم الفقه في أيام أبي بكر علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، فقدم عليًا على جميع أصحابه"، وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم وتقديمهم عليًا في المشورة والقضاء، فعندما كتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر بقوله له: "إنه وجد رجلاً في بعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة[ ] "، فجمع أبو بكر لذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علي، فقال علي: "إن هذا ذنب لم يعمل به إلاّ أمة واحدة، ففعل الله بهم ما قد علمتم، أرى أن تحرقه بالنار، فاجتمع رأي أصحاب رسول الله أن يُحرق بالنار، فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار، وكان علي رضي الله عنه يمتثل أوامر الصديق؛ فعندما جاء وفد من الكفار إلى المدينة، ورأوا بالمسلمين ضعفًا وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة الطغاة، وأحس منهم الصديق خطرًا على عاصمة الإسلام والمسلمين، أمر الصديق بحراسة المدينة، وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر عليًا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحراس، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم.

وللتعامل الموجود بينهم وللتعاطف والتواد والوئام الكامل كان علي وهو سيد أهل البيت ووالد سبطي الرسول صلى الله عليه وسلم يتقبل الهدايا والتحف، دأب الإخوة المتساوين فيما بينهم والمتحابين كما قبل الصهباء الجارية التي سُبيت في معركة عين التمر، وولدت له عمر ورقية، وأيضًا منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أُسرت مع من أسر في حرب اليمامة وولدت له أفضل أولاده بعد الحسن والحسين وهو محمد بن الحنفية، وكانت خولة من سبي أهل الردة، وبها يُعرف ابنها، ونُسب إليها محمد بن الحنفية، يقول الإمام الجويني عن بيعة الصحابة لأبي بكر: "وقد اندرجوا تحت الطاعة عن بكرة أبيهم لأبي بكر رضي الله عنه، وكان علي رضي الله عنه سامعًا لأمره، وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد، ونهض إلى غزو بني حنيفة".

ووردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية، والخمس، وأموال الفيء من الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان علي هو القاسم والمتولي في عهده على الخمس والفيء، وكانت هذه الأموال بيد علي، ثم كانت بيد الحسن ثم بيد الحسين، ثم الحسن بن الحسن ثم زيد بن الحسن، وكان علي رضي الله عنه يؤدي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصديق، راضيًا بإمامته، ومظهرًا للناس اتفاقه ووئامه معه، وكان علي رضي الله عنه يروى عن أبي بكر بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أسماء بنت الحكم الفزاري قالت: "سمعتُ عليًا رضي الله عنه يقول: كنت إذا سمعت من رسول الله علمًا نفعني الله به، وكان إذا حدثني عنه غيري استحلفته فإذا حلف صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد مسلم يذنب ذنبًا ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلاّ غفر الله له».

ولما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف أصحابه فقالوا: ادفنوه في البقيع، وقال آخرون: ادفنوه في موضع الجنائز، وقال آخرون: ادفنوه في مقابل أصحابه، فقال أبو بكر: أخّروا فإنه لا ينبغي رفع الصوت عند النبي حيًا ولا ميتًا، فقال علي رضي الله عنه: أبو بكر مؤتمن على ما جاء به. قال أبو بكر: عهد إليّ رسول الله أنه ليس من نبي يموت إلاّ دفن حيث يُقبض"، وشهد علي رضي الله عنه للصديق عن عظيم أجره في المصاحف، فعن عبد خير قال: سمعت عليًا يقول: "أعظم الناس أجرًا في المصاحف: أبو بكر الصديق، هو أول من جمع بين اللوحين".

خامسًا: الصديق والسيدة فاطمة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم:

قالت عائشة رضي الله عنها: "إن فاطمة والعباس رضي الله عنهما أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله يقول: «لا نورّث، ما تركنا صدقة»، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم من هذا المال"، وفي رواية قال أبو بكر رضي الله عنه: ".... لستُ تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلاّ عملتُ به، فإني أخشى إن تركتُ شيئًا من أمره أن أزيغ".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، حين توفي رسول الله، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أبي بكر، ليسألنه ميراثهن من النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة رضي الله عنها لهن: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نُورّث، ما تركناه صدقة»"؟!

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقتسم ورثتي دينارًا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة».

وهذا ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع فاطمة رضي الله عنها امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الصديق: "لستُ تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلاّ عملتُ به" وقال: "والله لا أدع أمرًا رأيتُ رسول الله يصنعه إلاّ صنعته".

وقد تركت فاطمة رضي الله عنها منازعته بعد احتجاجه بالحديث وبيانه لها، وفيه دليل على قبولها الحق وإذعانها لقوله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن قتيبة:

"وأما منازعة فاطمة أبا بكر رضي الله عنها في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم فليس بمنكر؛ لأنها لم تعلم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وظنت أنها ترثه كما يرث الأولاد آباءهم، فلمان أخبرها بقوله كفّت، وقد غلا الرافضة في قصة ميراث النبي غلوًا مفرطًا، مجانبين الحق والصواب، معرضين متجاهلين ما ورد من نصوص صحيحة في أنه صلى الله عليه وسلم لا يورّث، وجعلوا ذلك من أصول الخلاف بين الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم أجمعين وامتدادًا لأمر الخلافة، فاتهموا الصحابة رضوان الله عليهم بإيقاع الظلم والجور على آل البيت، ولا سيما أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما اللذين غصبا الخلافة من آل البيت كما في زعمهم، وأضافوا إلى ذلك غصب أموال آل البيت، وغصب ما فرض الله لهم من حقوق مالية، ويعتبر الرافضة قضية فدك، ومنع فاطمة من إرثها من أهم القضايا، التي تواطأ عليها الصحابة بعد غصب الصديق رضي الله عنه للخلافة منهم على حد تعبيرهم، وذلك حتى لا يميل الناس إلى آل البيت بسبب هذا المال فيجتمعوا عليه ويخلعوه من الخلافة".

والمتتبع لكتب الرافضة في هذه المسألة يجد أنها تنصب على إنكار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة»، واستقطاب الأدلة لمحاولة إبطاله، فمن ذلك:

1- زعمهم أن هذا الحديث وضعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وفي ذلك يقول الحلي: "إن فاطمة لم تقبل بحديث اخترعه أبو بكر من قوله: ما تركناه صدقة".

وقال أيضًا: "والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها". وقال المجلسي بعد أن نص على أن أبا بكر وعمر أخذا فدكًا: "ولأجل ذلك وضعوا تلك الرواية الخبيثة المفتراة: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة"، ويقول الخميني في ذلك: "نقول إن الحديث المنسوب إلى النبي لا صحة له، وأنه قيل من أجل استئصال ذرية النبي".

ويُجاب على ذلك: بأن هذا القول كذب محض وافتراء واضح؛ إذ هذه الرواية لم ينفرد بها أبو بكر رضي الله عنه بل إن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورّث ما تركناه فهو صدقة»، رواه عنه أبو بكر وعثمان وعلي وطلحة، والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين.

وفي ذلك يقول ابن تيمية: "والرواية عن هؤلاء ثابتة في الصحاح والمسانيد، ومشهورة يعلمها أهل العلم بالحديث، فقول القائل: إن أبا بكر انفرد بالرواية يدل على فرط جهله أو تعمده الكذب . وقال ابن كثير بعد ذكره لمن روى الحديث: "وأن هذا الزعم من الرافضة باطل، ولو تفرد بروايته الصديق رضي الله عنه لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته والانقياد له في ذلك"، وقد قال الدكتور سليمان بن رجاء السحيمي صاحب الكتاب القيم "العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط": "ويؤيد هذا ما جاء من كتب الرافضة عن الإمام جعفر الصادق الإمام الخامس المعصوم عندهم فيما رواه الكليني والصفار، والمفيد أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقًا يطلب منه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة ، والعلماء أمناء، والأتقياء حصون، والأوصياء سادة، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وأن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر. وفي رواية: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم. وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: ما أورث النبيون".

2- زعمهم أن هذا الحديث مخالف لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء : من الآية 11]، وقالوا: ولم يجعل الله ذلك خاصًا بالأمة دونه صلى الله عليه وسلم.

والحقيقة أن الخطاب شامل للمقصودين بالخطاب، وليس فيه ما يوجب كون النبي صلى الله عليه وسلم من المخاطبين بها، فهو صلى الله عليه وسلم لا يُقاس بأحد من البشر، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ولأن الله حرم عليه صدقة الفرض والتطوع، وخُصّ بأشياء لم يُخص بها أحد غيره صلى الله عليه وسلم، ومما خصه الله به، هو وإخوانه من الأنبياء عليهم السلام كونهم لا يورثون، وذلك صيانة من الله لهم لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وخلفوها لورثتهم، أما بقية البشر فلا نبوة لهم يقدح فيها بمثل ذلك، كما صان الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم عن الخط والشعر صيانة لنبوته عن الشبهة، وإن كان غيره لم يحتج إلى هذه الصيانة.

وقال ابن كثير في رده على استدلال الرافضة بالآية: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خُصّ من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فيها.. فلو قدر أن غيره من الأنبياء يورثون، وليس الأمر كذلك، لكان ما رواه الصحابة، وعلى رأسهم أبو بكر، مبينًا لتخصصه بهذا الحكم دون من سواه. وبهذا يتبين بطلان استدلالهم بمخالفة الحديث".

3- زعمهم أن منع الإرث والاستدلال بهذا الحديث مخالف لقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: من الآية 16]، ومخالف لما حكاه الله عن نبيه زكريا عليه السلام: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم :5-6].

حيث قالوا: إن الميراث يقتضي الأموال وما في معناه، وليس لأحد أن يقول إن المراد بالآية العلم دون المال.

ويُجاب على ذلك بما يلي: إن الإرث اسم جنس يدخل تحته أنواع، فيستعمل في إرث العلم والنبوة والملك وغير ذلك من أنواع الانتقال. قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: من الآية 32]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10-11] وغير ذلك من الآيات الواردة في هذا الشأن، وإذا كان كذلك فقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}، وقوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} إنما يدل على جنس الإرث، ولا يدل على إرث المال، وذلك أن داود عليه السلام كان له أولاد كثيرون غير سليمان فلا يختص سليمان بماله، فدل على أن المراد بهذا الإرث إرث العلم والنبوة ونحو ذلك، لا إرث المال، والآية سيقت في بيان مدح سليمان وما خصه الله به من النعمة، وحصر الإرث في المال لا مدح فيه؛ إذ إن إرث المال من الأمور العادية المشتركة بين الناس، وكذلك قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} ليس المراد به إرث المال؛ لأنه لا يرث آل يعقوب شيئًا من أموالهم، وإنما يرث ذلك منهم أولادهم وسائر ورثتهم لو ورثوا.

كما أن قوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي} [مريم: من الآية 5]، لا يدل على أن الإرث إرث مال؛ لأن زكريا لم يخف أن يأخذوا ماله من بعده إذا مات، فإن هذا ليس بمخوف، وزكريا عليه السلام لم يعرف له مال، بل كان تاجرًا يأكل من كسب يده كما في صحيح مسلم ، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولدًا يرث عنه ماله، فدل على أن المراد بالوراثة في هاتين الآيتين وراثة النبوة، والقيام مقامه.

يقول القرطبي في تفسيره للآية: "وعليه فلم يسل من يرث ماله؛ لأن الأنبياء لا تورث، وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة، لا وراثة المال لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنا معشر الأنبياء لا نورّث، ما تركنا صدقة»، وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند لقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}، وعبارة عن قول زكريا: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}، وتخصيص للعموم في ذلك، وإن سليمان لم يرث من داود مالاً خلّفه داود بعده. وإنما ورث منه الحكمة والعلم، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب، وهكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الرافضة خالفوا ما استدلوا به على وجوب الميراث، وذلك أنهم حصروا ميراثه صلى الله عليه وسلم في فاطمة رضي الله عنه فزعموا أنه لم يرث النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ هي، فأخرجوا أزواجه وعصبته مخالفين عموم الآيات التي استدلوا بها، فقد روى الصدوق بسنده عن أبي جعفر الباقر قوله: "لا والله ما ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس ولا علي، ولا ورثته إلاّ فاطمة عليها السلام، وما كان أخذ علي عليه السلام السلاح وغيره إلاّ أنه قضى عنه دينه".

وروى الكليني والصدوق والطوسي بأسانيدهم إلى الباقر أيضًا قوله: "وَورث علي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه، وورثت فاطمة عليها السلام تركته"، بل وأخرجوا فاطمة من ذلك، حيث زعموا أن النساء لا يرثن العقار، فقد بوب الكليني في كتابه الكافي بابًا بعنوان: "إن النساء لا يرثن من العقار شيئًا"، وساق تحته روايات منها: "عن أبي جعفر الصادق إنه قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئًا".

روى الصدوق بسنده إلى ميسر قال: "سألته -يقصد الصادق- عن النساء ما لهن في الميراث؟ فقال: أما الأرض والعقارات فلا ميراث فيه"، وبهذا يتبين عدم استحقاق فاطمة رضي الله عنها شيئًا من الميراث، بدون الاستدلال بحديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»، فما دامت المرأة لا ترث العقار والأرض، فكيف كان لفاطمة أن تسأل فدك -على حسب قولهم-، وهي عقار لا ريب فيه، وهذا دليل كذبهم وتناقضهم فضلاً عن جهلهم.

وأما ما زعموه من كون الصديق رضي الله عنه سأل فاطمة أن تحضر شهودًا، فأحضرت عليًا وأم أيمن فلم يقبل شهادتهما، فهو من الكذب البين الواضح، قال حماد بن إسحاق: "فأما ما يحكيه قوم أن فاطمة عليها السلام طلبت فدك، وذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها إياها، وشهد لها علي عليه السلام فلم يقبل أبو بكر شهادته لأنه زوجها، فهذا أمر لا أصل له ولا تثبت به رواية أنها ادّعت ذلك، وإنما هو أمر مفتعل لا ثبت فيه".

4- أن السنة والإجماع قد دلاّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث، قال ابن تيمية: "كون النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها، وبإجماع الصحابة، وكل منها دليل قطعي، فلا يعارض ذلك بما يُظن أنه عموم، وإن كان عمومًا فهو مخصوص؛ لأن ذلك لو كان دليلاً لما كان إلاّ ظنيًا فلا يعارض القطعي؛ إذ الظني لا يعارض القطعي، وذلك أن هذا الخبر رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس، وليس فيهم من ينكره، بل كلهم تلقاه بالقبول والتصديق، ولهذا لم يصر أحد من أزواجه على طلب الميراث، ولا أصرّ العمّ على طلب الميراث، بل لما طلب من ذلك شيئًا فأخبر بقول النبي صلى الله عليه وسلم رجع عن طلبه، واستمر الأمر على ذلك على عهد الخلفاء الراشدين إلى علي، فلم يغير شيئًا ولا قسم له تركة".

قال ابن تيمية: "قد تولى الخلافة (عليّ) بعد ذي النورين عثمان، وصار فدك وغيرها تحت حكمه، ولم يعط منها شيئًا لأحد من أولاد فاطمة، ولا من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولا ولد العباس، فلو كان ظلمًا وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية وجيوشه، أفتراه يقاتل معاوية مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم، ولا يعطي هؤلاء قليلاً من المال، وأمره أهون بكثير"؟!


وبإجماع الخلفاء الراشدين على ذلك احتج الخليفة العباسي أبو العباس السفاح على بعض مناظريه في هذه المسألة على ما نقل ابن الجوزي في تلبيس إبليس قال: "وقد روينا عن السفاح أنه خطب يومًا فقام رجل من آل علي رضي الله عنه قال: إنا من أولاد علي رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، أعني على من ظلمني. قال: ومن ظلمك؟ قال: أنا من أولاد علي رضي الله عنه والذي ظلمني أبو بكر رضي الله عنه حين أخذ فدك من فاطمة، وقال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ قال: عمر رضي الله عنه قال: ودام على ظلمكم. قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ قال عثمان رضي الله عنه قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ فجعل يلتفت كذا وكذا ينظر مكانًا يهرب منه".

وبتصويب أبي بكر رضي الله عنه في اجتهاده صرَّح بعض أولاد علي من فاطمة رضي الله عنهما على ما روى البيهقي بسنده عن فضيل بن مرزوق قال: "قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: أما لو كنت مكان أبي بكر، لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك"، كما نقل أبو العباس القرطبي اتفاق أهل البيت بدءًا بعلي رضي الله عنه ومن جاء بعده من أولاده، ثم أولاد العباس الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله، إنهم ما كانوا يرون تملكها، إنما كانوا ينفقونها في سبيل الله، قال رحمه الله: "إن عليًا لما ولي الخلافة ولم يغيرها عما عمل فيها في عهد أبي بكر وعمر، وعثمان، ولم يتعرض لتملكها، ولا لقسمة شيء منها، بل كان يصرفها في الوجوه التي كان من قبله يصرفها فيها، ثم كانت بيد حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن الحسين، ثم بيد الحسين بن الحسن، ثم بيد زيد بن الحسين، ثم بيد عبد الله بن الحسين، ثم تولاها بنو العباس على ما ذكره أبو بكر البرقاني في صحيحه، وهؤلاء كبراء أهل البيت رضي الله عنهم وهم معتمدون عند الشيعة وأئمتهم، لم يرو عن واحد منهم أنه تملكها ولا ورثها ولا ورثت عنه، فلو كان ما يقوله الشيعة حقًا لأخذها علي أو أحد من أهل بيته لما ظفروا بها".

وقال ابن تيمية: "قد تولّى (عليّ) الخلافة بعد ذي النورين عثمان، وصارت فدك وغيرها تحت حكمه، ولم يعط منها شيئًا لأحد من أولاد فاطمة، ولا من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ولد العباس، فلو كان ظلمًا وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية وجيوشه، أفتراه يقاتل معاوية مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم، ولا يعطي هؤلاء قليلاً من المال، وأمره أهون بكثير"؟

وقال ابن كثير: "وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل، وتكلفوا ما لا علم لهم به، وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم، فلو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله، وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله، ولكنهم طائفة مخذولة، وفرقة مرذولة، يتمسكون بالمتشابهة، ويتركون الأمور المقررة عند أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين من بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار والأمصار، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين".

5- تسامح السيدة فاطمة مع أبي بكر: وقد ثبت عن فاطمة رضي الله عنها أنها رضيت عن أبي بكر بعد ذلك، وماتت وهي راضية عنه، على ما روى البيهقي بسنده عن الشعبي أنه قال: "لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها، فقال علي: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك؟ فقالت: أتحبِّ أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها يترضاها، فقال: والله ما تركت الدار والمال، والأهل والعشيرة، إلاّ ابتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضَّاها حتى رضيت". قال ابن كثير: "وهذا إسناد جيد قوي، والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي، أو ممن سمعه من علي".

وبهذا تندحض مطاعن الرافضة على أبي بكر التي يعلقونها على غضب فاطمة عليه، فلئن كانت غضبت على أبى بكر في بداية الأمر فقد رضيت عنه بعد ذلك، وماتت وهي راضية عنه، ولا يسع أحدًا صادقًا في محبته لها، إلاّ أن يرضى عمن رضيت عنه، ولا يعارض هذا ما ثبت في حديث عائشة: "إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم من هذا المال، وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع لفاطمة منها شيئًا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت".

فإن هذا بحسب علم عائشة رضي الله عنها رواية الحديث، وفي حديث الشعبي زيادة علم، وثبوت زيارة أبي بكر لها وكلامها له ورضاها عنه، فعائشة رضي الله عنها نفت والشعبي أثبت، ومعلوم لدى العلماء أن قول المثبت مقدم على قول النافي؛ لأن احتمال الثبوت حصل بغير علم النافي، خصوصًا في مثل هذه المسألة، فإن عيادة أبي بكر لفاطمة رضي الله عنها ليست من الأحداث الكبيرة التي تشيع في الناس، ويطّلع عليها الجميع، وإنما هي من الأمور العادية التي تخفى على من لم يشهدها، والتي لا يعبأ بنقلها لعدم الحاجة لذكرها، على أن الذي ذكره العلماء أن فاطمة رضي الله عنها لم تتعمد هجر أبي بكر رضي الله عنه أصلاً، ومثلها ينزه عن ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجر فوق ثلاث، وإنما لم تكلمه لعدم الحاجة لذلك، قال القرطبي صاحب المفهم في سياق شرحه لحديث عائشة المتقدم: "ثم إنها -أي فاطمة- لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول الله صلى الله عليه وسلم ولملازمتها بيتها، فعبر الراوي عن ذلك بالهجران، وإلاّ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم، وأبعد الناس عن مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف لا تكون كذلك وهي بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء أهل الجنة"؟!

وقال النووي: "وأما ما ذُكر من هجران فاطمة أبا بكر رضي الله عنه فمعناه انقباضها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم، الذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء، وقوله في هذا الحديث: (فلم تكلمه) يعني في هذا الأمر، أو لانقباضها لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت إلى لقائه فتكلمه، ولم يُنقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته، لقد انشغلت فاطمة رضي الله عنها عن كل شيء بحزنها لفقدها أكرم الخلق، وهي مصيبة تزري بكل المصائب، كما أنها انشغلت بمرضها الذي ألزمها الفراش عن أية مشاركة في أي شأن من الشؤون، فضلاً عن لقاء خليفة المسلمين المشغول لكل لحظة من لحظاته بشؤون الأمة، وحروب الردة وغيرها، كما أنها كانت تعلم بقرب لحوقها بأبيها، فقد أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أول من يلحق به من أهله، ومن كان في مثل علمها لا يخطر بباله أمور الدنيا، وما أحسن قول المهلب الذي نقله العيني: ولم يرو أحد أنهما التقيا وامتنعا عن التسليم، إنما لازمت بيتها، فعبر الراوي عن ذلك بالهجران".

ومما يدل على أن العلاقة كانت وطيدة بين الصديق والسيدة فاطمة إلى حد أن زوجة أبي بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرّض فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها، في مرض موتها، وكانت معها حتى الأنفاس الأخيرة، وشاركت في غسلها وترحيلها إلى مثواها، وكان علي رضي الله عنه يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وقد وصتها بوصايا في كفنها ودفنها وتشييع جنازتها، فعملت أسماء بها، فقد قالت السيدة فاطمة لأسماء: "إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها"، فقالت أسماء: "يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا أريك شيئًا رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا"، فقال فاطمة: "ما أحسن هذا وأجمله! به لاتُعرف المرأة من الرجال".

وعن ابن عبد البر: "أن فاطمة رضي الله عنها أول من غُطّي نعشها في الإسلام، ثم زينب بنت جحش"، وكان الصديق دائم الاتصال بعلي من ناحية ليسأله عن أحوال بنت النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما يزعمه القوم، فمرضت -أي فاطمة رضي الله عنها- وكان علي يصلي في المسجد الصلوات الخمس، فلما صلى قال له أبو بكر وعمر: "كيف بنت رسول الله"؟ ومن ناحية أخرى من زوجه أسماء حيث كانت هي المشرفة والممرضة الحقيقية لها، ولما قُبضت فاطمة من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان عليًا ويقولان: "يا أبا الحسن، لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله"، وقد توفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة، روى ابن مالك بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين، قال: "ماتت فاطمة بين المغرب والعشاء فحضرها أبو بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم فلما وُضعت ليُصلّى عليها، قال علي: تقدّم يا أبا بكر، قال أبو بكر رضي الله عنه: وأنت يا أبا الحسن؟ قال: نعم، فوالله لا يصلي عليها غيرك، فصلّى عليها أبو بكر رضي الله عنه ودفنت ليلاً".

وجاء في رواية: "صلى أبو بكر رضي الله عنه على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبّر عليها أربعًا"، وفي رواية مسلم: "صلّى عليها علي بن أبي طالب" وهي الرواية الراجحة.

ولقد أجاد وأفاد محمد إقبال في قصيدته العصماء (فاطمة الزهراء) فقال:




نَسَبُ المسيح بنى لمريمَ سيرةً *** بقيت على طول المدى ذكراها
والمجدُ يشرفُ من ثلاث مطالعٍ *** في مهد فاطمةٍ فما أعلاها

هي بنتُ من؟ هي زوجُ من؟ هي أم من؟ *** من ذا يداني في الفخار أباها
هي ومضةٌ من نورِ عينِ المصطفى *** هادي الشعوب إذا ترومُ هداها

من أيقظ الفطرَ النيامَ بروحه *** وكأنه بعد البلى أحياها
وأعاد تاريخَ الحياة جديدةً *** مثلَ العرائسِ في جديد حُلاها

هي أسوةٌ للأمهات وقدوةٌ *** يترسمُ القمرُ المنيرُ خطاها
جعلت من الصبر الجميل غذاءَها *** ورأت رضا الزوج ِ الكريمِ رضاها

إلى أن قال:

لولا وقوفي عند شرعِ المصطفى *** وحدودِ شرعتِه ونحن فداها
لمضيتُ للتطوافِ حول ضريحِها *** وغمرْتُ بالقبلاتِ طيبَ ثراها

سادسًا: مصاهرات بين الصديق وأهل البيت وتسمية أهل البيت بعض أبنائهم (باِسم أبي بكر):

كانت صلة سيدنا أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعضاء أهل البيت، صلة ودية تقديرية تليق به وبهم، كانت هذه المودة والثقة متبادلة، وكانت من المتانة بحيث لا يُتصوَّر معها التباعد والاختلاف مهما نسج المسامرون الأساطير والأباطيل؛ فالصديقة عائشة بنت الصديق بنت أبي بكر كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أحب الناس إليه مهما احترق الحساد ونقم المخالفون، فإنها حقيقة ثابتة وهي طاهرة مطهرة بشهادة القرآن مهما جحدها المبطلون وأنكرها المنكرون، ثم أسماء بنت عميس التي كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب شقيق علي، فمات عنها وتزوجها الصديق، وولدت له ولدًا سماه محمدًا الذي ولاّه على مصر ، ولما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له ولدًا سماه يحيى.

وحفيدة الصديق كانت متزوجة من محمد الباقر -الإمام الخامس عند الروافض وحفيد علي رضي الله عنه-، وقد نقل الأستاذ إحسان إلهي ظهير من كتب الروافض ما يثبت التلاحم والمصاهرة بين بيت النبوة وبيت الصديق.

فقد أثبت أن قاسم بن محمد بن أبي بكر حفيد أبي بكر، وعلي بن الحسين بن علي أبي طالب حفيد علي كانا ابني خالة، فأُمُّ قاسم بن محمد وعلي بن الحسين هما بنتا يزدجرد بن شهريار بن كسرى -اللتان كانتا من سبي الفرس في عهد عمر رضي الله عنه-، وتوسع إحسان إلهي ظهير في إثبات المصاهرات وعلاقات المودة والتراحم المتبادل بين أهل البيت وبيت الصديق، وكان من حب أهل البيت للصديق والتوادّ ما بينهم أنهم سموا أبناءهم بأسماء أبي بكر رضي الله عنه، فأولهم علي بن أبي طالب حيث سمّى أحد أبنائه أبا بكر، وهذا دليل على حب ومؤاخاة وإعظام وتقدير علي للصديق رضي الله عنهما.

والجدير بالذكر أنه وُلِدَ له هذا الولد بعد تولية الصديق الخلافة والإمامة، بل وبعد وفاته كما هو معروف بداهة، وهل يوجد في الشيعة اليوم المتزعمين حب علي وأولاده رجل يُسمّى بهذا الاسم، وهل هم موالون له أم مخالفون؟ وعلي رضي الله عنه لم يسمِّ بهذا ابنه إلاّ تيمناً بالصديق وإظهارًا له المحبة والوفاء وحتى بعد وفاته، وإلاّ فلا يوجد في بني هاشم رجل قبل علي سمى ابنه بهذا الاسم، ثم لم يقتصر عليّ بهذا التيمن والتبرك وإظهار المحبة والصداقة للصديق بل بعده بنوه أيضًا مشوا مشيه ونهجوا نهجه، فالحسن والحسين، سمّى كل واحد منهما أحد أولادهما بأبي بكر، فقد ذكر ذلك اليعقوبي والمسعودي وهما من مؤرخي الروافض، واستمر أهل البيت يسمون من أسماء أولادهم بأبي بكر، فقد سمّى ابن أخي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب فإنه سمّى أحد أبنائه باسم أبي بكر، وهذه من إحدى علامات الحب والود بين القوم، خلاف ما يزعمه الروافض اليوم من العداوة والبغضاء والقتال الشديد والجدال الدائم بينهم.

سابعًا: علي رضي الله عنه في وفاة الصديق:

كان علي رضي الله عنه من ضمن من استشارهم الصديق فيمن يتولى الخلافة من بعده، وكان رأي علي أن يتولى الخلافة بعد الصديق الفاروق.

ولما حان الرحيل ونزل الموت بأبي بكر، كان آخر ما تكلم به الصديق في هذه الدنيا قوله تعالى: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101].

وارتجت المدينة لوفاة أبي بكر الصديق، ولم تر المدينة منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يومًا أكثر باكيًا وباكيةً من ذلك المساء الحزين، وأقبل علي بن أبي طالب مسرعًا، باكيًا، مسترجعًا ووقف على البيت الذي فيه أبو بكر فقال:

"رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته، وكنت أول القوم إسلامًا، وأخلصهم يقينًا، وأشدهم لله تقوى، وأخوفهم لله، وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل، وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدبهم على الإسلام، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله هديًا وسمتًا، وأشرفهم منزلة، وأرفعهم عنده، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن رسول الله وعن الإسلام أفضل الجزاء، صدّقت رسول الله حين كذّبه الناس، وكنت عنده بمنزلة السمع والبصر، سمّاك الله في تنزيله صديقًا فقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:33]، واسيته حين بخلوا، وقمت معه على المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشدة أكرم الصحبة، ثاني اثنين صاحبه في الغار، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وأمته، أحسن الخلافة حين ارتدوا، فقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي، ونهضت حين وهن أصحابه، وبرزت حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا، ولزمتَ منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وهنوا، وكنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا في بدنك قويًا في أمر الله، متواضعًا في نفسك عظيمًا عند الله تعالى، جليلاً في أعين الناس كبيرًا في أنفسهم، لم يكن لأحدهم فيك مغمز، ولا لقائل فيك مهمز، ولا لمخلوق عندك هوادة، الضعيف عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه، القريب والبعيد عندك سواء، وأقرب الناس عندك أطوعهم لله عز وجل وأتقاهم... شأنك الحق والصدق، والرفق، قولك حكم وحتم، أمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم، اعتدل بك الدين، وقوي بك الإيمان ، وظهر أمر الله، فسبقت والله سبقًا بعيدًا، وأتعبت من بعدك إتعابًا شديدًا، وفزت بالخير فوزًا مبينًا، فـ {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [البقرة: من الآية 156]، رضينا عن الله عز وجل قضاءه وسلّمنا له أمره، والله لن يُصاب المسلمون بعد رسول الله بمثلك أبدًا، كنت للدين عزًا، وحرزًا وكهفًا، فألحقك الله عز وجل بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ولا حرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك"، فسكت الناس حتى قضى كلامه، ثم بكوا حتى علت أصواتهم وقالوا: "صدقت".

وجاء في رواية: إن عليًا قال عندما دخل على أبي بكر بعدما سُجّي: "ما أحد أحب أن ألقى الله بصحيفته أحب إليّ من هذا المسجّى".
[LIST][*]التصنيف: قصص الصحابة[*]المصدر: موقع المختار الإسلامي[*]تاريخ النشر: 20 رجب 1435 (19‏/5‏/2014)[/LIST]
  #73  
قديم 2014-10-09, 07:35 PM
الشريف أبو محمد الحسيني الشريف أبو محمد الحسيني غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-07-06
المكان: بلاد الله الواسعة
المشاركات: 902
مهم

[align=center] سيادة الشريف ابن العم ابن الصديقة المكرم
شكراً لك على كل نقطة وذكرتها
وفقك الله[/align]
موضوع مغلق

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع الأقسام الرئيسية مشاركات المشاركة الاخيرة
شيعي يصف كمال الحيدري بالقذارة و النجاسة ؟؟ وينتهي به الأمر بوصف أئمته و دينه بالنجاسة أدخل بالوثيقة ابو هديل الشيعة والروافض 0 2020-02-05 01:03 AM

 link 
*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 يلا شوت 
 عطر فرموني جذاب   بطاقة ايوا   خولة لفن الحياكة   كحل الاثمد   متاجر السعودية   مأذون شرعي   كحل الاثمد الاصلي   تمور المدينة  متابعين تيك توك  اشتراك كاسبر الرسمي   lبرنامج موارد بشرية 
 شركة الرائعون   شركة عزل خزانات   شركة عزل اسطح في الرياض   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح شينكو   شركة عزل خزانات بجدة   شركة عزل خزانات في مكة   شركة عزل خزانات المياه بالطائف   شركة تنظيف مكيفات بجدة   شركة تنظيف بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بتبوك 
 شراء اثاث مستعمل بالرياض   تنسيق حدائق   شركة تنظيف في دبي   شراء اثاث مستعمل بالرياض   شركة تنظيف خزانات بجدة   مكتب مراجعة 
 مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر 
شركة تنظيف خزانات بجدة || شركة تنظيف بجدة || شركة تنظيف بالبخار بجدة || شركة مكافحة حشرات بجدة
 فارلي   شركة تنظيف بجدة   شركة نقل عفش بجدة   شركة تنظيف خزانات بجدة   شركة نقل عفش بجدة   شركة تنظيف بالطائف   شركة تنظيف خزانات بجدة 
 yalla shoot   يلا شوت   يلا شوت 
 شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   شركة تنظيف منازل بالرياض   شركة عزل خزانات بجدة   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج 
شركة صيانة افران بالرياض  سطحة هيدروليك   سطحة بين المدن   سطحة غرب الرياض   سطحة شمال الرياض 
 yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   بث مباشر مباريات اليوم   Kora live   yalla shoot 
 translation office near me   كورة سيتي kooracity   شركة تنظيف منازل بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض 
 ياسين تيفي   شركة حور كلين للتنظيف 
 تركيب ساندوتش بانل   تركيب مظلات حدائق 
 موقع الشعاع   بيت المعلومات   موقع فكرة   موقع شامل العرب   صقور الخليج   إنتظر 
 شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض 
 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة كشف تسربات المياه بالدمام   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
دليل السياح | تقنية تك | بروفيشنال برامج | موقع . كوم | شو ون شو | أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي | المشرق كلين | الضمان | Technology News | خدمات منزلية بالسعودية | فور رياض | الحياة لك | كوبون ملكي | اعرف دوت كوم | طبيبك | شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd