أنصار السنة  
جديد المواضيع



للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 محاسب قانوني   Online quran classes for kids 
منتدى السنة | الأذكار | زاد المتقين | منتديات الجامع | منتديات شباب الأمة | زد معرفة | طريق النجاح | طبيبة الأسرة | معلوماتي | وادي العرب | حياتها | فور شباب | جوابى | بنك أوف تك


العودة   أنصار السنة > رد الشبهات وكشف الشخصيات > رد الشبهات وكشف الشخصيات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2015-01-02, 07:15 PM
حجازيه حجازيه غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2014-04-03
المكان: مـكـة الـمـكـرمـة
المشاركات: 1,808
مصباح مضئ ادعاء مخالفة عمر بن الخطاب للتشريع الإسلامي في منعه لسهم المؤلفة قلوبهم

ادعاء مخالفة عمر بن الخطاب للتشريع الإسلامي في منعه لسهم المؤلفة قلوبهم(*)



مضمون الشبهة:


يدعي بعض المتوهمين أن عمر بن الخطاب - رضي االله عنه - خالف حكما ثابتا بالقرآن. وتأكد بعمل الرسول صلى االله عليه وسلم. وذلك
حين أشار على أبي بكر بمنع سهم المؤلفة قلوبهم. ووافقه أبو بكر - رضي االله عنه - في ذلك. وسار الأمر على هذه الحال في خلافة الفاروق عمر
رضي االله عنه.



وجوه إبطال الشبهة:

1) الظروف التي استوجبت فرض نصيب للمؤلفة قلوبهم من الصدقات كانت: اختلال ميزان القوى وعدم تكافئها في بداية عهد الإسلام.
فالمسلمون محاصرون بالأعداء الأقوياء. فلما اعتدل ميزان القوى وتكافأ بعض الشيء بين المسلمين وأعدائهم. لزم تطبيق الحكم حسب حيثيات
وظروف الوضع الجديد.
2) لم يوقف عمر بن الخطاب - رضي االله عنه - العمل بالنص القرآني أو يخالف الرسول - صلى االله عليه وسلم - حين منع سهم المؤلفة
قلوبهم في خلافة الصديق وخلافته؛ لعدم وجود شريحة المؤلفة قلوبهم.
3) آية المؤلفة قلوبهم محكمة وباقية إلى يوم القيامة. يعمل بها المسلمون متى استلزم الأمر ذلك.
التفصيل:
قبل أن نشرح العوامل التي أدت بسيدنا عمر إلى الإشارة بمنع نصيب المؤلفة قلوبهم. نحب أن نوضح أن صحابة رسول االله - صلى
االله عليه وسلم - ماكان لهم أبدا أن يخالفوا رسول االله - صلى االله عليه وسلم - حيا ولا ميتا. ولا أن يشرعوا في دين االله ما ليس منه. أو
يلغوا منه ما هو ثابت فيه. والمعروف أن سيدنا عمر - رضي االله عنه - كان من خيرة صحابة رسول االله صلى االله عليه وسلم. وهو من
العشرة المبشرين بالجنة؛كما أنه الذي نزل القرآن موافقا لرأيه في مرات عديدة. مما يؤكد أنه ذو رأي سديد و بعد نظر.
كما نحب أن نبين أيضا أن ما صنعه عمر في سهم المؤلفة قلوبهم وغيره من الأمور التي اختلفت فيها سياسته الشرعية عن عهد
الرسالة وعصر الصديق ما هو إلا اجتهاد في حدود النص أو في ضوء المبادئ العامة والأصول المقررة الثابتة و ليس خارجا عن ذلك.

يقول د. بلتاجي:
صحيح أنهكانت لعمر اجتهادات متعددة في حياة الرسول - صلى االله عليه وسلم - لكنها كانت في حقيقتها مشورات من عمر للنبي
صلى االله عليه وسلم. في مسائل عرض فيها الأمر للشورى. أو في مسائل كانت لعمر فيها آراء رأى أنها تحقق مصلحة المجتمع الإسلامي
في عهد الرسالة. وبالرغم من أن الوحي قد وافق عمر في كثير مما أشار به على النبي - صلى االله عليه وسلم - كما حدث في قصة أسارى
بدر. واتخاذ مقام إبراهيم مصلى. والحجاب. وترك الصلاة على عبد االله بن أبي. وغير ذلك فإن قيمة هذه الموافقات قد انحصرت في إبراز
عقلية عمر التشريعية الممتازة. والمدى الكبير الذي وصلت إليه في نفاذ النظرة. وصواب الرأي. والمعرفة بظروف المجتمع ومقاصد
التشريع. فكانت في الواقع إرهاصا بالأعمال والتنظيمات العظيمة التي تمت بعد ذلك في عهد هذا الرجل العظيم. وكانت شهادة سابقة من
عالم الغيب لعمر وعقليته التشريعية لا تعدلها الشهادة.
لكن هذه الموافقات لم تزد على ذلك. ولا يمكن أن نفهم منها أن آراء المجتهدين من الصحابة في هذه الفترة - وافقها الوحي أم
خالفها - قد اكتسبت سلطة التشريع؛ لأن هذه السلطة قد اقتصرت في هذه الفترة على الوحي. وعلى تطبيقات السنة العملية التي أقرها
الوحي نصا أو سكوتا.
ولما كان المسلمون سيواجهون أحداثا وتغيرات جديدة بعد وفاة الرسول صلى االله عليه وسلم. تحتاج في تفاصيلها إلى نوع من صدق
النظرة وأصالة الرأي. عند تطبيق هذه الأصول العامة المقررة على الأحداث المتغيرة. في وقت يكون الوحي فيه قد انقطع بعد أن أرسى
الأسس - فإن مشورات الصحابة وأجتهادهم في حياة الرسول كانت نوعا من التمرين العملي. على حل المشكلات التي ستواجههم بعد
انقطاع الوحي. كما كانت مجالا لإبراز القدرات التشريعية بين الصحابة. ولا بأس بذلك ما دام الوحي ينزل بإقرار الصواب ورفض الخطأ.
ففي أثناء ذلك. وبتقرير سبب الرفض والتأمل في سبب القبول. يتعلم المسلمون طريقة التفكير السليم لحل مشاكلهم.

كان الإسلام إذن يهدف في حياة الرسول إلى تعليم المسلمين طرق التفكير المنطقي السليم. عن طريق تعليل أحكامه. وإقرار بعض
اجتهاداتهم. ورفض بعضها الآخر. على أن يسير التشريع الإسلامي في هذه الفترة بالتدرج مع الأحداث. بدون أن يعطى أحد منهم حق
التشريع حتى تكمل أسس النظام -كما فرضه االله - وأصوله وقواعده.
وقبيل وفاة الرسول - صلى االله عليه وسلم - كان الوحي قد أكمل ما يهدف إليه. حيث أرسى أسس التشريع الإسلامي وقرر أصوله
العامة.
فقرر في مجال الاقتصاد: منع الربا والاحتكار والاستغلال. ووجوب الزكاة والعدل المادي بين الناس.
وقرر في السياسة ونظام الحكم: وجوب الشورى. والمساواة الأساسية في الحقوق والواجبات بين الناس. والعدل الاجتماعي. ووجوب
طاعة الرئيس العادل. وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقرر مثل ذلك في مجالات الحياة الأخرى. وترك للناس بعد ذلك - في كل جيل - مهمة تطبيق هذه الأسس على ظروفهم الخاصة.
وأعرافهم التي تختلف من جيل إلى جيل ومن بيئة إلى أخرى. ومن البدهي أن هذه المهمة تتطلب جهودا ضخمة تتجدد بتجدد الظروف
والبيئات والمجتمعات.
نستطيع أن نقول إذن: إن الفرق بين اجتهاد المسلمين في عصر الرسالة واجتهادهم بعده هو أن حق التشريع اقتصر في فترة الرسالة
على الوحي. وفيها كان الرسول - صلى االله عليه وسلم - هو المفسر المنقذ للتشريعات القرآنية. وكان الوحي يسدده. أما بعد إكمال
التشريع بإرساء أسسه العامة ووفاة النبي - فقد ترك تطبيق هذه الأسس لاجتهاد أولي الرأي فيكل جيل وبيئة. وبهذا الاختيار دخل الاجتهاد
من القادرين عليه في مفهوم التشريع الإسلامي. واعتبر من مصادره بعد نصوص القرآن والسنة[1].
وعلى ضوء هذا يتضح ما صنعه عمر في تنزيله لآية المؤلفة قلوبهم؛ إذ هو ضرب من رعاية مقصد الشارع. ولا يمكن أن يكون عبثا
بالشريعة أو تغييرا لها. وعن علة هذا الحكم وحيثيات هذا التشريع يبحر بنا الفقيه المعاصر د. محمد بلتاجي ليجلي الأمر ويوضح الصورة
بتتبع نشأة المؤلفة قلوبهم والظروف التي تسمح لهم بالأخذ من أموال الزكاة ومتى يمنعوا ذلك على النحو الآتي:
أولا : معنى المؤلفة قلوبهم. والظروف التي استوجبت فرض نصيب لهم من أموال الزكاة:
مما شرع في القرآن في توزيع الزكاة أن يكون للمؤلفة قلوبهم نصيب منها. قال عزوجل: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين
عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل االله وابن السبيل فريضة من االله واالله عليم حكيم ((60 (التوبة). فمن هم المؤلفة
قلوبهم؟ وما الظروف التي استوجبت فرض نصيب لهم من الصدقات؟
إن المتتبع لظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية. يلاحظ في دهشة وعجب أن القوى المعادية التي أحاطت من كل جانب بالدعوة
الجديدة. و وقفت بكل جهودها تحاول القضاء عليها. فلم تنجح في محاولتها. بل ما لبثت قبائل شبه الجزيرةكلها أن اعتنقت هذه الدعوة.
بحيث أصبح شبه الجزيرة العربية نقطة ارتكاز وتجمع. وأرضا صلبة لهذه الدعوة. ولا بد أن نسلم بأن هذه الدعوة الجديدة كانت تحتوي
على إمكانات حيوية. شقت أمامها طريق النصر في ظروف صعبة.
لكن تقصى وقائع التاريخ يثبت أن الإمكانات المعنوية ما كانت لتستطيع وحدها أن تغير الواقع المادي الصلب. وبخاصة أن ا샀تمعات البشرية
تمر بظروف تصبح فيها المادة منطق الحياة ومبدأها الوحيد. وحينئذ لا يكون هناك أكثر فعالية من المال. في نفوسكثير من الناس.
ولا شك أن مجتمع المدينة الإسلامي الناشئ. المحاصر من كل الجهات بالأعداء الأقوياء. كان يمر بظروف قاسية في حرب غير
متكافئة عدديا على الأقل. لكن قوة العقيدة كانت تهب النصر. وبعد كل انتصار للمسلمين كان يوجد دائما هؤلاء الرجال. الذين يجمعون
بين الذكاء والطموح والتفكير العلمي. والذين هم على استعداد للتخلي عن روح العداء للقوة المنتصرة إذا قدم شيء من المال. قال صفوان
بن أمية - وهو أحد المؤلفة قلوبهم -:«واالله. لقد أعطاني رسول االله - صلى االله عليه وسلم - ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي. فما برح
يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي»[2]. ومن ينكر تأثير العطاء المادي المتكرر في نفوس البشر. وإن تفاوتت درجته بين رجل وآخر؟ لقد
كان تخلي هؤلاء الرجال عن روح العداء يختصر طريق النصر الشاق. ويعطيهم الفرصة للاتصال المباشر بمبادئ الدعوة الجديدة. فإذا ما تم
لهم هذا الاتصال بها أحبتها نفوسهم وقلوبهم. ولم يعودوا في حاجة إلى أن تفرض عليهم. أو يفرض عليهم إعادة النظر فيها. وكان وصولهم
إلى هذه الدرجة من الاقتناع الحر. كسبا مزدوجا لهم. وللدعوة الجديدة؛ فإن معظمهم كان من رؤساء القوم. في وقت كانت فيه غالبية
معتنقي العقيدة الجديدة من العبيد والإماء. ومن الفقراء والمستضعفين. المتطلعين إلى الخلاص والحرية والإنسانية. في ظل الدين الذي
يدعو إلى المساواة الشاملة.
ولن نعجب إذا وجدنا أن معظم الذين كان يراد تأليف قلوبهم حول الإسلام.كانوا من أشراف الناس ورؤسائهم. وقدكانوا ثلاثة أنواع:
1 - مشركون بعيدون بقلوبهم عن الإسلام. يعطون ليكفوا أذاهم عن المسلمين وللاستعانة بهم على غيرهم من المشركين عند الحاجة لذلك؛ لئلا
يتكتل المشركونكلهم في معركة واحدة ضد القوة الإسلامية الناشئة.
2- مشركون من رؤساء القوم. عندهم استعداد نفسي لإعادة النظر في الدعوة. فيعطيهم الرسول - صلى االله عليه وسلم - من الصدقات.
ويقربهم ليتصلوا بمبادئ الدعوة ورجالها اتصالا مباشرا. فإما آمنوا بها. وإما ضعف عداؤهم لها. فلم يمنعوا من أسلم من قومهم من الثبات على الإسلام.

3- مسلمون حديثو عهد بكفر. وإيمانهم ما زال ضعيفا. وما زالت تسيطر عليهم المفاهيم المادية. التي سادت حياتهم من قبل؛ فيعطون لئلا
يرجعوا إلى الكفر بسبب الحاجة؛ لأن الرسولـ صلى االله عليه وسلم -كان يعلم تماما أن الرجل الجائع ضعيف الإيمان يصعب عليه الإيمان بأي شيء.
ولم يكن الرسول - صلى االله عليه وسلم - يدخر جهدا أو مالا في سبيل الإسلام. يروى عن أنس بن مالك - رضي االله عنه - أنه قال:«ما
سئل النبي - صلى االله عليه وسلم - على الإسلام شيئا إلا أعطاه إياه. فجاء رجل فسأله. فأمر له بغنم بين جبلين. فرجع إلى قومه فقال: يا
قوم. أسلموا. فإن محمدا يعطي عطية لا يخشى الفاقة»[3].

والثابت تاريخيا في أعقاب الحروب أن قلوب الفئة المهزومة أقرب ما تكون إلى الاستمالة للدعوة الجديدة المنتصر أصحابها. فبعد
انتصار المسلمين على هوازن سنة 8هـ أعطى الرسول - صلى االله عليه وسلم - بعض رؤساء القبائل. فأعطى مائة بعير لكل من أبي سفيان
بن حرب. وابنه معاوية. وحكيم بن حزام. والحارث بن كلدة. والحارث بن هشام. وسهيل بن عمرو. وحويطب بن عبد العزى. والعلاء بن
جارية الثقفي. وعيينة بن حصن. والأقرع بن حابس التميمي. ومالك بن عوف النصري. وصفوان بن أمية. وأعطى دون المائة رجالا من
قريش؛ منهم: ابن عمرو. وسعيد بن يربوع. وعدي بن قيس. وآخرون. ويبدو أن عطاء الرسول - صلى االله عليه وسلم - للعباس بن مرداس
لم يكفه. فعاتب الرسول - صلى االله عليه وسلم - بأبيات من الشعر.
فقال صلى االله عليه وسلم لأصحابه: «اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه»[4].
فأعطوه حتى رضي. فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول االله صلى االله عليه وسلم.
أعطى الرسول - صلى االله عليه وسلم - هؤلاء الرجال وغيرهم. وترك كثيرا من المسلمين الصادقين المحتاجين. الذين كان اعتناقهم
للدعوة الجديدة. وانشغالهم بالجهاد من أسباب احتياجهم. فقال له أحد صحابته: «يا رسول االله. أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس.
وتركت جعيل بن سراقة الضمري؟ فقال الرسول صلى االله عليه وسلم: أما والذي نفس محمد بيده. لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرضكلها مثل
عيينة بن حصن والأقرع بن حابس. ولكني تألفتهما ليسلما. ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه»[5].
وإذا تتبعنا بعض هؤلاء الذين أعطاهم الرسول صلى االله عليه وسلم. وجدنا أن كثيرا منهم دخل في الدعوة بعد ذلك عن اقتناع حر.
وبعض هؤلاء احتل منزلة عالية بين المسلمين.كمعاوية أول خليفة أموي. ولكن بعضهم الآخر لم يخلص قلبه للإسلام. وإنكان قدكف شره
عن المسلمين. وهو شيء مهم في حد ذاته.

ونلاحظ أن ابن قتيبة عقب بعد أن ذكر أسماء بعضهم بجملة: "ثم حسن إسلامه". وترك أسماء الآخرين دون هذا التعقيب. أي أنه لم
يبلغه أن إسلامهم قد حسن. أو هم لم يؤمنوا أصلا. فهو يقول مثلا: "معاوية بن أبي سفيان. ثم حسن إسلامه. وحكيم بن حزام. ثم حسن
إسلامه. والحارث بن هشام. ثم حسن إسلامه. وسهيل ابن عمرو. ثم حسن إسلامه. و العلاء بن حارثة الثقفي. وعيينة بن حصن بن حذيفة.
والأقرع بن حابس. ومالك بن عوف النصري". وإذا تتبعنا حياة بعضهم بعد الرسول - صلى االله عليه وسلم - وجدنا أن رأي ابن قتيبة كان
صادقا إلى حد كبير.

ثانيا. منع عمر - رضي االله عنه - سهم المؤلفة قلوبهم في خلافة أبي بكر رضي االله عنه؛ لأنه لم يكن في خلافة أبي بكر أو عمر من
ينطبق عليهم هذا الوصف حتى يعطيهم:
لقد استمر عطاء المؤلفة قلوبهم حتى وفاة الرسول صلى االله عليه وسلم. وفي خلافة أبي بكر جاء رجلان منهم إلى الخليفة. وطلبا منه
أرضا قائلين: إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة فإن رأيت أن تعطيها لنا. فكتب لهم كتابا بذلك - وليس في القوم عمر -
فانطلقا إليه ليشهد لهما. فلما سمع عمر ما في الكتاب تناوله من أيديهما. وتفل فيه فمحاه. وقال لهما: إن الرسول - صلى االله عليه وسلم
- كان يتألفكما. والإسلام يومئذ قليل. وإن االله أغنى الإسلام وأعزه اليوم. فاذهبا فاجهدا جهدكما كسائر المسلمين. فالحق من ربكم فمن
شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر... ووافقه أبو بكر على ما فعل ورجع إليه.
تماما كما يشرع القرآن الزكاة للفقراء والمساكين. ثم يمر عصر لا يكون فيه فقراء أو مساكين فلا يوجد من يأخذ سهميهما في الزكاة. فيتوقف
العمل بالنص القرآني فيهما. حتى يوجد فقراء أو مساكين.
وقد شرحنا الظروف التي اقتضت تخصيص سهم لهم في عصر الرسالة. لكن بعد وفاة الرسول - صلى االله عليه وسلم - وانتشار الإسلام في شبه
الجزيرة كلها. وبعد أن مر المسلمون بتجربة حروب الردة التي انتهت هزيمة كل المرتدين واستسلامهم. وأوضحت بجلاء حاسم أن القوة الإسلامية هي
الغالبة. وأنها أصبحت الصوت العالي الذي يتردد وحده بين العرب جميعا. وآذن هذا بحركات المد العربي خارج الجزيرة لنشر العقيدة بعد هذاكله أصبح
الإسلام عزيزا قويا. لا يحتاج إلى بذل الأموال لتأليف القلوب؛ لذلك استغنى المسلمون عن التأليف. فلا يمكن أن يوجد مؤلفة حتى يعطيهم عمر -
رضي االله عنه - أو يمنعهم.

وهذا يفسر الموافقة الفورية من أبي بكر والصحابة - رضي االله عنهم - جميعا على رأي عمر رضي االله عنه. بحيث لم يحدث جدال فيه. وقدكان
عمر - رضي االله عنه - أول من نبههم إلى حقيقة الوضع الإسلامي العزيز الجانب. الذي لا يحتاج معه إلى بذل الأموال أو مداراة الرجال. وكما قال
عمررضي االله عنه: إن االله قد أغنى الإسلام وأعزه اليوم.. فالحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وكيف يحتاج الإسلام إلى تأليف الأعراب
وجيوشه تتأهب لخوض الصراع مع جيوش إمبراطوريتي الفرس والروم؟
إن مما لا شك فيه أن الحكم بوجود مؤلفة أو عدم وجودهم. مرهون بوضع الجماعة الإسلامية. فإن احتاجوا إلى تأليف القلوب. فحينئذ يوجد

لمؤلفة ويستحقون نصيبا مفروضا في القرآن. وإن لم يحتاجوا إلى التأليف. فكيف يوجد المؤلفة إذن؟ ومن هنا لم يخالف عمر وأبو بكر - وغيرهما من
الصحابة - نصوص القرآن. أو عمل الرسول صلى االله عليه وسلم؛ لأن ما فعلوه لم يكن إلغاء للآية أو نسخا لها. وإنما كان منعا لسهم لم يوجد في
عصرهم من يستحقه ولو مرت بالمسلمين في عهد عمر أو بعده ظروف يحتاجون معها إلى تأليف القلوب. لأخرج من الصدقات سهم المؤلفة قلوبهم.
وأعطى من يستحقونه.
ويدل على صحة ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب - رضي االله عنه - ما ذكره الجصاص حين قال: ترك أبي بكر الصديق - رضي االله عنه
- النكير على عمر - رضي االله عنه - فيما فعله - بعد إمضائه الحكم - يدل على أنه عرف مذهب عمر حين نبهه إليه. وأن سهم المؤلفة قلوبهم
كان مقصورا على الحال التي كان عليها أهل الإسلام. من قلة العدد وكثرة عدد الكفار. ويروي الجصاص عن الحسن قوله: إن المؤلفة كانوا على عهد
رسول االله صلى االله عليه وسلم. وأنه ليس اليوم مؤلفة قلوبهم.

ويؤكد ما سبق قول كمال الدين بن الهمام (ت 861 هـ): فلم ينكر أحد من الصحابة على عمر رضي االله عنه. مع ما يتبادر منه من
كونه سببا لإثارة الثائرة أو ارتداد بعض المسلمين. فلولا اتفاق عقائدهم على حقيقته. وأن مفسدة مخالفته أكثر من المفسدة المتوقعة.
لبادروا إلى إنكاره. ويقرر ابن الهمام المسألة في إطار عقلي منطقي فيقول: إن الغاية من هذا التشريع إعزاز المسلمين. وإن إعطاء الأموال
للمؤلفة في عهد الرسول - صلى االله عليه وسلم - كان وسيلة لهذه الغاية. وبعد وفاة الرسول وكثرة المسلمين. أصبح عدم إعطائهم هو
الذي يؤدي إلى إعزاز المسلمين؛ لأن إعطاءهم في حالة الكثرة والمنفعة إذلال للمسلمين. وإظهار لهم بمظهر الضعف والقلة. فهو يؤدي
إلى عكس ماكان يؤدي إليه في عهد الرسول صلى االله عليه وسلم؛ لاختلاف ظروف المسلمين.

ولما كانت غاية التشريع هي المقصودة منه في الحقيقة؛ فلذلك لا يعطون في حال عزة المسلمين. فعدم الدفع الآن للمؤلفة تقرير لما كان في عهد
الرسول - صلى االله عليه وسلم - لا نسخ له؛ لأن الواجبكان الإعزاز. وكان بالدفع. والآن هو عدم الدفع. وهذه نظرة صائبة إلى غاية التشريع
وحكمته.

لم ينسخ عمر والصحابة - رضي االله عنهم - نص الآية إذن. ولم يبطلوا العمل بها لأن هناك فرقاكبيرا بين نسخ النص وبين وقف العمل به.
حتى يوجد من ينطبق عليه. ويبدو هذا بالفعل في عهد عمر بن عبد العزيز حين تألف قلب البطريق وأعطاه ألف دينار. لحاجة المسلمين ومصلحتهم.
وعملا بالآية والسنة. وبدهي أن الآية لو نسخت أو ألغيت في خلافة أبي بكر رضي االله عنه؛ لما جاز تأليف القلوب بعد ذلك. ولا يستطيع أحد بعد
عصر الرسالة وانقطاع الوحي أن يدعي نسخ حرف واحد من النصوص. وهي حقيقة أولية في التشريع الإسلامي.
يقول أبو عبيد القاسم بن سلام: "إن هذه الآية إنما الصدقات (التوبة ) محكمة لا نعلم لها ناسخا منكتاب أو سنة.
فإذا كان قوم لا رغبة لهم في الإسلام إلا النيل منه. وكان في ردتهم ومحاربتهم ضرر على الإسلام. لما عندهم من العز والمنعة.

فرأى الإمام أن يرضخ لهم[6] من الصدقة. فعل ذلك لخلال ثلاث:

1- الأخذ بالكتاب والسنة.
2- الإبقاء على المسلمين.
3- أن الإمام ليس بيائس منهم إن تمادى بهم الإسلام أن يفقهوه وتحسن فيهم رغبته". ولهذا يرى أبو عبيد أن الأمر في المؤلفة ماض أبدا.


وأن تقدير وجود المؤلفة أو عدم وجودهم يرجع إلى التقدير الحكيم لولي الأمر.


ويقول الشوكاني: إنه يجوز تأليف القلوب عند الحاجة إلى ذلك. فإذا كان في زمن الإمام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا. ولا يقدر على
إدخالهم تحت طاعته بالقسر والغلبة. فله أن يتألفهم. ولا يكون لفشو الإسلام تأثير؛ لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة.
وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطبري أيضا. فهو ينكر رأي من قال: إن المؤلفة قلوبهم قد انتهى عهدهم إلى غير رجعة. ويقول: إنه بالرغم
من أن الإسلام قد كثر أهله وعز. إلا إنه لو وجدت ظروف يحتاجون فيها إلى تأليف القلوب. فعند ذلك يوجد المؤلفة ويجب نصيبهم
المشروع بالقرآن والسنة. حتى لو كان المعطون من الأغنياء؛ لأن من أهداف الصدقة معونة الإسلام وتقويته. وما كان في معونة الإسلام
وتقوية أسبابه. فإنه يعطاه الغني والفقير؛ لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه. وإنما يعطاه معونة للدين. وذلك كما يعطي الذي يعطاه
بالجهاد في سبيل االله. فإنه يعطي ذلك غنياكان أو فقيرا.


ثالثا. آية المؤلفة قلوبهم محكمة وباقية إلى يوم القيامة. يعمل بها المسلمون حين يحتاجون إلى تأليف القلوب:
إن الذين قالوا - بعد عصر عمر رضي االله عنه - بعدم وجود مؤلفة. إنما نظروا إلى حال المسلمين في عهدهم. حيثكانوا من القوة
والعز؛ بحيث لم يحتاجوا إلى تأليف القلوب.

يروي ابن رشد في سياق الإجابة عن سؤال: هل للمؤلفة وجود بعد ڹصر الإسلام الأول؟

قال مالك: لا مؤلفة اليوم.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: بل حق المؤلفة باق إلى اليوم.

إذا رأى الإمام ذلك. وهم الذين يتألفهم الإمام على الإسلام.
وسبب اختلافهم: هل ذلك خاص بالنبي صلى االله عليه وسلم أو عام له ولسائر الأمة؟
والأظهر أنه عام. وهل يجوز ذلك للإمام في كل أحواله. أو في حال دون حال؟
أعني فيحال الضعف. لا في حال القوة؛ ولذلك قال مالك: لا حاجة للمؤلفة الآن لقوة الإسلام. وهذا التفات منه إلى المصالح.

ولا شك أن النظرة النافذة لما قاله الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبوحنيفة. تستطيع أن تلمح أنه ليس هناك خلاف حقيقي بينهم؛ إذ
إن مالكا قد نظر إلى عهده. فرأى أن المسلمين في حال من القوة بحيث لا يحتاجون إلى التأليف؛ فانتفت علته. فلم يعد هناك مؤلفة. وكان
يعني عصره بهذا الحكم. أما إذا اقتضت مصالح المسلمين التأليف فعندئذ يوجدون. ويعمل بسهمهم. وتقدير المصلحة يرجع إلى ولي الأمر
الذي فوض إليه الشافعي وأبو حنيفة النظر والحكم.
حقائق ثابتة حول هذه المسألة:
أليس عمر بن الخطاب هو نفسه الذي التزم بما فعله رسول االله صلى االله عليه وسلم - في ظروف خاصة - من الإسراع في المشي
وهز المنكبين في الطواف بالبيت في الحج. وقال في خلافته: «فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب. وقد أطأ االله الإسلام ونفى الكفر
وأهله؟ ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول االله صلى االله عليه وسلم»[7]. وذلك أن رسول االله - صلى االله عليه وسلم - دعا
المسلمين في عمرة القضاء إلى الإسراع في المشي ليري المشركين قوة المسلمين. ولم يكن سبب الإسراع قائما في خلافة عمر - رضي
االله عنه - لانتهاء الكفر وأهله كما قال عمر رضي االله عنه. ومع ذلك قال: "لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول االله صلى االله عليه وسلم
."
فهل يعقل أن عمر - رضي االله عنه - هذا هو الذي يلغي تشريعات القرآن الكريم إلغاء. وينسخها نسخا ليقينه بأنها لم تعد تلائم
ظروف المجتمع في عهده؟
إذا صدقنا أن عمر ألغى تشريع القرآن الكريم في المؤلفة قلوبهم. فكيف رجع حفيده عمر بن عبد العزيز إلى العمل به مع البطريق؟ أم
جعلت النصوص القرآنية ألعوبة في أيدي الخلفاء. يلغيها هذا ويعيدها ذاك؟
فرضت نفس الآية التي أشار إليها المدعون نصيبا في الزكاة للفقراء. والمساكين. وفي الرقاب. والغارمين. فهب أن الزكاة عرضت في
بلد ما وعصر ما فلم تجد أحدا يأخذها لاستغناء الناس بكسبهم عنها وعدم وجود (الفقراء). و(المساكين). فهل يعتبر ولي الأمر عندئذ ملغيا
لنص الآية إذا وقف نصيب الفقراء والمساكين؟ وما رأي المدعين فيم لو انتفى وجود المدينين الذين نصت عليهم نفس الآية في (الغارمين)؟
وما رأيه في انتفاء وجود سهم (في الرقاب)؟ أيقول عن هذا إن النص القرآني قد ألغى؟ وما الفرق بين انتفاء وجود (المؤلفة قلوبهم). في عهد
عمر رضي االله عنه. وانتفاء وجود المستحقين الآخرين الذين نصت عليهم نفس الآية؟ لا فرق.
ومن أجل هذا نص الفقهاء منذ عصر الصحابة على أن الزكاة تدفع للموجودين من الأصناف الثمانية دون أن يدل هذا على أن من لا
يوجد منهم في عصر ما فقد ألغى التشريع القرآني بالنسبة له. ذاك أن الفرق كبير بين (الإلغاء والنسخ). وبين (وقف سهم) طائفة من
المستحقين غير الموجودين في عصر ما. حتى يوجدوا.
وبهذا التفصيل نتبين أن عمر - رضي االله عنه - لم يخالف التشريع الإسلامي. ولم يهدم شيئا من تعاليمه[8].
الخلاصة:
 لا شك أن مجتمع المدينة الإسلامي الناشئ. المحاصر من كل الجهات بالأعداء الأقوياء كان يمر بظروف قاسية في حرب غير
متكافئة. عدديا على الأقل. لكن قوة العقيدة كانت تهب النصر. وبعد كل انتصار للمسلمين كان يوجد دائما هؤلاء الرجال. الذين يجمعون
بين الذكاء والطموح والتفكير العلمي. والذين هم على استعداد للتخلي عن روح العداء للقوة المنتصرة إذا قدم لهم شيء من المال. قال
صفوان بن أمية - وهو أحد المؤلفة قلوبهم -: «واالله. لقد أعطاني رسول االله - صلى االله عليه وسلم - ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي.
فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي».[9]

1- إن معظم الذينكان يراد تأليف قلوبهم حول الإسلام.كانوا من أشراف الناس ورؤسائهم. وقدكانوا ثلاثة أنواع:

o مشركون بعيدون بقلوبهم عن الإسلام. يعطون ليكفوا أذاهم عن المسلمين.
o مشركون من رؤساء القوم. عندهم استعداد نفسي لإعادة النظر في الدعوة.
o مسلمون حديثو عهد بالإسلام. وإيمانهم ما زال ضعيفا. وما زالت تسيطر عليهم المفاهيم المادية.



2- لم يكن الرسول - صلى االله عليه وسلم - يدخر جهدا أو مالا في سبيل الإسلام. وأما منع عمر بن الخطاب - رضي االله عنه -
سهم المؤلفة قلوبهم في خلافة أبي بكر رضي االله عنه؛ فذلك لأنه لم يكن هناك مؤلفة حتى يعطيهم. وبذلك يتبين أن النص لم يعطل ولم
يعلق. وإنما المحل هو الذي انعدم. فلو أن ظرفا من الظروف على عهد عمرـ رضي االله عنه - أو غيره من بعده قضى بأن يتألف الإمام قوما
فتألفهم؛ لأصبح الصنف موجودا. فلا بد من إعطائه.


3- تماما كما يشرع القرآن الزكاة للفقراء والمساكين ثم يمر عصر لا يكون فيه فقراء أو مساكين؛ فلا يجد من يأخذ سهميهما في
الزكاة. فيتوقف العمل بالنص القرآني فيهما. حتى يوجد فقراء أو مساكين.


4- آية المؤلفة قلوبهم محكمة وباقية إلى يوم القيامة. يعمل بها المسلمون حين يحتاجون إلى تأليف القلوب. وبعملهم هذا يوجد
المؤلفة. ويجب سهمهم.
بل قال الشافعي وأبو حنيفة: حق المؤلفة باق إلى اليوم. إذا رأى الإمام ذلك. وهم الذين يتألفهم الإمام إلى الإسلام.



) منهج عمر في التشريع الإسلامي. د. محمد بلتاجي. دار السلام. القاهرة. ط1424 .2هـ/ 2003م. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها. د.
يوسف القرضاوي. مكتبة وهبة. القاهرة. ط1426 .2 هـ/ 2005م.
[1]. منهج عمر في التشريع الإسلامي. د. محمد بلتاجي. دار السلام. القاهرة. ط1424 .2هـ/ 2003م. ص43 :40 بتصرف.
[2]. أخرجه مسلم في صحيحه.كتاب الفضائل. باب ما سئل رسول االله ـ صلى االله عليه وسلم ـ شيئا قط فقال: "لا" (.(6162 وفي موضع آخر.
[3]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده. مسند المكثرين من الصحابة. مسند أنس بن مالك رضي االله عنه (.(12051 والبيهقي في سننه الكبرى.كتاب قسم الصدقات. باب من يعطى
من المؤلفة قلو샀م (.(13565 وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد.
[4]. أخرجه البيهقي في دلائل النبوة. جماع أبواب فتح مكة. باب رجوع النبي ـ صلى االله عليه وسلم ـ على الجعرانة (1937).
[5]. أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة. باب الجيم. من اسمه جندب (.(1581 والبيهقي في دلائل النبوة. جماع أبواب فتح مكة. باب رجوع النبي ـ صلى االله عليه وسلم ـ إلى
الجعرانة (1938).
[6]. يرضح لهم: يطعيهم.
[7]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده. مسند العشرة المبشرين بالجنة. مسند عمر بن الخطاب رضي االله عنه (.(317 وابن خزيمة في صحيحه. كتاب المناسك. باب ذكر الدليل على أن السنة
قدكان يسنها النبي ـ صلى االله عليه وسلم ـ لعلة (2708) بنحوه. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1662).
[8]. منهج عمر في التشريع الإسلامي. د. محمد بلتاجي. دار السلام. القاهرة. ط1424 .2هـ/ 2003م. ص148 وما بعدها.
[9]. أخرجه مسلم في صحيحه.كتاب الفضائل. باب ما سئل رسول االله ـ صلى االله عليه وسلم ـ قط فقال: "لا" (6162 ) وفي موضع آخر.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2015-01-02, 07:20 PM
حجازيه حجازيه غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2014-04-03
المكان: مـكـة الـمـكـرمـة
المشاركات: 1,808
افتراضي

شبهة جهل عمر بالأحكام


إدعاء البعض على عمر بالجهل كقولهم: (( ونسمع عن علم عمر بن الخطاب الكثير الذي لاحصر له حتى قيل أنه أعلم الصحابة وقيل أنه وافق ربّه في كثير من آرائه التي ينزل القرآن بتأييدها في العديد من الآيات التي يختلف فيها عمر والنبي. ولكنّ الصحيح من التاريخ يدلّنا على أنّ عمر لم يوافق القرآن حتى بعد نزوله، عندما سأله أحد الصحابة أيام خلافته فقال: ياأمير المؤمنين إني أجنبت فلم أجد الماء فقال له عمر: لا تصلّ واضطّر عمار بن ياسر أن يذكّره بالتيمم ولكن عمر لم يقنع بذلك وقال لعمار: إنا نحمّلك ما تحملت، فأين علم عمر من آية التيمّم المنزّلة في كتاب الله وأين علمه من سنة النبي الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء )).



1 لم يرو البخاري هذا الأثر بهذا اللفظ، إنما جاء عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال (( جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أُصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنّا كنّا في سفر أنا وأنت، فأما أنت لم تُصلِّ، وأما أنا فتمعّكت فصلّيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه ))(2).



2 من المعلوم أن عمر بن الخطاب كان لا يجيز للجنب التيمم ويأخذ بظاهر قوله تعالى { وإن كنتم جُنباً فاطّهروا } وقوله { ولا جُنُباً إلا عابري سبيل حتى تغْتسلوا } وبقي عمر كذلك حتى ذكره عمار بالحادثة بينهما ولكنه لم يتذكر ذلك، ولهذا قال لعمار كما جاء في رواية مسلم، اتّق الله يا عمار قال النووي شارح مسلم (( معنى قول عمر ( اتق الله يا عمار ) أي فيما ترويه وتتثبّت فيه، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك ولا أتذكرشيئاً من هذا )) ولما قال له عمار:إن شئت لم أحدّث به فقال له عمر: نوليك ما توليت وليس نحملك ما تحملت (( أي لا يلزم من كوني لا أتذكّره أن لا يكون حقاً في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحدّث به )) فكلّ ما في الأمر أن عمر لم يتذكر هذه الحادثة وأعتقد أنه ليس معصوماً حتى يُجعل هذا مما يعاب عليه.



3 وأما قوله ( فأين عمر من آية التيمم المنزلة في كتاب الله، وأين علمه من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي علّمهم كيفية التيمم كما علّمهم الوضوء ) فهذا لا يدل إلا على عظيم جهله وسخفه، فعمر يعلم هذه الآية ولم يجهلها ويعلم كيفيّة التيمم، ولكن المشكلة عنده هي هل تشمل الجنب أم لا؟ فالله سبحانه يقول { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً } وعمر لم ير الجنب داخلاً في هذه الآية، والملامسة التي في الآية فسّرها بملامسة اليد لا بالجماع لذلك كان يرى وجوب الوضوء لمن لمس المرأة.



ثم يقول ((... وتجرّأ على كتاب الله وسنة رسوله فحكم في خلافته بأحكام تخالف النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة ))ويقول في موضع آخر (( وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه، كقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ))



فأقول وبالله التوفيق:



بالنسبة لتحريم متعة الحج فالصحيح أن عمر لم يحرّمها نهي تحريم، وإنما كان يريد إرشاد الناس إلى ما هو أفضل والنهي هنا هو نهي أولوية للترغيب في القران بدل التمتع بالعمرة إلى الحج، وحتى لايخلو بيت الله الحرام من المعتمرين باقي أيام السّنة، ولأن التمتّع كان من السهولة بحيث تُرك الاعتمار في غير أشهر الحج، ولهذا أراد عمر ألاّ يخلوا بيت الله من المعتمرين فنهاهم عن التمتع على سبيل الإختيار لا على التحريم، وإلا فقد ثبت عن عمر إباحته فعن ابن عباس قال (( سمعت عمر يقول والله إني لا أنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني العمرة في الحج ))وعن الصُّبي بن معبد في جزء من الحديث أنه قال لعمر: إني أحرمت بالحج والعمرة، فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا شك أن الاعتمار في غير أشهر الحج أفضل من المتعة باتفاق الكثير من الفقهاء.

ثبت أيضاً عن أبي ذر أنه كان يحرِّم متعة الحج مطلقاً كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن إبراهيم التيِّمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال (( كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ))، وأبو ذر من الصحابة المرضيين عندكم فإذا كان الخطأ في مسألة يقتضي القدح والطعن فينبغي أن يشمل أبو ذر أيضاً اللهم إذا كانت القضية هي البحث عن مثالب عمر فقط!



وبالنسبة لمتعة النساء فلم يحرِّمها عمر من تلقاء نفسه بل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرَّمها فقد أخرج مسلم في صحيحه عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدَّثه، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (( يا أيها الناس إني قد كنت أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنَّ شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ))



وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الزهري عن الحسن بن محمد بن علي، وأخوه عبد الله عن أبيهما (( أن علياً رضي الله عنه قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية، زمن خيبر ))



فنكاح المتعة حُرِّم عام الفتح ولا إشكال في الرواية الأخرى التي فيها أنها حرِّمت يوم خيبر والصحيح أنها لم تحرَّم عام خيبر (( بل عام خيبر حرِّمت لحوم الحمر الأهلية، وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذلك عليه، وقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرَّم متعة النساء وحرَّم لحوم الحمر يوم خيبر، فقرن علي رضي الله عنه بينهما في الذِّكْرِ لما روى ذلك لابن عباس رضي الله عنهما، لأن ابن عباس كان يبيحهما. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أنه رجع عن ذلك لمَّا بلغه حديث النهي عنهما ))



ولهذا كان سفيان بن عيينة يقول (( قوله ( يوم خيبر) يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة ))



وقال (( أبو عوانة في صحيحة سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة فسكت عنها وإنما نُهي عنها يوم الفتح ))



وقيل أنها حرِّمت يوم خيبر ثم أبيحت، ثم حرِّمت مرة أخرى، وعلى العموم فقد ثبت تحريمها بالاتفاق عام الفتح من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.



لقد اعترف بهذه الحقيقة بعض علماء الإمامية وبيَّن أن متعة النساء حرِّمت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن عمر لم يحرَّمها من تلقاء نفسه وقد أقرَّه على ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول (( إن النظرية الفقهية القائلة بأن المتعة حُرِّمت بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب يفندها عمل الامام علي الذي أقر التحريم في مدة خلافته ولم يأمر بالجواز وفي العرف الشيعي وحسب رأي فقهائنا عمل الامام حجة لا سيما عندما يكون مبسوط اليد ويستطيع إظهار الرأي وبيان أوامر الله ونواهيه. والامام علي كما نعلم اعتذر عن قبول الخلافة واشترط في قبولها أن يكون له اجتهاده في ادارة الدولة. فإذن اقرار الامام علي على التحريم يعني أنها كانت محرمه منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولولا ذلك لكان يعارضها ويبين حكم الله فيها وعمل الامام حجة على الشيعة ولست أدري كيف يستطيع فقهائنا أن يضربوا بها في عرض الحائط ))

ومن هنا نعلم أن (( أهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،والشيعة الاثني عشرية خالفوا علياً فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، واتبعوا قول من خالفه )).



ولما لم يعلم الكثير من الناس بأمر التحريم نبه على ذلك عمر وأعلنه للناس فعن ابن عمر قال (( لما ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً، ثم حرمها. والله! لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة. إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلَّها بعد إذ حرمها ))

لذلك قال سعيد بن المسيب (( رحم الله عمر لولا أنه نهى عن المتعة لصار الزنا جهاراً ))



فأسأل هذا الطاعن هل عرفت حقاً من يخالف النصوص القرآنية والأحاديث النبوية إنهم شيعتك الذين هديت إليهم فحيهلا من هداية!

ثم يقول ((... وهذا عمر يقول:لولا علي لهلك عمر ))



فأقول:



هذه الجملة لها سبب وهو أن عمر أراد أن يرجم امرأة فأخبره علي بأنها مجنونة فترك حدَّها وقال هذه المقولة وفي أثر آخر أن عمر أراد أن يرجم امرأة حامل فنبهه علي فقال هذه المقولة، والذي أشار إلى ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب ومحب الطبري في الرياض النضرة، إضافة إلى ابن المطهر الذي ذكر هاتين الروايتين بهذا السياق، وأما بالنسبة للرواية الأولى فقد ذكرها أحمد في الفضائل، عن ابن ظبيان الجنبي أن عمر بن الخطاب (( أتى امرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم علي فقال ما لهذه؟ قالوا زنت، فأمر عمر برجمها فانتزعها علي من أيديهم وردهم فرجعوا إلى عمر فقال ما ردكم؟ قالوا ردنا يعني علي، قال ما فعل هذا علي إلا لشيء قد علمه فأرسل إلى علي فجاء وهو شبه المغضب فقال ما لك رددت هؤلاء؟ قال أما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلي حتى يعقل؟ قال بلى قال علي هذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها. فقال عمر لا أدري قال وأنا لا أدري فلم يرجمها ))، وقد تتبعت الرواية من مظانهافلم أجد في أي منها مقولة عمر (( لولا علي لهلك عمر ))!



المقولة نفسها تثبت عدم قول عمر لهذه المقولة وهي أنه كان لا يعرف بجنون المرأة عندما قال ( لا أدري ) ولا شك أن عمر يكون في هذه الحالة معذور لأنه خفي عنه أمر المرأة ولا ذنب عليه فلماذا يقول إذاً لولا علي لهلك عمر؟ ولماذا يهلك عمر؟! فإن كان قال ذلك تواضعاً منه فهل هذا مما يعتبر ذماً له!؟



أما الرواية الأخرى وهي أن عمر أراد أن يرجم امرأة حامل فقد بحثت عنها فوجدت ابن أبي شيبة قد روى عن أبي سفيان عن أشياخه (( أن امرأة غاب عنها زوجها، ثم جاء وهي حامل فرفعها إلى عمر، فأمر برجمها فقال معاذ: إن يكن لك سبيل عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها، فقال عمر: احبسوها حتى تضع، فوضعت غلاماً له ثنيتان، فلما رآه أبوه قال: ابني، فبلغ ذلك عمر فقال: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر ))



ثم قال ابن أبي شيبة ((حدثنا خالد الأحمر عن حجاج عن القاسم عن أبيه عن علي مثله ))



وفي سنده الحجاج وهو ابن أرطاه ضعيف، كثير التدليس، ويقول الذهبي (( الحجاج بن أرطاه لا يحتج به ))



فهذه الرواية ضعيفة لا حجة فيها، أما الرواية التي ذكرها محب الطبري (( أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر، فقال له علي: إن الله تعالى يقول { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } وقال تعالى { وفصاله في عامين } فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين، فترك عمر رجمها وقال: لولا علي لهلك عمر، أخرجه العقيلي، وأخرجه ابن السمان عن أبي حزم بن أبي الأسود ))



قلت: قوله أبو حزم خطأ والصواب أبو حرب بن أبي الأسود، وفي سند هذه الرواية عثمان بن مطر الشيباني (( قال يحيى بن معين: ضعيف لا يكتب حديثه، ليس بشيء، وقال علي بن المديني: عثمان بن مطر ضعيف جداً، وقال أبو زُرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، وقال صالح البغدادي: لا يكتب حديثه، وقال أبو داود: ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة ))



(( وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان عثمان بن مطر ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ))



ولو فرضنا أن هذه الروايات صحيحة، فهي لا تقدح في فضل عمر وعلمه، وليس هو معصوماً عن الوقوع في الخطأ والزلل حتى تصبح هذه القضية منقصة له، ولا تقدح في علمه ولا أن الله وضع الحق على لسانه، فقد وافق حكم الله في اكثر من قضية (( فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب في ذلك ))(*)، والذي يدل على علمه وفقهه هو رجوعه إلى الحق وعدم تمسكه برأيه فهل في ذلك مذمة أو مثلبة؟



ثم يقول (( وهذا عمر بن الخطاب يقول ( كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ) ويسأل عن آية من كتاب الله فينتهر السائل ويضربه بالدرة حتى يدميه ويقول { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } )).



أقول هذه الرواية ليست بهذا اللفظ بل روي عنه قوله ( كل أحد أفقه من عمر) ولا شك أن لهذا القول سبب ولكن هذا الطاعن أخفاه ليوهم أن عمر يقول ذلك دون سبب، فالرواية بتمامها هي ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن الشعبي قال (( خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك؟ قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً أن يغالوا في صداق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه: { وءاتيتم إحداهن قِنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً } فقال عمر: ( كل أحد أفقه من عمر ) مرتين أو ثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني نهيتكم أن لا تغلوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له ))



قلت: هذه الرواية باطلة سنداً ومتناً، فأما من ناحية السند: ففيه علّتان، الأولى الانقطاع، قال البيهقي عقب روايته: ( هذا منقطع ) لأن الشعبي لم يدرك عمر، يقول ابن أبي الرازي في كتاب ( المراسيل ) (( سمعت أبي وأبا زُرعة يقولان: الشعبي عن عمر مرسل ))



والعلّة الثانية: أن في سنده مجالد وهو ابن سعيد، قال عنه البخاري (( كان يحي القطان، وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي ))



وقال النسائي (( كوفي ضعيف ))



وقال الجوزجاني (( مجالد بن سعيد يضعّف حديثه ))



وقال ابن عدي سألت أحمد بن حنبل عن مجالد فقال (( ليس بشيء، يرفع حديثاً منكراً لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس، وقال ابن عدي أيضاً عامة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن معين، لا يحتج بحديثه وقال أيضاً: ضعيف واهي الحديث ))



وقال ابن حجر (( ليس بالقوي، لقد تغير في آخر عمره ))



وأما من ناحية المتن: ففيه نكارة وذلك للأسباب التالية:



أ أنه ثبت عن عمر صريحاً نهيه عن المغالاة في المهور بالسند الصحيح، فقد روى أبو داود عن أبي العجفاء السلمي قال (( خطبنا عمر فقال: ألا لا تغالوا بصُدْقِ النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إمرأة من نسائه، ولا أُصْدِقَتِ امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية ))



فهذا الحديث الصحيح يظهر نهي عمر عن المغالاة في المهور وهو يظهر بطلان الرواية الأخرى.



ب مخالفتها لنصوص صحيحة صريحة في الحث على عدم المغالاة في المهور وتيسير أمر الصداق منها: ما أخرجه أبو داود في سننه عن عمر قال (( خير النكاح أيسره))



وأيضاً ما أخرجه الحاكم وابن حبان في موارد الظمآن عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( من يُمن المرأة تسهيل أمرها وقِلّة صداقها ))



وما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال (( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئاً، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربعة أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : على أربع أواق؟ كأنّما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه ))



وغير هذه الأحاديث التي تحث على تقليل الصداق.



ت هذه الآية التي استدلت بها المرأة { وآتيتم إحداهُنَّ قِنطاراً } معترضة بمفهومها على عمر في نهيه عن المغالات في مهور النساء، لا تنافي توجيه عمر، فغاية ما تدل عليه جواز دفع القادر على الصداق الكثيرالمنوه عنه بالآية بالقنطارلا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه أو يستطيعه، بدليل إنكار النبي على الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق صنيعهما لكون ذلك لا يتناسب وحالهما أو لكثرته، هذا فيما لو كانت الآية تدل على المغالاة في المهور.



أما وأنها لا تدل على إباحة المغالاة في الصداق لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، قال القرطبي رحمه الله بعد أن حكى قول من أجاز المغالاة في المهور (( وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) ومعلوم أنه لا يكون مسجداً كمفحص قطاة ))



هذا من جهة وأما من جهة ثانية فما نقله أبو حيان عن الفخر الرازي أنه قال ( لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله تعالى { وآيتيم } لا يدل على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين )



نستخلص مما سبق أن الآية الكريمة لا علاقة لها بإباحة غلاء المهور وأن نصها ومفهومها يفيدان أن الرجل القادر لو أحب إعطاء زوجته تطوعاً من نفسه فدفع إليها قنطاراً أو قناطير فهذا جائز، وهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال (( ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقاً كثيراً فلا بأس بذلك، كما قال تعالى { وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} ))



وبعد هذا البيان نخلص إلى بطلان هذا الحديث سنداً متناً، ونعلم مقدار فقه وعلم عمر!



2 أما قوله أن عمر ضرب من سأله عن آية بالدرة حتى أدماه وقال (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) والتي عزاها إلى سنن الدارمي وتفسير ابن كثير والدر المنثور، فقد بحثت عنها في هذه المصادر فلم أجد لها أثراً؟!؟ ولا يوجد لها أثر أصلاً، والحمد لله أن هذه الكتب موجودة في كل مكان.



ثم يقول (( وقد سئل عن معنى الكلالة فلم يعلمها، أخرج الطبري في تفسيره عن عمر أنه قال: لئن أكون أعلم الكلالة أحبّ إليّ من أن يكون لي مثل قصور الشام، كما أخرج ابن ماجة في سننه عن عمر بن الخطاب قال: ثلاث لئن يكون رسول الله بيّنهنّ أحب إليّ من الدنيا وما فيها الكلالة والربا والخلافة ))



فأقول:



1 هذا من التدليس الرخيص على القارئ ولتوضيح ذلك أنقل ما أخرجه مسلم في صحيحه عن معدان بن أبي طلحة (( أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعةٍ فذكر نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أبا بكر. ثم قال: إني لا أدَعُ بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، ما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبَعهِ في صدري، وقال: يا عمر ألا تكفيك آيةُ الصيف التي في آخر سورة النساء؟ وإني إن أعش أقْض فيها بقضية، يقض بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن ))



ومن هذا الحديث نعلم أنّ عمر لم تكن عدم معرفته بالكلالة سببه قصوره في العلم بل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد له وللصحابة الاعتناء بالاستنباط من النصوص، فأخفى النص الصريح بذلك واكتفى بإرشاده إلى الآية التي تكفيه للوصول لمعنى الكلالة كما في قوله ( ياعمر! ألا تكفيك أية الصيف التي في آخر سورة النساء ) وهي قوله تعالى { يستفتونك قُل الله يُفْتيكم في الكَلالَة } ويقول النووي (( ولعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أغلظ له لخوفه من اتكاله واتكال غيره على ما نص عليه صريحاً وتركهم الاستنباط من النصوص وقد قال الله تعالى { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمْرِ منهم لعلِمه الذين يستَنْبِطونه منهُم } فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، فإذا أهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها والله أعلم ))



وكان عمر يرى رأي أبي بكر في أن الكلالة من لا والد له ولا ولد وهذا ما اتفقت عليه جماهير العلماء ومن بعدهم وكان عليّ أيضاً يرى رأيهم، مما يدلل على عظيم علم عمر وفقهه، وكيف لا والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول (( إن الله وضع الحق على لسان عُمر يقول به )).



2 ذكر الطبري في تفسيره خمس عشرة أثراً عن عمر بن الخطاب في الكلالة منها حديث مسلم السالف الذكر، ولكن هذا الطاعن لا يستطيع أن ينفكّ من عقدة الإنصاف المصاب بها فلا ترى عيناه إلا قول عمر: لئن أعلم الكلالة، أحب إليّ من أن يكون لي مثل جزية قصور الروم. وليس قصور الشام كما نقل هذا الطاعن فسبحان الله حتى مجرّد النقل لا يحْسِنه فكيف بالإنصاف؟ أما هذا الأثر إن صح فغاية ما فيه أن عمر أراد معرفة الكلالة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكي يكون حكمه موافقاً للصواب، ولا أن يخضع للاجتهاد فقط، وهذا من حرصه على معرفة الحق والصواب في هذه المسألة فهل هذا مما يذم عليه؟!



3 أما الخبر الذي أخرجه ابن ماجة في سننه عن عمر أنه قال: ثلاث لئن يكون رسول الله بينهن...الخ فهو منقطع لأن مرة بن شراحيل الهمداني لم يدرك عمر وضعّفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة)فلا يحتج به لضعفه.



ثم يتابع فيقول (( ومن أول الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو الخليفة الثاني الذي استعمل رأيه مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فعطّل سهم المؤلّفة قلوبهم الذين فرض الله لهم سهماً من الزكاة وقال: لا حاجة لنا فيكم ))، أقول:



1 الاجتهاد والرأي ثابت عن سائر الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وابن مسعود وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ))



ولا يكون اجتهادهم مقابل النصوص فهذا من الجهل البيّن، بل اجتهادهم هو في فهم النصوص القرآنية والنبوية، أو في الأمور العارضة المستجدّة، (( لأن الصحابي شاهد التنزيل ووقف على حكمة التشريع وأسباب النزول ولازم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملازمة طويلة أكسبته معرفة الشريعة ))



إضافة إلى أن بعض الصحابة كانوا يجتهدون بما يخالف النصوص لأنها لم تصلهم فإذا تبيّنوا الحق أنابوا إليه



2 أما بالنسبة لعمر فإنه رأى أن سهم المؤلّفة قلوبهم كان يصرفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان المسلمون في ضعف تأليفاً لقلوبهم واتقاءً لشرّهم، أما والحال أنّ الأمة في قوة ومنعة، فإنه لا يجوز أن يُعطى هؤلاء الزكاة، ولا شك أن هذا هو اجتهاد عمر في هذه المسألة، وقد وافقه الصحابة على ذلك فكان إجماعاً منهم في وقته، ولا شك أن هذا ليس اجتهاداً في مقابل النص القرآني بل المراد من النص، ولكن أن يأتي في آخر القرن العشرين رويبض لا يفهم النصوص ومدلولاتها ولا يعلم الاجتهاد وصلاحيّاته، يظن نفسه أدرى من صحابي عايش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتلّقى النصوص القرآنية والحديثية طرية نقية من فمه صلى الله عليه وآله وسلم ليدعي عليه أنه يجتهد في مقابل النصوص، ويسمح لنفسه من أول كتابه إلى آخره أن يفسر الآيات القرآنية والأخبار النبوية حسب الكم الهائل من الجهل والكذب والتدليس الذي يتمتع به فهذا هو المصاب الأليم.

3 لقد اجتهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قاتل في الجمل وصفين الذي أفضى بعد ذلك إلى قتل آلاف المسلمين، ولم يصل إلى ماقصده وطلبه، وبالطّبع لم يأتي بنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعزز به دليله على القتال وإنما كان من رأيه ولم يوافقه عليه أكثر الصحابة، فإذا كان هذا من الاجتهاد المغفور لصاحبه فاجتهاد عمر أولى وأقنى.

ثم يقول (( وقد وقعت له حادثة أخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلها تعطينا صورة أوضح لنفسية عمر الذي أباح لنفسه أن يناقش ويجادل ويعارض صاحب الرسالة تلك هي حادثة التبشير بالجنة إذ بعث رسول الله أبا هريرة وقال له من لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنة، فخرج ليبشّر فلقيه عمر ومنعه من ذلك وضربه حتى سقط على إسته، فرجع أبو هريرة إلى رسول الله يبكي وأخبره بما فعل عمر فقال رسول الله لعمر ما حملك على ما فعلت؟ قال: هل أنت بعثته ليبشّر بالجنة من قال لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه؟ قال رسول الله نعم، قال عمر: لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس على لا إله إلا الله! ))



أقول:



هذا الحديث من أعظم الدلائل على فقه عمر وأن الحق على لسانه دائماً، وهذا مصداقاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ))

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( رأيت كأني أتيت بقدح لبن فشربت منهُ فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم ))



وأخرج مسلم حديث أبي هريرة هذا وهو حديث طويل وفي جزء منه (( فقال أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا هريرة ( وأعطاني نعليه ) قال: إذهب بنعلي هاتين، فمن لقيتَ من وراء هذا الحائط يشهد أنْ لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشِّره بالجنة، فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلتُ: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بشرتُه بالجنة فضرب عمر بيده بين ثدييَّ فخررتُ لإستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فأجهَشْتُ بُكاءً. وَرَكِبني عُمَرُ. فإذا هو على أثري. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مالك يا أبو هريرة؟ قلت: لقيتُ عُمَرَفأخبرته بالذي بعثْتني بِهِ. فضرب بينَ ثدْييَّ ضرْبةً. خررتُ لإِسْتى. قال: ارْجع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( يا عمر! ما حملك على ما فعلتَ؟ ) قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمِّي. أَبعثتَ أبا هريرةَ بِنَعليكَ، منْ لقيَ يشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيْقِناً بها قلبه، بشَّره بالجنة؟ قال: نعم. قال: فلا تفعل. فإني أخشى أن يتَّكل الناس عليها. فخَلِّهم يعملون. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فَخَلَّهِمْ. ))



ففي هذا الحديث خشي عمر أن يسمع الناس هذا الخبر فيتكلوا عليه ويتركوا العمل فعرض رأيه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ به تصويباً له! قال القاضي عياض وغيره من العلماء رحمهم الله: (( وليس فعل عمر رضي الله عنه ومراجعته النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتراضاً عليه ورداّ لأمره إذ ليس فيما بعث به أبا هريرة غير تطبيب قلوب الأمة وبشراهم، فرأى عمر رضي الله عنه أن كتم هذا أصلح لهم وأحرى أن لا يتكلوا، وأنه أعود عليهم بالخير من معجّل هذه البشرى، فلما عرضه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صوّبه فيه والله تعالى أعلم ))



وأما دفع عمر رضي الله عنه له فلم يقصد به سقوطه وإيذاءه، بل قصد رده عما هو عليه، وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره))



وبعد ذلك أقول هل يوجد دليل على أن الحق على لسان عمر وقلبه أبلغ من هذا الحديث الذي احتججت به عليه؟!



ومنها أن عمر كان لا يعلم بعض المسائل الشرعية التى هي شرط في الإمامة والخلافة كأمره برجم الحامل من الزنا ، فرده الأمير وقال له : إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها ، فندم حينئذ وقال : لولا علي لهلك عمر . وكما أراد رجم أمرأة مجنونة فرده الأمير بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق )) ، وكإتمامة عدد الضربات في حد أبنه أبي شحمة بعد ان مات في اثناء الحد ، مع أن الميت غير معقول ، وكعدم علمه بحد شرب الخمر حتى قرره بمشورة الصحابة ورأيهم .



والجواب عن الأول أن عمر رضي الله عنه لم يكن على علم بحمل المرأة لأن هذا أمر لا يدرك بالبصر إلا بعد تمام مدة الحمل وما يقاربه ، والأمير كان مطلعاً على ذلك وأخبر بحملها فنبه عمر إلى ذلك فشكره ، والقضاء على ظاهر الحال لا يوجب النقص في الإمامة ، بل ولا في النبوة . ألا ترى أن موسى عليه لسلام أخذ برأس أخيه الكبير ولحيته مع انه نبي وأهانه حين لم يطلع على حقيقة الآمر.



وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( إنما أن بشر ، وإنكم تختصمون إلى ، وإن بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار )).



وقد روى عند الفريقين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر علياً بإقامة الحد على أمرآة حديثة بنفاس فلم يقم عليها الحد خشية أن تموت ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال (( أحسنت ، دعها حتى ينقطع دمها )) فقد تبين أن عدم الاطلاع على حقيقة الحال غير الجهل بالمسائل الشرعية .



وعن الثاني أن عمر رضي الله عنه لم يكن واقفاً على جنونها أيضاً ، فقد روى الإمام أحمد عن عطاء بن السايب عن أبي ظبيان الحصين بن جندب الجنبي أن امرأة أتوابها مأخوذة إلى عمر بجريمة الزنا فحكم برجمها بعدما ثبت ، فقادوها للرجم ، فإذا على لا قاهم في الطريق فسألهم : أين تذهبون بهذه المرأة ؟ فقالوا : إن الخليفة أمر برجمها لثبوت الزنا عنده ، فأخذها الأمير من ايديهم وجاء بها إلى عمر وقال : هذه المرأة مجنونة من بني فلان أنا أعلمها كما هي ، وقال (( رفع القلم عن المجنون حتى يفيق )) فمنع عمر من رجمها . فقد علم أن عمر كان يعلم أن المجنونة لا ترجم ، ولكن لم يكن له علم بجنونها . وعن المحدود بقى حياً بعد الحد ، نعم قد غشى عليه أثناء الحد ، ولذا توهم الناس موته .

وعن الرابع أن عدم العلم بشئ لم يحدث من قبل ولم يعين في الشرع حكمه ليس محلاً للطعن ، لأن العلم تابع المعلوم ، وحد شارب الخمر لم يكن في عهده صلى الله عليه وآله وسلم معيناً ومقرراً ، بل كانوا يضربون الشارب بالنعال والجرائد والأسواط ، وقد خمن الصحابة ذلك من زمن أبي بكر بأربعين ضربة ، وقد تعدد شرب الخمر في خلافة عمر فجمع الصحابة كلهم وشاورهم في ذلك فقال الأمير وعبد الرحمن بن عوف : ينبغي أن يكون كحد القذف ثمانين جلدة ، لأن السكران يزول عقله بالسكر فربما يسب أحداً ويشتمه ، فأرتضى جميع الصحابة ذلك الاستنباط وأجمعوا عليه.



وقد ذكر هذه القصة ابن المطهر الحلي أيضاً في ( منهاج الكرامة وبما ذكرنا من أن عمر زاد حد الخمر بقول الأمير أندفع الخامس.



هذا مع أن معرفة جميع الأحكام الشرعية بالفعل ليست شرطاً للإمامة ، بل ولا النبوة ، فقد كانت توحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأحكام الشرعية على حسب الوقائع . والإمام يعلم بعض الأحكام بالاجتهاد ، وربما يخطئ فيه كما روى الترمذي عن عكرمة أن علياً أحرق قوماً أرتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال (( لو كنت أنا لقتلتهم )) فبلغ ذلك علياً فقا ل (( صدق ابن عباس )) والله تعالى الهادي .



وقال الطاعن : (( وكان قليل المعرفة بالأحكام : أمر برجم حامل . فقال له عليّ: إن كان لك عليها سبيل ، فلا سبيل لك على ما في بطنها . فأمسك . وقال : لولا عليّ لهلك عمر )).



والجواب : أن هذه القصة إن كانت صحيحة ، فلا تخلو من أن يكون عمر لم يعلم أنها حامل ، فأخبره عليٌّ بحملها . ولا ريب أن الأصل عدم العلم، والإمام إذا لم يعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل ، فعرَّفه بعض الناس بحالها ، كان هذا من جملة إخباره بأحوال الناس المغيَّبات ،ومن جنس ما يشهد به عنده الشهود . وهذا أمر لا بد منه مع كل أحد من الأنبياء والأئمة وغيرهم ، وليس هذا من الأحكام الكلية الشرعية .



وإما أن يكون عمر قد غاب عنه كون الحامل لا ترجم ، فلما ذكَّره عليّ ذكر ذلك ، ولهذا أمسك . ولو كان رأيه أن الحامل ترجم لرجمها ، ولم يرجع إلى رأي غيره . وقد مضت سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغامدية ، لما قالت : (( إني حبلى من الزنا فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( اذهبي حتى تضعيه )).



ولو قدِّر أنه خفى عليه علم هذه المسألة حتى عرفه، لم يقدح ذلك فيه ، لأن عمر ساس المسلمين وأهل الذمّة ، يعطي الحقوق ، ويقيم الحدود ، ويحكم بين الناس كلهم. وفي زمنه انتشر الإسلام ، وظهر ظهورا لم يكن قبله مثله ، وهو دائما يقضى ويُفتى ، ولولا كثرة علمه لم يُطق ذلك . فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها ،أو كان نسيها فذكرها ، فأي عيب في ذلك ؟!



وعلي ّرضي الله عنه قد خَفِيَ عليه من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أضعاف ذلك ، ومنها ما مات ولم يعرفه .



قال الطاعن : (( وأمر برجم مجنونة ، فقال له عليّ رضي الله عنه : إن القلم رُفع عن المجنون حتى يفيق ، فأمسك. وقال: لولا عليّ لهلك عمر )).



والجواب : أن هذه الزيادة ليست معروفة في هذا الحديث . ورجم المجنونة لا يخلو : إما أن يكون لم يعلم بجنونها فلا يقدح ذلك في علمه بالأحكام ، أو كان ذاهلا عن ذلك فذُكِّر بذلك ، أو يظن الظان أن العقوبات لدفع الضرر في الدنيا . والمجنون قد يُعاقب لدفع عدوانه على غيره من العقلاء والمجانين . والزنا هو من العدوان ، فيُعاقب على ذلك حتى يتبين له أن هذا من باب حدود الله تعالى التي لا تقام إلا على المكلف .



والشريعة قد جاءت بعقوبة الصبيان على ترك الصلاة ،كما قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر،وفرِّقوا بينهم في المضاجع)).



والمجنون إذا صال ولم يندفع صياله إلا بقتله قُتل ، بل البهيمة إذا صالت ولم يندفع صيالها إلا بقتلها قُتلت ، وإن كانت مملوكة لم يكن على قاتلها ضمان للمالك عند جمهور العلماء ، كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم .



وبالجملة فما ذكره من المطاعن في عمر وغيره يرجع إلى شيئين : إما نقص العلم ، وإما نقص الدين . ونحن الآن في ذكره . فما ذكره من منع فاطمة ومحاباته في القَسْم ودرء الحد ونحو ذلك يرجع إلى أنه لم يكن عادلا بل كان ظالما . ومن المعلوم للخاص والعام أن عدل عمر رضي الله عنه ملأ الآفاق ، وصار يُضرب به المثل ، كما قيل : سيرة العمرين ، وأحدهما عمر بن الخطاب ، والآخر قيل : إنه عمر بن عبد العزيز ، وهو قول أحمد بن حنبل وغيره من أهل العلم والحديث وقيل : هو أبو بكر وعمر ، وهو قول أبي عبيدة وطائفة من أهل اللغة والنحو .



وأما قوله : (( وغيَّر حكم الله في المنفيين )).



فالجواب : أن التغيير لحكم الله بما يناقض حكم الله ، مثل إسقاط ما أوجبه الله ، وتحريم ما أحلّه الله . والنفي في الخمر كان من باب التعزير الذي يسوغ فيه الاجتهاد . وذلك أن الخمر لم يقدِّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدَّها: لا قَدْرُهُ ولا صفتُهُ ، بل جوّز فيها الضرب بالجريد والنعال ، وأطراف الثياب وعُثْكول النخل . والضرب في حد القذف والزنا إنما يكون بالسوط . وأما العدد في الخمر فقد ضرب الصحابة أربعين ، وضربوا ثمانين . وقد ثبت في الصحيح عن علي ّ رضي الله عنه أنه قال : ((وكُلٌّ سُنَّة )).



موقع فيصل نور
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2015-01-03, 02:46 PM
حجازيه حجازيه غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2014-04-03
المكان: مـكـة الـمـكـرمـة
المشاركات: 1,808
افتراضي

للامانة الرد الأول هو من موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات

http://www.bayanelislam.net/Suspicio...3&value=&type=
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع الأقسام الرئيسية مشاركات المشاركة الاخيرة
فأين رواية الانقلابيين او المنتصرين وهذه روايات المنهزمين موحد مسلم الشيعة والروافض 1 2020-03-13 04:31 PM
القول المبين في فلتات الانزع البطين موحد مسلم الشيعة والروافض 7 2020-03-05 05:41 PM

 link 
*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 يلا شوت 
 شركة تنظيف بالطائف   سحب مجاري   فني صحي   افضل شركة نقل اثاث بجدة   شراء اثاث مستعمل   شركة تنظيف منازل بالرياض   نقل عفش الكويت   pdf help   كورة لايف   koora live   شركة تنظيف في دبي   شركة تنظيف في رأس الخيمة   شركة تنظيف في دبي 24 ساعة   كحل الاثمد   متاجر السعودية   مأذون شرعي   كحل الاثمد الاصلي   تمور المدينة   شركة عزل خزانات بجدة   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج 
شركة صيانة افران بالرياض  كود خصم   سطحة هيدروليك   سطحة بين المدن   سطحة غرب الرياض   سطحة شمال الرياض 
 yalla live   يلا لايف   bein sport 1   كورة لايف   بث مباشر مباريات اليوم   Kora live   yalla shoot   ربح المال من الانترنت 
 translation office near me   كورة سيتي kooracity   مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر   شركة تنظيف منازل بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركه تنظيف بالرياض 
 برنامج ادارة مطاعم فى السعودية   افضل برنامج كاشير سحابي   الفاتورة الإلكترونية فى السعودية   المنيو الالكترونى للمطاعم والكافيهات   افضل برنامج كاشير فى السعودية 
 شركة تنظيف مكيفات بجدة   عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   يلا شوت   يلا شوت   الحلوى العمانية 
 يلا لايف   يلا شوت 
 Yalla shoot   شركة حور كلين للتنظيف 
 تركيب ساندوتش بانل   تركيب مظلات حدائق 
 موقع الشعاع   بيت المعلومات   موقع فكرة   موقع شامل العرب   صقور الخليج   إنتظر 
 شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض   دكتور مخ وأعصاب 
 كشف تسربات المياه   شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة تنظيف منازل بجدة   شركة عزل فوم   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تنظيف مكيفات بخميس مشيط   شركة تنظيف مكيفات بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة كشف تسربات المياه بالدمام   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 
دليل السياح | تقنية تك | بروفيشنال برامج | موقع . كوم | شو ون شو | أفضل كورس سيو أونلاين بالعربي | المشرق كلين | الضمان | Technology News | خدمات منزلية بالسعودية | فور رياض | الحياة لك | كوبون ملكي | اعرف دوت كوم | طبيبك | شركة المدينة الذهبية للخدمات المنزلية

تطوير موقع الموقع لخدمات المواقع الإلكترونية

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd